موسوعة المصطلحات والمفاهيم
موسوعة
الفقه والتشريع

د. وهبة الزحيلي
ما هو حكم الظفر بالحق؟



يرى العلماء أنه لا يعاقب عقوبة السرقة المقررة في الإسلام صاحب الحق الذي سرق من مَدينِهِ المماطل عين ماله أو من جنس ماله إذا كان الدين حالَّ الوفاء، أو سرق من الجاني قدر حقه المحكوم له به بسبب
الجناية عليه، وقرر بعضهم ـ وهم الشافعية ـ عدم تطبيق العقاب أيضاً في حالة سرقة شيء من غير جنس الحق، أو زائد على قدر الحق.
فهل عدم تطبيق العقاب بسبب إباحة المال للضرورة أو لوجود شبهة في هتك الحرز؟
اتفق الفقهاء على أن مَن وجد عين حقه عند آخر مالاً أو عروضاً، وكان مماطلاً له في ردّه أو جاحداً الدين، فإنه يباح له ديانة لا قضاء أن يأخذه منه للضرورة، وتيسيراً على الناس في استيفاء حقوقهم ولو بدون علم
الدين، قال عليه الصلاة والسلام: ((مَن وجد عين ماله عند رجل فهو أحق به، ويتبع البيِّع (أي المشتري) مَن باعه)). وفي لفظ: ((إذا سُرق من الرجل متاع أو ضاع منه، فوجده بيد رجل بعينه، فهو أحق به، ويرجع
المشتري على البائع بالثمن)).
واختلفوا فيما إذا ظفر صاحب الحق بشيء من جنس حقه الذي يماطله فيه المدين أو الذي عنده الحق: فقال الشافعية: يجوز له الوصول إلى حقه بأي طريق، سواء أكان المأخوذ من جنس حقه، أو من غير جنسه،
لقوله تعالى: (وجزاء سيئةٍ سيئةً مثلها)، (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به)، والمثلية ليست من كل وجه، وإنما في المال.
وقال الحنفية: يباح لصاحب الحق أخذه إذا كان المأخوذ منه نقداً (ذهباً أو فضة) لا عروضاً (أي أمتعة)، أو كان من جنس حقه لا من غيره لظاهر قوله تعالى: (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) إلا أن ابن عابدين
نقل أن الفتوى اليوم على جواز الأخذ ديانة لا قضاء عند القدرة من أي مال كان، سواء من جنس حقه أم من غير جنس حقه لا سيما في بلادنا، لمماطلة المدينين بوفاء ديونهم ولفساد الذمم، وكذلك قالوا مَن له حق في
البيت، وظفر بشيء من بيت المال، أخذه ديانة بطريق الظفر.
وقال المالكية على المشهور عندهم: إنه يباح له ذلك ديانة لا قضاء، استدلالاً بقصة هند زوجة أبي سفيان التي جاءت إلى الرسول (ص) تشكو زوجها، فقالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح، لا يعطيني من
النفقة ما يكفيني ويكفي بنيَّ، إلا ما أخذتُ من ماله بغير علمه، فهل عليَّ في ذلك من جُناح؟ فقال: ((خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك)). لكن جواز ذلك عندهم بشرطين: الأول: أن لا يكون حق عقوبة،
وإلا فلابد من رفعه إلى الحاكم. والثاني: أن يأمن الفتنة بسبب أخذ حقه كقتال أو إراقة دم، وأن يأمن الرذيلة، أي أن ينسب إليها كالغصب ونحوه. هذا ما قرره الخَرشي في (مواهب الجليل في كتاب الشهادات). وقال
القرافي: مشهور مذهب مالك: أنه لا يأخذ جنس حقه إذا ظفر به، وإن تعذر عليه أخذ حقه ممن هو عليه، إلا بقضاء قاض.
وقال الحنابلة في المشهور عندهم: إنه لا يباح له ذلك إلا بقضاء قاض منعاً من النزاع، لقوله (ص): ((أدَّ الأمانة إلى مَن ائتمنك ولا تخن مَن خانك))، ففي ذلك نهي ظاهر على أنه لا يجازي بالإساءة مَن أساء، ولقوله
تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) البقرة 2/ 188)). وقال ابن حزم: يجب على الدائن أن يأخذ بقدر حقه، سواء أكان من جنس حقه أم لا، فإنه إن لم يفعل ذلك فهو عاصٍ لله عزوجل، منعاً من الظلم وإنصافاً
للمظلوم من الظالم.
والخلاصة: إن أخذ المال من المماطل يباح للضرورة، فلا يطبق عقاب السرقة على الآخذ، للإذن له به، وهذا رأي الشافعية والحنفية، والمالكية. بحسب رأي الخرشي، وأما مَن لم يبحه وهم الحنابلة، والمالكية برأي
القرافي فلا يطبق في رأيه العقاب المذكور، بسبب اختلاف العلماء في الإباحة والتحريم، قال ابن قدامة الحنبلي: وتحريم الأخذ (أي عند القائلين به) لا يمنع وجود الشبهة الناشئة عن اختلاف الفقهاء، والحدود تُدرأ
بالشبهات.
هذا، ويلاحظ أن موضوع الظفر بالحق في أحكام المعاملات في الشريعة يعدّ من أهم الحالات التي يعرف فيها بين حكم القضاء وحكم الديانة.
وأما القانون الوضعي فإنه لا يجيز مثل هذا الفعل، بل لابد من حكم قضائي.

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم    || موسوعة الفقه والتشريع