موسوعة المصطلحات والمفاهيم
موسوعة
الفقه والتشريع

الزكاة.. موقعها.. ومعطياتها الفردية والاجتماعية



ان النظام الاقتصادي الإسلامي هو أحد النظم الإسلامية الرائعة التي أثبت الإسلام عظمتها من خلال تشريعها.
كما أثبت فشل كل الأنظمة الاقتصادية المادية اليوم وجوبَ الرجوع إلى الإسلام واستهدافه في مجال تنظيم الحياة الاقتصادية.
فالنظام الاقتصادي الإسلامي يمتاز بأنه يوفر الأمرين اللذين عجزت عن توفيرهما كل النظم الاُخرى. وهما مسألة الحرية في التملك وإشباع الذات، ومسألة الضمان والتكامل والتوازن الاجتماعي. فقد قال بهما في آن
واحد باعثاً الطاقات على العمل وموفراً للإنسانية نوعاً من الثقة والاطمئنان بالمستقبل.
الزكاة جانب ثابت:
والزكاة أحد الموارد الرئيسية التي تمكن الحاكم الشرعي المسؤول عن إدارة المجتمع أن يقوم بواجبه في خلق التكافل والتوازن.
ولما كانت الزكاة معينة محددة فهي إذن تعالج جانباً ثابتاً من حاجات الإنسان. وتعتبر في نظر الإسلام حاجة ضرورية للمجتمع إذ توفر أدنى الدرجات التي تكفي للقيام بجانب من مهمة التكافل الاجتماعي.
وهناك أحاديث دلت على هذا المعنى نقتبس منها ما يلي:
أ) عن أبي عبدالله الصادق (عليه السلام) أنه قال: «ان الله فرض للفقراء من مال الأغنياء ما يسعهم، ولو علم أن ذلك لا يسعهم لزادهم. إنهم لم يؤتوا من قبل فريضة الله عز وجل ولكن اُوتوا من منع من منعهم حقهم
مما فرض الله لهم، ولو أن الناس أدّوا ما فرض الله لهم لكانوا عايشين بخير»(1).
ب) وعنه (عليه السلام): «إن الله عز وجل، فرض للفقراء في أموال الأغنياء ما يكتفون به، ولو علم أن الذي فرض لهم لا يكفيهم لزادهم»(2).
ج) وعنه (عليه السلام): «ولو أن الناس أدّوا زكاة أموالهم ما بقي مسلم فقيراً ولا محتاجاً، ولاستغنى بما فرض الله له، وأن الناس ما افتقروا ولا احتاجوا ولا جاعوا ولا عروا إلاّ بذنوب الأغنياء».
القاعدة الفكرية للزكاة:
ولما كانت كل تشريعات الإسلام تبتني على أرضية معينة يهيئها الإسلام مسبقاً لتؤدي الأحكام آثارها المطلوبة في الحياة، ولما كانت هذه الأرضية تتألف من عناصر ثلاثة متتابعة هي العقيدة، والمفاهيم، والعواطف،
فقد رأينا أن تشريع الزكاة قد بني على أساس من الاعتقاد بالله العظيم، خالق السماوات والأرض، والمالك لكل شيء في الوجود، والواهب لكل النعم، والاعتقاد بالحياة الاُخرى والثواب الجزيل هناك.
وهاتان العقيدتان أبتنيت عليهما مفاهيم لها أثرها الكبير في كثير من الأحكام الإسلامية ومنها الزكاة. ومن هذه المفاهيم التي أبتنيت عليها الزكاة:
مفهوم خلافة الإنسان للأرض. فالقرآن يصرح في مواطن عديدة بأن الإنسان خليفة الله تعالى في الأرض، وأنه يجب أن يحقق مقتضيات هذه الخلافة من إعمار الأرض والإنفاق لسد أي خلل اقتصادي يعوق المسيرة
الإنسانية:
(إنّي جاعل في الأرض خليفة)، (وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه)، (وتركتم ما خوّلناكم وراء ظهوركم).
