موسوعة المصطلحات والمفاهيم || موسوعة الإعلام والتبليغ

لغتنا القومية وأساليب النهوض بها
د. محمود السيد



من الواضع أن اللغة تؤدي دوراً كبيراً في حياة الفرد والمجتمع، فهي وسيلة الفرد لقضاء حاجاته، وللتفاهم مع بني جنسه، وللتعبير عن عواطفه ومشاعره وأفكاره، ونقل تجربته إلى الآخرين، والاستفادة من تجارب الآخرين. وبوساطتها أيضاً يطلع على تجارب مجتمعه في الماضي والحاضر، وعلى تجارب الأمم الأخرى، فتزداد ثقافته، ويتوسع أفقه، كما أن اللغة بالنسبة إلى المجتمع هي الرباط الذي يربط بين أفراده، فضلاً عن إنها الوسيلة لنقل التراث من الماضي إلى الحاضر، ومن الحاضر إلى المستقبل.
ولغتنا العربية من أهم وسائل الارتباط الروحي، وتقوية المحبة، وتوحيد الكلمة بين أبناء العروبة، فهي الرابطة الأساسية التي جمعت بين العرب سابقاً بطريق القرآن الكريم، الذي وحد القبائل، وصهر المشاعر في بوتقة القيم الجديدة، إذ لولا ذلك الكلام العربي المبين الذي نزل به الروح الأمين على قلب الرسول العربي الكريم آية لنبوته، وتأييداً لدعوته، ودستوراً لأمته، لكان العرب بدداً.
وإذا كان بقاء الأمم منوطاً بقوة لغاتها، لأن الأمة هي اللغة، واللغة هي الأمة، فمن الواضح أن لغتنا العربية بقيت قوية صامدة في وجه الهجمات العنيفة التي واجهتها أمتنا العربية في تاريخها الطويل، وهذا يرجع إلى الأصالة التي تتسم بها هذه اللغة، تلك الأصالة التي جعلتها قادرة على البقاء متحدية كل وسائل النيل منها، والعمل على وأدها، تلك الأصالة التي يسرت للعربية أن تطوع الثقافات القديمة لها من فارسية وهندية ويونانية، من غير أن تنزل عن أصولها، وعن قواعدها وسماتها التي تمتاز بها من سائر اللغات، تلك الأصالة التي استرعت انتباه بعض الباحثين الأجانب، فها هو ذا المستشرق (رينان) يقول في كتابه (تاريخ اللغات السامية): ((من أغرب المدهشات أن تنبت تلك اللغة القوية، وتصل إلى درجة الكمال وسط الصحارى عند أمة من الرحل، تلك اللغة التي فاقت أخواتها بكثرة مفرداتها، ودقة معانيها، وحسن نظام مبانيها)).
وإذا كانت العناية باللغة واجباً قومياً مقدساً فإن هذه العناية ينبغي أن تتجلى أكثر ما تتجلى في ميدان التعليم، وتمثل الاهتمام باللغة العربية في مجال التعليم بأشكال متعددة منها:
1 ـ أن تكون اللغة العربية في سائر كتب مراحل التعليم مضبوطة بالشكل، وبأسلوب سهل مستساغ، يألفه التلاميذ، ويحقق اهتماماتهم. ويتساهل بعض المربين في عدم ضبط بعض الكلمات في المرحلة الابتدائية بحجة التيسير على التلميذ، فهم يحذفون التنوين من الكلمة حتى لو كانت في حالة النصب. وفي اعتقادي إن هذا يغرس الخطأ في أذهان التلاميذ، فتتمرس ألسنتهم به حتى ليصبح من الصعوبة بمكان أن يتخلوا عن الخطأ في المراحل التالية.
3 ـ أن تقام دورات تدريبية لتمكين معلمي اللغة من الاطلاع على مستحدثات التربية وطرائق التدريس بغية استغلالها في تدريسهم للغة العربية، وأن يخضع هؤلاء في ترقيتهم إلى تقويم يقيس مدى المامهم باللغة العربية وحسن تدريسها، وأن يراعي ذلك في سائر مراحل التعليم. وينبغي أن توجه العناية بشكل خاص إلى إعداد معلمي المرحلة الابتدائية، على أن تتمثل هذه العناية في تقويتهم بالمادة العلمية وطريقة تدريسها وأن يكون زمن الإعداد كافياً، وكذا الأمر بالنسبة إلى مدرسي المرحلتين الإعدادية والثانوية، نظراً لأن الضعف في المادة العلمية والفوضى في طريقة تدريسها، يكون لهما أثر سلبي ينعكس مردوده على الناشئة.
