مركز الصدرين لحوار الحضارات والأديان

 بواكير انبهار المسلمين بالغرب
حسين احمد امين


علاقة معقدة هي علاقة المسلمين بالحضارة الغربية، بدأت بالتحدي ثم اهتزاز الثقة بالنفس ومحاولة تقليدها وانتهت بمحاولة الثورة عليها والبحث عن طريق جديد. فهل يمكن أن يجد المسلمون صيغة صحيحة كي يأخذوا أفضل ما في الحضارة الغربية وأن يستطيعوا النجاة من أزمتها الروحية؟.
كانت الانتصارات الحربية والسياسية التي حققها الإسلام في حقبه التاريخية الأولى، قد غرست في نفوس الشعوب الإسلامية شعوراً من الاطمئنان والرضا عن النفس، لم تر معهما حاجة إلى تقليد ما ابتدعه الغرب منذ بداية عصر نهضته من أسلحة وأدوات ونظم وأفكار، كوسيلة للتصدّي لهذا الغرب ذاته. وقد كانت ذكرى هذه الانتصارات الإسلامية هي أيضاً مما جعل الغرب يتردّد طويلا في شأن الانتقال من طور الدفاع إلى طور الهجوم، خشية أن تتكرر هزائمه في الحروب الصليبية المتتالية غير أنه ما أن أحرز الغرب انتصاره الحاسم عام 1683 م على الأتراك العثمانين المهاجمين عند " فيينا"، حتى بدأ يدرك حقيقة ضعف خصمه، ويتطلع إلى الهجوم المضاد. غير أن هذا الهجوم المضاد تأخر قرابة قرن من الزمان لعدة أسباب منها انشغال الدول الأوربية بتأسيس مستعمرات لها في كل من آسيا والعالم الجديد. فما حلّ عام 1768 م حتى اشتعلت نيران الحرب الروسية التركية التي توالت خلال سنواتها الست الهزائم الساحقة على العثمانين، وبحلول عام 1798 م كانت الحملة الفرنسية على مصر، ثم توالت بعد ذلك هجمات الأوربيين على العالم الإسلامي التي أسفرت عن وقوع جل أقطاره في براثن الاستعمار الغربي.
اهتزاز ثقة المسلمين بأنفسهم
وقد أزعج المسلمين ما منوا به من هزائم على يد مخالفيهم في الدين. وكان أن بدأت ثقتهم بأنفسهم تهتز. بل إن الاعتزاز بالدين نفسه سرعان ما تأثر هو أيضًا لدى الكثيرين. وكان منهم من لم يفهم الهزيمة الحربية على معناها الدنيوي، وإنما عجب لما أصابه من مذلة والقرآن يقول: ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ، ولما حلّ به من هزيمة والقرآن يقول: وكان حقا علينا نصر المؤمنين . ومع ذلك فإنه مما يسرّ لغالبية المسلمين بعد ذلك الإذعان لمختلف مظاهر الحضارة الغربية أمران، الأول: اتخاذ الحضارة الغربية لنفسها إطاراً دنيوياً بحتاً، وإغفال المستعمرين اعتبار الدين بحيث لم يبدُ الأمر في صورة استعباد أهل ملة معينة لأهل ملّة أخرى؟ والثاني: تصديق الغالبية في الأقطار المفتوحة لادعاء الغرب أن حضارته إنما هي حضارة كاملة دائمة، وأن الصورة الدنيوية لها بعد تحررها من ربقة الدين هي الصورة النهائية الناضجة للحضارة بوجه عام، وهي صورة لا يمكن أن يعتورها تدهور أو يصيبها فساد، بل ومن المحتم أن تقود الإنسانية إلى الطريق نحو الوحدة الاجتماعية.
وقد أحدث اتصال العرب الوثيق بالمدنية الغربية، وغزو هذه المدنية لبلادهم، أثراً عميقا في طبقة المسلمين المستنيرين، وفي علاقة أفرادها بما توارثته من نظريات وتقاليد دينية، إذ شعروا بحاجة شديدة ملحة إلى التقريب والملاءمة بين هذه النظريات والتقاليد وبين الأحوال الجديدة التي وجدوا أنفسهم فجأة في ظلها. وقد كان من المؤسف حقًا أن تجيء جهود هؤلاء الساعية إلى التوفيق بين الحياة والفكر الإسلاميين وبين مطالب الحضارة الغربية في الوقت الذي تزعزعت فيه ثقتهم بتراثهم بل وبدينهم، ونظروا إلى المستعمرين نظرتهم إلى أنصاف الآلهة. فلم يكن من الغريب إذن أن تغلب على محاولتهم نزعة عقلية هي نزعة أوربية محضة، وأن يتبنّوا قيما كلها أو جلها من قيم الغربيين المستعمرين. فإن كان هؤلاء المفكرون قد انبروا للدفاع عن الإسلام والإشادة به لصدّ الحملات التي شنّها المسيحيون للطعن فيه حتى لا يقف حائلا دون غزو مدنيتهم (وبضائعهم)، فإنما تركز دفاعهم على إزالة وصمة مناقضة تعاليمه للحضارة، وإثبات مرونة الأحكام والأوضاع الإسلامية، وسهولة تشكّلها حتى تطابق حاجات الجنس البشري في كل زمان ومكان.. وقد اكتشف هؤلاء شبها قوياً بين الإسلام " الحق " وقيم السلف الصالح، وبين القيم الغربية الحديثة. وكان أذكاهم من دعا إلى التفرقة بين معالم الإسلام الأصلية وبين الزيادات التاريخية التي أضيفت إليه عن طريق الإجماع، والتي يسهل التضحية بها في سبيل حاجات المدنية، ومقتضيات العمران، وذهب إلى أنه لا يقف بين المسلمين وبين النهضة غير حوائل زائفة في إمكانهم إزالتها بإصلاح نظام التعليم، وتطهير الإسلام مما علق به من شوائب عبر القرون، وإعادة صياغة العقيدة الدينية على ضوء الفكر الحديث، والعناية بدراسة العلوم الحديثة وتاريخ أوربا للتوصل إلى معرفة سرّ تقدمها.
 

الرئيسية  | موسوعة الصدرين لحوار الأديان |  العودة للصفحة السابقة