لعن بعضهم بعضاً، وأصله الطرد. قال النووي: إنما سمي لعاناً لأن
كلاً من الزوجين يبعد عن صاحبه ويحرم النكاح بينهما على التأبيد.
قال ابن عابدين: اللعان لغة مصدر لا عن كقاتل من اللعن وهو الطرد
والإبعاد سمي به لا بالغضب للعنه نفسه قبلها والسبق من أسباب
الترجيح.
اللعان في القرآن. قال الله تعالى: (والذين يرمون المحصنات، ثم لم
يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة
أبداً وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا من بعد ذلك واصلحوا فإن
الله غفور رحيم. والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا
أنفسهم، فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين،
والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين. ويدرأوا عنها
العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن
غضب الله عليها إن كان من الصادقين).
ـ اللعان في الحديث النبوي:
عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله (ص) يقول: حينما نزلت آية الملاعنة
أيما امرأة أدخلت على قوم رجلاً ليس منهم فليست من الله في شيء ولا
يدخلها الله جنته، وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله
عزوجل منه وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين يوم القيامة.
عن ابن عباس أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي (ص)، فقال رسول
الله: البينة أو حد … الحديث.
وعن حذيفة: إن قذف المحصنة ليهدم عمل مائة سنة.
قال محمد الاصفهاني: قال بعض العلماء: الفرقة لا تقع بتفسير اللعان
حتى يفرق بينهما الحاكم ولولا ذلك لم يكن للتطليقات الثلاث معنى.
ـ اللعان في الفقه الحنفي:
إذا قذف الرجل امرأته بالزنا وهما من أهل الشهادة، والمرأة مما يحد
قاذفها أو نفي نسب ولدها وطالبته بموجب القذف، فعليه اللعان، فإن
امتنع منه حبسه الحاكم حتى يلاعن أو يكذب نفسه فيحد وإن لاعن وجب
عليها ا للعان، فإن امتنعت حبسها الحاكم حتى تلاعن، وتصدقه، وإذا
كان عبداً أو كافراً أو محدوداً في قذف، فقذفت امرأته، فعليه الحد،
وإن كان من أهل الشهادة وهي أمة أو كافرة أو محدودة في قذف، أو
كانت ممن لا يحد قاذفها فلا حد عليه في قذفه ولا لعان.
وصفة اللعان أن يبتدئ القاضي بالزوج فيشهد أربع مرات يقول في كل
مرة أشهد بالله أني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا، ثم يقول
في الخامسة لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما رماها به من
الزنا يشير إليها في جميع ذلك ثم تشهد المرأة أربع مرات تقول في كل
مرة أشهد بالله أنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا، وتقول في
الخامسة غضب الله عليها إن كان من الصادقين فيما رماني به من
الزنا. فإذا التعنا فرق القاضي بينهما، وكانت الفرقة تطليقة بائنة
عند أبي حنيفة ومحمد. وقال أبو يوسف تحريم مؤبد، وإن كان القذف
بولد نفى القاضي نسبه وألحقه بأمه فإن عاد الزوج فأكذب نفسه حده
القاضي وحل له أن يتزوجها.
وإذا نفى الرجل ولد امرأته عقب الولادة أو في الحال صح نفيه ولاعن
به وإن نفاه بعد ذلك لاعن. وثبت النسب، وقال أبو يوسف ومحمد: يصح
نفيه في مدة النفاس.
وقيل: صورة اللعان وكيفيته، فالقذف لا يخلو إما أن يكون بالزنا أو
بنفي الولد، فإن كان بالزنا فينبغي للقاضي أن يقبحهما بين يديه
متماثلين فيأمر الزوج أولاً أن يقول أربع مرات أشهد بالله إني لمن
الصادقين فيما رميتها به من الزنا، ويقول في الخامسة لعنة الله
عليه إن كان من الكاذبين فيما رماني به من الزنا، وتقول في الخامسة
غضب الله عليها إن كان من الصادقين فيما رماني به من الزنا.
وإن كان اللعان في الولد فقد ذكر الله في أن الزوج يقول في كل مرة
فيما رميتك به من نفي ولدك، وتقول المرأة فيما رميتني به من نفي
ولدي، وإن كان القذف بالزنا ونفي الولد لابد من ذكر الأمرين لأنه
قذفها بالأمرين جميعاً.
