موسوعة المصطلحات والمفاهيم
موسوعة
الفقه والتشريع

د. مصطفى البروجردي
بحث حول جريان الربا في المعدود



الرأي الشائع بين فقهاء الشيعة هو أن من شروط الربا في البيع أن تكون السلعة مكيلة أو موزونة. وبالنتيجة لو كانت السلعة غير مكيلة و موزونة فلن يتحقق فيها الربا. وقال صاحب الجواهر ان دليل هذا الرأي هو الإجماع مستعيناً ببعض الكتب كالخلاف للشيخ الطوسي، ومجمع البيان للطبرسي، والتذكرة للعلامة الحلي، والغنية لابن زهرة، والسرائر لابن إدريس الحلي؛ لكنه يؤكد في أعقاب ذلك بأن هذا الإجماع لم يثبت له، ويضيف بأن بالأصل والعمومات كافية في جواز معاملة السلعة العددية. وفي نقد مثل هذا الإجماع لابد من القول: إن دليل هذا الإجماع بعض الروايات المذكورة في الكتب الفقهية والتي لابد من التأمل فيها. أضف إلى ذلك أن بين القدماء الذين سبقوا الشيخ الطوسي أفراداً يرون ان حكم المعدود كحكم المكيل والموزون، كالمفيد في المقنعة وأبي علي وسلار. وانطلاقاً من ذلك ومع وجود مثل وجهات النظر هذه، لا يبدو ادعاء الإجماع من قبل العلامة والطبرسي والطوسي ـ لاسيما في كتاب الخلاف الذي يدعي فيه الإجماع في كل مسألة ـ ادعاء مقبولاً. ولا يبدو قوياً ذلك الدليل الذي ذكره صاحب الجواهر لتأييد الرأي أعلاه، لأن الأصل والعمومات وخلافاً لما ذهب إليه لا تؤيده. فاطلاقات أدلة تحريم الربا تشمل ربا المعدود أيضاً سيما وان المعاملات النقدية تمثل أهم المعاملات الربوية حيث تؤد إلى توجيه ضربات لأنواع التجارة والصناعة وإغلاق باب القرض. والنقود في يومنا هذا، جزء من المعدود أيضاً.ت ومن البديهي أن أحداً لا يتعامل بالدرهم والدينار أي بالفضة والذهب في عصرنا الراهن. وتصدق المؤاخذة أعلاه على صاحب الجواهر إذا فسرنا المراد بالأصل في كلامه هو الأصل العملي. كما تصدق أيضاً لو قيل انه يريد به أصل الصحة في العقود، إذ إن العمومات هي دليل أصل الصحة في العقود، ولذلك يجب أن يكون عطف العمومات على الأصل عطفاً تفسيرياً. وقد يدافع أحدهم عن صاحب الجواهر قائلاً: بما أن أدلة حرمة الربا ذات إجمال مفهومي، فبامكاننا التمسك بعمومات صحة العقد ونقول بعدم جريان الربا في المعدود. غير ان هذا الدفاع غير صحيح وللأسف إذ تم سابقاً إثبات عدم صحة نظرية إجمال أدلة حرمة الربا، وأن هذه الأدلة ذات طابع عمومي. والدليل الآخر الذي أورده الفقهاء القائلون باختصاص الربا بالمكيل والموزون هو الروايات التي ننبري لدراستها فيما يلي: الرواية الأولى: "لا بأس بمعاوضة المتاع ما لم يكن كيلاً أو وزناً". هذه الرواية صحيحة من حيث السند، أما من حيث الدلالة فيجب القول: ليس هناك ما يدلل على أنها بشأن الربا، بل إن كلام الإمام (ع) عام، هذا أولاً. أما ثانياً فهي تقول بأن هناك إشكال بمعاوضة المتاع أو البضاعة إذا كانت كيلاً أو وزناً، وهذا لا يعد حصراً. أي ان هذه الرواية تتحدث عن ثبوت (البأس) في المكيل والموزون. ولو افترضنا أن هناك مَن يشكل على ذلك ويقول: إننا نتمسك باطلاق منطوق هذه الرواية. فاننا نرد عليه بقولنا: ان هذا الاطلاق قد قُيّد بالروايات بالصحيحة التي أثبتت جريان الربا في المعدود. الرواية الثانية: "ان ما عُدّ عداً ولم كيل ولم يوزن فلا بأس به اثنان بواحد داً بيد ويكره نسيئة". هذه الرواية ضعيفة من حيث السند غير ان صاحب الجواهر يقول ان ضعفها يُجبر بالعمل المشهور. وبما أن مثل هذا العمل لا يجبر ضعف السند، لذلك لا يمكن عدّ هذه الرواية متعارضة مع الأحاديث الصحيحة التي تقول بجريان الربا في المعدود. - الرضا القرضي: يمكن تصور الزيادة في مضمار القرض على نحوين: الأول زيادة في مقابل تأجيل القرض. وهي زيادة في الشيء نفسه لأنها زيادة على ما في الذمة. والثانية زيادة توضع منذ البداية في عقد القرض. وتُعد حراماً لو وُضع شرط النفع في عقد القرض لصالح المقرض. والأمر الجدير بالاهتمام على صعيد الربا القرضي هو انه لا يختص بالمكيل والموزون، وإنما يجري في جميع السلع مكيلة وموزونة ومعدودة. واللبرهنة على حرمة القرض الربوي جرى التمسك