موسوعة المصطلحات والمفاهيم || موسوعة علم الإقتصاد

دليل قرآني للعمل والعمال
أمين عز الدين



العامل "الوسط" في مجتمعنا اليوم يجد صعوبة كبيرة في قراءة مؤلفات العلماء والفقهاء _السلف منهم والمعاصرين _ حول قضايا العمل والعمال. ذلك أن أغلب هذه المؤلفات تتبع كما نعرف جيداً أُسلوباً في الكتابة يبدو غير مألوف للقارىء المعاصر، وبعضها يغرق في استخدام كلمات ومصطلحات لم تعد سائدة أو متناولة في حياتنا اليومية والثقافية، ومن ثم فإنها تستعصي على فهم الكثيرين من القراء وخاصة إذا كانوا من الفلاحين والعمال.
وتؤثر هذه الظواهر بطبيعة الحال في حركة التربية الدينية في الأوساط العمالية وتجعل منها حركة متعثرة ومحدودة الفعالية.. وذلك فضلا عن أن هذه الحركة لا تزال تتخذ اتجاهاً عاماً وشاملاً في دروسها ومحاضراتها ومؤلفاتها، على الرغم من أن الحاجة ماسة إلى استنباط منهج خاص في العمل وسط العمال، منهج يكون قادراً على بيان موقف الدين من المشاكل العمالية والقضايا اليومية التي تشغل أذهان العاملين في كافة القطاعات.
هذا ولا يزال التأليف في التربية الدينية للعمال واقعاً تحت تأثير اتجاهين رئيسين:
فهناك المؤلفات التي يصدرها رجال الدين والفقهاء، وهؤلاء اساتذة في العلوم الدينية ولكن معرفتهم بشئون العمل وعلاقاته معرفة قاصرة ومحدودة وهناك المؤلفات التي يصدرها رجال العمل وخبراؤه في التربية الدينية للعمال. وهؤلاء ان كانوا عالمين بشئون العمل ومشاكله فإنهم بالتأكيد غير ملمين إلماماً كافياً بالعلوم الدينية.
وحبذا لو تحقق قدر من التعاون في التأليف بين الجانبين _هؤلاء يعرفون التراث والمادة اللازمة من علوم الدين، وهؤلاء يعرفون المشاكل العمالية الراهنة وأبرزها قضاياها.
والمحاولة التي نقدمها اليوم هنا، يمكن أن تسد بعض الحاجة الملحة إلى المعرفة الدينية لجماهير العمال. كما يمكن أن تقدم نموذجاً ملموساً لمنهج جديد في التربية الدينية للعمال.
والمحاولة تقوم _في الأساس _ على منهج الجمع بين مصطلحات العمل الحديثة وبين مواقف وأحكام القرآن والحديث والتراث الإسلامي ازاء مسائل العمل.
وكان من الممكن أن نرتب المواد ترتيباً أبجدياً ولكننا فضلنا أن نعرض هذه المواد حسب أهميتها للقارىء وهو يحمل الكثير من التسلسل المنطقي للمسائل المدروسة.
العمل:
اللغة العربية بثرائها ودقتها في تحديد معاني الكلمات تفرق بين نوعين من الفعل.
1_ فعل يرتزق منه الإنسان وهو العمل أو المهنة.
2_ فعل لا يرتزق منه الإنسان مثل الأكل والشرب والصوم الخ..
عامل:
العامل في اللغة _ وفي المفهوم الإسلامي _ يعني إذن كل من يرتزق من مهنته الأجراء العاديون عمال.
أصحاب المهن اليدوية عمال.
أصحاب المهن الوسطى عمال.
أصحاب المهن الكبرى عمال.
الأجير والحرفي ومحصلو الضرائب والقضاة وولاة الأقاليم وحكامها في المفهوم الإسلامي عمال ما داموا يرتزقون من مهنهم بل ان بعض مفسري الحديث لم يروا بأساً بأن يمتد لفظ عامل حتى يشمل الخليفة ذاته وهو رأس الدولة الإسلامية.
وهناك قصة طريفة عن شخص يدعى أبو مسلم الخولاني دخل يوما على الخليفة معاوية بن أبي سفيان وحياه قائلاً:
السلام عليك أيها الأجير.
فقال له بعض الجالسين:
قل السلام عليك أيها الأمير.
فقال:
السلام عليك أيها الأجير.
فقالوا قل:
أيها الأمير.
فقال:
السلام عليك أيها الأجير.
فقالوا:
قل أيها الأمير.
وهنا تدخل معاوية قائلاً:
دعوا أبو مسلم فإنه أعلم بما يقول فقال أبو مسلم:
إنما أنت أجير استأجرك رب هذا الغنم لرعايتها فإن أنت هنأت حرباها وداويت مرضاها وحبست أولاها على آخرها وفاك سيدك أجرك.
ولفظ عامل بهذا المعنى الإسلامي إنما يطابق تماما معناه في المجتمع الإشتراكي حيث أصبح العمل وليس الملكية هي المصدر الأساسي وربما الوحيد للرزق.
