موسوعة المصطلحات والمفاهيم || موسوعة الإعلام والتبليغ

المحنة في حياة الدعوة والداعية
فتحي يكن
 


تكاد تكون المحنة من الظواهر الملازمة للحركة الإسلامية قديمًا وحديثًا؛ فالإسلام دعوة على مظاهر الحياة الجاهلية في كل صورها وأشكالها .. وهذه الخاصة التي يمتاز بها الإسلام، جعلت الحركة الإسلامية أكثر تعرضًا للمحن، وبالتالي جعلت المحنة لديها ذات مفهوم خاص لا يشاركها فيه سواها من الحركات الحزبية والسياسية .
المحنة تربية وتمحيص: فالمحنة من أهم عوامل التكوين والاختيار في الإسلام .. وقد لا يكون للتكوين النظري قيمة ما لم تشترك فيه عوامل الشدة والبلاء. والإيمان نفسه بحاجة إلى المحنة؛ لسبر غوره وإدراك مداه، فالإيمان القوي الراسخ هو الذي يصمد في ساعة العسرة . أما الإيمان السقيم العليل فسرعان ما تكشفه المحن وتصدعه، وصدق الله تعالى حيث يقول:} وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ ءَامَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ[10]وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ[11] { "سورة العنكبوت" .
صور من محن الأولين :
قضت سنة الله .. أن يكون الحق في صراع أبدي مع الباطل:} وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا[19] { "سورة الجن" ... } يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ[8] {"سورة الصف" . ومنذ ولد الخير ووجد الشر، والصراع عنيف ومخيف بينهما، والحقيقة التي تتكرر باستمرار هي أن الحق دائمًا في انتصار، وأن الباطل دائمًا في انتحار :} وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ[171]إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ[172]وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ[173] {"سورة الصافات".
المحنة في حياة إبراهيم عليه السلام : لم تكن المحنة التي تعرض لها خليل الرحمن إلا إحدى حلقات الصراع، الممتدة عبر القرون .. والتي تؤكد على الزمن غلبة أهل الحق وهزيمة أهل الباطل.
نشأ إبراهيم عليه السلام في مجتمع جاهلي، وأبت الفطرة السليمة مجاراة التيار، والانسياق مع الرأي العام، وصمم إبراهيم صلى الله عليه وسلم على التصدي للجاهلية.
وتبدأ المحنة في حياة هذا الفرد.. فرد يمتطي صهوة الحق وحيدًا .. ويعلن على الملأ إيمانه بالله وكفره بما يعبدون من دونه .. } قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ[75]أَنْتُمْ وَءَابَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ[76]فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ[77] {"سورة الشعراء".
ويجدر بالداعية أن يقف هنا مليًا، يستشعر عظمة الإيمان الذي اعتمر به قلب إبراهيم .. إنه وحيد ليس وراءه جماعة ولا أنصار، ومنبوذ حتى من ذوي القرابة والوالدين .
وتشتد المحنة على إبراهيم، ويلقى في النار .. والرسول الممتحن يصغي إلى نداء الله، وهو في حمأة اللهب المستعر:} يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ[69]وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ[70]وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ[71] {"سورة الأنبياء".
وتمضي قصة المحنة التي تعرض لها أبو الأنبياء ترسم لأهل الحق صورًا شتى من صور الرجولة والبطولة.
المحنة في حياة موسى عليه السلام : وحياة موسى عليه السلام لم تكن غير سلسلة من المآسي والآلام، بل إن المحنة رافقت موسى رضيعًا تتقاذفه الأمواج، وشبت معه فتى يانعًا هاربًا من بطش فرعون .. وزاد حياته محنة على محنة تعرضه لنقمة فرعون من جهة، ولإيذاء قومه وسفههم من جهة أخرى.. ويمضي موسى في طريقه حاملاً كل التبعات .. وفي فترة من فترات الضعف البشري يُحس موسى بالوجل والخوف يختلجان في صدره وهو في قلب المعركة .. ولكن السماء سرعان ما تتداركه بالمدد:} فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى[67]قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى[68]وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى[69] {"سورة طه" ويخرج موسى من هذه التجارب أصلب عودًا وأشد صمودًا.