ومفهوم أن الله تعالى خلق للإنسان ما في الأرض جميعاً وهيأ له كل ما يحتاجه (وآتاكم من كل ما سألتموه)، (خلق لكم ما في الأرض جميعاً).
ومفهوم أن الرزق مقسوم للإنسان، فلن يخاف المسلم من النقص الطبيعي إذا أدى ما عليه من عمل، ومفهوم أن هناك ترابطاً بين عالم الغيب والشهادة، فإذا أنفق الغني في سبيل الله إزدادت النعم عليه.
ومفهوم الربح الأعم من الدنيوي والاُخروي. ففرق بين أن يعتقد الإنسان بأن حياته هي هذه الدنيا لا غير، أو يعتقد بوجود حياة اُخرى هي الحياة الخالدة وهي الحيوان، وأن كل تنازل عن لذة مادية دنيوية بأمر الله
تعالى يعني الثواب الجزيل، والخلود في النعيم العظيم. فالربح إذن سيتغير مفهومه واللذة ستكون أعظم من هذه اللذائذ المعنوية.
ومفهوم الاُخوّة العامة الذي يذهب كل ما في البين من حسابات الربح والخسارة.
إن كل هذه المفاهيم وغيرها تشترك في عملية دفع الإنسان المسلم لأن يقوم بواجبه خير قيام بل ويشعر معه باللذة التامة والعواطف المتأججة الدافعة نحو القيام بواجبه الاجتماعي في خلق التكامل والتوازن وإعطاء
الفقير منها، بل الإنفاق فوق الواجب والمساهمة في رفع مستوى الفقراء إلى حد الغنى والاستقلال الذاتي في العمل والنمو خصوصاً وهم يعتقدون بأن الزكاة ستكون تحصيناً لأموالهم وإنماءً لها; بالإضافة للثواب
الاُخروي، وأداء شكر الله تعالى على نعمه.
فعن الإمام الرضا (عليه السلام): «إن علة الزكاة من أجل قوت الفقراء وتحصين أموال الأغنياء، لأن الله عز وجل كلف أهل الصحة، القيام بشأن أهل الزمانة والبلوى كما قال الله تبارك وتعالى: (لتبلون في أموالكم
وأنفسكم) في أموالكم إخراج الزكاة، وفي أنفسكم توطين الأنفس على الصبر، مع ما في ذلك من أداء شكر نعم الله عز وجل وللطمع في الزيادة مع ما فيه من الرأفة والرحمة لأهل الضعف والعطف على أهل المسكنة،
والحث لهم على المواساة، وتقوية الفقراء والمعونة لهم على أمر الدين، وموعظة لأهل الغنى وعبرة لهم ليستدلوا على فقراء الآخرة بهم، وما لهم من الحث في ذلك على الشكر لله تبارك وتعالى لما خولهم وأعطاهم،
والدعاء والتضرع والخوف من أن يصيروا مثلهم في اُمور كثيرة في أداء الزكاة والصدقات وصلة الأرحام واصطناع المعروف»(3).
يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) كما في نهج البلاغة:
«وإذا وجدت من أهل الحاجة من يحمل لك زادك فيوافيك به حيث تحتاج إليه فاغتنمه، واغتنم من استقرضك في حال غناك، واجعل وقت قضائك يوم عسرتك». ويقول أيضاً: «والزكاة تسبيباً للرزق» ويقول (عليه
السلام): «الله الله في الزكاة، فإنها تطفئ غضب الرب. الله الله في الفقراء والمساكين، فشاركوهم في معايشكم».
وعن الصادق (عليه السلام): عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام)، قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا تزال اُمتي بخير، ما لم يتخاونوا، وأدوا الأمانة، وآتوا الزكاة. وإذا لم يفعلوا ذلك ابتلوا بالقحط
والسنين»(4).
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إذا منعت الزكاة منعت الأرض بركاتها».
