موسوعة المصطلحات والمفاهيم || موسوعة الأسرة

العلاقة الزوجية
د. محمد أحمد خلف الله



في صفوف المرأة اليوم حركة دائبة ونشاط مستمر مصدرهما فيما أرى تلك الرغبة الملحة في مراجعة قانون الأحوال الشخصية وتعديل بعض مواده ... بحيث يجيء بالتعديل محققاً لرغبات المرأة، ومنفذاً إياها من كثير من النصوص التي تجافي العدالة، وتجافي المساواة، وتهز في المرأة كيانها النفسي من حيث إنها تنحط بها عن الرجل درجات في سلم الكرامة الإنسانية.
والمرأة حين تنادي بتعديل قانون الأحوال الشخصية لا تقف عند حدود الضرر الذي يقع عليها، ولا عند ما فيه مصلحتها، وإنما تذهب إلى حيث يقف الرجل فتعاديه، وتدعى عليه أنه الذي قيدها بهذه القيود, وأنه الذي أردها أن تبقى حبيسة هذه النصوص ليفرض عليها سلطانه, ويصرفها أن شاء. وكيف شاء.
فهي تدعى عليه مثلا أنه قد غلبها على أمرها خلال تاريخها الحضاري الطويل، وأنه لانتصاره عليها بقوته البدنية قد حدد لها سبيل الحياة ومناهجها, وأرادها أن تكون حبيسة البيت مقيدة عن أن تنطلق في الحياة.
ولست أجدر رداً على المرأة أبلغ من هذا الرد.
إن المرأة إنما تنسى، أو لعلها تتناسى أن الرجل هو الذي حقق لها كل هذه المكاسب التي تمارس بها الحياة في هذا المجتمع المعاصر. فهو الذي نادى بحريتها وحقق لها هذه الحرية, وهو الذي طالب بمساواتها بالرجل وحقق لها النصيب الأكبر من هذه المساواة, وهو الذي مكنها من ممارسة سلطاتها السياسية, والاقتصادية, والثقافية. إنه الذي وقف إلى جانبها، وأخذ بيدها, وبصرها بما فيه الخير لها في هذه الحياة.
والرجل حين فعل هذا لم يفعله لأن المرأة دعت إليه وطالبت به، وإنما فعله إيمانا منه بفكرة التقدم الحضاري التي تدفعه إلى العمل، وتسدد خطاه في السبل التي سلكها نحو تحقيق التقدم.
يقول الله تعالى: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف}.
وجاء في المنار: _ هذه كلمة جليلة جداً، جمعت على إيجازها ما لا يؤدي بالتفصيل إلا في سفر كبير _ فهي قاعدة كلية ناطقة بأن المرأة مساوية للرجل في جميع الحقوق. إلا أمراً واحداً عبر عنه بقوله {وللرجال عليهن درجة}.
وقد أحال في معرفة ما لهن، وما عليهن، على المعروف بين الناس في معاشراتهم، ومعاملاتهم، في أهليهم. وما يجري عليه عرف الناس _ وهو تابع لشرائعهم، وعقائدهم، وآدابهم وعاداتهم.
هذه الجملة تعطي الرجل ميزاناً يزن به معاملته لزوده في جميع الشئون والأحوال. فإذا همَّ بمطالبتها بأمر من الأمور يتذكر أنه يجب عليه مثله بإزائه. ولهذا قال ابن عباس رضي الله تعالى عنه: "إنني لأتزين لامرأتي كما تتزين لي" وسببه هذه الآية.
فليس من العدل أن يتحكم أحد الصنفين في الآخر ويتخذه عبداً يستذله ويستخدمه في مصالحه _ ولا سيما بعد عقد الزوجية والدخول في الحياة المشتركة التي لا تكون سعيدة إلا باحترام كل من الزوجين الآخر، والقيام بحقوقه...
خاطب الله تعالى النساء بالإيمان، والمعرفة، والأعمال الصالحة، في العبادات والمعاملات _ كما خاطب الرجال. وجعل لهن عليهم مثل ما جعل لهم عليهن. وقرن أسماءهن بأسمائهم، في آيات كثيرة. وبايع النبي (ص) المؤمنات كما بايع المؤمنين، وأمرهن بتعلم الكتاب والحكمة كما أمرهم. وأجمعت الأمة على ما مضى به الكتاب والسنة من أنهن مجزيات على أعمالهن في الدنيا والآخرة...
أفيجوز بعد هذا كله أن يحرمن من العلم بما عليهن من الواجبات والحقوق لربهن، ولبعولتهن، ولأولادهن، ولذي القربى، وللأمة والملة؟..
