موسوعة المصطلحات والمفاهيم || موسوعة التربية والأخلاق

مفهوم الكتاب السماوي للدين
 د. ناصر باهنر



أ) من وجهة نظر الاسلام:
القرآن هو الكتاب الإلهي للدين الاسلامي وآخر الكتب السماوية، أوحي به عن طريق الملائكة وهو جبرائيل إلى النبي محمد (ص) ليهدي به الناس ويوجههم نحو عبادة الله. فكان جبرائيل يقرأ القرآن بنفس ألفاظه وكلماته على النبي. وكلما نزلت آية على النبي كان يقرأها على الناس فيكتبها وبنفس النص فريق من كُتّابه الثقاة ويجمعونها إلى بعض. كما كانت ثلة كبيرة من المسلمين يحفظون الآيات والسور عن ظهر قلب. وبهذا حافظوا على القرآن وأنقذوه من التحريف.
بما أن القرآن يتسم بخصائص المعجزات على أصعدة مختلفة فإنه يعتبر معجزة نبي الإسلام. وقد حُصّن من التحريف بحسب أدلة عقلية ونقلية، منها: أن المشيئة الإلهية نصت على عدم تعرض القرآن للتغيير على مدى الدهر: (إنا نحن نزّلنا الذكر وإنا له لحافظون) الحجر/ 9.
يتضمن القرآن الكريم (114) سورة أوحيت تدريجياً وفي ظروف مختلفة إلى الرسول الكريم (ص) على مر (23) عاماً من نبوته. ولنا أن نصنف مواضيع القرآن بشكل عام إلى عدة أقسام:
الدعوة إلى التفكير والتأمل في شؤون الكون، القضايا الخاصة بمعرفة الله، المعاد، النبوة، الإمامة، القصص حول الظروف الحساسة من حياة الإنسان، الدعوة إلى الله ونبذ الشرك والنفاق، الواجبات والعبادات، القوانين الاجتماعية، الأخلاق الحميدة والمنبوذة والدعوة إلى التخلق بالأخلاق الحميدة.
وقد تم التعريف بالقرآن بحسب (حديث الثقلين) على أنه الثقل الأكبر الذي يتولى إلى جانب أمانة النبي الثمينة الأخرى (أي العترة) مهمة ارشاد وتوجيه المسلمين إلى يوم القيامة. ولا تحدد العلوم القرآنية بحقبة معينة من الزمن بل وجهت لجميع بني الانسان وفي مختلف الأزمنة بسبب خلفيتها الفطرية.
ب) إدراك الأطفال والمراهقين حول هذا المفهوم
تطرق غولدمان في جزء من تحقيقه إلى دراسة مفهوم الانجيل في الفكر الديني للأطفال والناشئة ومن شأن بعض معطياته التي تحدد بشكل عام مفهوم الكتاب السماوي لدى الأطفال أن تهدينا السبيل في هذه المضمار من التعليم الديني.
وبالنظر لإلهية وسماوية هذا الكتاب فإن جميع الأطفال وفي مختلف المستويات العمرية يتطلعون إليه بنظرات الاحترام باعتباره كتاب مقدس أو متميز يختلف عن سائر الكتب الأخرى. وتنشأ أمية الكتاب الإلهي من وجهة نظر الأطفال الصغار غالباً من مظهره الفيزيائي، أي: الحجم، اللون، نوع الطباعة وكذلك زيادة إمكانية الإفادة منه مما يميزه كما ذكرنا عن بقية الكتب. ويلاحظ هذا الانطباع المحدد للغاية حتى ما بعد التاسعة من العمر بقليل. ثم يقل ضيق هذا المفهوم بإهمال هذه المكونات الفكرية، ويعتبر بحسب فكرهم كتاباً في غاية القدم وأنه الكتاب الوحيد الذي يتسم بصحة مضامينه تماماً أو أنه كتاب يعلمنا مواضيع وأموراً عن الله والنبي. وفي هذه المرحلة تتجه إيضاحات الأطفال، ضمن اتجاهات محدودة، للتركيز على مضمون الكتاب ويحدد الكثيرون منهم سبب أهمية بطابعه التعليمي التوجيهي وأنه كتاب يمكن تعلم مواضيع كثيرة منه. ويستمر هذا الانطباع عن الكتاب السماوي حتى حوالي الثانية عشرة من العمر.
وفي المرحلة التالية يعرّف الأطفال هذا الكتاب باعتباره كتاباً مفيداً للحياة يوجهنا إلى ما ينبغي القيام به وما يتعين تجنبه وأن حجته أبلغ من بقية الكتب ويحتوي دائرة أوسع من العلوم الدينية. يستمر هذا الانطباع حتى حوالي الخامسة عشرة.
وبعد هذه المرحلة يتبلور مفهوم هذا الكتاب على أنه المصدر الأساس لتعاليم الدين وقد أنزل إلى النبي عن طريق الوحي. يستند هذا الرأي إلى أهمية المعنوية ومعانيه الروحية.
يمكن أن نصنف الأطفال بحسب مفهوم ومصداقية الكتاب الإلهي لديهم، إلى ثلاث فئات:
الفئة الأولى (حتى العاشرة من العمر): يفسرون هذه المصداقية بأن (الله أو النبي هو الذي كتب هذا الكتاب) أو (الأبوان أو المعلم قالوا بأن معلومات هذا الكتاب صحيحة). وهذا ما يبثهم الثقة والطمأنينة إزاء محتويات الكتاب فيعمدون لتعلمها.