عمال:
أنبياء من العمال:
يشرف العمل والعمال في كل مكان أن عدداً من الأنبياء كانوا أنفسهم من العاملين بأيديهم فنبي الله داود كان حدادا يصنع الدروع ويأكل من عمل يده وأدريس كان خياطا وزكريا كان نجاراً وموسى أجيراً يرعى الغنم في مدين ومحمد كان يرعى الغنم على قراريط لأهالي مكة.
عمال:
صحابة من العمال:
ومن الصحابة أيضاً من كانوا عمالاً فالزبير بن العوام كان خياطا، وكان علي ابن ابي طالب يسقي بالدلاء على ثمرات، سعد بن أبي وقاص كان يبري النبل وعمرو ابن العاص كان جزاراً وقتيبة بن مسلم القائد المشهور كان جمالاً والمهلب بن ابي صفرة بستانياً.
العمل اليدوي:
في القرآن والحديث وفي تقاليد السلف الصالحين ما يؤكد احترام العمل اليدوي ويدفع عن من يمارسه أي شبهة للمهانة. ويقول سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام في هذا الصدد "ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده وأن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده" وهناك قصة ذات مغزى عميق تؤيد احترام العمل اليدوي فقد روي عن النبي أنه عندما رجع من الغزو استقبله أحد الصحابة وقال له: ما هذا الذي أرى بيدك؟
فقال الصحابة: من أثر المر والمساحاة، اضرب وأنفق على عيالي وهنا قبل الرسول يده قائلاً هذه يد لا تمسها النار.
أعمال محرمة:
يحرم الإسلام ممارسة بعض الأعمال والمهن والقاعدة الأساسية التي يقوم عليها هذا التحريم هي تحريم كل ما فيه أذى للمسلم أو استغلال لضعفه مثل العمل في صناعة الخمور ومؤسسات القمار والكهانة والحجامة.
ولا يمكن بطبيعة الحال حصر كافة الأعمال المحرمة ولكن يمكن استخدام القاعدة العامة للتعرف عليها باستمرار.
الهجرة العمالية:
يبارك القرآن الكريم انتقال القوى العاملة من مناطق الشدة إلى مناطق الرخاء ويشجع الإنسان على أن يسعى في الأرض ما دامت أرض الله واسعة ويلوم من رضوا لأنفسهم بالذل وعاشوا مستعبدين عاطلين فقراء "ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها" ويشير القرآن الكريم إلى أنبياء ورسل هاجروا من أجل الحياة الحرة الكريمة فقد هاجر إبراهيم ولوط وموسى.
ساعات العمل:
لا نتوقع بطبيعة الحال أن نجد في القرآن أو الحديث تحديداً تفصيلياً لساعات العمل كما يعرفه الإنسان المعاصر، ولكن هناك أكثر من إشارة إلى تنظيم وقت العمل.
واليوم _من وجهة النظر الإسلامية ينقسم إلى فترات للعمل والصلاة والراحة والرسول ينصح الناس بأن يبكروا إلى العمل "باكروا الغدو" "أي الصباح" في طلب الرزق فإن الغدو بركة ونجاح، وقال أيضاً "اللهم بارك لأمتي في بكورها".
ونلاحظ أن الله خفف صلاة الصبح وجعلها ركعتين فقط وجعل وقتها ضيقاً ليقوم المسلم مبكراً يغتنم هذه الساعات المباركة، كما مد الله في فسحة أول النهار فلم يطالب المسلم بالصلاة إلى منتصفه حتى يتفرغ لعمله طول النهار.
العمل أساس انتاج القيمة:
بدون عمل الإنسان لا انتاج ولا قيمة مضافة. الله سخر للإنسان الأرض والبحر والأنهار والفلك والأنعام ولكن هذه الموارد والطاقات المسخرة للإنسان لا قيمة لها ما لم تمسها يد الإنسان وذهنه، أي ما لم يضف اليها العمل الإنساني.
الأجور:
يعني القرآن الكريم عناية خاصة بموضوع الأجر بمعنيين:
1_ أجر الإنسان في الآخرة عن العمل الصالح الذي قام به في الدنيا وفي الحدود التي رسمها الله.
2_ أجر الإنسان عن العمل الذي يتم على مقتضى العقود والإتفاقات التي تجري بين المتعاملين حيث ينتفع المستأجر بالعمل ويتقاضى العامل أجره دون مماطلة أو غش أو خداع. والأجر بمعناه الثاني يخضع في الإسلام _لقواعد هامة لعل أهمها:
1_ ضرورة الوفاء بالعقود ومن ضمنها عقد الإيجارة. "يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود".
2_ ضرورة اداء الأجور كاملة غير منقوصة "يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل".. "أن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها". ويوصي الرسول بالمبادرة إلى صرف الأجور فور انتهاء العامل من عمله قال (ص) "أعطوا الأجير حقه قبل أن يجف عرقه" ويفسر بعض الفقهاء هذا الحديث بأنه يقصد أن يكون الأجر المدفوع تعويضاً كاملاً عما أداه العامل من عمل حتى يتكون في نفسه الإحساس بأن عرقه الذي لم يجف بعد هو مصدر هذا الكسب. فلا ظلم ولا استغلال.