العلم الإجمالي بما يطلب فعله شرط في توجه النفس إليه _ إذ يستحيل أن تتوجه إلى المجهول المطلق. والعلم التفصيلي به المبين لفائدة فعله، ومضرة تركه، يعد سبباً للعناية بفعله والتوقي من إهماله، فكيف يمكن للنساء أن يؤدينّ تلك الواجبات والحقوق مع الجهل بها إجمالاً وتفصيلا؟.
وكيف تسعد في الدنيا أو الآخرة أمة نصفها كالبهائم لا يؤدي ما يجب عليه لربه، ولا لنفسه، ولا لأهله، ولا للناس. والنصف الآخر قريب من ذلك لأنه لا يؤدي إلا قليلا مما يجب عليه من ذلك، ويترك الباقي...
"والآية تدل على اعتبار العرف في حقوق كل من الزوجين على الآخر _ ما لم يحل العرف حراماً، أو يحرم حلالا، مما عرف بالنص.
والعرف يختلف باختلاف الناس, والأزمنة.
وأما قوله تعالى: {وللرجال عليهن درجة} فهو يوجب على المرأة شيئاً، وعلى الرجل أشياء _ ذلك أن هذه الدرجة درجة الرياسة، والقيام على المصالح المفسرة بقوله تعالى: {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض, وبما أنفقوا من أموالهم} .
فالحياة الزوجية حياة اجتماعية، ولابد لكل اجتماع من رئيس يرجع إلى رأيه في الخلاف _ لئلا يعمل كل ضد الآخر فتنفصم عروة الوحدة الجامعة ويختل النظام.
والرجل أحق بالرياسة لأنه أعلم بالمصلحة، وأقدر على التنفيذ بقوته وماله ومن ثم كان هو المطالب شرعا بحماية المرأة والنفقة عليها، وكانت هي مطالبة بطاعته في المعروف _ فإن نشزت عن طاعته كان له تأديبها...
ويجوز ذلك لرئيس البيت لأجل مصلحة العشيرة وحسن العشرة _ كما يجوز مثله لقائد الجيش, ولرئيس الأمة ولمصلحة الجماعة...
وأما الاعتداء على النساء لأجل التحكم، أو التشفي، أو شفاء الغيظ، فهو من الظلم الذي لا يجوز بحال.
قال (ص): _
كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته:
فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته:
والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته
والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها.
وكما جعل الله الطلاق للرجل _ لأنه حرص على عصمة الزوجية لما تكفله من النفقة، ولأنه أبعد عن طاعة الانفعال العارض. جعل للمرأة حق الفسخ إذا لم يف بحقوقها من النفقة والأحصان".
ومبدأ العدل في العلاقات الزوجية هو الذي دعا بعض الناس إلى القول بتحريم تعدد الزوجات.
جاء في المنار: _ يظن بعض الميالين إلى منع الزوجات أنه يمكن أن يستنبط من هذه الآية {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم} وأية {فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة} أن التعدد غير جائز لأن من خاف عدم العدل لا يجوز له أن يزيد على الواحدة.
وقد أخبر الله تعالى أن العدل غير مستطاع. وخبره حق لا يمكن لأحد بعده أن يعتقد أنه يمكن العدل بين النساء. فعدم العدل صار أمراً يقيناً.
ويكفي في تحريم التعدد أن يخاف عدم العدل _ بأن يظنه ظناً، فكيف إذا اعتقد يقيناً...
إن العدل والمساواة هما القيمتان الاجتماعيتان اللتان يقيم بهما القرآن العلاقة الزوجية، وليس من حق أحد الزوجين أن يمارس حياته الزوجية بعيداً عنهما.
إنه إن يفعل يكن _ كما قرر الأستاذ الإمام من قبل _ ظالماً لنفسه، ولامرأته ولأولاده، ولأسرته, ولأمته، ولدينه.
وفقنا الله إلى الخير.
---------------------------
عن ( القرآن ومشكلات حياتنا المعاصرة )


 

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم   || موسوعة الأسرة