موسوعة المصطلحات والمفاهيم
موسوعة
الفقه والتشريع

أسامة عمر سليمان الأشقر
الزواج العرفي



لاشك أن موضوع الزواج العرفي يعدّ من أخطر الموضوعات المعاصرة في باب الزواج، خاصة وأن مثل هذه العقود قد ازدادت وانتشرت في الآونة الأخيرة؛ الأمر الذي يحتاج إلى دراسة مستفيضة في هذا الشأن،
ولذا سيحاول الباحث تناوله من جميع جوانبه: الشرعية والقانونية والاجتماعية وصولاً إلى التقويم الصحيح لهذا النوع من العقود.
المطلب الأول
تعريف الزواج العرفي
أولاً: تعريف "العرفي" لغة واصطلاحا:
تطلق العرب "العرف" كما يقول أبو منصور الأزهري على "كل ما تعرفه النفس من الخير وتطمئن إليه".
ومن أسهل التعريفات للعرف وأوضحها في معناه الاصطلاحي ما عرفه به عبد الوهاب خلاف، فقد قال في تعريفه: "هو ما تعارفه الناس، وساروا عليه من قول أو فعل أو ترك". وقريب منه تعريف الدكتور عبد
العزيز الخياط، حيث عرفه بقوله: "العرف ما اعتاده الناس، وساروا عليه في شؤون حياتهم".
ثانياً: تعريف "الزواج العرفي" باعتباره علماً:
عرفته مجلة البحوث الفقهية باعتباره علماً على معنى محدد _تعريفاً دقيقاً فقالت: "هو اصطلاح حديث يطلق على عقد الزواج غير الموثق بوثيقة رسمية، سواء أكان مكتوباً أو غير مكتوب".
ويقول الدكتور عبد الفتاح عمرو في تعريفه للزواج العرفي: "هو عقد مستكمل شروطه الشرعية، إلا أنه لم يوثق، أي بدون وثيقة رسمية كانت أو عرفية".
وتُظهر هذه التعريفات للزواج العرفي أنّه لا فرق بينه وبين الزواج الشرعي، ولكن هناك فرقاً بينه وبين الزواج الرسمي، فالزواج حتى يكون رسمياً لابدّ من توثيقه في الدائرة الخاصة بالتوثيق في الدولة، أما الزواج
الشرعي فلا يلزم التوثيق فيه.
وتعريف الدكتور عبد الفتاح عمرو للزواج العرفي غير دقيق، فقوله: "أي بدون وثيقة: رسمية كانت أو عرفية" غير صحيح، فإن العقد العرفي قد توجد فيه وثيقة عرفية، ولا تخرجه هذه الوثيقة عن كونه عقداً عرفياً،
وكان الواجب أن ينتهي تعريفه لهذا الزواج عند قوله "رسمية".
ثالثاً: السبب في تسمية هذا الزواج بالعرفي:
إن تسمية هذا الزواج بالزواج العرفي، يدل على أن هذا العقد أُكتسب مسماه من كونه عرفاً اعتاد عليه أفراد المجتمع المسلم منذ عهد الرسول عليه السلام وصحابته الكرام، وما بعد ذلك من مراحل متعاقبة، فلم يكن
المسلمون في يوم من الأيام يهتمون بتوثيق الزواج، ولم يكن ذلك يعني بالنسبة إليهم أي حرج، بل اطمأنت نفوسهم إليه. فصار عرفاً عُرِف بالشرع، وأقرهم عليه، ولم يردّه في أي وقت من الأوقات.
***
المطلب الثاني
الفرق بين الزواج العرفي والشرعي والرسمي ونكاح السر
أولاً: الفرق بين الزواج العرفي والزواج الشرعي:
التعريفات السابقة تظهر بوضوح أن الزواج العرفي هو الزواج الشرعي بعينه، فلا فرق بين هذين النوعين من الزواج، وعلى ذلك ينطبق على الزواج العرفي التعريف الذي عرفنا به الزواج عند علمائنا، وقد
صرحت التعريفات التي سبق ذكرها بهذه الحقيقة، وممن صرح بها فضيلة الشيخ حسنين مخلوف رحمه الله، فقد سُئل عن زواج توافرت فيه شروط العقد وأركانه، ونص السؤال:
"هل إذا عقد الزوجان زواجهما بإيجاب وقبول شرعيين وبحضور شاهدين مستوفيين للشرائط الشرعية بدون إثبات العقد في وثيقة رسمية لدى المأذون أو الموظف المختص يكون زواجاً شرعياً وتحل به المعاشرة
بينهما، أو لابد من إثباته في الوثيقة الرسمية؟".