بالعديد من الأدلة، مثل: الإجماع. ولا يُعد دليلاً مستقلاً نظراً لاستناده إلى آيات وروايات مختلفة. الآية الكريمة: (أحلّ الله البيع وحرّم الربا) وسائر الآيات التي حرّمت الربا مطلقاً. الروايات والأحاديث الواردة عن الأئمة الطاهرين (ع) مثل: رواية جعفر بن غياث عن الإمام الصادق (ع): "وأما الربا الحرام فهو الرجل يقرض قرضاً ويشترط أن يرد أكثر مما أخذه فهذا هو الحرام". ورغم تحدث هذه الرواية بصراحة عن حرمة القرض الربوي، إلا أنها رواية غير معتبرة نظراً لكون راويها ـ أي جعفر بن غياث ـ مجهولاً. رواية داود الابزاري: "لا يصح أن تقرض ثمرة وتأخذ أجود منها بأرض أخرى غير التي أقرضت منها". وهذه الرواية تنهى عن أخذ سلعة أفضل من السلعة التي أُقرضت، لا عن شرطها أو شرط الزيادة في القرض. في حين يجوز أخذ سلعة أفضل إذا كان ذلك بدون شرط، طبقاً للروايات. لذلك لو أردنا العمل بهذه الرواية فلابد أن نحمل النهي على الكراهة، للتوفيق بين الروايات. هذا فضلاً عن أن النهي في هذه الرواية يختص بالسلع المثلية. وهناك إشكالان آخران هما: الأول أن داود الابزاري يُعد ضعيفاً في علم الرجال، والثاني لا يعرف قائل هذه الرواية. ج) رواية إسحاق بن عما عن الإمام علي بن موسى الرضا (ع): "سألته عن الرجل يكون له مع رجل مال قرضاً فيعطيه الشيء من ربحه مخافة أن يقطع ذلك عنه فيأخذ ماله من غير أن يكون شرط عليه. قال: لابأس بذلك ما لم يكن شرطاً". ويشير مفاد هذه الرواية إلى حرمة أخذ الربح في مقابل التأجيل في حالة الاشتراط في عقد القرض. وتعد هذه الرواية ضعيفة أيضاً لوجود موسى بن سعدان فيها. د) رواية إسحاق بن عمار عن الإمام موسى الكاظم (ع): "قلت لأبي إبراهيم (ع): الرجل يكون له عند الرجل المال قرضاً فيطول مكثه عند الرجل لا يدخل على صاحبه منفعة فينيله الرجل الشيء بعد الشيء كراهية أن يأخذ ماله حيث لا يصيب منه منفعة، أيحل ذلك؟ قال: لا بأس إذا لم يكن بشرط". هذه الرواية تشير إلى وجود "بأس"، في حالة وجود شرط الربح. وهي رواية معتبرة السند ولحسن الحظ ليست عليها أية مؤاخذة. هـ) رواية محمد بن مسلم عن الإمام الباقر (ع): "سألته في الرجل يكون عليه دين إلى أجل مسمى فيأتيه غريمه فيقول انقدني من الذي لي كذا وكذا واضع لك بقية، أو يقول انقدني بعضاً وأمد لك في الأجل فميا بقى. فقال: لا أرى به بأساً ما لم يزد على رأس ماله شيئاً. يقول الله عزوجل: فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون". هذه الرواية ترى وجود بأس في الزيادة على رأس المال في القرض سواء كانت تلك الزيادة في عقد القرض أو بازاء التأجيل. ولذلك تُعد أحد أدلة حرمة القرض الربوي. و) الحديث النبوي المعروف: "كل قرض جرّ نفعاً فهو حرام". وقد نقل هذا الحديث عن طريق الشيعة وأهل السنة معاً. وقيل ان صاحب كتاب "بلوغ المرام" قد نقله عن الإمام علي (ع). غير ان أهل السنة يعترفون بضعف طريق سنده. ولذلك تُعد هذه الرواية ضعيفة من حيث السند غير ان البعض يرى ان عمل الأصحاب بمفاده جابر لضعف سنده. وفي نقد هذا الكلام لابد من القول: أولاً لا يُعلم ان عمل الأصحاب كان مستنداً إلى هذا الحديث. ثانياً من الثابت في علم الأصول ان الشهرة العملية للأصحاب غير جابرة لضعف السند. ثالثاً هانك روايات أخرى في مقابل هذه الرواية مضمونها: "خير القرض ماي جر المنفعة" أو "خير القرض ما جرّ منفعة". وانطلاقاً مما سبق يمكن تقسيم الروايات عموماً إلى ثلاث مجاميع: - روايات تحرم كل ربح ومنفعة في القرض سواء كان ذلك شرطاً أو غير شرط. - روايات تجيز كل ربح في القرض سواء اشترط في العقد أم لم يشترط. - روايات تفصل بين شرط الربح في عقد القرض وبين عدمه فتحرم النوع الأول وتجيز النوع الثاني. وهذه المجموعة الثالثة قيدت المجموعتين الأولى والثانية، مما يعني جواز أخذ الربح والنفع في القرض في حالة عدم اشتراطه، وحرمة الأخذ في حالة الاشتراط.
المصدر : فقه الاوراق النقدية والبنك

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم    || موسوعة الفقه والتشريع