موسوعة المصطلحات والمفاهيم || موسوعة علم الإقتصاد

الملكية المعنوية .. حقوق الإبداع والابتكار
د. خالد الزغبي/ د. منذر الفضل



من المعلوم أن التقسيم بين الحقوق المادية وغير المادية لا أساس له، لأن الحق يكون دائماً غير مادي والمادي هو الشيء محل الحق، أما الحق فهو معنوي، أي يقوم في الفكر مجرداً غير محسوس، إذ أن كل الحقوق غير مادية، سواء وقعت على شيء مادي أو على شيء غير مادي، وأكثر الأشياء غير المادية هي نتاج الذهن، ولذلك أمكن تسميتها بالأشياء الذهنية وأمكن أن تسمى الحقوق التي ترد عليها بالحقوق الذهنية.
وقد امتاز فقهاء المسلمين وعلماؤهم بالمواهب والإبداع في مختلف ضروب المعرفة، وكان ما وصل إلينا من بنات أفكارهم ومؤلفاتهم مظهراً من مظاهر التقدم العلمي والفني والأدبي، وفي هذا الخصوص فان فقهاء الشريعة الإسلامية وضعوا الأسس الخلقية الصائبة في الموازنة بين الحقوق، فأعطوا للحق الاجتماعي الأولوية على الحق الفردي، لما هو مستقر في الإسلام، من تغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة عند تعارضهما، لأن الشارع هدف في أحكامه إلى مراعاة مصالح العباد وإعلاء شأن مصلحة الجماعة على مصالحهم فرادى.
ولعل السبب الذي حدا بفقهاء المسلمين إلى تقييد حقوق المؤلف الأدبية ووضع التأليف الإيجابية والسلبية عليها، يعود إلى المضمون الاجتماعي لمفهوم الحق، لا سيما أن آراء المؤلف أو ابتكارات المبدع ليست إلا سلسلة من حلقة تتصل بما سبقها من إبداع وابتكار. فالمالك مدين للجماعة بما يملك والمؤلف مدين للآخرين بما ألف أو أبدع وابتكر، فيكون من الطبيعي مراعاة الجانب الاجتماعي في ملكية الأشياء غير المحسوسة وتقديمها على المصلحة الفردية.
وفي هذا المجال يرى البعض أن الحقوق الفكرية أو الذهنية هي من الحقوق المجردة لأنها لا تقوم بمحل معين ولم يتقرر في ذات، ولذلك فهي كحق الشفعة، فحق التأليف والصناعة هي حقوق غير قائمة بمحل وهذا الإنتاج الفكري، مهما كان شكله أو صورة التعبير عنه بالكتابة كالكتب أم بالرسم كالصور المتحركة أم غيرها، فهي ذات قيمة مالية.
ولكن ينبغي أن تكون هذه الحقوق الذهنية ذات صيغة جديدة ومبكرة في الفكرة أو العرض أو في الترجمة بحيث تتميز كل فكرة عن غيرها ولا تكون تكريراً لعمل الغير كمن ينسب إلى نفسه كتاباً لغيره أو يقوم بعمل من إنتاج غيره لا يدل على مجهود جديد كالذي يجمع القصائد أو الخطب أو القوانين.
نخلص مما تقدم، أن الشريعة الإسلامية وقفت في أحكامها موقفاً بين الرغبات الفردية والحاجات الاجتماعية، هادفة إلى توثيق الصلة بين الفرد والمجتمع ابتغاء إقامة العدل وضمان التكافل الاجتماعي. فقد اعترفت بالوظيفة الاجتماعية للملكية وأوجبت ممارستها على النحو الذي يحقق مقاصد الشارع من شرعه، لتكون الملكية في الإسلام أداة خير للمالك والمجتمع معاص. وهذا الموقف يؤكد الطبيعة الجماعية الفردية في الإسلام.
ثم أن حق الملكية سواء أكان ملكية رقبة أم كانت ملكية منفعة أم حق انتفاع، مقيد بعدم الضرر، فأنها ككل الحقوق مقيدة بهذا القيد فلا ضرر ولا ضرار في الإسلام، فالحقوق المطلقة لا يمكن أن تثبت في شريعة تستمد أحكامها من السماء. ولهذا فان الشريعة الإسلامية، من حيث تكوينها كشريعة، لا يمكن أن تكون فردية كما يصورها البعض من المستشرقين.
-------------------------------------------------------
المصدر : المدخل إلى علم القانون


 

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم   || موسوعة علم الإقتصاد