وأما صفة اللعان فله صفات منها أنه واجب على الزوج يقذفها هو الحد،
إلا أن له أن يخلص نفسه عنه بالبينة أو باللعان والواجب على المرأة
إذا لاعن الزوج هو حد الزنا ولها أن تخلص نفسه عنه باللعان، حتى إن
للمرأة أن تخاصمه إلى الحاكم وتطالبه باللعان عنده وإذا طالبته
يجبره عليه، ولو امتنع يحبس لامتناعه عن الواجب عليه حتى يلاعن، أو
يكذب نفسه وعنده ليس لها ولاية المطالبة باللعان، ولا يجبر عليه
ولا يحبس إذا امتنع بل يقام عليه الحد وكذا إذا التعن الرجل تجبر
المرأة على اللعان، ولو امتنعت تحبس حتى تلاعن أو تقر بالزنا ويقام
عليها الحد.
وقال ابن عابدين: اللعان شرعاً شهادات مؤكدات بالإيمان مقرونة
شهادته باللعن وشهادتها بالغضب لأنهن يكثرن اللعن، فكان الغضب أردع
لها قائمة شهاداته مقام حد القذف في حقه وشهاداتها مقام حد الزنا
في حقها أي إذا تلاعنا سقط عنه حد القذف وعنها حد الزنا، لأن
الاستشهاد بالله مهلك كالحد بل اشد وشرطه قيام الزوجية وكون النكاح
صحيحاً فاسداً وسببه قذف الرجل زوجته قذفاً يوجب الحد في الأجنبية.
وركنه شهادات مؤكدات باليمين واللعن حكمه حرمة الوطء الاستمتاع بعد
التلاعن، ولو قبل التفريق بينهما وأهله من هو أهل للشهادة فمن قذف
زوجته العفيفة عن الزنا وحكما لأداء الشهادة أو نفي نسب الولد
وطالبته به فإن أبى حبس حتى يلاعن أو يكذب نفسه فيحد فإن لاعن
لاعنت وإلا حبست حتى تلاعن أو تصدقه، وإذا لم يصلح الزوج شاهداً
لرقه أو كفره، وكان أهلاً للقذف حد فإن صلح وهي لم تصلح أو ممن لا
يحد قاذفها فلا حد ويعتبر الإحصان عند القذف، فلو قذفها وهي أمة أو
كافرة ثم أسلمت أو عتقت فلا حد ولا لعان، ويسقط اللعان بعد وجوبه
بالطلاق البائن، ثم لا يعود بتزوجها بعده، وكذا يقسط بزناها ووطئها
بشبهة وبردتها ولا يعود لو أسلمت بعده ويسقط بموت شاهد القذف
وغيبته.
ـ اللعان في الفقه المالكي:
قال مالك: السنة عندنا أن المتلاعنين لا يتناكحان أبداً وإن أكذب
نفسه جلد الحد والحق به الولد، ولم يرجع إليها أبداً، وتلك السنة
لا شك فيها ولا اختلاف.
واللعان على ستة أوجه: ثلاثة مها متفق عليها، وثلاثة مختلف فيها،
فأما الأوجه الثلاثة التي يتفق على وجوب اللعان فيها فأحدها أن
ينفي حملاً لم يكن مقراً به ويدعي الاستبراء، والثاني أن يدعي رؤية
لا مسيس بعدها في غير ظاهرة الحمل، والثالث أن يذكر الوطء جملة،
فيقول لم أطأها قط أو منذ مدة كذا وكذا لما يلحق بمثله الأنساب.
وأما الوجوه الثلاثة التي يختلف في وجوب اللعان فيها، فأحدها أن
يقذف زوجته ولم يدع رؤية، والثاني أن ينفي حملاً ولا يدعي استبراء،
والثالث أن يدعي رؤية لا مسيس بعدها في حامل بنية الحمل.
وأصل اللعان إنما جعل لنفي الولد فيلاعن الرجل بحجر ونفي الحمل دون
قذف. وقد اختلف في الاستبراء فعن مالك فيه روايتان، أحدهما أنه
حيضة وهو قول أكثر أهل المذهب، والثاني ثلاثة حيض وهو مذهب ابن
الماجشون.
والفرقة في اللعان فسخ بغير طلاق وهي مؤبدة لا يتراجع الزوجان بعده
أبداً هذا مذهب مالك وجميع أصحابه وأكثر أهل العلم.
وبتمام اللعان تقع الفرقة بين الزوجين وإن لم يفرق بين الزوج، ون
لم يفرق الإمام بينهما، وهذا موضع اختلف فيه أهل العلم اختلافاً
كثيراً، فمذهب مالك ما ذكر خلافاً للشافعي وأبي حنيفة وبعض أصحابه
..
