موسوعة المصطلحات والمفاهيم || موسوعة الأدب والفنون

تصوير الصراع بين جزيرتين ,جزيرة الورد والجزيرة السوداء
محمد حسن بريغش



تجربة جديدة في قصة «إنهم فتية» للكاتبة سلمى الحوري
قصة جديدة من القصص الإسلامية الهادفة التي تحمل مضموناً واضحاً وتعالج قضية من قضايا الواقع المأساوي الذي يعيشه العالم الإسلامي، إنها قصة «إنهم فتية» للكاتبة «سلمى الحوري»، وهي تتحدث عن موضوع الجهاد، وسلوك السبل الناجحة لمقاومة احتلال أعداء الإسلام لبلاد الإسلام. وكانت الكاتبة واضحة الهدف منذ بداية القصة، تملك التصور الإسلامي الصحيح في نظرتها للحياة، والنشاطات الاجتماعية المختلفة، وتملك الثقافة، بل المعرفة الأصيلة الشرعية لأخلاق الإسلام، وآدابه، وأحكامه.
وكانت أيضاً تطرح موضوعها بثقة وبساطة ووضوح، من دون تردد أمام ما يثار عن الفن وشروطه، أو الاتهامات التي يواجهون بها كل إبداع إسلامي لكي يُخرجوه من ساحة الأدب، أو يفسدوه بما يسمونه الشروط الفنية للقصة، حيث يدخلون إلى هذا الفن آثار الوثنية، أو صور الفساد والعهر الغربي، أو أساليب الشياطين في إفساد الناس، وإغرائهم.
لقد كتبت القصة بعد أن تحررت من هذه المخاوف، وتوجهت بها إلى فطرة الإنسان وعقله، إلى ذوقه الإنساني الذي لم تفسده المدنيات الجاهلية وبذلك أضافت أثراً جديداً في طريق القصة الإسلامية، وإبداعاً جديداً من إبداعات الأدب الإسلامي.
* * *
وتتخلص هذه القصة في تصوير الصراع بين جزيرتين من الجزر: (جزيرة الورد) و (الجزيرة السوداء). جزيرة الورد يدخلها الإسلام، وينتشر فيها بواسطة التجار المسلمين الذين وفدوا إليها، وحملوا دينهم الجديد، سلوكاً وأخلاقاً ومعاملات، فلما رأى أهل هذه الجزيرة هذه الصورة الواقعية، تأثروا بهذا الدين ودخلوا في الإسلام راغبين، وصارت تحكم من قِبَل أمراء مسلمين.
أما الجزيرة الثانية (السوداء) فهي من الجزر التي كانت تعبد بعض مظاهر الطبيعة: كالرعد، والبرق، والنار، والحجارة، والأشجار. ثم صار أهل هذه الجزيرة يعبدون الحيوانات، ولا سيما الديك لأنهم تنبهوا من أصوات الحيوانات التي ضجت وصوتت قبل حدوث أحد الزلازل، مما حدا بالسكان الخروج من بيوتهم، والتنبه لخطر قادم، فلما حدث الزلزال عبدوا هذه الحيوانات ولا سيما الديكة لصياحها المرتفع.
* * *
لقد أصاب جزيرة الورد ما يصيب كل الديار الإسلامية، عندما يتقاعس الناس عن أداء رسالتهم في الحياة، ويهملون أداء الدعوة إلى الله بين مَن حولهمن ثم يغفلون عن الأخطار التي تهددهم من الجاهلية المحيطة بهم، ومن نسيانهم لواجباتهم، وقعودهم عن فريضة الجهاد، وركونهم للحياة الناعمة والدنيا الفاتنة. إضافة إلى مجيء حكام فاسدين، همهم استغلال الحكم لجمع المال، والتمتع بالملذات، متناسين حقوق الناس.
وأدى ذلك إلى ضعف الجزيرة، وتنازع الناس، وظهور الشقاق والخلافات بين الأمراء والحكام. وكان ملك الجزيرة السوداء يراقب الأمر عن كثب، فاستغل هذا الوضع، وناصر الفاسدين الذين كانوا من بطانة السوء وأنصارهم في جزيرة الورد، وهجم جيش الجزيرة السوداء على جزيرة الورد، وعاث فساداً فقتل ودمر، وأحرق كل سفن هذه الجزيرة، وقتل الصالحين، ومنع الناس من إقامة شعائرهم، وأشاع الرعب والفساد، وأخذوا أمير الجزيرة أسيراً، وسجنوه في الجزيرة السوداء.
لم يستسلم الصالحون في جزيرة الورد، بل بقوا على عهد الإيمان في قلوبهم، وقاوموا بالسلاح احتلال جزيرتهم، ثم اختفت هذه المقاومة لكي تنتظر فرصة أخرى، بعد أن اشتدت قبضة المحتلين المفسدين على البلاد.
