موسوعة المصطلحات والمفاهيم || موسوعة الإعلام والتبليغ

بين " الغزو " و " التفاعل "
د. عبد القادر طاش



كيف نواجه هذا اتغريب الثقافي , وما الدور المطلوب من وسائل الاعلام العربية والاسلامية للاسهام في هذه المواجهة؟ وكيف يتحقق هذا الدور في الواقع ؟ وما متطلباته وشروط تحققه ؟ تلك هي الاسئلة لملحة التي ينبغي الاجابة عنها او محاولة الاجابة عنها لكي لا نكون دائما في موقع المشتكي المغلوب على امره , بل ننتقل - برغم ما قد نواجه من صعوبات وعقبات - الى موقع المشخص للداء والباحث عنتصور نظري وعملي للعلاج حتى وان كان ذلك العلاج صعب التحقيق او ربما حلماً لا تسعفنا معطيات الواقع الردئ على تحويله الى انجاز نفرح به .
وقبل الحديث عن دور الاعلام الاسلامي في مواجهة التغريب الثقافي يحسن بنا ان نقف لحظة عند نقطتين هامتين , اولهما تتعلق بما قد يطرأ على بعض الاذهان من ان حديثنا عن خطورة التغريب وضرورة مواجهته تعني بالضرورة رفضنا لحضارة الغرب جملة وتفصيلا , او اننا ندعوا الى الانغلاق والانكفاء الثقافي . ان مثل هذا الظن انما ينشأ من الخلط بين مفهوم عدوان او غزو ثقافة لثقافة اخرى , ومفهوم التفاعل بين الثقافات , مع ان الفرق بينهما شاسع , فعدوان ثقافة لثقافة اخرى دافعة احتقار الاخر والشعور بالتفوق عليه ومنطقه الجبر والفرض , ونتيجته الهيمنة والسيطرة . اما التفاعل بين الثقافات فيكون بين طرفين متكافئين او يحترم كل منهما الاخر على اقل تقدير , ومنطقه الاختيار الحر والقبول عن اقتناع , ونتيجته اثراء الطرفين معا , ولا ريب ان العدروان مرفوض , اما التفاعل فهو مطلوب . فهل يمكن وصف ما يحصل الان بين الثقافة الغربية المهيمنة وبين الثقافات الاخرى بانه تفاعل حضاري يقوم على الاختيار الحر والقبول عن اقتناع ام هو عدوان وغزو ثقافي ؟
أما النقطة الاخرى فهي تتعلق بحق كل امة في المحافظة على هويتها الثقافية والدفاع عنها ورد عدوان الثقافات الاخرى عليها . وهو حق مكفول في شرائع الاديان وفي تنظيمات القانون الدولي . ولقد كان الاسلام اكثر الاديان حرصاً على عدم الاعتداء على ثقافات الاخرين , بل اسهم الاسلام في رعاية وحفظ تلك الثقافات في ظلال حضارته المتسامحة وتمثلت ذروة هذا التسامح في عدم اكراه الاخرين على تغيير اديانهم واقرار المبدأ الخالد بأنه ( لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي .. )
واذا كان لكل امة الحق في ان تحافظ على هويتها الثقافية وتدفع عنها عدوان الثقافات الاخرى , فأن الامة العربية الاسلامية اولى الامم بهذا الحق , لأنها مؤتمنة على ثقافة انسانية حقيقية , فالثقافة الاسلامية _ بما تتضمنه من مبادئ ثابتة وقيم انسانية وأسس عامة لاسعاد الانسان _ هي الثقافة القادرة على حل مشكلات الانسانية المعاصرة فهي _ اذا _ ملك للبشرية كلها وليست محدودة النطاق . وليس في هذا الاعتقاد تعصب للثقافة الاسلامية ولا يمكن وصفها بانها عنصرية , كما هو الحال بالنسبة لرؤية الغربيين لثقافتهم , ذلك ان مبادئ الثقافة الاسلامية وقيمها ليست من وضع المسلمين بل هي وحي الهي , في حين ان الحضارة الغربية نتاج بشري وضعي , وقد عبر الروائي الروسي " الكسندر سولجنتسين " عن حاجة البشرية الى ثقافة ذات سلطة اعلى من سلطة الانسان فقال : " ان الطريقة الوحيدة نحو تصحيح المسار المادي المنحرف للانسان الغربي المعاصر هي عودة الانسان الى الايمان بقوة مهيمنة على مصير الانسان هي التي تحدد مصير الانسان وهي التي تحدد له قيمه ومسؤولياته الاخلاقية والاجتماعية . وكذلك الايمان بوجود قيم اخلاقية عالمية وموضوعية شاملة لكل البشر , وهي تعلو على كل اعتبارات الحرية الفردية التي لا تحدها حدود " . فهل يمكن ان تتوافر هذه الخصائص السابقة في غير الثقافة الاسلامية ؟ ومن هنا نؤكد على ان المحافظة على الثقافة الاسلامية ورد عدوان الثقافات الاخرى عليها ومقاومة الغزو الثقافي الذي يستهدفها ضرورة انسانية وليست مجرد حاجة وطنية او قومية , وذلك لأن تحجيم الثقافة الاسلامية او اضعافها يعد خسارة للانسانية كلها وليس للمسلمين وحدهم .
الاعلام وقضايا الواقع الاسلامي


 

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم   || موسوعة الإعلام والتبليغ