ولا يكون اللعان إلا عند الإمام في المسجد وبمحضر من الناس لأن
اللعان الذي كان في زمن النبي (ص) إنما كان عنده في المسجد وبمحضر
من الناس.
وقال ابن جزي: أركان اللعان أربعة: الملاعن والملاعنة وسببه ولفظه.
أما الملاعن والملاعنة فهما الزوجان العاقلان البالغان سواء كانا
حرين أو مملوكين عدلين أو فاسقين ويشترط الإسلام في الزوج لا في
الزوجة، فإن الذمية تلاعن لرفع العار عنها، ويقع اللعان في حال
العصمة اتفاقاً، وفي العدة من الطلاق الرجعي والبائن وبعدة العدة
في فني الحمل أي مدة المل ويقع اللعان من الزوجين في النكاح الصحيح
والفاسد.
وأما سبب اللعان فشيئان: أحدهما دعوى رؤية الزنا بشرط أن لا يطأها
بعد الرؤية، فإن ادعى الزنا دون الرؤية حد للقذف، ولم يجب اللعان
على المشهور خلافاً لهم، الثاني نفي الحمل بشرط أن يدعي أنه لم
يطأها لأمر ينجو به، ويشترط أن يدعي الاستبراء بحيضة واحدة. وقال
ابن الماجشون: ثلاث حيض، ويشترط أن ينفيه قبل وضعه، فإن سكت حتى
وضعته حُد ولم يلاعن، فإن قذفها من غير رؤية ولا نفي حمل لم يلاعن
في المشهور.
وإذا التعن الزوج تعلقت به ثلاثة أحكام: سقوط حد القذف عنه وانتفاء
نسب الولد منه ووجوب حد الزنا عليها إلى أن تلاعن، فإن التعنت
المرأة تعلقت بها ثلاثة أحكام سقوط الحد عنها والفرقة بينهما
خلافاً لقوم، ويتأبد التحريم.
إن نكل الزوج عن اللعان حد للقذف عند الثلاثة، وقال أبو حنيفة يحبس
وإن نكلت المرأة حدت للزنا عند الإمامين وابن حنبل وقال أبو حنيفة
تحبس ولا تحد.
وتقع الفرقة باللعان دون حكم حاكم خلافاً لأبي حنيفة، والفرقة فسخ،
وقال أبو حنيفة طلقة بائنة.
وينبغي أن يوعظ المتلاعنان قبل لعانهما ويخوفا بعذاب الله في
الآخرة ثم يحكم القاضي في اللعان حتى يثبت عنده نكاح الزوجين إن
أكذب الملاعن نفسه قبل لعان المرأة حد وبقيت له زوجة على المشهور
ولا تبقى بعد لعانها.
وقال ابن أبي زيد القيرواني: اللعان بين كل زوجين في نفي حمل يدعى
الاستبراء أو رؤية الزنا كالمرود في المكحلة.
واختلف في اللعان في القذف وإذا افترقا باللعان لم يتناكحا أبداً،
ويبدأ الزوج فيلتعن أربع شهادات في الله ثم يخمس باللعنة، ثم تلتعن
هي أربعاً أيضاً وتخمس بالغضب كما ذكر الله سبحانه وتعالى، وإن
نكلت هي رجمت إن كانت حرة محصنة بوطء تقدم من هذا الزوج أو زوج
غيره، وإلا جلدت مائة جلدة وإن نكل الزوج جلد حد القذف ثمانين ولحق
به الولد.
وشروط الحد في القذف ثمانية، منها ستة في المقذوف وهي الإسلام
والعقل والبلوغ والعفاف عما رمي به من الزنا، وأن تكون معه آلة
الزنا فلا يكون حصوراً أو مجبوباً قد جب قبل بلوغه، وإثنان في
القاذف وهما العقل والبلوغ سواء كان حراً ثم عبداً مسلماً أو
كافراً، ويحد الوالد إذا قذف ولده على المشهور وتسقط عدالة الولد.
ومعنى القذف وحده الرمي بوطء حرام في قبل أو دبر ونفي من النسب
للأب خلاف النفي من الأم أو تعريض بذلك.
وأما مقدار حد القذف فيجلد الحر والحرة ثمانين جلدة ويجلد العبد
والأمة أربعين جلدة عند الجمهور.
