موسوعة المصطلحات والمفاهيم || موسوعة الأسرة

عن التنظيم العائلي في الإسلام
د. عباس مكي



نورد أهم ما جاء في مقال أحمد الحاج عيّاد، واعظ ولاية المهدية بتونس حول قضية الإجهاض، وهي القضية التي تعتبر من أهم منجزات التنظيم العائلي في تونس ومن أهم ما جاء به نظام الرئيس بورقيبة:
حول موقف الدين من التنظيم العائلي يقول: إنه يدعو إلى التنظيم خاصة في إطار الأحوال الشخصية على شكل حقوق وواجبات، وهدف ذلك نشر الحب بين أفراد الأسرة، والاهتمام بالتربية. والحكم الشرعي الاسلامي في موضوع تنظيم الأسرة يعتمد على الاجتهاد أكثر من النصوص إذ لم تكن مشكلة تضخم السكان من المشكلات التي وجدت في صدر الاسلام ولا في عهد التشيع، وقد عرضت قضية تنظيم الأسرة تحديد النسل في الاسلام منذ عهد الصحابة تحت عنوان العزل الذي كان الوسيلة السهلة المستعملة لمنع الحمل. والسؤال المطروح هو التالي: هل يجوز منع الحمل في حالات خاصة أم على العموم دون قيد؟ وهذا الطرح يبرر إسلامياً برأيه نشاطات التنظيم العائلي.
وفي تفصيل ذلك يورد الواعظ النقاط التالية:
مَن له حق الولد؟
اختلفت وجهات نظر العلماء في هذه القضية كالتالي:
ـ يرى الإمام الغزالي أن الولد حق للوالد وحده ... وبذلك فمنع الحمل عنده مباح (الغزالي شافعي المذهب).
ـ يرى الأحناف أن الولد حق للوالدين معاً وعندهم أن منع الحمل مباح شريطة أن تذهب فيه الزوجة لإشراكها في حق الولد.
ـ يرى الشافعية والحنابلة والجمهور من المذاهب الأخرى أن في الولد حقاً مشتركاً بين الأمة ووالدين ولكن حق الوالدين أقوى وأعلى مرتبة. ومن ثم فمنع الحمل مكروه نظراً لحق الأمة فيه.
ـ يرى بعض علماء الحديث كابن حيان وابن حزم أن الولد حق مشترك بين الوالدين والأمة، إلا أن حق الأمة فيه أقوى من حق الوالدين ... ورأوا أن في العزل قطع النسل المطلوب شرعاً من الزواج.
وعن العزل يذكر الواعظ ما يلي:
ـ يرى الأحناف أن منع الحمل عن طريق العزل مباح بشرط أن تأذن فيه الزوجة.
ـ يرى الحنابلة إباحة العزل في ذاته وهو يتوقف على رضى الزوجة واستئذانها.
(يقول ابن قدامى الحنبلي في كتابه المغني، العزل مكروه لأن فيه تقليل النسل وقطع اللذة عن الموطوءة، إلا أن يكون لحاجة).
ـ أما المالكية فإنهم يقولون بجواز العزل لمنع الحمل بعد إذن الزوجة في ذلك.
ـ أما الغزالي فيرى أن العزل مباح.
وقد أجاز الفقهاء في أعقاب العصور الإسلامية عملية خياطة رحم المرأة واعتبروا ذلك مماثلاً للعزل. فقد جاء عنهم بخصوص ذلك قولهم: «يجوز للمرأة سد فم رحمها». (ابن عابدين، الجزء الثاني صفحة 389).
وعن الإجهاض يورد الواعظ ما يلي:
في ما يتعلق بإسقاط الحمل بعد نفخ الروح فيه (أي بعد مضي 4 أشهر على تكوينه) فقد أجمع الفقهاء على تحريم إسقاطه.
وأما قبل نفخ الروح في الحمل فقد اختلفوا في حكم إسقاطه على الشكل التالي:
ـ الأحناف يحددون الفترة التي يحل فيها الإجهاض بمئة وعشرين يوماً.
ـ المالكية يحرمون ذلك بعد الأربعين يوماً.
ـ الشافعية اختلفوا في ذلك. وأما الغزالي فإنه يرى في ذلك جناية على وجود حاصل، ورد في التقرير النهائي الذي أقره المؤتمر الإسلامي المنعقد في الرباط من 24 إلى 29 ديسمبر 1971 للنظر في قضية الإسلام وتنظيم الأسرة، الجزء الثاني صفحة 519 ما يلي:
«وفي أمر الإجهاض الذي هو إفراغ الحمل من الرحم بقصد التخلص منه استعرض لضرورة ملحة صيانة لحياة الأم. أما قبل ذلك فرغم وجود آراء فقهية متعددة فإن النظر الصحيح يتجه إلى منعه في أي دور من أدوار الحمل إلا للضرورة الشخصية القصوى صيانة لحياة الأم أو يأساً من حياة الجنين».