المحنة في حياة عيسى عليه السلام : مما لا ريب فيه أن عيسى عليه السلام كان يتمتع بطاقة ضخمة من الصبر والاحتمال .. ومما زاد في قسوة الظروف التي أحاطت به وبنشأته، أنه واجه في ماضي مولده ألوان الشكوك .. كما واجه في حاضر دعوته ضروب العنت والتمرد .. ويكفي لكي نقدر مدى ما وصل إليه العنف والتمرد أن نعرف أن المعجزات التي بلغت على يدي عيسى حدًا كبيرًا لم يكن لها ذلك الأثر المنتظر في استمالة النفوس وتأليف القلوب.. ولكن عيسى عليه السلام .. كان يؤمن بأنه رسول .. وأن عليه البلاغ المبين. وكان طيب النفس حليمًا .
حاول اليهود أن يخفقوا من أثر دعوته وأن يخفوا عن الناس أمره .. ولما أعيت الحيلة أهل الباطل .. ائتمروا به ليقتلوه .. أما عيسى روح الله .. فقد كانت عين الله تحرسه وترعاه .. فلما همّ القوم بما دفعهم إليه حقدهم الأسود..
وقع تحت أيديهم رجل شديد الشبه به، فقتلوه وهم يحسبون أنهم قتلوا عيسى:} وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا[157]بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا[158] {"سورة النساء".
محنة الإسلام في عهد النبوة :
كان الإسلام ثورة على الجاهلية من أول يوم .. ثورة استهدفت نسف القواعد التي قام عليها المجتمع الجاهلي، فليس من طبيعة الإسلام أن يهادن الأوضاع الخربة، أو يعمد إلى ترميمها وإصلاحها، وإنما يعتمد سياسة الهدم والبناء .. هدم الجاهلية بكل مرافقها، وبناء الحياة الإسلامية بجميع مقتضياتها. وإذا كانت هذه طبيعة الدعوة التي نهض بها النبي صلى الله عليه وسلم، فبديهي أن تستأسد قوى الجاهلية وتستميت في الدفاع عن كيانها المهدد بالنسف والدمار.
حرب الأعصاب : تفنن أهل الجاهلية في حرب النبي صلى الله عليه وسلم، وابتكروا كل جديد لضرب الإسلام، وحشدوا كل قواهم لعرقلة المسيرة القرآنية، فعمدوا أولاً: إلى أسلوب نفسي خسيس يستهدف تدمير أعصاب الرسول صلى الله عليه وسلم، والقضاء على روحه المعنوية العالية، وشنوا لذلك حملات عنيفة من السخرية والاستهزاء عرض لها القرآن الكريم في أكثر من موضع:} وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا[90]أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا[91]أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا[92]أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ ...[93] {"سورة الإسراء".
وعندما فشلت هذه الأساليب الرخيصة عمد المشركون إلى اختلاق الشائعات والتهم على رسول الله، وبثوها في كل الأوساط؛ ليضعفوا الثقة به وليصدوا عن سبيل الله:} وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ[46] {"سورة إبراهيم". وكانت المحنة على ضراوتها وقسوتها لا تزيده صلى الله عليه وسلم إلا صلابة وتصميمًا ..
تعرض وإيذاء ومحاولات اغتيال : ولما يئسوا من الحرب النفسية، وحرب الأعصاب، وحرب الشائعات .. لجأوا إلى الحرب الحسية ينالون بها من دعاة الإسلام..
