موسوعة المصطلحات والمفاهيم || موسوعة علم الإقتصاد

قضية.. نعم الإسلام هو الحل.. ولكن كيف ؟
عبدالرحمن زكي
 


الإسلام نظام للحياة البشرية يقوم على أساس تحكيم شريعـة اللـه وحـدها في أوضاع الحياة كلها، والإسلام وهو يتولى تنظيم الحياة الإنسـانية جميعا، لم يعالج نواحيها المختلفة جزافا ولم يتناولها أجـزاء متفرقة، ذلك أن له تصـورا كليا متكاملا عن الألوهية والكون والحياة والإنسان.
والذين يريدون من أصحاب الدعوة إلى الإسلام أن يستعيروا مناهج الفكر الغربية، يسلمون بالهزيمة حين يحاولون تجديد حياتهم باستعـارة الطرق الغربيـة في التفكير والحياة والسلـوك، وينتهي بهم الأمر إلى وأد الحياة التي يعملون لإحيائها لأنهم منـذ الخطوة الأولى يعدلون عن طريقهم الطبيعي الوحيد، وهو أن يفكروا على أسس إسلامية تجعل العنصر الأخلاقـي أصيلا في بناء الحياة وتنظر إلى الغايات الخلقية للمجتمع، ولا تجعل المنفعة هي الغايـة العليا للأخلاق، ذلك أن الإسلام يحقق غايات الحياة الصالحة كلها، وهو يحافظ على العنصر الأخـلاقي فيها، وتكمن قيمته الحركية الكـبرى في أنه لا يجزئ الحياة ولا يفصـل بين الوسائل والغايـات، كـما أنـه لا يفترض التعارض بين المادي والروحي في كيان الحياة وفي طبيعة الكـون والإنسان، بل يفترض أن الحياة وحدة كلية تسـير بجملتها نحو الأهداف في توافق واتساق.
والشورى هي الفلسفة الإسلامية للحكم في الدولة الإسلامية وللمجتمع الإسلامي وللأسرة المسلمة، ولم يقف الإسلام من الشورى عند حد اعتبارها حقا من حقوق الإنسان وإنما ذهب فيها إلى الحد الذي جعلها فـريضة شرعيـة واجبـة على الأمة كلها، حكـاما ومحكـومين، في الدولـة وفي المجتمع وفي الأسرة وفي شتى مناحي السلوك الإنساني، أما طريقة الشورى فلم يحدد الإسلام لها نظاماً خاصاً وترك للأمة كامل الحق وكل الحريـة في إبـداع النظـم والتنظيمات والسبل والوسائل التي تقترب بغايات الشورى ومقاصدها من الفعل والعطاء عندما توضع في الممارسة والتطبيق.
وتقوم سياسة الحكم في الإسلام بعـد التسليم بضرورة الشورى بين الحاكم والمحكـوم، على أساس العدل من الحكـام والطاعة من المحكومين، فالعدل في شرعة الإسلام فـريضة واجبة وليست مجرد حق من الحقوق التي باستطاعة صاحبها التنازل عنها إذا هو أراد، أو التفريط فيها دون وزر وتأثيم، أما الطاعة من المحكومين فهي تعني توقيت السمع والطاعة بإقامة كتـاب الله تعالى، فليست هي الطاعة المطلقة لأوامر الحاكـم وليست هي الطاعة الـدائمة ولو ترك شريعة الله ورسوله.
التنمية في نظر الإسلام
والتنمية في نظر الإسلام هي تنمية شاملة لكل جـوانب الحياة الإنسانية ومقوماتها، وليست تنمية اقتصادية محدودة، وهي إذن تتناول جميع مظاهر الحياة وجـوانب النشاط فيها، كـما تتنـاول الشعور والسلوك والضمائر والوجدانات، والقيم التي تتناولها هذه التنمية ليست القيم الاقتصادية وحدها وليست القيم المادية بصفة عامة، إنما هي هذه ممتزجـة بالقيم المعنوية والروحية معا. ولا تقوم التنمية بغير أخلاق، فالأخـلاق ليست نافلة يمكن الاستغناء عنها ثم تنجح حياة الإنسان العملية، والقيم الأخلاقية عنصر أصيل وعميق في التصـور الإسـلامي وفي كيان المجتمع المسلم بحيث لا يخلو منه جانب من جوانب الحياة ونشاطها كله.