الأثر النفسي لإعطاء الزكاة:
أن لإعطاء الزكاة تأثيرات نفسية عظيمة لا يمكن أن نذكرها إلاّ موجزاً.
إنه يدفع المسلم لأن يجسد النعيم الاُخروي والرضوان الإلهي في ذهنيته، ويركز نظرته على تلك العوالم التي لم تر مثلها عين ولم تسمع مثلها اذن، وان هذه الحياة الدنيا إنما هي مقدمة لتلك الحياة ومزرعة لها. وأن ما
يمتلكه الإنسان في هذه الحياة لا يقاس إلى ما يعطاه في تلك الحياة الخالدة «ما عندكم ينفد وما عند الله باق». وغير خاف ان هذا التجسيد والتركيز له ما له من آثار على نفسية الإنسان وصوغها عاملة مسخرة لصالح
البناء الإنساني العام، ومتجاوزة كل المصالح الشهوية التي تهدر تلك الطاقات. كما أن إعطاء الزكاة يربي عنصر التسليم المطلق لله تعالى في كل أوامره وخصوصاً الأوامر التي تتعلق بالجانب الاقتصادي حيث درج
الإنسان على أن يحب المال حباً جماً... فتذوي لديه كل الشهوات أمام أوامر الله تعالى والتي هي الضمان الوحيد لرقيه وتكامله. كما أن الإسراع في تسليم الزكاة وإخراجها يركز في النفس التقوى وهي الملكة
الجوهرية في التقييم الواعي للحياة والمفعمة بمعاني التقدم والسمو والصيانة. هذا بالإضافة إلى ما يعبر عنه دفع الزكاة من إنسانية، وشعور بالمسؤولية، وتحسس بآلام أبناء الجنس، بل الأعضاء التي ينشد معها إلى
جسد واحد.
الزكاة تطهير:
ومما تجدر بنا الإشارة إليه خلال هذا العرض الخاطف، أن الزكاة ـ كما يوحي به إسمها ـ تطهير ونماء في آن واحد. فنحن نعرف أن الإسلام جعل الزكاة حقاً لله جعله للفقراء فهي حق لهم، وهي مالهم بمجرد
استحقاقهم، ومن هنا وجبت مبادرة الشخص المالك لدفعها إليهم، وتطهير ماله من أن يختلط به حق الغير.
الزكاة نماء:
وهنا تتلاحم نظرة معنوية اُخرى مع هذه النظرة المعنوية وهي مسألة النماء. فان تعاليم الإسلام التي عبرت دائماً عن الصلة بين عالم الغيب والشهادة ركزت على أن مثل هذا الدفع سيعود بالآثار المادية والنماء
المادي فضلاً عن الآثار المعنوية الكبرى في الدنيا والآخرة. فقد رأينا الحديث يعتبر دفعها تسبيباً للرزق هذا في حين يعبر منع الزكاة عن كثير من الصفات النفسية الرذيلة من شح وبخل، وعدم إيمان بالثواب
والعطاء، وعدم تحسس بآلام الإنسان، إلى غير ذلك. تماماً كما يعبر عن توقع النقص في الجوانب المادية نفسها. وقد جاءت الروايات الكثيرة التي تذم مانع الزكاة وتعتبره خارجاً عن جادة الحق. ونحن نكتفي بذكر
بعضها:
عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: «أن لله بقاعاً تسمى المنتقمة فإذا أعطى الله عبداً مالاً ولم يخرج حق الله منه سلط الله عليه بقعة من تلك البقاع فأتلف ذلك المال فيها ثم مات وتركها».
وعن ابن عمار، قال: حدثني من سمع أبا عبدالله(عليه السلام) يقول: «ما ضاع مال في بر أو بحر إلاّ بتضييع الزكاة».
وقد ورد:
«من منع الزكاة وقفت صلاته حتى يزكي».
وغير ذلك من الأحاديث الكثيرة.