وينهي الله ورسوله عن خصم الأجور دون سبب مشروع ففي القرآن الكريم يقول تعالى: "ولا تبخسوا الناس أشياءهم" ويقول النبي "ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، ومن كنت خصمه خصمته، رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع جزافاً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره".
مكتب العمل:
مكتب العمل في أبسط صوره الحديثة _جهاز من أجهزة الدولة يختص بتطبيق تشريع العمل بما يحفظ حقوق العمال وينظم علاقاتهم مع أصحاب الأعمال وبما يحمي العمال من مخاطر الصناعة سواء تلك التي تهدد سلامتهم أو صحتهم كما يباشر حماية حقوقهم وحرياتهم النقابية.
وفي القرآن الكريم أكثر من آية تدعو المسلمين أن يأمروا الناس بالمعروف وينهوهم عن المنكر "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر" وقال أيضاً "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر".
وانطلاقاً من هذه الدعوة نشأ في الإسلام نظام "الحسبة" وهو في الشرع يعني نظام "الأمر بالمعروف إذا ظهر تركه والنهي عن المنكر إذا ظهر فعله"، وهو في واقع التاريخ الإسلامي نظام للرقابة على السلوك والمعاملات يعين له "محتسبون" لإدارته وتنفيذه.
وقد تطور نظام الحسبة في المجتمعات الإسلامية حتى شمل الرقابة على الأسواق والمعاملات التجارية والصنائع والحرف والأخلاق والرفق بالإنسان والحيوان.
البطالة:
الإسلام يحث الناس على السعي والعمل وهو يريد من المسلم أن يكون عضواً عاملاً ومنتجاً في المجموعة الإنسانية. "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون" وجاء في القرآن الكريم أيضاً "فاذا قضيتم الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون" ويقول "فاذا فرغت فانصب" أي إذا فرغت من العبادة فعليك بالجد في تحصيل العيش.
والإسلام يفرق بين البطالة والتبطيل، فالبطالة هي القعود عن العمل في حالات الضرورة القاسية التي قد تصل بالإنسان إلى وضع يحل له فيه "المسألة" أي الاستجداء، ولكنه يحث العاطلين _اضطراراً إلى احتراف أي مهنة ولو بدت حقيرة في نظر الناس، فان ذلك خير من المسألة. وفي ذلك يقول رسول الله(ص) "لأن يأخذ أحدكم حبله ثم يأتي الجبل فيأتي بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها فيكف الله بها وجهه، خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه".
وبالمقابل فان الإسلام يشجب التبطيل أي إدعاء البطالة _نتيجة التخاذل أو الكسل، ويحكى أن رسول الله دخل ذات يوم المسجد فوجد أبا امامة جالساً في غير أوقات الصلاة فلما سأله السبب قال:
_ ديون لزمتني وهموم لحقتني : وهنا أفهمه النبي (ص) أن الجلوس في المسجد والركون إلى الكسل ليسا وسيلة لقضاء الدين وتفريج الهم وأمره بالعمل والسعي.
الكفاية الانتاجية:
يتناول القرآن الكريم والحديث الشريف موضوع الكفاية والعدل من زاويتين:
1_ الحث على إتقان العمل "إن الله يحب المحسنين" ويقول الرسول (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه).
2_ تقدير الكفاءة وفي ذلك يدعونا الله (ولا تبخسوا الناس أشياءهم) ويقول رسوله الكريم (من استعملناه على عمل فرزقناه رزقاً، فما أخذ دون ذلك فهو غلول).
المرأة العاملة:
أعاد الإسلام للمرأة كرامتها الإنسانية بالنسبة للرجل، فهو يضعها مع الرجل موضع التكليف والمسئولية ويمنحها من الحقوق ما يمنحه للرجل مثل حق التملك والبيع والشراء وحق الهبة والتبرع كما أعطى لها حظاً من الميراث (للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن).
صحيح أن الإسلام يوفر للمراة حقها في النفقة من زوجها إن كانت متزوجة ومن أقاربها إذا لم تكن متزوجة ولكنه مع ذلك يجيز لها أن تعمل وتكسب قوتها لكفاية نفسها وأسرتها ولرفع مستوى معيشتهم.
ويضع الإسلام في كل الأحوال شروطاً عامة لعمل المرأة أهمها المحافظة على حدود الشريعة التي تحتم عليها مراعاة الصيانة والشرف والعفة.
تمجيد العمل:
تمجيد العمل وجلاله وإكباره من الملامح الأساسية في التراث الإسلامي، حتى لقد اعتبر العمل ضرباً من العبادة وسبيلاً للتقرب إلى الله.
ويقول رسول الله(ص): "من بات كالاً من عمل يده بات مغفوراً له" ويقول أيضاً "من بنى بنياناً من غير ظلم ولا اعتداء أو غرس غرساً في غير ظلم ولا اعتداء كان له أجر جار ما انتفع به من خلق الله تعالى".
-------------------------------------
المصدر : القرآن _ نظرة عصرية جديدة


 

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم   || موسوعة علم الإقتصاد