موسوعة المصطلحات والمفاهيم || موسوعة الإعلام والتبليغ

بصائر دعوية في جانب المشكلات والعقبات الدعوية
د·محمد أبوالفتح البيانوني



1 ـ البصيرة الدعوية الأولى :
كثيراً ما ينصرف ذهن الناس أمام مصطلح المعوقات إلى العقبات الخارجية التي يواجهها الدعاة من قبل أعداء الدعوة، غافلين عن المعوقات الداخلية في صفوفهم ونفوسهم، مع أنها الأخطر على الدعوة والأكبر أثراً فيها·
ذلك لأن خطأ الداعية في مفهوم دعوي، أو في منهج أو أسلوب أو وسيلة، قد يفعل بالدعوة ما لا يفعله الأعداء فيها، لأنه مرض داخلي خفي، قد يفتك بالمريض دون أن يشعر به وينتبه إلى ضرورة علاجه·
أما العقبة الخارجية، فغالباً ما تكون بارزة ملحوظة للدعاة والمدعويين على السواء، يحذر الناس منها، ويخططون لمواجهتها·
كما أن الخطأ الصادر عن الداعية نفسه ليس كخطأ الرجل العادي! لأن خطأ الرجل العادي قد يختص به ولا يتجاوزه··· أما خطأ الداعية في مفهوم أو منهج أو أسلوب أو وسيلة يتعدى أثره إلى الآخرين، وقد تضر نتائجه بالدعوة كلها، شعر بذلك أو لم يشعر، وقد قيل: (زلَّةُ العالِم، زلَّةُ العالَم)·
ومن هنا جاء التنبيه والتحذير من خطأ القدوة والأسوة بأساليب كثيرة، فقال سبحانه: (يا نساء النبي من يأت منكنَّ بفاحشة مُبينة يُضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا· ومن يقنُت منكنَّ لله ورسوله وتعمل صالحاً نُؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقاً كريماً· يا نساء النبي لستُنَّ كأحد من النساء إن اتقيتُنَّ فلا تخضعنَ بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً· وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرُّج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريدُ الله ليُذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً· واذكرن ما يُتلى في بيوتكنَّ من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفاً خبيراً) الأحزاب: 30ـ 34.
2 ـ البصيرة الدعوية الثانية:
لا يشترط في الأخطاء الدعوية والمعوقات الداخلية حت تسمَّى مشكلات وعقبات، أن تكون منتشرة في جميع الدعاة ـ وإن غلب عليها طابع العموم ـ ولكن يكفي فيها أن توجد في صفوف الدعاة ولو قلَّوا، أو يعاني منها المصلحون أياً كانوا·
فإن المرض الخطير إذا وجد في فرد أو أفراد دون الانتباه إليه، سرعان ما يعمُّ وينتشر في الآخرين وهم في غفلة عنه، نظراً للتداخل في العلاقات الإنسانية، وسهولة الاتصال بين الناس·
فلا يستغربنَّ أحدٌ من ذكر خطأ أو مرض دعوي سلَّمه الله منه، ولكن عليه أن يحمد الله على سلامته، وأن يحذِّر منه غيره، ويحذِّر منه الآخرين، حرصاً على سلامة الدعوة من جهة، ووقاية منه قبل وقوعه من جهة أخرى·
3 ـ البصيرة الدعوية الثالثة:
أن يعلم الدعاة: أن من التفريط في حق الدعوة، أن تهمل المشكلات والعقبات، ويتجاهل أمرها، حتى تتمكن في طريق الدعوة ويصعب علاجها، كما أن من الإفراط أيضاً: أن تضخمَّ الأخطاء والمشكلات، فتصور المشكلة الخفيفة والخطأ الصغير عقبة كؤوداً يعجز الناس عن حلها وتصحيحها، فتوقع الناس في اليأس والقنوط·
ذلك لأنه: ما من داء إلا وأنزل الله له دواء، وما على الدعاة إلاأن يجتهدوا في معرفةالداء وتشخيصه، ويبذلوا وسعهم في علاجه، والحد من انتشاره، ويفكروا في طرق الوقاية منه، فالأمر كله بيد الله، قال تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينَّهم سُبُلنا وإن الله لمع المحسنين) العنكبوت:69.
4 ـ البصيرة الرابعة:
إن من الحكمة في معالجة مثل هذه الأخطاء الدعوية ومواجهة تلك المشكلات أن يهتم الدعاة بمعالجة أخطائهم ومجاهدة أنفسهم قبل أن يتجهوا إلى علاجها في غيرهم·
فقد كان السلف الصالح من العلماء والدعاة يقدمون تزكية أنفسهم على تزكية أنفس الآخرين، ويشغلون بعيوبهم عن عيوب غيرهم·
أما نحن: فكثيراً ما نُشغل بعيوب الآخرين عن عيوبنا، بل ربما يرى بعضنا القذاة في عين أخيه، ولا يرى الحصاة في عينه، مما عقَّد المشكلة وأخَّر الشفاء·
5 ـ البصيرة الخامسة:
أن يعلم الدعاة أن من توجيهات القرآن الكريم في تشخيص المشكلات، وكشف الأخطاء: أن يُرجع فيها إلى النفس، قبل أن يبحث عنها في الآخرين، ويوجه اللوم إليهم، قال تعالى: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير) الشورى:30.
ولكن كثيراً منا اليوم إذا أصيب بمصيبة أو اعترضت طريقه عقبة، أعاد الأمر مباشرة إلى غيره، غافلاً عن تسببه في ذلك·
وإذا ما سئل عن فشل أو إخفاق دعوي، تعلل بقوة أعدائه ومكرهم، قبل أن ينظر إلى نفسه ونفس الدعاة من حوله، بدلاً من أن يعلله مثلاً بغفلة المسلمين وتفرقهم·
وإذا كان الخليفة عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ يعلل تأخير النصر في غزوة من الغزوات بقوله: (لا يقف الكفر أمام الإيمان من غداة إلى عشية إلا بذنب أحدثتموه أنتم أو أنا)·
6 ـ البصيرة السادسة:
في ضرورة تفهم أبعاد الذنب والخطأ الدعوي وأخطاره: فإن الذنوب والأخطاء التي تستوجب التوبة والمراجعة ليست محصورة في مجال الأحكام العقدية والعبادية، وإنما قد توجد في الأحكام الدعوية، والأحوال النفسية·
فإن الخروج عن المفهوم الصحيح في أمر من أمور الإسلام ذنب، والانحراف عن أصول الدعوة والخروج عليها ضلال، ومجانبة المنهج الحكيم والأسلوب السليم مهما قلَّت خطأ، وكل ذلك يستوجب مراجعة وتوبة·
بل إن الخطأ والذنب في جانب المنهج غالباً ما يكون أعظم إثماً وأكثر أثراً من الخطأ في الحكم الواحد، والمسألة الواحدة، لأن الخطأ في الحكم والمسألة قد ينتهي في وقته، ويسهل تداركه، أما الخطأ في المنهج والأسلوب، فكثيراً ما تترتب عليه أخطاء أخرى، وتنتج منه آثار وخيمة لا تحصى·


 

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم   || موسوعة الإعلام والتبليغ