موسوعة المصطلحات والمفاهيم
موسوعة
الفقه والتشريع

د. نعمان جُغيم
هل كلّ كلام يحتاج إلى قرائن حالية؟



ليس من اللازم أن يحتاج كلّ كلام إلى قرائن حالية لفهم معناه، فالكلام المفيد التام المعنى يمكن أن يُفهم معناه من غير حاجة إلى قرائن حالية؛ إذ ليس كل كلام وارد في مقام خاص، بل منه ما يكون على سبيل التوجيه
والإرشاد العامين، كما هو الحال فيما نزل من القرآن الكريم من غير سبب خاص، وما ورد في السنة كذلك. وإنما الذي يكون في حاجة إلى الاطلاع على المقام لتحديد معناه هو ما ورد في مقام خاص. ولا حجة فيما
اشتهر عن العرب من أن لكل مقام مقال إذ المراد بهذا تخير الكلام المناسب لكل مقام، وعدم إلقاء الكلام على عواهنه دون اعتبار للمقام الذي يقال فيه. وهنا ينبغي الإشارة إلى أن المقام يتنوع إلى نوعين: مقام خاص،
ومقام عام. فالمقام الخاص هو القرائن الحالية والظروف التي تحفّ بصدور خطابٍ ما، والتي صاحبته وصبغته بصبغتها. أما المقام العام فهو الحالة العامة، أو الهدف العام الذي اقتضى مجيء الخطاب ككون القرآن
الكريم نزل لهداية الناس وإرشادهم إلى طريق الحق. ولما كانت الشريعة الإسلامية عامة زماناً ومكاناً وأشخاصاً، فإننا نجد أغلب نصوص الشارع تميل إلى التجرد عن المقام الخاص والاعتماد على المقام العام، وإن
كان ولابد من مقام خاص فغالباً ما يكون مما يمكن أن يتكرر في مختلف الظروف والأزمان. ومما يدل على ميل الشارع إلى التجرد من تأثيرات المقام الخاص اتجاهه في كثير من الأحيان إلى تعميم الخطاب، وإغفال
الحالة الخاصة التي استدعت تشريع الحكم. فمثلاً تشريع حكم السرقة يروى أن الآيات التي نزلت به نزلت في حادثة معينة، ولكننا نجد الآيات لا تلتفت إلى خصوص الحادثة، وإنما وردت بصيغة عامة ومطلقة تجنباً
لتأثيرات المقام التي قد تؤدي إلى حر النص في شخص معين، أو تقييده بمقام معين. ونفس الأمر بالنسبة لحكم اللعان. كذلك نجد الرسول (ص) يتجه في كثير من الأحيان هذا الاتجاه، فإذا وقعت واقعة وأراد أن يصدر
فيها حكماً أو خطابا توجيهياً، لم يركز على خصوص الحالة التي دعت إلى ذلك، إنما يعمم الحكم، فيخطب في الناس قائلاً: (ما بال أقوام..)، (أيها الناس..)، ومن أمثلة ذلك: 1 ـ أخرج أبو داود عن عائشة (رضي الله
عنها) قالت: كان النبي (ص) إذا بلغه عن الرجل الشيء لم يقل: ما بال فلان يقول، ولكن يقول: (ما بال أقوام يقولون كذا وكذا). 2 ـ أخرج البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها أتتها بريرة تسألها في كتابتها،
فقالت: إن شئت أعطيت أهلك ويكون الولاء لي. فلما جاء رسول الله (ص) ذكرته ذلك. قال النبي (ص): (ابتاعيها فأعتقيها فإنما الولاء لمن أعتق). ثم قام رسول الله (ص) على المنبر، فقال: (ما بال أقوام يشترطون
شروطاً ليست في كتاب الله، مَن اشترط شرطاً ليس في كتاب الله فليس له وإن اشترط مائة شرط). 3 ـ أخرج البخاري عن قتادة أن أنس بن مالك حدثهم، قال: قال النبي (ص): (ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى
السماء في صلاتهم)، فاشتد قوله في ذلك حتى قال: (لينتهن عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم). 4 ـ أخرج البخاري عن أبي مسعود الأنصاري، قال: قال رجل: يا رسول الله، لا أكاد أدرك الصلاة مما يطول بنا فلان. فما
رأيت النبي (ص) في موعظة أشد غضباً من يومئذ، فقال: (أيها الناس، إنكم منفرون فمن صلى بالناس فليخفف فإن فيهم المريض والضعيف وذا الحاجة). وقد ورد خطاب النبي (ص) بلف (أيها الناس) في أكثر من
398 حديثاً في الكتب التسعة فقط.
*المصدر : طرق الكشف عن مقاصد الشارع

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم    || موسوعة الفقه والتشريع