موسوعة المصطلحات والمفاهيم || موسوعة الإعلام والتبليغ

هل من أمل؟
 د. عبدالقادر طاش



ومع اعترافنا بصعوبة التغيير فإننا لا نجد مفراً من المطالبة بخوض غمار هذه التجربة المضنية بدأب وصبر وطول بال، مع وضوح في الرؤية واتقان للتخطيط وإحسان في التفنيذ. أما مسوغنا في المطالبة بضرورة التغيير فيستند إلى ثلاثة أمور، أولها أننا أمة ذات رسالة عالمية، فرسولنا إنما بعث (رحمة للعالمين) والتبشير بالاسلام والدعوة إليه وتعريف العالم به يتطلب وجود مناخ نفسي وثقافي ملائم يتسم بشيوع روح التفاهم والتفاعل لا روح التباغض والتصادم. ولا شك أن الصورة المشوهة عن للاسلام تصد الناس عن الدين الحق وتصنع حاجزاً سميكاً بينهم وبين معرفته وتفهمه وإدراك محاسنه.
ولم تعد علاقتنا بمجتمعات الغرب ـ كما كانت في الماضي ـ علاقة انفصال جغرافي وسياسي بل (إن الاسلام موجود في الغرب كما أن الغرب موجود في الاسلام) ـ كما يقول عالم الاجتماع الفرنسي (جيل كيبيل) المهتم بالشؤون الاسلامية ـ : (فمع نهاية الثمانينات أصبحنا ملتزمين بالعيش معاً. إن بشكل نزاع أو بشكل سلمي. فالحدود لم يعد لها المعنى ذاته الذي كان لها في السابق، إن كانت حدود الدول أو الحدود الرمزية).
أما الغرب فحاضر في العالم الاسلامي أكثر من أي وقت مضى سابقاً كانت الحدود تسمح بمنع مرور المعلومات وهذا لا يزال صحيحاً بالنسبة للمكتوب. لكن التلفزيون، من خلال الأقمار الصناعية يسمح بمرور المعلومات التي هي في معظمها من أصول مصادر وتركيبات غريبة) وفي الماضي كانت هناك حدود نسبية بين الاسلام وغيره. إلا أن حدود دار الاسلام امتدت اليوم إلى معظم المناطق التي يسكن فيها مسلمون خارج نطاق العالم الاسلامي. وفي الماضي كانت رؤية الغرب إلى المسلمين هي رؤية (الآخر) لأنهم كانوا بعيدين. أما اليوم فإن المسلمين يعيشون في الغرب نفسه.
أن (القوة الإعلامية) ذات ارتباط وثيق بـ (الأمن السياسي والاستراتيجي والفكري والحضاري للأمة وإنه مما يضرب أمن العالم الاسلامي) في الصميم، بل في مقتل: أن تتصور دولة اسلامية أو تتصور أقلية أو جالية اسلامية أن الإعلام (مجرد) كلام لا يلبث أثره أن يتبدد ويمحي، فلا خوف منه ـ من ثم ـ في حاضر ولا مستقبل. إن هذا التصور يناقض (الأمن الوطني) لكل دولة مسلمة، ويناقض (الأمن المشترك) للعالم الاسلامي كله. فمثلاً إن شعارات ومقولات: المسلمون همج، المسلمون مخربون، المسلمون أعداء للحضارة، المسلمون ارهابيون، المسلمون لا يتعايشون مع غيرهم. هذه المقولات حين توظف في سياقات وأشكال إعلامية متنوعة متقنة الإخراج، متتابعة الدق والنفخ، فإنه سيكون لها تأثيرها ووقعها الشديد الضرر على (أمن العالم الاسلامي)... (فإذا رسخت هذه المفاهيم عبر وسائل الإعلام فإن الغرب، بل العالم المتأثر بهذا الإعلام، سيعامل المسلمين ـ بوجه عام ـ من منظور التوتر والكراهية، وعدم الثقة، وسوء التعامل. وليس هناك عاقل ـ ذو حس أمني ـ ينفي أن هذه النقائص المسقطة على المسلمين تضر بأمنهم).
ويتجسد الأمر الثالث في بعض بشائر التفاؤل والأمل التي بدأت تتفتح في المجتمعات الغربية، فقد اتسعت دوائر الاهتمام الرسمي والمؤسسي والشعبي في تلك المجتمعات ـ وبخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ـ بدراسة الاسلام والتعرف عليه والاستعداد لتصحيح المفاهيم المغلوطة عنه. ويعترف كثير من الناشرين للكتب العربية أو التي تهتم بالعالم العربي والاسلامي في أمريكا بأن الأحداث الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط قد أسهمت في ازدياد الإقبال على شراء الكتب المتعلقة بتلك المنطقة. وبالرغم من أن نسبة معتبرة من المقبلين على شراء تلك الكتب كانوا يميلون إلى الكتب ذات الطابع السياسي، وبخاصة أثناء وبعد حرب الخليج، إلا أن تصاعد الاهتمام بما يتعلق بالشرق الأوسط يعد مؤشراً إيجابياً يمكن استثماره في تصحيح التصورات المغلوطة المنتشرة بين القراءة حول الاسلام والمسلمين.
---------------------------
المصدر: الإعلام وقضايا الواقع الاسلامي


 

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم   || موسوعة الإعلام والتبليغ