ويجتمع سادة قريش يومًا في [الحجر] ويذكرون محمدًا وتحديه السافر لمقدساتهم .. فَقَالُوا: مَا رَأَيْنَا مِثْلَ مَا صَبَرْنَا عَلَيْهِ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ قَطُّ سَفَّهَ أَحْلَامَنَا وَشَتَمَ آبَاءَنَا وَعَابَ دِينَنَا وَفَرَّقَ جَمَاعَتَنَا وَسَبَّ آلِهَتَنَا لَقَدْ صَبَرْنَا مِنْهُ عَلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ طَلَعَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَثَبُوا إِلَيْهِ وَثْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَأَحَاطُوا بِهِ يَقُولُونَ لَهُ أَنْتَ الَّذِي تَقُولُ كَذَا وَكَذَا لِمَا كَانَ يَبْلُغُهُمْ عَنْهُ مِنْ عَيْبِ آلِهَتِهِمْ وَدِينِهِمْ - فيجيبهم نبي الهدى بكل ثقة واعتزاز- فَيَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" نَعَمْ أَنَا الَّذِي أَقُولُ ذَلِكَ"رواه أحمد. يقولها بكل صراحة ويعلنها بملء فيه .. لقد أصابه منهم في ذلك اليوم ما أصابه .. وأدركهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه وقد كادوا يجهزون عليه .. فانبرى يدافع عنه ويقول:'أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ'.. ولما أوقع في أيدي المشركين، وأعجزتهم الحيلة تداعوا إلى مؤتمر عقدوه في دار الندوة. ولما وضعوا خطتهم، وحزبوا أمرهم؛ كشف الله مكرهم ورد كيدهم:} وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ[30] {"سورة الأنفال".
المحنة في حياة الصحابة : وفي عهد النبوة تعرض دعاة الإسلام لأبشع صنوف الإيذاء والتعذيب، ولم تقتصر المحنة على نفر دون نفر أو طبقة دون أخرى، بل لقد بلغت الجميع: النساء والرجال، الصغار والكبار، العبيد والأحرار.
محنة بلال: كان أمية بن خلف يخرج بلالاً إذا حميت الظهيرة، فيطرحه على ظهره في بطحاء مكة، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره، ثم يتهدده قائلاً: إنك ستظل هكذا حتى تموت، أو تكفر بمحمد، أو تعبد اللات والعزى، وكان بلال رضي الله عنه يردد:'أَحَدٌ أَحَدٌ'.
محنة آل ياسر : وكان بنو مخزوم يخرجون 'آل ياسر' جميعًا يعذبونهم برمضاء مكة.
أما ياسر- الأب- فلم يقو على تحمل العذاب لكبر سنه؛ فمات لتوه، وأما سمية - الأم- فقد أغلظت القول لأبي جهل فطعنها عدو الله بحربة في أحشائها، فكانت أول شهيدة في الإسلام .. } وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ[169]فَرِحِينَ بِمَا ءَاتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ[170]يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ[171] {"سورة آل عمران".
نموذج من شهداء الإسلام في عصر النبوة : لكم شهدت أيام الإسلام في عصر النبوة من أبطال صناديد، شرفوا التاريخ، ويكفي أن نختار منهم:خبيب بن عدي؛ لندرك أي أثر كان للعقيدة في نفوس هؤلاء: اعتقل خبيب وكان في طريقه من المدينة إلى عضل والقارة؛ ليقوم بمهام الدعوة التي كلفه بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وساقه المجرمون إلى مكة وباعوه لحجر بن أبي إهاب التميمي ليقتله بأبيه الذي قتل في غزوة بدر الكبرى.
وفي اليوم المحدد لقتله أخرجه المشركون إلى التنعيم ليصلبوه، فقال لهم:' إن رأيتم أن تدعوني حتى أركع ركعتين فافعلوا ' قالوا: دونك فاركع .. فركع ركعتين أتمهما وأحسنهما، ثم أقبل على القوم، فقال:' أما والله لولا أن تظنوا أني إنما طولت جزعًا من الموت لاستكثرت من الصلاة'. وعندما رُفع خبيب على الخشبة قال له المشركون: ارجع عن الإسلام نخلي سبيلك. فقال:' لا والله ما أحب أن أرجع عن الإسلام وأن لي ما في الأرض جميعًا.. إن قتلي في الله لقليل .. اللهم إني لا أرى إلا وجه عدو، اللهم إنه ليس هاهنا أحد يبلغ رسولك عني السلام، فبلغه أنت السلام'.. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الوقت بين صحبه في المدينة، فأخذته غيبة ثم قال:"هَذَا جِبْرِيلُ يُقْرِئُنِي مِنْ خُبَيْبٍ الَسَلَامَ" رواه الطبراني في معجمه الكبير-بنحوه-.
