موسوعة المصطلحات والمفاهيم || موسوعة التربية والأخلاق

كيف نستفيد من العلم؟
فيصل العوامي



هناك مجموعة من الشروط والملاحظات التي لا يسع المحصل إلا الاهتمام بها، فيما إذا كان راغباً في الاستفادة من علمه، وإلا فان مجرد تراكم المعلومات في الدماغ لا يعني شيئاً:
الشرط الأول ـ التزاوج بين العلم والإيمان: فالإيمان بكل ما يحمل في طياته من مفاهيم وقيم كالصدق والإخلاص والوضوح، نقيض النفاق وكثير غيرها، هو المحافظ على سلامة حركة العلم والموجه لمسيرته، ومن دونه يبقى العلم قشراً بلا محتوى نظيف وبذلك تنعدم فوائده الحقيقية التي وجد من أجلها.
لأن الفائدة الأساسية للعلم، قيادة الانسان العالِم إلى الهداية والحق، فإذا لم يحرز العلم هذه الفائدة، أصبح سالباً بانتفاء موضوعه.
وقد نبهتنا الآيات القرآنية مراراً إلى هذه الحقيقة، كما في قوله تعالى: (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين، ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون) الأعراف/ 175-176.
فلأنه اتبع هواه ومال عن الإيمان، أصبح شبيهاً بالكلب في لهثه مهما كان نوع المحمول عليه، وهذا يعني سقوط قيمة العلم الذي يحمله أمثال هؤلاء.. فمع أنه يُعدُّ عالماً بما يحمل من معارف، إلا أن تلك المعارف لم تبلغ به إلى الهداية، فأصبح كأن لا علم له.. وهذا تماماً ما ترجمه رسول الله (ص) في قوله: (مَن ازداد علماً ولم يزدد هدىً، لم يزدد من الله إلا بُعداً).
الشرط الثاني ـ التزاوج بين العلم والعمل: لو تساءلنا بيننا وبين أنفسنا، لماذا نتعلم؟
أللعلم ذاتاً نتعلم، أم العلم طريق إلى مغاير له؟
لو تأملنا في مسيرة كل متعلم، ماذا سنجد: هل يتعلمون العلم لذاته، أم يتخذونه وسيلة إلى غرض آخر؟
لا شك أننا جميعاً سنتفق على القول بأن للعلم ثماراً أساسية، إحداها الهداية، وسبق الحديث عنها، والثانية العمل بذلك العلم، ولهذا جاء في الحديث الشريف عن الإمام علي (ع): (ثمرة العلم العمل به).
فالعمل والإنتاج يحول العلم إلى نظريات متحركة ـ بعكس فيما إذا انفصل العلم عن العمل فإنه يصبح مجرد نظريات وقوالب متجمدة ـ ، وذلك يعني تحول العلم إلى واقع وإلى حياة. وهذا هو الغرض من العلم، أن يتأثر الواقع إيجابياً بالعلم، فإذا بقي الواقع على حاله ولم ينفعل بالعلم، وبقي العلم مخزوناً في الأذهان ولم يتحول إلى قيم متحركة، انتفى غرض العلم وبالتالي أصبح العلم وكأنه لم يكن من الأساس.
يقول الإمام علي (ع): (لا تجعلوا علمكم جهلاً، ويقينكم شكاً، إذا علمتم فاعملوا، وإذا تيقنتم فأقدموا).
إن هذا المعنى نشهده في نصوص قرآنية كثيرة، كلها تنزل الانفصال بين العلم والعمل منزلة الجهل.. كما في قوله تعالى: (مثل الذين حمّلوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين) الجمعة/ 5.
فما قيمة تلك العلوم الثقيلة التي حملها أمثال هؤلاء، لكنهم لم يحملوها ولم يحولوها إلى برامج عملية.. ليس لها ثمة قيمة إلا التشبه بأدنى الحيوانات قيمة ومكانة.. وذلك أن العلم فرغ من محتواه فتحول جهلاً.
الشرط الثالث ـ التزاوج بين العلم والفضائل: لا يوجد ثمة فرق جوهري بين هذا الشرط والشرط الأول، لأن الإيمان بذاته ينادي بالفضائل، بل هو دعاؤه.. والفصل الذي اعتمدته بينهما إنما هو فصل موضوعي فقط، وغرضه الأساسي إبراز المسائل الفضيلية والتأكيد عليها..
وهي تستوعب الكثير من المفردات الوجودية كالتواضع والحلم، والعدمية كعدم الغرور وعدم التكبر وأشباهها. فكل تلك الأمور جميعاً ينبغي أن تكون ملازمة للعلم، ومتجذرة عن الانسان العالم، وغلا انتفت أبهة العلم وجمالياته.
فالعلم إنما هو طريق لتكريس القيم الأخلاقية عند الانسان والمجتمع، فإذا لم يحرز العلم ذلك، كأن اصبح العالم مغروراً بعلمه، واتخذه وسيلة للتباهي والترفع الاختياري المتعمد، والتعالي على الغير سواء كانوا من أبناء صنفه أم من الدائرة الاجتماعية الأوسع.. فإن العلم يصبح آنذاك فاقداً لجماله.. لأن التواضع والحلم زينة العلم وجماله.
يقول رسول الله (ص): (مَن طلب العلم لله لم يصب منه باباً إلا ازداد في نفسه ذالاً، وفي الناس تواضعاً، ولله خوفاً، وفي الدين اجتهاداً، وذلك الذي ينتفع بعلمه فليتعلمه، ومَن طلب العلم للدنيا والمنزلة عند الناس والحظوة عند السلطان لم يصب منه باباً إلا ازداد في نفسه عظمة، وعلى الناس استطالة، وبالله اغتراراً، ومن الدين جفاء، فذلك الذي لا ينتفع بالعلم فليكف وليمسك عن الجمة على نفسه، والندامة والخزي يوم القيامة).
كل ذلك يدلنا على أن العلم ليس مجرد معلومات ووقائع ومفاهيم يطلع عليها الانسان، وإنما هو أوسع من ذلك.. لأن للعلم أمراضاً خطيرة على الانسان والمجتمع، والخلاص منها لا يتم إلا بالتزاوج التام بين العلم وكل من الإيمان والعمل والفضائل.
وأخيراً أن أمراض العلم كثيرة، وتستحق التفصيل المسهب، لأن من طبيعة تلك الأمراض أنها تمويهية، تختفي وراء الأبهة التي يصنعها العلم، ولهذا لابد من فضحها كيما تنال نصيبها من العلاج.
*المصدر : عن ثقافة النهضة

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم   || موسوعة التربية والأخلاق