العمل واجب وحق في آن واحد
ويهتم الإسلام بتقريـر حق العمل لكل إنسان، وحق العامل على الدولة أن تهيئ له فرصة العمل ولا تتركه إلى التسويف والمماطلة، فالعمل المنتج حـاجـة من الحاجـات الأساسيـة للإنسان يرضي فيه نزعة طبيعية ويوفر له مورد الرزق ويؤكد وضعه في الأمة كفرد مفيد وبالتالي شعوره بالانتماء إلى هذه الأمة. وإذا كان الإنسان صانع التنمية وهـدفهـا في نفس الوقت، فإن الأولـوية في أي خطة للتنمية تصبح توفير العمل المنتج لكل قادر عليه، وفوق ذلك فإن بطالة الشباب قـد تسهم في الجريمـة وعـدم الاستقرار. وترتبط الجريمة في المحل الأول بـالفقر والاضطراب الاجتماعي، ولكنهـا تتجه إلى الزيادة حينما توجد فئات كبيرة من الشباب العاطلين.
الملكية وضوابطها في الإسلام
في السنوات العديدة الأخيرة أخذ الاهتمام بموضوع تحويل الملكية العامة إلى القطاع الخاص في الازدياد في كل من الدول المتقدمة والنامية، ولكن الإسلام وضع قواعد لتـوزيع الملكيـة صالحة في كل زمان ومكـان، حيث لا يقر الصلة التي تقضي بأن يتغير شكل الملكية كلما استجـدت حـاجـة الإنتـاج إلى تغيير، أو كلما استجاب البعض لأهواء دعاة التبديل، ولكن القضية في نظر الإسلام هي قضيـة إنسان له حاجـات عامة وميول أصيلة يجب إشباعها في إطار لا يخالف أصل الفطرة وفي نفس الوقت يحافظ على إنسانيته وينميها، فـالفرد بوصفه إنسـانا خـاصا له حـاجات لا بد من إشباعها عن طريق الملكيـة الخاصة، والى جـانب ذلك يرعى الإسلام الشعـور الاجتماعي الفطري في الإنسان حيث يشعر كل فرد بـأنه عضو في المجتمع ولا يستطيع أن يعيش بمفرده، ولذا تأتي الملكيـة العامة لإشباع الحاجـات العـامة، غير أنه كثيراً ما لا يتمكن بعض الأفراد من إشباع حاجاتهم عن طريق الملكيـة الخاصة فيمنى هؤلاء بالحرمان ويظهر التفاوت الشـاسع بين الأفراد في الـدخول والثروات، وعليه جعـل الإسلام الشكل الثالث للملكيـة وهو ملكية الدولـة أو ملكية بيت المال لتكـون رصيداً للـدولة يمدها بالأموال اللازمة لتحقيق التوازن الاجتماعي.
الإسلام والمشكلة الاقتصادية
والندرة النسبية في الموارد ليست مشكلة حقيقية، فالمشكلة من وجهة نظر الإسلام ليست في ندرة الموارد وإنما في توقف جهد الإنسان في الكشف عنهـا، فهناك توجيهات عديدة تحث الإنسـان وتدعوه إلى العمل المنتج المتـواصل والى طلب العلم والى البحـث لفهم أسرار الكـون وللكشف عـن الموارد والنعم التي تملأ الطبيعـة والتي سخرها اللـه لخير البشر، ولاستغلال هـذه الموارد سنن أو قـوانين تستقيم بها منفعتهـا وتتضاعف غلتها ويزداد دخلها، وهذه السنن على نوعين: سنن مادية وسنن روحية، تحقيقا لمنهج الإسلام في تناول الجانب الروحي لدى علاج كل أمر.
الإنتاج والتوزيع والتبادل
ومن أجل تنمية الإنتاج في نطاق الحلال والحرام تتدخل الدولة في نظر الفقه الإسلامي المستنبط من الكتاب والسنة بالأمور التالية:
أ- حصول ضرر خاص أو عام.
ب- الاستغلال.
جـ- الكسب عن طريق التطفل والمهن الوهمية.
د- المرافق العامة.