واقترب من خبيب أربعون رجلاً من المشركين، بأيديهم الرماح، وقالوا: هذا الذي قتل آباءكم في بدر. فقال خبيب:' اللهم إنا قد بلغنا رسالة رسولك .. فأبلغه الغداة ما يُصنع بنا'.
وعندما أخذت الرماح تمزق جسده، استدار إلى الكعبة وقال:' الحمد لله الذي جعل وجهي نحو قبلته التي ارتضى لنفسه ونبيه وللمؤمنين'.. واستمر أعداء الله يمزقون جسد خبيب برماحهم وهو لايفتر يردد:'لا إله إلا الله محمد رسول الله' حتى لفظ نفسه الأخير، وفاضت روحه الزكية الطاهرة إلى الملأ الأعلى .
المحنة في عصر التابعين : ويأتي عصر التابعين .. ويطالعنا التاريخ بألوان شتى من محن الإسلام .. ففي هذه المرحلة تتكاتف لهدم الإسلام معاول الأبناء والأعداء، ففي عام 75 هـ يتولى الحجاج بن يوسف الحكم في العراق. ويشهد هذا البلد الإسلامي في عهده أيامًا سوداء . ومن سنة الله في خلقه أنه يهيء للطغاة رجالاً لا يهابون الطغيان .. يصنعهم على عينه . ويهبهم الجرأة فيه، وكان سعيد بن جبير أحد هؤلاء الذين خلصوا من حظ أنفسهم..
وعندما صمم الحجاج على قتله والخلاص منه أرسل جنودًا بطلبه فجاءوا به، وأدخلوه عليه، ثم ذبحوه على النطع ـ رحمه الله ـ، وعاش الحجاج بعده خمس عشرة ليلة ثم مات .
المحنة بين الأمس واليوم :
هكذا تبدت معالم الصراع بين الحق والباطل على مدار التاريخ، إنها صورة واحدة ذات أشكال متعددة .. تتغير فيها الأزمان، والأشخاص وتبقى الحقيقة هي هي .. إنه استعلاء الإيمان في كل زمان .. واعتزاز الحق في كل عصر.
أصحاب العقيدة يدفعون الثمن : وتشتد المحنة في حياة الدعوة .. وتئول قيادة الأمة إلى حكام طغاة، يسومون المؤمنين سوء العذاب .. وحق على دعوة الإسلام أن تدفع الثمن . وتدفعه بسخاء: دماء وضحايا وشهداء .
كيف نواجه المحن ؟
إن الحركة الإسلامية إذ تواجه اليوم ما تواجه من تحديات وضغوط ينبغي أن:
تنطلق على هدي: فلا تتحكم في سيرها الانفعالات، أو تميد بها العواطف والطفرات.
مدعوة لمواجهة هذه الحرب السافرة على الإسلام وأهله: بالصياغة الحسنة لشبابها ورجالها، وبالإعداد الكامل، ثم بالتخطيط الواعي لكل خطوة من خطاها .
أن تغرس في نفوس عناصرها ودعاتها روح البذل والتضحية، وتستأصل من نفوسهم عوامل الضعف والخوف والانهزام .
إن الحركة الإسلامية مدعوة: لتضع في تقديرها وحسابها في مجالات التربية والتكوين ثقل المسئولية، وضخامة التبعة التي تنتظرها وتنتظر أفرادها؛ فتسلك بهم كل ما من شأنه أن يعدهم لحياة المجاهدة والمرابطة والكفاح .. وتنأى عما يخلد بهم إلى الأرض ويعودهم حياة الدعة والخنوع .


 

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم   || موسوعة الإعلام والتبليغ