من المعلوم أن الإسلام منع الأفراد تملك بعض الأموال أو تمليكها
بسبب تعلق حق الجماعة بها، لأهميتها في حياة الأمة، ولأنها مخصصة
للنفع العام، ينتفع بها الناس باعتبارهم جزءاً من الجماعة. ولعل
أهم هذه الأموال المملوكة ملكية مشتركة هي المساجد التي هي مملوكة
لجميع المسلمين. فجاء القرآن الكريم قوله تعالى: (وان المساجد
لله). ومفاده الآية الكريمة، أن بيوت الله لعموم المسلمين يؤدون
فيها عباداتهم وشعائرهم ومنها الوقف الذي خصصت غلاته وثماره عاجلاً
أو آجلاً لجهة بر لا تنقطع يتحقق بها خير الجماعة. ويراد بالوقف
حبس العين عن أن تكون مملوكة لأحد من الناس وجعلها على حكم ملك
الله تعالى، والتصدق بريعها على جهة من جهات الخير في الحال أو
المال، أو قد يقصد به، عند البعض الآخر، حبس العين على ملك الواقف،
أو عن التمليك، والتصدق بالمنفعة على الفقراء أو صرفها في وجه من
وجوده الخير.
ومن هذه الأموال المحبوسة على النفع العام، الطرق العامة والمياه
والأنهار والأسواق العامة والقناطر وغيرها. وقد جاء في شرائع
الإسلام للحلي ما يلي: "المراد من الشوارع والغرض بها الاستطراق
ومنفعتها الأصلية التردد بالذهاب والعود والناس فيها شرع سواء.
ويجوز الوقف والجلوس فيها لغرض الاستراحة والمعاملة وغيرها بشرط أن
لا يتضرر بها أحد ويضيق على المارة سواء أذن فيه الإمام أو لا.
لإجماع الناس على ذلك في جميع الاصقاع والامصار ...".
إن هذه الأموال المملوكة ملكية جماعية أو مشتركة بين المسلمين تؤدي
الرسالة الاجتماعية المناطة بها، وتعتبر ملكيتها العامة وظيفة
اجتماعية بذاتها، ولا يعدو من يتولى إدارتها أو الإشراف عليها أن
نائباً على الجماعة يتحدد في عمله بمقاصد الشارع الهادفة إلى تحقيق
مصالح عموم المسلمين. ذلك لأن وظيفة هذه الأموال تتعلق بهذه
المصالح مباشرة مما يقتضي ضمان استمرار انتفاع الناس بها ودفع
النزاعات التي قد تثور حولها. ويطلق على هذه الأموال في القوانين
المدنية الأموال العامة الخارجة عن دائرة التعامل.
أما عن الماء والكلأ والنار، فقد اعتبرها التشريع الإسلامي من
الحاجات الأساسية التي لا يجوز أن تخضع للتملك الفردي لما أثر عن
الرسول (ص) قوله (المسلمون شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار).
وفي قوله (ص) المسلمون شركاء في الملح وما يقاس عليه). ولعل السبب
في ذلك أن الاقرار بحق الأفراد في تملكها، وهي حاجات ضرورية، قد
ينطوي على الاضرار بمصلحة الجماعة. ومما يتعلق بذلك قول الإمام أبي
يوسف في المروج "ولو أن أهل قرية لهم مروج يرعون فيها ويحتطبون
منها قد عرف أنها لهم فهي لهم على حالها يتبايعونها ويتوارثونها
ويحدثون فيها ما يحدث للرجل في ملكه. وليس لهم أن يمنعوا الكلأ ولا
الماء. ولأصحاب المواشي أن يرعوا في تلك المروج ويستقوا من تلك
المياه. ولا يجوز لأحد أنه يسوق ذلك الماء إلى مزرعة له إلا برضى
من أهله ...".
كما جاء في كتاب الخراج أيضاً: "أن المسلمين شركاء في الانتفاع
بالمياه من دجلة والفرات أو أي نهر كبير نحوهما أو واد يستقون منه
وليس لأحد أن يحبس الماء عن أحد دون أحد، كما يقع على الإمام كريه
الأنهار لمصلحة عموم المسلمين أن احتاج إلى ذلك، لهذا فان الفرات
ودجلة يسقى من شاء وتمر فيهما السفن ولا يكونون فيهما شفعاء
لشركتهم في شربه".
إن هذا الانتفاع المشترك بهذه المياه التي تجري في أنهار كبيرة
يعود إلى أن هذه الأنهار غير مملوكة لأحد من الناس أولاً ولأن
مياهها غير محرزة ولا مقهورة أو محل استيلاء أحد كي تكون مملوكة
له، فلا هي مملوكة لأحد ولا مائها بمملوك لذا بقيى ماؤها على أصل
الإباحة وصار الناس فيه شركاء بمقتضى الشركة الطبيعية في الإباحة
حيث يثبت لكل إنسان حق الاستعمال والشرب مطلقاً من غير قيد واحداً
وهو ألا يترتب على تصرف الإنسان ضرر بالعامة لأن الضرر يزال.
ومن الجدير بالذكر أن حمى بعض الأموال يعد ملكاً للمسلمين على سبيل
الانتفاع الجماعي. فقد روي عن الرسول (ص) انه قال: "لا حمى إلا لله
ورسوله" أي أن الحمى إنما يكون لمنفعة تعدوا تكون اقراراً للملكية
الجماعية في الإسلام، وتصير الأرض بها ملكاً لجماعة المسلمين في
سبيل منفعة عامة، لهم كأن تكون مرعى لخيلهم التي يحملون عليها حين
يجاهدون في سبيل الله تعالى. ولإمام المسلمين بمقتضاها أن يأخذ من
أموال العباد وأملاكهم ما تدعوا إلى ذلك مصلحة عامة، ذلك لأن مصلحة
الجماعة مقدمة على المصالح الخاصة.
-------------------------------
المصدر : المدخل إلى علم القانون