والثاني اختلف فيه هو هل يقسط الحد إذا عفا المقذوف، فقال مالك له
العفو بلغ ذلك الإمام أو لم يبلغ، وروي عنه أنه إن له العفو ما لم
يبلغ الإمام فلا عفو وفاقاً للشافعي إلا أن يريد ستراً على نفسه.
ـ اللعان في الفقه الشافعي:
شرع اللعان لخلاص القاذف من الحد، لأن الزوج يبتلى بقذف امرأته
لدفع العار والنسب الفاسد وقد يتعذر عليه إقامة البينة، فجعل
اللعان بينة له، فله قذفها إذا تحقق زناها بأن رآها تزني أو ظن
زناها مؤكداً أو رؤية العام كشياع زناها بزيد مصحوباً بقرينة كأن
رآهما، ولو مرة واحدة في خلوة أو رآه يخرج من عندها، أو هي تخرج من
عنده أو يرى رجلاً معها مراراً في ريبة، ومرة تحت شعار في هيئة
منكرة، أما مجرد الإشاعة فقد يشيعه عدو لها أو من يطمع فيها فلم
يظفر بشيء، وأما مجرد القرينة المذكورة فلأنه ربما دخل عليها لخوف
أو سرقة أو طمع أو نحو ذلك.
والأولى له أن يستر عليها ويطلقها إن كرهها لما فيه من ستر الفاحشة
وإقالة العثرة، هذا حيث لا ولد ينفيه، فإن كان هناك ولد ينفيه بأن
علم أنه ليس منه لزمه نفيه لأن ترك النفي يتضمن استلحاقه واستلحاق
من ليس منه حرام، كما يحرم نفي من هو منه، وإنما يعلم إذا لم يطأ
أو وطئها ولكن ولدته لدون ستة أشهر من وطئه التي هي أقل من الحمل
أو يفوق أربع سنين من الوطء التي هي أكثر مدة الحمل، فلو علم زناها
واحتمل كون الولد منه ومن الزنا، وإن لم يستبرئها بعد وطئه حرم
النفي رعاية للفراش، وكذا القذف واللعان على الصحيح لأن اللعان حجة
ضرورية إنما يصار إليها لدفع النسب أو قطع النكاح حيث لا ولد على
الفراش الملطخ، وقد حصل الولد هنا، فلم يبق له فائدة والفراق ممكن
بالطلاق ثم شرع في كيفية اللعان.
قال الشافعي: فلما حكم الله في الزوج القاذف بأن يلتعن دل ذلك على
أن الله إنما أراد بقوله والذين يرمون المحصنات الآية القذفة غير
الأزواج، وكان القاذف الحر الذمي والعبد المسلم والذمي إذا قذفوا
الحرة المسلمة جلدوا الحد معاً فجلد الحر حد الحر والعبد حد العبد.
وقال النووي: اللعان يسبقه قذف وصريح الزنا كقوله لرجل أو امرأة
زنيتُ أو زينتِ أو يا زاني أو يا زانية، والرمي بإيلاج حشفة في فرج
مع وصفه بتحريم أو دبر صريحين.
وقال الشيرازي: يصح اللعان من كل زوج بالغ عاقل وإذا قذف زوجته مَن
يصح لعانه ووجب عليه الحد أو التعزيز وطولب به فله أن يسقطه
باللعان، فإن عفى عن ذلك لم يلاعن، وقيل له أن يلاعن وليس بشيء.
وقال عمر الفارسي: والأولى في اللعان أن يعين القاضي زماناً كعصر
يوم الجمعة، ومكاناً كمقصورة الجامع، وعند الصخرة في القدس وعند
المقام في مكة وبين المنبر والمدفن الشريف بالمدينة، وللزنديق
بحضرة أعيان بلده ولليهود في الكنيسة وللنصارى في البيعة وللمجوس
في بيت النار.
ولا يلاعن لنفي النسب بملك العين في الأمة الموطوءة أو المستولدة
لإمكان نفيه بدعوى الاستبراء بعد الوطء ولكونه من خواص النكاح
كالطلاق والظهار.
وقال الروياني: واعلم أنه إذا رآها تزني أو أخبره ثقة بذلك، يجوز
له قذفها ونفي الولد، ولا يجوز له تركها ولو أتت بولد لا يشبهه بأن
كان الولد أسود وهما أبيضان، ولم ير منها ريبة لا يجوز له قذفها.
وقال الشافعي: وإذا أكمل الزج الشهادة والالتعان فقد زال فراش
امرأته، ولا يحل له أبداً بحال وإن كذب نفسه التعنت أو لم تلتعن،
وإنما قلت هذا لأن رسول الله (ص) قال: لا سبيل لك عليها ولم يقل
حتى يكذب نفسه.