موقع الزكاة من عملية التوازن الاجتماعي
لأجل التعرف على موقع الزكاة من عملية التوازن الاجتماعي نحتاج للتعرض بشيء من الإيجاز إلى روح هذه العملية والمنطلقات التي تشكل الأسس التي اعتمد عليها الإسلام في هذا المجال معتمدين على أعمق
الآراء الإسلامية بهذا الصدد.
فإذا حاولنا تلمُّس المنطلقات الأصلية لعلاج الإسلام لقضية التوازن الاجتماعي نجد ان الإسلام إنطلق في علاجها من حقيقتين: إحداهما كونية والاُخرى مذهبية مبنية على أساس تصوره هو لفكرة العدالة.
أما الحقيقة الاولى: فهي ان أفراد البشرية متفاوتون من حيث الطاقات الجسمية، وهذا التفاوت موجود قبل أي تفاوت اجتماعي; إذ كل التفاوتات الاجتماعية انما هي رهينة على الأغلب لتلك التفاوتات التكوينية.
وأما الحقيقة الثانية: فهي ما آمن به الإسلام ـ على أساس من تصوره الخاص عن العدالة ـ من أن العمل هو أساس الملكية وما يتبعها من حقوق.
ان الإيمان بهاتين الحقيقتين يعني قبول حصول تفاوت في الثروة من قبل الإسلام، وانه لا يرى فيهما خطراً على التوازن الاجتماعي.
ويخلص الإسلام من ذلك إلى القول بأن التوازن الاجتماعي هو التوازن بين أفراد المجتمع في مستوى المعيشة، لا في مستوى الدخل.
والتوازن في مستوى المعيشة معناه أن يكون المال موجوداً لدى أفراد المجتمع ومتداولاً بينهم إلى درجة تتيح لكل فرد العيش في المستوى العام. أي أن يحيا جميع الأفراد مستوى واحداً من المعيشة مع الاحتفاظ
بدرجات داخل هذا المستوى الواحد تتفاوت بموجبها المعيشة، ولكنه تفاوت درجة وليس تناقضاً كلياً في المستوى كالتناقضات الصارخة بين مستويات المعيشة في المجتمع الرأسمالي. وهذا لا يعني أن الإسلام يفرض
إيجاد هذه الحالة من التوازن في لحظة، وإنما يعني جعل التوازن الاجتماعي في مستوى المعيشة هدفاً تسعى الدولة في حدود صلاحياتها إلى تحقيق الوصول إليه بمختلف الطرق والأساليب المشروعة التي تدخل
ضمن صلاحياتها.
ولأجل تحقيق هذا المبدأ فقد رأينا أن الإسلام حرّم ـ من جهة ـ الإسراف والتبذير، ونهى عن الترف المفرط، وحث على التحلل من القيود التجملية الخارقة ومشاركة الفقراء حتى في اُسلوب حياتهم، وإشعار الأغنياء
لهم بالمواساة، ومن جهة اُخرى فقد دلت النصوص الكثيرة على أن هناك مستوى يجب أن يبلغه كل الأفراد، وهو الغنى، فهو الهدف النهائي الذي يحاول الإسلام تحقيقه لكل أفراد المجتمع الإسلامي.
جاء في الخبر عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: «تعطيه من الزكاة حتى تغنيه».
ولكن ما هو الغنى؟ النص الآتي يوضح لنا ذلك. ففي خبر أبي بصير:
«أنه سأل الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) عن رجل له ثمانمئة درهم وهو رجل خفاف، وله عيال كثير، أله أن يأخذ من الزكاة؟
فقال له الإمام (عليه السلام): يا أبا محمد أيربح من دراهمه ما يقوت به عياله ويفضل؟
فقال أبو بصير: نعم، فقال الإمام (عليه السلام):
ان كان يفضل عن قوته مقدار نصف القوت، فلا يأخذ الزكاة، وان كان أقل من نصف القوت، أخذ الزكاة، وما أخذه منها فضه على عياله حتى يلحقهم بالناس».
