موسوعة المصطلحات والمفاهيم || موسوعة الأدب والفنون

الإسلام والشعر
د. جودة عبد الله مصطفى



الإسلام دين ودولة، وهو دين الفطرة السليمة السوية، يقوم على أسس ومبادىء هدفها خير الإنسان وهو بمبادئه القويمة الهادية وفضائله يساعد الإنسان على أن يعيش في مجتمع فاضل متكافل حر كريم، تسوده العزة والرفاهية والكرامة والحب والخير، وهو يحبذ كل ما يساعد على تحقيق هذا الهدف، ويحارب كل ما يهدد هذا البناء الاجتماعي الانساني الفاضل، ولا يمكن أن يقف الإسلام _وهو دين الفطرة _ في وجه الشعر، ومقدرة التعبير الجميل لدى الإنسان، اذ الشعر لون من التعبير الفني الذي لازم الإنسان في مراحل تطوره، فهو نشاط إنساني، لا يوأد ويقتل أو يجهض أو يكبت ولكن يقوم ويسدد ويوجه، ولما كان الانسان مزودا بمجموعة من الغرائز والدوافع التي تساعد على حفظ النوع الإنساني، ولما كانت هذه الغرائز وتلك الدوافع معرضة للانحراف، وبالتالي انحراف الإنسان عن طبعه السوي، وانحراف ما يصدر عنه من سلوك أو تعبير، لا يقف أثره عنده، بل يتعداه الى غيره _كان لابد للاسلام من أن يوجه ويهدي ويسدد الخطأ.
ولما كان الشعر فنا تعبيرياً جميلا مؤثراً، له دوره في الإقناع وفي الإقبال على الشيء عن طريق التصوير المؤثر، ولما كان له دوره الذي لا ينكر في تعبئة المشاعر وتحميس النفوس، واثارة العواطف وبالتالي تحريك الافراد والمجتمعات، ما كان للإسلام أن يتجاهله أو أن يغفل دوره، بل يوجهه ويرسم له الطريق السليم، القويم الواضح، مع التسليم بحاجة الإنسان الى التعبير عما في نفسه والتسليم بطبيعة الإنسان الذي حاول أن يوازن بين حقه، باعتباره فردا حراً، وبين واجبه، باعتباره جزءاً من جماعة لها أعباؤها ومسؤولياتها.
ومن هنا وجدنا الاسلام يحارب الشعر المنحرف، والذي يساعد على الانحراف ويشيع الفساد، ويعبر عن الطبائع غير السوية، ويدغدغ الشهوات، والشعر الذي يصد عن الحق والخير والشرف، وكذلك الذي يقطع الاوصال والارحام، ويفتت المجتمع المتماسك المؤمن ويريد للشعر بجانب ذلك أو قبل ذلك، أن يكون فنا كريما ملتزما بقضايا الانسان النبيل، فنا بناء في خدمة الحق والخير والعدل والمبادىء السامية، الشريفة والصادقة، لا ممتهنا ولا وسيلة كسب أو متاجرة، ويريد له أيضا أن يكون سلاحا في يد المؤمنين وأصحاب العقائد السامية، ويدافعون به، ويتقون كيد ألسنة الاعداء وطعان فصاحتهم، ويريد للشاعر أن يكون حرا مسؤولا، شريفا ومناضلا، عضوا في مجتمع الفضلاء والكرماء، ويريد له كذلك أن يكون مؤمنا صادقا يعيش ويفعل ما يقول، بحيث تكون مسؤوليته نابعة من قلبه ومن ضميره، وليست محض مجاراة باللسان والقلم، والإسلام بجانب هذا الذي أراده للشعر وللشاعر، من الالتزام بقضايا الحق والعدل والخير، لم ينس العواطف الذاتية الخالصة، والمشاعر الفردية الخاصة، وضرورة التعبير عنها، فالإنسان كما هو ابن الجماعة يعبر عن مشاعرها، ويدافع عن كيانها وعقائدها هو _أيضاً _ ابن ذاته يعبر عن عواطفه، ويتغنى بمشاعره، بأفراحه وأحزانه بشرط ألا تكون تلك العواطف منحرفة تشيع الفساد والانحراف في المجتمع، بل لابد من أن تكون تعبيراً عن عواطف نبيلة، في صورة جميلة في غير خروج أو اسفاف.
----------------------------
عمر .. نظرة عصرية جديدة

 

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم   || موسوعة الأدب والفنون