وهكذا فإن الذي نستخلصه من هذا العرض الموجز هو أنه يجوز الأخذ بالوسائل المشروعة لتنظيم الأسرة قياساً على العزل إذا كان هناك سبب يدعو إليه صحياً كان أم اقتصادياً.
هذا التنظيم لا يكون إلا باختيار الناس واقتناعهم وفي حدود ظروفهم الحياتية أي بنسبة تعادل الضرر جرياً على القاعدة القائلة: «الضرر مدفوع بقدر الإمكان»، أما أن يصبح هذا التنظيم إجبارياً خاضعاً لقانون صارم موحد يؤخذ به الجميع في مختلف الأزمنة الأمكنة، وبدون قيود تحدده فذلك ما لا تبيحه الشريعة، لأن طبيعة الحياة تأبى ذلك نظراً لكون محبة النسل مغروسة في الطباع ولا يمكن بحال تغيير تلك الطبيعة أم تعميم الرغبة في تقليلها، أو العمل على قطعها كما تأبى طبيعة الحياة من جهة أخرى منع الحمل وتعطيل الإنجاب لمجرد الحفاظ على الجمال والرشاقة والمتعة الجنسية خلافاً لما يراه الغزالي.
إن المتعة الجنسية والجمال وما إليها من قضايا شخصية لا تأخذ المكانة الأولى في قضايا تنظيم الأسرة.
فقد صرّح أحد الأطباء في حديث له بأن الطب لا يقر بحال تحديد النسل لإمتاع النفس والجسم وإطلاق الحرية للسيدات في الرياضة والسفر والألعاب. وإذا كان الطب ـ وهو المبين على الصحة والقوة والضعف ـ لا يقر هذا، فالشريعة الإسلامية ذات المبادئ السامية أشد منعاً لفكرة منع الحمل لهذه الأغراض، وذلك لأنها تبني أحكامها في هذه الدائرة ونحوها على ما يراه الطب.
ثم إن الشريعة الإسلامية السمحة في الوقت الذي نجدها لا تقيم وزناً للكثرة الهزيلة الحقيرة نراها في الآن نفسه تطلب كثرة سليمة في عددها ممتازة في عدتها، ولا سبيل إلى تحقيق هذه الكثرة المثالية من حيث كمها وكيفها إلا بتنظيم النسل تنظيماً محكماً، يحفظ له قوته ونشاطه ويحفظ للأمة كثرتها ونماءها. ويمكن أن يكون أساس هذا التنظيم المنشود على النحو التالي:
ـ تنظيم المباعدة الزمنية بين حمل وآخر. أي العمل على منع الحمل منعاً مؤقتاً يمكن الأم من إرضاع الولد إرضاعاً كاملاً نقياً، وقد حدد القرآن الكريم المدة القصوى الاختيارية لهذا الرضاع بحولين كاملين.
ـ العمل على منع الحمل بين الزوجين منعاً باتاً إذا كان بهما أو بأحدهما داء عضال لا يريج برؤه، ومن شأنه أن يتعدى إلى النسل فيفتك به.
وهكذا نرى في النهاية أن الهدف ليس سعادة المرأة وحريتها بذاتها وإنما الهدف هو اقتصادي في الأساس والواعظ يحاول أن يوفّق بين منطق الدين ومنطق السلطة الدنيوية في تونس، وبصرف النظر عن موقفنا من كل ما يذهب إليه في هذا المجال فإننا لا نرى حيزاً متقدماً لمكانة المرأة في هذا المنطق التقويمي التوفيقي. وهذا المنطق هو الذي يطغى على عمل الحركة النسائية في تونس.
ولابدّ من الإشارة أخيراً إلى أن حركة التفسير والاجتهاد والتحليل للنص الديني في تونس قد تطورت كثيراً بحيث إنها تحاول أن تجد تبريراً فقهياً لعملية اقتباس بعض جوانب السلوك اليومي من أنماط السلوك الأوروبية. وعلى هذا فإن إشكالية المرأة التونسية تظهر ثنائية الجانب: إنها جزء من مشكلة المرأة في العالم الأوروبي (تحرر وشخصاني وعيادي). وهنا يكمن المأزق أي في التوفيق بين الموقفين. ونحن في ملاحظاتنا هذه لا نصدر عن نقد سلبي لهذه التجربة ... بل نرى أنها إيجابية في المسار العام حيث إنها تدفع الحركية الاجتماعية إلى الأمام. ولكننا نرى أن العمل النسائي التونسي بحاجة ماسة إلى حل الإشكالية التوفيقية المشار إليها بشكل واضح وثابت يبحث عن الأصالة ولكنه لا يخاف التجديد حتى ولو تناقض التجديد موضوعياً مع شيء من الأصالة.
------------------------------
* الطاقات النسائية العربية


 

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم   || موسوعة الأسرة