ـ اللعان في الفقه الحنبلي:
يشترط في صحة اللعان أن يكون بين زوجين ومَن عرف العربية، وإن
جهلها فبلغته فإذا قذف امرأته فله إسقاط الحد باللعان فيقول قبلها
أربع مرات أشهد بالله لقد زنت زوجتي هذه ويشير إليها، ومع غيبتها
يسميها وينسبها، وفي الخامسة وأن لعنة الله عليه إن كان من
الكاذبين، ثم تقول هي أربع مرات أشهد بالله لقد كذب فيما رماني به
من الزنا، ثم تقول في الخامسة وإن غضب الله عليها إن كان من
الصادقين، فإن بدأت باللعان قبله أو نقص أحدهما شيئاً من الألفاظ
الخمسة أو لفظة اللعنة بالابعاد أو الغضب بالسخط لم يصح.
وإن قذف زوجته الصغيرة أو المجنونة عزر ولا لعان، ومن شرطه قذفها
بالزنا لفظاً كزنيت أو زانية أو رأيتك تزنين في قبل أو دبر، فإن
قال وطئت بشبهة أو مكرهة أو نائمة، أو قال لم تزن ولكن ليس هذا
الولد مني فشهدت امرأة ثقة أنه ولد على فراشه لحقه نسبه ولا لعان،
ومن شرطه أن تكذبه الزوجة وإذا تم سقط عنه الحد والتعزيز وتثبت
الفرقة بينهما بتحريم مؤبد.
وحد القذف إذا قذف المطلق محصناً، جلد ثمانين جلدة إن كان حراً،
وإن كان عبداً أربعين والمعتق بعضه بحسابه، وقذف غير المحصن يوجب
التعزيز وهو حق للمقذوف. والمحصن هنا الحر المسلم العاقل العفيف
الملتزم الذي يجامع مثله، ولا يشترط بلوغه.
وصريح القذف يا زاني بالوطء ونحوه وكناية يا قحبة يا فاجرة يا
خبيثة فضحت زوجك أو نكست رأسه، أو جعلت له قروناً ونحوه، وإن فسره
بغير القذف قبل، وإن قذف أهل بلد أو جماعة لا يتصور منهم الزنا
عادة عزر ويسقط حد القذف بالعفو ولا يستوفى بدون الطلب.
قال ابن قيم الجوزية: أما قصة الملاعن فالنبي (ص) إنما قال بعد أن
ولدت الغلام على شبهه الذي رميت به لولا ما مضى من كتاب الله لكان
لي ولها شأن فهذا والله أعلم إنما أراد به لولا حكم الله بينهما
اللعان لكان شبه الولد بمن رميت به يقتضي حكماً آخر غيره، ولكن حكم
الله باللعان ألغى حكم هذا الشبه. فإنهما دليلان وأحدهما أقوى من
الآخر، فكان العمل به واجباً كما لو تعارض دليل الفراش ودليل الشبه
فإنا نعمل الفراش ولا نلتفت إلى الشبه بالنص والإجماع.
وقال البهوتي: اللعان من اللعن وهو الطرد والإبعاد، لأن كل واحد من
الزوجين يلعن نفسه في الخامسة إن كان كاذباً، وقيل: لأنه لا ينفك
أحدهما عن أن يكون كاذباً، فتحصل اللعنة عليه وهو شرعاً شهادات
مؤكدات بأيمان من الجانبين مقرونة بلعن من زوج وغضب من زوجة، قائمة
مقام حد قذف إن كانت محصنة أو تعزير إن لم تكن كذلك في جانبه،
وقائمة مقام حبس من جانبها.
وسن تلاعنها قياماً بحضرة جماعة، وسن أن لا ينقصوا أي الحاضرون عن
أربعة، لأن الزوجة ربما أقرت فشهدوا عليها، وسن أن يتلاعنا بوقت
وأماكن معظمين كبعد العصر يوم الجمعة بين الركن والمقام بمكة وببيت
المقدس عند الصخرة وعند منبر في باقي المساجد. وسن أن يأمر حاكم من
يضع يده على فم زوج وزوجة عند الخامسة، ويقول اتق الله فإنها
الموجبة وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة.
وسئل ابن تيمية عن من قذف رجلاً أنه ينظر إلى حريم الناس وهو كاذب
عليه ما يجب على القاذف، فأجاب إذا كان الأمر على ما ذكر فإنه يعزر
على افترائه على هذا الشخص بما يزجره وأمثاله إذا طلب المقذوف.