ولكن ما هي الإمكانات التي وفرها الإسلام لولي الأمر حتى يستطيع أن يقوم بهذه المهمة العظمى وهي توفير الغنى لجميع الأفراد بالإضافة إلى المهمات الاُخرى؟
إننا سوف نتعرض فقط للجوانب الثابتة التي جعلها الإسلام مصدراً يستمد ولي الأمر منه القدرة على متابعة السير نحو الهدف المرسوم له من قبل الإسلام. وهناك الجوانب غير الإلزامية كالتبرعات المالية والعملية
التي حث عليها الإسلام كثيراً... وأكدت الروايات المتواترة على ثوابها الجزيل... بل ربّى الإسلام أتباعه الواعين على نحو يلتزمون هم أنفسهم ـ معه ـ بمشاطرة الله أموالهم، والخروج عنها كلها أحياناً. وهذا ما نراه
في الروايات التي تحدثنا عن أحوال المعصومين والواعين من أصحابهم. فقد ورد ان الإمام الحسن (عليه السلام) قاسم الله ماله ثلاث مرات حتى كان يعطي نعلاً ويمسك نعلاً، وخرج من ماله لله تعالى مرتين(5). كما
أن هناك الكفارات المالية وغيرها كالنذورات والموقوفات وهي تشكل مصدراً مهماً يساعد عملية الإغناء إلى حد كبير.
ولكن هذه الجوانب لن تعوض عن جوانب ثابتة يستمد منها الحاكم الشرعي تلك القدرة، وهذه الجوانب هي:
1 ـ الضرائب الثابتة: والمقصود بها الخمس والصدقات التي يطلق عليهما معاً اسم الزكاة.
فإن الزكاة لم تشرع فقط لإشباع الحاجات الأساسية، وإنما شرعت أيضاً لنفي الفقر وتحقيق التوزان. ويتوضح ذلك إذا لاحظنا النصوص التالية:
أ) عن إسحاق بن عمار قال: «قلت للإمام جعفر بن محمد (عليه السلام) أُعطي الرجل من الزكاة مئة؟ قال: نعم. قلت مئتين؟ قال: نعم. قلت ثلاثمئة؟ قال: نعم. قلت أربعمئة؟ قال: نعم. قلت خمسمئة؟ قال: نعم حتى
تغنيه»(6).
ب) عن عبد الرحمن بن حجاج، قال: «سألت الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) عن الرجل يكون أبوه وعمه أو أخوه يكفيه مؤونته، أيأخذ من الزكاة فيوسع بها، إن كانوا لا يوسعون عليه في كل ما يحتاج إليه؟
فقال (عليه السلام): لا بأس»(7).
ج) عن سماعة قال: «سألت جعفر بن محمد (عليه السلام) عن الزكاة، هل تصلح لصاحب الدار والخادم فقال الإمام (عليه السلام):نعم»(8).
د) عن أبي بصير: «إن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) تحدث عمن تجب عليه الزكاة وهو ليس موسراً فقال: يوسع بها على عياله في طعامهم وكسوتهم، ويبقي منها شيئاً يناوله غيرهم، وما أخذ من الزكاة فضه
على عياله حتى يلحقتهم بالناس»(9).
هـ ) عن إسحاق بن عمار قال: «قلت للصادق (عليه السلام): أُعطي الرجل من الزكاة ثمانين درهماً؟ قال: نعم وزده قلت: أُعطيه مائة. قال: نعم وأغنه إن قدرت على أن تغنيه»(10).
و) عن معاوية بن وهب، قال: «قلت للصادق (عليه السلام) يروى عن النبي (صلى الله عليه وآله): أن الصدقة لا تحل لغني، ولا لذي مرة سوي فقال: لا تحل لغني»(11).
