موسوعة المصطلحات والمفاهيم || موسوعة علم الإقتصاد

الحداثة ضد التحديث
محمد محفوظ



إن التطورات الكمية التي حدثت في جسم العالم العربي والإسلامي، ويصطلح على تسميتها بالتحديث، ليست في حقيقة الأمر إلا مجموعة شكليات ومظاهر للتحديث، دون الإمساك بالقيم والمبادئ الأصلية أو الحقيقة للتحديث الشامل، فالتغير الذي وصفناه لا يعني أن المجتمع المدني العربي قد أصبح مجتمعا عصريا، أي ينتج قيم العصر، ويقوم عليها ويحققها معا وإن كان قد أصبح حديثا.
ينبغي التمييز بين الحداثة والتحديث، فإذا كانت الحداثة تعني التأكيد على قيم المشاركة والفعالية. فإن التحديث هو قبل كل شيء عملية أو مجموعة من العمليات التراكمية التي تطور _ في مجتمع ما _ قوى الإنتاج وتعبئ الموارد والثروات وتنمي إنتاجية العمل وتمركز السلط الإجتماعية والسياسية داخل أجهزة محكمة وتحرر في الآن نفسه تقاليد الممارسة السياسية من المشاركة في الحياة العامة وتؤنسن القيم والقوانين والنواميس لتجعلها علمانية صرفا فلا تخضع لأية عقيدة ولأي موقف أيديولوجي معين.
وهذا يعني أن عملية التحديث في التجربة العربية، لا تتعدى التقليد الأبله، واللهاث الفارغ لنموذج تحديثي يغايرنا في الظروف الإجتماعية والحضارية، ولا يتناغم وأصول حركتنا الإجتماعية وذاتنا العقائدية والثقافية. وبهذا لا يصح أن نطلق على عملية التحديث في التجربة العربية, أنها عملية تراكمية وتواصلية في خط سير معروفة بداياته ومعينة غاياته. لأنها أساساً تتحول في مضمونها إلى تحرر من مرجعية القيم الذاتية.
مهما تعددت الاتجاهات النظرية التي تعالج هذه المسألة في الواقع العربي والإسلامي. فالحداثة تعتبر اتجاهاً تصاعدياً باتجاه الرفاه والرخاء الاقتصادي والإجتماعي. والتحديث تعميم لمؤشرات هذا الاتجاه الكمية والشكلية, ولعلنا إذا تأملنا في مدارس التنمية المتبعة في العالمين العربي والإسلامي، نكتشف مدى الفرق، بين اتجاه التصاعد النوعي في عمليات التقدم والتطور، واتجاه المؤشرات الكمية، التي تبحث عن أرقام وحسابات وشكليات تنموية، دون توفير أسباب التنمية الإجتماعية والثقافية فالخلط بين مفهومي الحداثة والتحديث، وإيجاد المساوقة النظرية بينهما، أدى على المستوى العملي والاجتماعي، إلى الخلط بين النمو والتنمية.
وكانت النتيجة العملية لهذه المسألة، هو السعي الجاد إلى تحديث أنماط الحياة، بما يتماشى ومتطلبات المعركة الجديدة. فتم إنهاء الصناعات الحرفية والوطنية، وتدمير البنية التعليمية والثقافية التقليدية، وتقويض أسس الاكتفاء الذاتي على المستويات كافة وأصبحت التنمية وفق هذا المنظور تعني: تحديث وسائل العيش وإقحام التقنية في كل مكان وفي كل مكان وفي كل المجالات وتكسير الأيديولوجيا الأصلية وإحلال ثقافة بديلة تقوم على (تغريب) التشكيلات القولية حتى تكون قابلة لاستيعاب أنماط الحياة الجديدة واستبطان خصائص الحضارة الداخلية. وبهذا المفهوم تؤدي الحداثة حتما إلى القضاء شيئا فشيئا على الحضارة الأصلية ومعالمها، وبذلك تدخل هذه الأخيرة المتاحف لتعوض بالحضارة الغربية التي ستسيطر على كل المستويات ويفعل هذه العملية، تم حشر جميع المصطلحات (الحداثة، التقدم، التطور، التنمية.. الخ) في بوتقة الكيان النظري الغربي.
إننا بحاجة إلى منهج جديد، نقرأ من خلاله دورات الفكر وخطاباته المتعددة، قراءة لا تسعى بالدرجة الأولى إلى تفنيد أخطاء الآخرين، من زاوية النفي والإقصاء. قراءة تهتم بتاريخية الأفكار، من زاوية تفسيرها في لحظة إنتاج الخطاب، وظروفه الشاملة، وصولا إلى ابراز المجامع المشتركة لكل الدورات الفكرية. فلا شك أن ثمة بنية داخلية مشتركة، يمكن إخضاعها للدرس، وإن إختلفت مرجعياتها الاصطلاحية في الزمان والمكان.
------------------------------
المصدر: الإسلام , الغرب.. وحوار المستقبل

 

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم   || موسوعة علم الإقتصاد