وقال ابن قدامة المقدسي: إذا قذف الرجل امرأته البالغة العاقلة
الحرة المسلمة العفيفة بالزنا لزمه الحد إن لم يلاعن، وإن كانت
ذمية أو أمة فعليه التعزيز.
وقال منصور الحنبلي: السنة أن يتلاعنا قياماً لقوله (ص) لهلال بن
أمية فاشهد أربع شهادات ولأنه أبلغ في الردع، فيبدأ الزوج فيلتعن
وهو قائم فإذا فرغ قامت المرأة فالتعنت بحضرة جماعة.
ـ اللعان في فقه الزيدية:
اللعان الذي يوجبه رمي مكلف مسلم غير أخرس لزوجة مثله حرة ممكنة
الوطء تحته عن نكاح صحيح أو في العدة بزنا في حال يوجب الحد.
ـ اللعان في فقه الاباضية:
لا يجوز اللعان إلا بوجود ست خصال: أحدها أن يكون الزوجان حرين
موحدين، والثاني أن يكونا بالغين عاقلين، والثالث أن يقذف زوجته
بالزنا والرابع أن يكون يكذب نفسه، والخامس أن يلعن كل واحد منهما
خمس مرات، والسادس أن تكون ذلك عند إمام عدل أو مَن يقوم مقامه،
وإذا تمّ اللعان فيهما فرق بينهما ولا يجتمعان أبداً.
ونختم هذا البحث بما ذكره الأنباني من الفقهاء المحدثين، فقال:
الفرقة باللعان طلاق بائن وما لم يفرق الحاكم بين الزوجين بعد
اللعان، فالزوجية قائمة ويجري التوارث بينهما إذا مات أحدهما، وكان
الآخر مستحقاً للميراث وإنما يحرم على الملاعن وقاع المرأة
والاستمتاع بها. وحرمة الفرقة باللعان تدوم ما دام كل من الزوجين
أهلاً له فإن خرجا أو خرج أحدهما عن أهليته جاز للزوج أن يتزوج
المرأة في العدة وبعدها.
ومتى حصل اللعان بين الزوجين بأن قال الرجل أمام القاضي أربع مرات:
أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا، وقال في
الخامسة: لعنة الله عليّ إن كنت من الكاذبين. وقالت المرأة بعد ذلك
أربع مرات أيضاً: أشهد بالله أنه لمن الكاذبين فيما رماني به من
الزنا، وقالت في الخامسة: غضب الله علي إن كان من الصادقين، حكم
القاضي بينهما بالتفريق وقطع نسب الولد عن أبيه، فإذا لم يفرق
الحاكم (القاضي) بينهما فالزوجة قائمة ويبنى على ذلك أنه إذا مات
أحدهما قبل التفريق ورثه الآخر، لكن لا يجوز لهما الوقاع
والاستمتاع.
وقال عبدالرحمن راضي: وشرع اللعان لمصلحة كبرى وهي رفع ما كان عليه
المسلمون من التحرج والحيرة في أمر الرجل الذي يرى زوجته تخون
فراشه وتأتي الفاحشة مع غيره، فإن آية القذف توجب عليه الحد لكونه
قذفها بالزنا، إلا إذا أتى بأربعة شهداء وقل أن يتيسر له ذلك، وآية
الزنا توجب عليها الحد إذا ثبت ذلك عليها، ومن هنا نشأت الحيرة
والتردد، فإن عامل الغيرة يأبى عليه أن يتركها في هذا السقوط، وخوف
الحد وسقوط الشهادة يزجرانه عن إظهار ذلك، يدل على ذلك أن رجلاً من
الأنصار دخل المسجد والنبي (ص) وأصحابه جلوس، فقال: يا رسول الله
إذا رأيتم الرجل يجد منع امرأته رجلاً فإن قتل قلتموه وإن تكلم
جلدتموه وإن سكت سكت على غيظ، ثم قال: اللهم افتح، فنزلت آية
اللعان، فاللعان هو الحكم بين الزوجين يقوم مقام حد القذف في حقه،
ومقام حد الزنا في حقها، وإنما كان سبباً في الفرقة لأنهما بعد أن
وقع التشاجر بينهما وأشاع عليها الفاحشة لا يتوافقان ولا يتوادان
غالباً ومصالح الناكح مبنية عليهما وفيه زجر لهما عن الإقدام على
مثل تلك المعاملة.
* المصدر : الزنا ومكافحته