موسوعة المصطلحات والمفاهيم || موسوعة علم الإقتصاد

شبهات حول تحريم الربا
محمد حسين فضل الله



ربما يطرح إنسان بعض الأفكار حول تحريم الربا.
1- إن الزيادة في القرض حق للمرابي، لأن المال الذي يدفعه للمقترض يتيح له الفرصة للعمل وللربح تماماً كما هو حال صاحب الدار الذي يتيح للمستأجر فرصة الانتفاع بالسكنى ـ فيأخذ الأجرة في مقابل ذلك فالقضية في مجملها، هي أن تكون الزيادة في مقابل المنفعة، فكيف يكون ذلك أكلاً للمال بالباطل. ونجيب على ذلك، بأنّ المنفعة في الدار هي أمر حقيقي قائم بالدار، وهي ملك لصاحبها كما هي الدار ملك له فيستحق العوض عليها من مستثمرها الذي لا يتحمل أيّة مسؤولية فيما يحدث للدار إذا لم يكن هناك اعتداء من قبله فإذا تلف شيء من الدار من دون تعدّ ولا تفريط فإن المالك هو الذي يتحمله وحده، أما رأس المال في القرض فأن العامل يتحمل مسؤوليته، بالإضافة إلى الزيادة، من دون أن يتحمل صاحب المال شيئاً فهو رابح دائماً بينما يكون العامل معرّضاً للربح والخسارة، مما يعني أن القضية ليست انتفاعاً بمال الآخرين في مقابل أجرة، بل القضية هي الانتفاع بماله الذي يتملكه بالقرض في مقابل ضمانه له ... وتحمّله لمسؤوليته ... مما يجعل بين الأمرين فرقاً كبيراً ...
2- ان الزيادة المأخوذة في معاملة الربا، ليست زيادةً في الحقيقة، بل هي تعويض لصاحب المال عن الخسارة الطارئة بسبب ضعف القوّة الشرائية للعملة على مرور الزمن ... وربما تكون الخسارة أكثر من التعويض، كما نشاهده في العملات التي تهبط إلى أكثر من النصف، بينما تكون الزيادة بنسبة خمسة بالمائة أو أكثر أو أقل قليلاً ... وذلك من خلال الأوضاع الاقتصادية المرتبكة.
ونجيب على ذلك: ان القضية إذا كانت على هذا الأساس، فكيف نصنع بالحالة الاقتصادية التي تساهم في رفع سعر العملة، فهل يتوقف الدائن عن طلب الزيادة، أم يظل على موقفه في حالة الزيادة والنقصان ... أن فكرة التعويض لا تنسجم مع طبيعة قانون الربا الذي لا يراعي الدقّة في هذا الجانب فيما يفرضه من زيادة ثابتة في جميع الأحوال ...
3- وقد تثار ـ في هذا الجانب ـ قضية حيويّة، وهي أن بعض الناس قد يحتاجون إلى أن يحركوا أموالهم في اتجاه الربح من دون أن يقدّموا عملاً عضوياً أو فكرياً في ذلك، أمّا لعجزهم عن العمل وأمّا لظروف ذاتية خاصة ... فما هي الطريقة إلى تحقيق ذلك، بدلاً عن الرّبا ... وقد يضيف هؤلاء، إننا نعرف أن الربح لا يتحرك من خلال العمل، بل ينطلق من عنصرين ... رأس المال، والعمل، فلولا المال لما تمكن العامل من التجارة، ولما استطاع صاحب المصنع أن يصل إلى ما يريده من مستوى الإنتاج، فلابد من أن يكون لرأس المال حصة من أجل تحقيق العدالة والتوازن في هذا المجال.
ونجيب على ذلك ... بأن الإسلام قد وضع حلاً عملياً يرتكز على المزاوجة بين رأس المال وبين العمل وهو المضاربة، التي تمثل الشركة بين صاحب المال وبين العمل بحيث تكون النتيجة لهما على حسب الاتفاق بينهما في مقدار الحصّة لأيّ منهما، في حالة الربح، كما أن الخسارة في حالة حدوثها تلحق رأس المال تماماً كما يخسر العامل عمله ... وبذلك يتم التوازن في حركة المال نحو الربح من دون عمل، وحركة العمل نحو الربح من دون رأس مال ... فيتحمل كل منهما خسارة الجانب الذي يقدّمه في حالة الخسارة، كما يحصل كل منهما على الربح في حالة الربح ...
3- هناك من يقول: إن تحريم الربا يؤدي إلى شلل في الاقتصاد على مستوى الفرد والمجتمع، لأن معنى ذلك هو إلغاء المصارف، والعلاقات الاقتصادية القائمة في حياة الناس على أساس الربا ... مما يجعل من التحريم، أمراً غير واقعي، ولا عملي، فلا يكون صالحاً للتطبيق، فلابد من تجميده في هذه الظروف من أجل مصلحة الإنسان التي قد تواجه بعض السلبيات في مقابل الكثير من الإيجابيات ...
ونجيب على ذلك، بأن كل حكم إسلامي، تحريماً أو إيجاباً أو إباحة، لا يمكن أن نعرف واقعيته وعلاقته بالحل الشامل لمشكلة الإنسان، إلا من خلال مقارنته بالأحكام الأخرى التي تلتقي معه في إيجاد الحل لأن الإسلام يمثل، في أيّة مشكلة من مشاكل الواقع، كلاّ مترابط الأجزاء، أو هيكلاً متناسق الخصائص فيما يطلقه من تشريعات لتحقيق الحل الأفضل الشامل ... وهذا هو ما نفهمه في موضوع تحريم الربا فأننا لا نستطيع معرفة سلبياته وإيجابياته في نطاق النظام الرأسمالي الذي يمثل الربا العمود الفقري له ولا يمكن أن نفكر في إلغاء الربا، مع إبقاء العلاقات الاقتصادية على ما هي عليه، لأننا لا نتحدث عن التحريم على أساس الأمر الواقع بل من موقع العمل على تغيير النظام في قواعده وأسسه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، الأمر الذي نعرف فيه الإيجابيات العملية لتحريم الربا في الخطة الإسلامية المتكاملة...
------------------------------------
المصدر : من وحي القرآن حلقة 5


 

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم   || موسوعة علم الإقتصاد