(إلهي أخرجني من ذل نفسي وطهرني من شكي وشركي قبل حلول رمسي) من
دعاء الإمام الحسين (ع) في عرفة
إن أسوأ حالات الانهيار النفسي، تلك التي لا يشعر فيه المرء
بتفاهته وذلته، لأن هذا الشعور لا يمكن أن يتحقق دون أخذ الهدف
الذي وضعه نصب عينه بنظر الاعتبار. ولهذا فإن أولئك الذي يفتقدون
للهدف في هذه الحياة لا نجد لديهم أي شعور بالسقوط أو الاعتلاء، بل
وليس لديهم (حُسن) و(قُبح). إنهم يعيشون دون أن يفكروا بأي هدف أو
يولوا أهمية لشيء، منصرفين عن الحقائق كافة. إنهم يبحثون فقط عن
فريسة يفترسونها ويشبعون بطونهم منها.
ومن أجل أن لا نبدد عمرنا عبثاً في هذه الحياة، فلابد أن يكون
لدينا هدف. ولكي يتحقق هذا الهدف، علينا أن نسعى في هذا الطريق
ونكافح لنيله. وستكون الذلة والصغار من نصيبنا حينما نقصر في نيل
ذلك الهدف، وننال التكامل والتسامي حينما نتابع ذلك الهدف ونسعى
بجد لتحقيقه.
والشك والارتياب من أسوأ أمراضنا النفسية، لا،ه يدفع النفس
الانسانية للخروج عن طريق الاستقامة والاعتدال. والشك أنواع مختلفة
حسب موضوعه:
فقد يكون موضوع الشك في بعض الأحيان ظاهرة غير جديرة بالاهتمام،
سواء كانت هذه الظاهرة مادية أو معنوية. وفي مثل هذه الحالة لا
يكون مرض الشك شديداً وقاسياً بحيث يشلّ ا لروح ويقعد بها عن أداء
أعمالها العادية.
وقد يكون موضوع الشك من الأمور ذات الصلة بالحياة الانسانية، ويؤدي
استمراره إلى استفحال المرض النفسي حتى أنه قد يعرض الحياة إلى
الخطر.
والشخص الذي يرغب في العيش بهذا العالم عيشاً قائماً على الحسابات،
فليس لديه موضوع أهم من موضوع الخالق المطلق. وإذا ساور الانسان
الواعي الشك في هذا الأمر، فإنه سيصاب بمختلف الأمراض المؤلمة التي
لا تطاق.
أيها الاختيار، يا أجمل اسم يحمل أسمى الحقائق.
يا أدق وسائل تقويم الناس.
البعض يهرب منك، والبعض الآخر يثني على ضرورتك وعظمتك.
وأولئك الذين أدركوا موقعهم الحقيقي، تُزهر قلوبهم منك، كما أن سرّ
حياتنا الصاخبة مودع فيك.
إننا نسحق أعظم أسس شخصيتنا حينما نتجاهلك أثناء محاولتنا التستر
على سلوكنا الحيواني.
إننا في تلك اللحظة التي نفكر فيها في نكران الاختيار، نكون قد
أدركنا الاختيار، وإذا ما أدرك أحدنا الاختيار بشكل كامل، فليس
بامكانه تجاهل الشعور بوجوده، وسيرى في هذه الحالة عدم وجود أي
عامل يقسره على إنكاره ورفضه.
أيها الاختيار!
من العبث أن نحاول صرفك عن أنظارنا من خلال عدة مفردات، أو مصطلحات
مستفادة من عالم الطبيعة، لأنك تحدق للحظات كثيرة في مظهرنا
الداخلي المصطنع وتكشف لنا عن حقيقتنا.
نحن نريد أن ننكرك كي ننكر الحسن والقبح، وننكر الحسن والقبح كي
نتجاهل التكليف ونتهوّر، وسوف لن نملك آنذاك أي دليل لأي مفهوم
قيّم سامٍ حول الناس من تلك المفاهيم التي ملأت الأذهان والكتب.
أيها الاختيار!
إننا حينما نحقق فيك باستخدام المفاهيم والقضايا ذات الظاهر
العقلي، فلا نترك سفسطة إلا ونسجناها من أجل رفضك وإنكارك، ولا
مغالطة إلا واستخدمناها من أجل حجب رؤيتك.
ويكشف الندم والخجل وشيء من الحسرة عن ومضات حياتنا السالفة، ونقول
بصراحة: وا أسفاه!
كم رَقَدتُ ظمآناً إلى جانب النهر
حتى اجتازني ماء الحياة
فنحن نعلم أن لحظات الاختيار الكامل قصيرة.
ونعلم أيضاً أن أغلب أعمالنا محاطة بالاضطرار والإكراه والإجبار
والعادة، إلا أن شخصيتنا قد تعثر خلال تلك اللحظات القصيرة على
ذاتها في ساحة الوجود، وتدرك معناها في عالم المعنى.
*المصدر : على اجنحة الروح