ز) عن أبي بصير، قال: «قلت للإمام جعفر الصادق (عليه السلام) ان شيخاً من أصحابنا يقال له عمر، سأل عيسى بن أعين وهو محتاج، فقال له عيسى ابن أعين: «أما أن عندي من الزكاة، ولكن لا أُعطيك منها
لأني رأيتك إشتريت لحماً وتمراً» فقال له عمر: إنما ربحت لحاجة... وتقول الرواية ان الإمام حينما استمع إلى قصة عمر وعيسى وضع يده على جبهته ساعة، ثم رفع رأسه فقال: ان الله تعالى نظر في أموال
الأغنياء ثم نظر في الفقراء، فجعل في أموال الأغنياء ما يكتفون به، ولو لم يكفهم لزادهم، بل يعطيه ما يأكل ويشرب ويكتسي ويتزوج ويتصدق ويحج».
ح) عن حماد بن عيسى: ان الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) قال ـ وهو يتحدث عن نصيب اليتامى والمساكين وابن السبيل من الخمس ـ :
«إن الموالي يقسم بينهم على الكتاب والسنة ما يستغنون به في سنتهم. فإن فضل عنهم شيء فهو للوالي. فإن عجز أو نقص عن استغنائهم كان على الوالي أن ينفق من عنده بقدر ما يستغنون به».
ومن هذه النصوص نستطيع أن نفهم أنّ الفقير «هو من لم يظفر بمستوى من المعيشة يمكنه من إشباع حاجاته الضرورية وحاجاته الكمالية بالقدر الذي تسمح به حدود الثروة في البلاد».
2 ـ الأموال العامة:
فإن الشارع وفر لولي الأمر بعض الموارد التي هي ملك للمنصب الذي يمارسه النبي والإمام وذلك من مثل الفيء وهو ما يغنمه المسلمون من الكفار من دون قتال، والأراضي الموات والمعادن على قول.
وفي الفيء يقول تعالى:
(ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى، فـلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم).
3 ـ طبيعة التشريع الإسلامي:
من الواضح بأن الإسلام كلّ مترابط في أنظمته المختلفة، وأن العطاء الكامل لكل جانب تشريعي فيه لن يكون إلاّ ضمن التطبيق الكامل لباقي الجوانب الاُخرى، ذلك لأن واضع الإسلام (تعالى) بمقتضى علمه اللا
محدود وضعه على ضوء الواقع العام وقوانينه بحيث إذا شذ نظام واحد عن التطبيق أثر على تطبيق باقي النظم الاُخرى، فالجميع إذن مجموعة متناسقة تؤدي إلى السعادة الإنسانية بالنهاية. وهنا نقول أن طبيعة
التشريع الإسلامي هذه تساهم في تقوية إمكانات ولي الأمر في تطبيق ذلك التوازن بالإضافة للضرائب الثابتة والقطاعات العامة.
ولنا أن نشير إلى بعضها:
أ ـ المنع عن اكتناز النقود.
ب ـ الغاء الربا.
ج ـ تشريع أحكام الإرث.
د ـ صلاحيات الدولة الممنوحة لها لملء منطقة الفراغ.
هـ ـ الغاء الاستثمار الرأسمالي للثروات الطبيعة الخام وجعل المباشرة الشخصية شرطاً في تملكها مما يحقق التوازن في مجال التوزيع.
1 ـ الوسائل، الجزء الثالث، المجلد الرابع، ص 3
2 ـ الوسائل، الجزء الثالث، المجلد الرابع، ص 4.
3 ـ الوسائل، الجزء الثالث، ص5.
4 ـ الوسائل، كتاب الزكاة، الباب الثالث، ص 13.
5 ـ أعيان الشيعة 1 ـ 26، أسد الغابة 2 ـ 12، طبقات ابن سعد، الشرف المؤبد لآل محمد، ص 68.
6 ـ الوسائل: ج 6، ص 180.
7 ـ الوسائل: ج 6، ص 167.
8 ـ الوسائل: ج 1، ص 161.
9 ـ الوسائل: ج 1، ص 159.
10 ـ الوسائل: ج 6، ص 179.
11 ـ الوسائل: ج 6، ص 159.

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم    || موسوعة الفقه والتشريع