4 ـ أن تكون ضروب النشاط المدرسي في المرحلة الابتدائية باللغة العربية الفصحى، وأن يعمد المعلمون إلى تنمية ألوان هذا النشاط، وتعزيزه بالوسائل المحققة للهدف منه، وتستمر مراعاة ذل في المرحلتين التاليتين، بحيث تكون المواد المكتوبة في مجلة المدرسة أو الحائط، أو المسرحيات التي تمثل، أو القصص التي تسرد، أو الكلمات التي تلقى في المناسبات المختلفة، أو المنافسات التي تجرى في المدرسة، أو اللقاءات التي تدور فيها المناقشات، يكون ذلك كله باللغة الفصحى.
5 ـ أن تحقق مناهج اللغة الأهداف العامة للتربية من حيث بناء المواطن ذي التفكير العلمي، البعيد عن الانفعال، الصحيح في نفسه المعتز بقوميته، المدرك ما تتسم به قوميتنا العربية من نزعات انسانية، وما يحفل به تاريخ أمته من قيم ومثل، والدور الذي قدمته الحضارة العربية في تاريخ الانسانية.
6 ـ الكشف عن زيف الأساليب التي يتبعها المستعمرون للنيل من لغتنا العربية، عندما يتهمونها بالصعوبة في الكتابة، وفي الشكل، وفي القواعد، والجمود والتخلف، وعدم مواكبة روح العصر، ولذلك يدعون إلى الكتابة بالأحرف اللاتينية، وإلى التحدث باللهجة العامية، بحجة أن الفصحى ليست لغة الحياة، وإن العامية هي لغة الحياة، وإلى دراسة العلومب اللغات الأجنبية لقصور الفصحى عن استيعاب النهضة العلمية.
7 ـ أن يكون البحث في العامية وسيلة للنهوض بها إلى مصاف الفصحى، إذ أن هناك أموراً مشتركة بين العامية والفصحى، فينبغي أن يرتكز على هذا القدر المشترك في تعليم التلميذ في المرحلة الابتدائية، كي لا يشعر بالفرق بين اللغتين، ولا يحس بالصعوبة في عملية الانتقال من العامية إلى الفصحى. أما أن يكون البحث في العامية هدفاً في ذاته، وهجراناً للفصحى، فهذا أمر مرفوض لخطورة مراميه البعيدة.
8 ـ أن تكون المواد الثقافية التي تقدم في الإذاعة أو في السينما، أو في المسرح، أو التي تنشر في الصحف والمجلات بأسلوب عربي سهل وبسيط خال من التعقيد والغموض، كما ينبغي أن تكون ثمة مراقبة للأخطاء اللغوية، سواء في الإذاعة أو في الصحف والمجلات والكتب، وأن يعمد إلى تصحيح ذلك نظراً لأن المستمع أو القارئ يأخذ ما يرد في الإذاعة أو الصحيفة أو المجلى على أنه هو الصواب.
9 ـ أن يعمل على نشر اللغة العربية ويشجع على تعليمها بين الفئات التي لا تتكلم اللغة العربية، وتعيش في الوطن العربي، وبين الأجانب الذين يرغبون في تعلمها، وأن يتم هذا التعليم بأساليب عصرية متطورة، ولا شك في أن هذا السبيل مهمة قومية مقدسة، غذ يتمكن هؤلاء من الاطلاع على قضايانا من منابعها الأصيلة في منأى عن كل تزييف وتشويه فيتعاطفون معنا، ويتفهمون مشكلاتنا، ويكونون بمثابة سفراء لأمتنا في بلدانهم.
----------------------------
المصدر: في قضايا اللغة التربوية


 

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم   || موسوعة الإعلام والتبليغ