وهنا ينهض جيل الشباب المؤمن: عامر، وهاني، وأيمن، يتفهمون أوضاع جزيرتهم، ويبدؤون في التخطيط لعودة الإسلام إليها من جديد. كان لابد لهم من رمز يقود هذه المسيرة، لذلك فكروا في استنقاذ الأمير المؤمن (محمود) الذي اقتيد أسيراً، وسجن في قصر ملك الجزيرة السوداء تحت حراسة مشددة، وبمكان سري.
وخطط الشباب الثلاثة بسرية تامة، ومهارة وذكاء، واستعانوا برجل عجوز (صياد)، يعيش بعيداً عن الناس، بعد أن أحرق الأعداء سفينته، ورأى كيف يُنكل بالجزيرة المسلمة وأهله، فبنى بيتاً بجوار الغابة على شاطئ البحر وراح يعيش على ذكريات الأمس، يصيد السمك ويقرأ القرآن.
اتصل الفتيان به، ونشأت بينهم صلة قوية، فعاونهم على صنع سفينة صغيرة، واستطاع بمهارته أن يدربهم على ركوب البحر، للوصول إلى الجزيرة الأخرى بعيداً عن رقابة السلطان الجائر، والملك الكافر، وجنوده المنبثين في كل مكان.
وأبحر الفتيان الثلاثة حتى وصلوا إلى الجزيرة السوداء، وهناك غيروا ملابسهم وأخفوا ملامحهم، وانخرطوا بين العمال، وبدؤوا يعملون، ويتعرفون على معالم المدينة، حتى استطاعوا الوصول إلى قصر الملك، والعمل فيه، بواسطة امرأة عجوز طيبة، وابنتها التي كانت تعمل في مطبخ القصر الملكي. وهناك في القصر تعرفوا على سجن الأمير محمود، وعلى طريقة الوصول إليه، ثم استطاعوا الاتصال به حيث وضعوا رسالة قصيرة تحت آنية الطعام التي ترسل إليه، وبذلك بدأ التخطيط لتخليصه من السجن.
وفي يوم من أعياد هذه الجزيرة حيث يلهو الملك وشعبه بالاحتفالات والمرح، والعبث، والأكل وشرب الخمر، استطاع الفتيان الثلاثة أن ينقذوا الأمير محمود بواسطة صندوق خشبي ويخرجوه من السجن، ثم يبحروا معاً إلى الجزيرة بعد أن دلهم الأمير على خطة ذكية ضللت الأعداء والمطاردين من سفن العدو.
في جزيرة الورد، كان الأمير محمود قد أعد مخبئاً سرياً وضع فيه كثيراً من السلاح والعتاد ليوم من الأيام، ولم يمنعه السجن والقيد، والنفي من الأمل، بل ظلت ثقته بالله قوية، لذلك كان أنصاره المؤمنين ينتظرون إشارة منه للانقضاض على جيش الاحتلال الكافر.
وهكذا رسم الأمير محمود للفتيان خطة محكمة للاتصال بأعوانه وقواده، ولتوزيع السلاح عليهم، والاتفاق على يوم التحرير.
وفي اليوم المحدد انقض جنود الإيمان على الكافر، واحتلوا القصر، وأسروا جند المحتلين، وعادت الجزيرة تنعم بالأمن والسلام.
* * *
هذه القصة على بساطتها ترمز إلى كثير من الأمور التي يحتاجها المسلمون في حياتهم، وتصور الروح الإسلامية التي لا تفقد الأمل والثقة بالله عز وجل، وتصور الشخصية الإسلامية القوية التي يقترن عندها الإيمان بالعمل، والعبادة بالسلوك والمعاملة، الشخصية الواعية، التي تدرك مخططات الأعداء، وتعرف كيف تصل إلى أهدافها بالتخطيط والعمل والصبر والثقة والتعاون. إن كثيراً من المعاني الإسلامية كانت مبثوثة في هذه القصة. وإن كثيراً من القيم الإسلامية تمثلت في شخصيات القصة بل إن الكاتبة أرادت أن تكون قصتها الأدبية متميزة بأسلوبها، وطريقتها، ولذلك لم تتردد في الاستشهاد بالنصوص القرآنية، أو الحديثية في القصة، بل عمدت إلى توثيق هذه النصوص في هامش الصفحات، متجاوزة تلك العقدة التي يتوقف عندها بعض المشتغلين بالأدب، المتتلمذين على الثقافة الغربية، مدعين أن الطريقة المباشرة، أو استخدام مثل هذه النصوص يضر بالفن الأدبي، ويوقعه بالوعظ، وكأن الوعظ خلة مقيتة.
-------------------------
* في القصة الاسلامية المعاصرة


 

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم   || موسوعة الأدب والفنون