الفئة الثانية (حتى حوالي الرابعة عشرة من العمر): يحظى هذا الكتاب بانطباع يوحي بصحة مضامينه لدى الأطفال لأنها تعود لله والرسول أو يبدو لهم من سياق كلماته وعباراته بأنها صحيحة ولكنها يعجزون عن تفسير هذا المعنى. ومن التحليلات التي أفصح بها الأطفال: (إن كان في القصص شيء خاطئ أو غير صحيح لم يكن الله يجيز لأي شخص أن يتعلمها) أو (يبدو أن قصصه حقيقية لأن الأماكن التي حدثت فيها هذه القصص واقعية).
الفئة الثالثة (ما بعد الرابعة عشرة): يصادق الأطفال في هذه المرحلة على صحة مضامين الكتاب. ودليلهم على ذلك هو حدوث قصصه على مرأى مجموعة ما فعمد النبي أو كُتّاب الوحي تحت إمرته إلى تسجيل هذه الأحداث إلى جانب مواضع أخرى، أو أن الانسان يذعن لمصداقيته على أساس بقية المصادر المتوفرة والخبرات ومبادئهم الوطنية. وتزداد في هذه المرحلة الرغبة في نقد ودراسة مواضيع هذا الكتاب المقدس.
إن أحد الأهداف التي يرنو التعليم الديني لتحقيقها هو الأخذ بيد الأطفال للتطلع إلى الدين باعتباره خبرة متواصلة ومتكررة تحمل إلى الناس نهجاً للحياة الراهنة يمكنهم أن يبادروا لتحليله بما يتوافق مع قضايا الحياة العصرية ومتطلباتها. ففي غير هذه الحالة تتحدد فاعليته بالأزمنة الغابرة فلا يجد طريقاً إلى حياتنا العصرية. ولهذا تم تدارس هذا المفهوم لديهم وهو: هل من الممكن أن نشهد تكرر وقوع الوقائع الدينية الماضية ومعجزات الأنبياء وفي زماننا الحالي؟ ليتسنى لنا تحديد آراء الأطفال حول تناسب تلك الوقائع والمعجزات مع ظروف الأزمنة السابقة أو إمكانية حدوثها والاستفادة منها في الحياة العصرية.
وفي هذا السياق تم فرز عدة فترات:
الأولى: حتى العاشرة مع العمر العقلي وتحدد فيها الخبرات الدينية التي يتضمنها الكتاب السماوي بالماضي ولا يمكن بحسب رأي هؤلاء الأطفال أن يتكرر حدوثها في الزمان الحالي. وهذه الحالة تحتفظ ببصماتها في فكر الأطفال حتى في السنين التالية أيضاً.
الثانية: حتى الثالثة عشرة من العمر العقلي، وهي مرحلة وسطية يعمد فيها الأطفال لتقديم الإيضاحات حول اختلاف أو تشابه الأزمنة الماضية مع العصر الحالي. يرى بعض هؤلاء الأطفال أن الله يتمتع بالقدرة الكافية لإعادة حدوث الوقائع الدينية السالفة مرة أخرى ولكنه مر يستلزم دواعي وظروف مناسبة. والكثير منهم يرون ن ذلك يسير على الله وسيحدث متى ما شاء هو.
وفي المرحلة التالية أي مرحلة المتوسطة تتعمق واقعية الاتجاه في التفكير بحالات الاختلاف والتشابه بين العصور السالفة والحالية فيرون أن الوقائع الماضية لا تتنافى مع العصر الحالي. وقد تحدث تلك الوقائع ثانية. ويقصدون بذلك أنها ما دامت قد حدثت مرة واحدة فإنها قد تحدث مرة أخرى أيضاً.
هناك عاملان مهمان يحددان، على هذا الصعيد، الوضع الديني للأطفال، وهما:
1 ـ نقائص فكر الأطفال، والتي تحول بعض مستوياتها دون الربط بشكل صحيح بين ظروف الماضي ووقائع الحياة الحالية.
2 ـ نمط التدريس، والذي يوفر إمكانية الربط الصحيح بين خبرات الطفل الشخصية مع التاريخ الماضي للدين أو عدم ارتباطهما.
يرى الأطفال أن الكتاب السماوي هو كلام الله الذي كتبه هو نفسه أو النبي أو بعض أتباعه.
ج) ملاحظتان حول تعليم القرآن:
يتعين خلال مراحل تعليم الدين المتنوعة أن نتطرق بشكل واضح، ومن خلال مواضيع خاصة، إلى القرآن ـ باعتباره مصدراً صحيحاً أوحي به من قبل الله ـ وإلى منحى نزوله بشكل كتاب سماوي على بني الإنسان على أن يتم تدريس هذه المادة في السنين الأخيرة من الابتدائية وكذلك مرحلة المتوسطة لأن التلاميذ يطلعون تدريجياً خلالها على تفاصيل أدق حول الأحداث التاريخية للدين وتتبلور لديهم الحاجة للتوصل إلى تفسير صحيح لما يقرأونه.
والملاحظة الأخرى التي ينبغي الاهتمام بها حول تدريس القرآن، هذا الكتاب السماوي، هو أن يتم التدريس بنحو يحمل التلاميذ على التفكير بالمواضيع المعروضة فيه لا أن يحدد المنهج بنحو يدعوهم لتقبل مضامينه اعتباطياً دون أن يكون لها مرتكز تستند إليه فسرعان ما يؤدي ذلك إلى انهيار هذا الصرح المعنوي لديهم بسبب فقدانه البنى التحتية العقلانية. إذاً، ينبغي أن لا نكتفي بأداء دور القاص عند سرد القصص الدينية بل اجراء دراسة مقارنة لبعض حقائقها ومقاطعها مع الظروف الفعلية ليتسنى للأطفال تدريجياً أن يحطموا طوق نقائص اتجاهاتهم والتحرر منها لنيل العلوم الدينية.

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم   || موسوعة التربية والأخلاق