هـ- النشاطات المعارضة للأهداف الأخلاقية التي أقرها الإسلام.
و- ضمان الحد الأدنى من إنتاج الحاجات الأساسية.
ز- تحقيق مفهوم العدالة الاجتماعية التي دعا إليها الإسلام.
ولعل أهم الضمانات لتحقيق التنمية واستمرارها ما أجمع عليه فقهاء الإسلام من تقسيم السلع والخدمات التي تتفق ومصالح الإنسان إلى ثلاث مجموعات هي: الضروريات والحاجيات والتحسينيات، وما قـرره هؤلاء الفقهاء من تقديم الضروريات على الحاجيات وتقديم الحاجيات على التحسينيات، وهذا ما يعبر عنه في الاصطلاح الحديث بأولويات التنمية.
ويعالج الإسلام قضايا التوزيع على نطاق أوسع وباستيعاب أشمل، فهو لا يكتفي بتوزيع الدخل القومي أي مجموع السلع والخدمات المنتجة فحسب، ولكنه يتناول أيضا الجانب الأعمق للتوزيع وهو توزيع الموارد الطبيعية. والمعروف أن تـوزيع الموارد الطبيعية يسبق عملية الإنتاج نفسها، ذلك أن الأفـراد يمارسون نشاطهم الإنتاجـي تبعا للطريقة التي تقسم بها الموارد الإنتاجية، وعليه يتم توزيع الموارد الطبيعية قبـل الإنتاج، أما توزيع الدخل القومي فهو مرتبط بعملية الإنتاج ذاتها ومتوقف عليها لأنه يعالج النتائج التي يسفر عنها الإنتاج.
والهدف من البنوك الإسلاميـة هي أن تحل محل البنوك التجارية باعتبارها تعمل بالفائدة، وهنا يرى بعض الفقهاء أن عقد المضاربة في الإسلام يعتبر أساساً شرعياً لبعض عمليات الائتمان المعاصرة، وعليه يعـدل نظام أعمال البنوك حتى يتـلاءم مع أحكـام عقد المضـاربة الإسـلامي وحتى تحل أربـاح المضـاربة محل الفـائدة المحرمة، ومن ناحية أخرى فهناك من يرى أن البنك ليس مضارباً والمودعين ليسوا أرباب مال، وإنما هم شركـاء جميعا، لذلك فإن قواعد الشركة هي التي يجب أن تسري وليست قواعد المضاربة. وعلى أي حال فإن قيمة عمليات البنوك الإسلامية تتضح لنـا إذا ما عرفنا أن العلاقة بين التعامل بسعر الفائدة والتعامل بمبدأ المشاركـة في الربح (من خلال عقود المضاربة أو الشركة) تشبه إلى حد كبير العلاقة بين الوهم والحقيقة أو بين الخيال والواقع.
والتأمين التجـاري الذي تمارسه شركـات التأمين لا يحقق الصفة الشرعية للتعاون والتضامن، غير أن كلا من التأمين التبادلي والتأمين الاجتماعي يحقق الصفة العملية التي شرعها الإسلام للتعاون وبذل التضحيات، فهذان النوعان من التأمين يقومان على قصد التعاون والتضامن والتبرع دون الرغبة في السعي وراء الربح. وعليه فهما يعدان تطبيقا سليما لنظرية التأمين في نظرنا، ويمكن تطبيق التأمين التبـادلي من خلال التعاونيـات بجميع أشكـالها والنقابات المهنية والمؤسسات الجماهيرية، أما التأمين الاجتماعي فتقوم به الدولة بقصد تأمين بعض طبقات الشعب ضد أخطار معينة.
والتنظيم الإسلامي للبورصات يقتضي أن ينطبق على العقود الآجلة في كل من بورصتي الأوراق المالية والبضائع أركان عقد السلم من أنه بيع شيء معلوم إلى أجل معلوم مع تـوافر أهم أركان عقد السلم وهو نية تسليم المبيع. ويجب على الحكـومـات الإسلاميـة أن تخصص أجهزة رقـابة على الشركـات التي تتعامل في البورصة حتى لا يتلاعب رؤساؤها أو مديروها في الميزانيات فيؤثروا في الأسعار في البورصة ويستفيدوا هم وأتباعهم من فروق الأسعار.
