موسوعة المصطلحات والمفاهيم || موسوعة الإعلام والتبليغ

المثقف والدور المطلوب
* عبدالعال سعود



.. هاهي الحقبة الماضية توشك على الانقراض .. وها نحن نقترب من مرحلة جديدة، تكاد تتسم بقدر كبير من الواقعية والتجرد عن كل الاعتبارات الموروثة التي كانت ـ ولا تزال ـ ذيولها حاكمة على أفكارنا وطبائعنا، ومشاعرنا .. وباختصار .. التجرد من عالم (الهيولا) والاقتراب نحو (الواقع).
إذ بات واضحاً .. أن نمط التفكير أخذ يسير نحو الرشد، وبشائر ذلك نراها بجلاء في ممارسات الانسان في مجتمعنا، وعلى كافة الصعد .. وهذا التحليل إنما يدعو العقلاء منا، وفي طليعتهم رجال الإصلاح، إلى النظر ـ وبجد ـ إلى تداعيات المرحلة المقبلة، ومحاولة التأثير فيها.
إذ أن الوظفية الاجتماعية الموكولة للمثقف، ينبغي أن تلعب دوراً إبداعياً ملحوظاً في عملية التغيير. على أن وظيفة المثقف لا تقتصر على دوره المباشر مع الناس، وإنما المساهمة الفعالة أيضاً مع تداعيات هذا الدور مع القوى الأخرى ذات التأثير والقرار.
إن ممارسة عملية الإصلاح والتغيير، على هذا النحو، يعتبر مساهمة حقيقية في سبيل ايجاد حل جذري للمشكل الاجتماعي من جهة، وخلق أرضية اجتماعية واعية تتفاعل والمتغيرات المتطورة من جهة أخرى.
ومن أجل أن يحقق المثقف هذه المكانة المرجوة .. نشير إلى النقاط التالية التي تشكل الأرضية الصلبة له:
1 ـ المتابعة المستمرة للمتغيرات المؤثرة، والحوادث الجارية، وعلى كافة الصعد. إذ أن المتابعة النشطة، تجعل من المثقف قادراً على فهم الواقع، يستطيع من خلاله أن يعطي رؤية ناضجة تتناسب، وما يجري على الأرض.
وإنما تتسع الفجوة بين ما يجري في الواقع، وبين فهم المثقف له، بسبب محدودية المتابعة، وضعف أدواته التحليلية، لاقتصارها على سبل محدودة في طريقة العلاج. بينما لا يمكن فصل المؤثرات السياسية في حياة الناس ـ مثلاً ـ عن حياتهم الاجتماعية .. وهكذا مع بقية المؤثرات الأخرى ..
وإلا كيف نفسر هذا الحشد الهائل من الوقائع والأمثلة التي تفصح عن إنهيار كبير في القيم، بالرغم من تنامي الوعي، وازدياد رجالات الإصلاح في المجتمع.
إذاً، الاعتراف بهذا الأمر، يتطلب إعادة نظر (جادة) في كثير من المسلمات التي اعتاد رجال الثقافة الاقتصار عليها، والأخذ بعين الاعتبار، والتفاعل مع المؤثرات الأخرى.
لذلك يجب ن يصيغ رجل الثقافة فكره، وعطاءه مع حركة الواقع بكل أبعادها وتطوراتها.
2 ـ عدم التأثير أو التأثر بأشكال الصراع الداخلي.
لا شك أن للصراعات الداخلية، أثراً سلبياً على وحدة المجتمع ومستقبله وهكذا، في كل صراع داخلي، فحين يؤكد القرآن الكريم أهمية حالة الصراع بين مختلف الأديان، لضمان بقاءها، يشير إلى ن الصراع ضمن الطائفة الواحدة، يعتبر أخطر العوامل لتمزقها، وضعفها .. فيقول: (بأسهم ((بينهم)) شديد).
وإذا تتبعنا التاريخ الحديث للمجتمع العربي، نجد أن لهذا العامل أثره، في ضعف مستوى التلاحم بين أبنائه، حتى لقد أصبح الصراع ـ وفي كثير من الأحيان ـ أحد المصادر الثقافية والتربوية، تتغذى به أفراد كل جماعة ضد الأخرى ..
وما أكثر الأفراد الذين نجدهم خاوين من أدنى مستوىً ثقافي، لكنهم مسلحين، وبكل صلافة، بالعصبيات والنعرات، ونفسية إلغاء الآخرين. حتى لقد أخذت ـ وبنسبة معينة ـ هذه الروح مداها في الحياة الاجتماعية العامة، وانعكست على علاقات الناس فيما بينهم.
ومما يؤسف له، أن نرى هذه الصراعات، مرتبطةً بمن يفترض فيهم أن يكونوا أحد أهم أسباب القضاء عليها في المجتمع.
3 ـ بناء الكفاءة الواعية:
إذ أن هنالك فرقاً واضحاً بين الكفاءة، ووعي الكفاءة .. إذ كل صاحب تخصص معين يعد كفاءةً، بينما قد لا تكون هذه الكفاءة واعية، وإنما تكون الكفاءة واعية حينما تمارس نشاطها. ولذلك، نرى أفراداً يمارسون أنشطة واعية دون أن يوسموا بكفاءة أو تخصص معين، والعكس أيضاً.
وباختصار، الكفاءة الواعية هي التي تفسر معارفها عملياً بما يخدم الواقع الذي تعيش فيه.
فالكثير من أصحاب الكفاءات ـ مع الأسف ـ ينظرون إلى الواقع بعين حولاء، فهم إما أن يغرفوا من التراث في معالجاتهم للواقع، وكأن الواقع هو دائماً نسخة طبق الأصل للماضي، أو يستوردون الخطط الجاهزة من الخارج، ولا يكلفون عقولهم معرفة الواقع بخصائصه وظروفه .. وهذا النسق من التعامل شمل أغلب المعنيين بشؤون الحياة من اجتماعيين وسياسيين وغيرهم .. وهو إنما يدل على خطأ واضح في معايير الثقافة.
* المصدر : مجلة الكلمة /1994م


 

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم   || موسوعة الإعلام والتبليغ