النظام المالي للدولة الإسلامية
وقـد وضع الإسلام نظاما ماليا بمقتضاه لا يخرج المال عن الغاية التي من أجلها كـان، ومن أبرز سمات النظـام المالي الإسلامي هو أنه نظام قائم ضمن توجيهات الإسلام الدينية والاجتماعية والاقتصادية، وأن مهمته دعم رسالة الإسلام في المجالات المذكورة، وأن الهدف منه حماية الاقتصاد الإسلامي وإيجاد العمل لكل قادر وحماية هذا العمل ودعم الإنتـاج بمختلف أنواعه والعمل على وفرته وجودته وتوزيع الدخل على مستحقيه توزيعـا عادلا وترشيد الإنفـاق العام والخاص، وقـد كانت الموارد المالية في عهد الرسول صلى اللـه عليه وسلم تعتمـد على الـزكـاة والغنائم والفيء والجزية، وفي عهـد الخليفة الثـاني عمر بن الخطاب كثرت الموارد المالية وظهرت المشروعات التي تحتاج إلى تعدد أنواع النفقات، وبالتالي فقد استحدثت موارد مالية أخـرى كالخراج على الأرض وكالعشور على التجارة.
ويعتبر الحاكم مسئولاً عن تحقيق التـوازن الاجتماعي بالطرق المشروعة، وقد تكفل الإسلام بتوفير الإيرادات من خلال وسيلتين رئيسيتين هما:
أ - فرض التزامات مالية ثابتـة تؤخذ بصورة مستمرة كالزكاة.
ب - إيجاد قطاعات عامة وتـوجيه الدولة إلى استثمار تلك القطاعات. والإسلام يسن تشريعات عادلة تحول دون تراكـم الأموال لدى فئة وتؤدي إلى تفتيت الملكية منها الميراث والوصية ومحاربة الإسلام لاكتناز النقود وإلغاء الفائدة على رأس المال وإلغاء الاستثمار الرأسمالي للثروات الطبيعية.
الاعتماد الجماعي على الذات
ومن الثابت الآن أن الدولة الإسلامية بما تملكه من موارد طبيعية هائلة ومتنوعة، تسعى من خلال العمل المشترك إلى تحقيق تحررها الاقتصـادي ونفي تبعيتها للخارج بفضل انتهاج سياسة تنموية مستقلة، وفي ظل الحـماية التجارية المتزايدة من جانب الدول الصناعية وتفاقم مشكلة الديون الخارجية لعدد متزايد من الدول الإسلامية، أصبح لمفهوم الاعتماد على الذات بعد جماعي، بمعنى أنـه يمتد ليشمل إقامة نوع من أوجـه التعاون والعلاقات ذات المصالح المتبادلة مع مجموعة الدول الإسلامية التي تعاني مشاكل وهموما متشابهة، وتوجد بينهـا ألوان التعاون المثمر ويمكن أن يشمل التعاون الأمور الحيوية التالية:
1 ـ إقامة أنواع مختلفة من المشروعات المشتركة.
2 ـ وجود نظام للتفضيلات الجمركيـة بين دول العالم الإسلامي.
3 ـ تبادل التقنية المتاحة التي طورتها هذه الدول.
4 ـ تكوين اتحادات لمنتجي السلع والمواد الأوليـة في الدول الإسلامية.
5 ـ توحيد المواقـف من القضايا الدوليـة المثارة مثل قضيـة المديـونيـة الخارجية، ونظام النقد الدولي والموقف من الشركات عابرة الجنسيـات. والتنميـة في المنهج الإسلامي لا تقوم على الأمنيات الحالمة التي تصطدم بفطرة الإنسان وواقعه وملابسات حياته، وهي عملية ترعى خلق الإنسـان ونظافة المجتمع، فلا تسمح بإنشاء واقع مادي من شأنه انحـلال الخلق وتلـويـث المجتمع تحت مطـارق الضرورة التي تصطدم بذلك الواقع، بل تتـوخى دائـما أن تنشئ واقعا يساعد على صيانة الخلق ونظافة المجتمع مع أيسر جهد يبذله الفرد ويبذله المجتمع.
-----------------------------------------
المصدر : مجلة العربي 433 / 1 ـ 12 ـ 1994

 

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم   || موسوعة علم الإقتصاد