وقد أجاب الشيخ على هذا السؤال بقوله: "عقد الزواج إذا استوفى أركانه وشروطه الشرعية تَحِلُّ به المعاشرة بين الزوجين، وليس من شرائطه الشرعية إثباته كتابة في وثيقة رسمية ولا غير رسمية، وإنما التوثيق
لدى المأذون أو الموظف المختص، نظام أوجبته اللوائح والقوانين الخاصة بالمحاكم الشرعية خشية الجحود وحفظاً للحقوق، وحذّرت من مخالفته لما لهُ من النتائج الخطيرة عند الجحود".
ويقول المحامي ممدوح عزمي في مقدمة الكتاب الذي دونه للتعريف بالزواج العرفي: "نتعرض في هذا الباب إلى بيان تعريف الزواج بصفة عامة وانطباق هذا التعريف على الزواج العرفي". ثم يقول: "والجدير
بالذكر أن الزواج العرفي يجب ان تتوفر فيه ذات الشروط والأركان التي يجب توافرها في الزواج الرسمي الموثق". ويقول أيضاً: "إذا تأملنا في عقد الزواج وكونه عقداً رضائياً (مع وجود شاهدين) نجد أن هذا
التعريف لم يفرق بين ما إذا كان الزواج عقداً مكتوباً أو غير مكتوب، موثقاً أو غير موثق، رسمياً أو عرفياً، لذلك فقد اتفق أهل الفقه على أنه لا فرق بين تعريف الزواج العرفي أو الزواج الرسمي الموثق... ونخلص
مما سبق أن تعريف الزواج العرفي ينحصر في كونه عقداً عرفياً بمقتضاه يحل للعاقدين الاستمتاع ببعضهما على الوجه المشروع بمجرد ثبوت التراضي فيما بينهما شريطة وجود شاهدي عدل على هذا الزواج
ليتحقق شرط الإشهاد في نظر عاقديه".
ثانياً: الفرق بين الزواج العرفي والزواج الرسمي:
كل من الزواج العرفي والزواج الرسمي يعتبر عقداً شرعياً كما سبق بيانه، والفارق بينهما أن الزواج الرسمي تصدر به وثيقة رسمية من الدولة، بخلاف الزواج العرفي الذي يعقد مشافهة أو تكتب فيه ورقة عرفية،
وقد عرف رجال القضاء المعاصرون الوثيقة الرسمية بأنها "التي تصدر من موظف مختص بمقتضى وظيفته بإصدارها". والوثيقة الرسمية لا تقبل الإنكار، ولا يجوز الطعن فيها بحال، وبناءً على ذلك يثبت بها عقد
النكاح قطعاً. أما عقد الزواج العرفي ولو أثبت بالشهود، أو وثيقة عرفية فإنه يقبل الطعن فيه، ويقبل الإنكار. يقول الدكتور عبد الفتاح عمرو: "العقد العرفي يعتبر كالورقة العرفية التي تقبل الطعن والتزوير والإنكار،
أما العقد الرسمي فهو كالوثائق الرسمية التي لا تقبل الطعن بالإنكار".
نظرة في تاريخ توثيق العقود بالكتابة:
اكتفى المسلمون في سابق عصورهم بعقد الزواج بألفاظ مخصوصة، وتوثيقه بالشهادة، ولم يروا آنذاك حاجة لتوثيقه بالكتابة. ومع تطور الحياة وتغير الأحوال، وما يحتمل أن يطرأ على الشهود من عوارض الغفلة
والنسيان والموت، وما يقتضيه واقع الحال في تدوين كافة العقود المتعلقة بأحوال الناس وتوثيقها اصبحت هناك حاجة لتوثيق عقود الزواج بالكتابة، مما اقتضى النص في العديد من القوانين على الإلزام بالتوثيق،
وفق تنظيم معين.
ابتدأت كتابة العقود عند المسلمين عندما بدؤوا يؤخرون المهر أو شيئاً منه، وأصبحت هذه الوثائق التي يدون فيها مؤخر الصداق أحياناً وثيقة لإثبات الزواج.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "لم يكن الصحابة يكتبون (صداقات) لأنهم لم يكونوا يتزوجون على مؤخر، بل يعجلون المهر، وإن أخّروه فهو معروف، فلما صار الناس يزوجون على المؤخر، والمدة
تطول وينسى صاروا يكتبون المؤخر، وصار ذلك حجة في إثبات الصداق وفي أنها زوجة له". وفي العصر الحاضر ألزمت قوانين الأحوال الشخصية بتسجيل عقود الزواج.
ولتوثيق العقود عموماً منافع كبيرة، وقد شرعه الله لمصلحة عباده حفظاً لحقوقهم، وقد وثّق رسول الله (ص) الكثير من معاملاته ومراسلاته، وأمر بالكتابة في الصلح مع المشركين، وتوالى التوثيق بالإشهاد والكتابة
منذ عهده، وعهد من بعده عليه السلام استشعاراً منهم لأهميته.
أما عن توثيق عقد الزواج فقد دلت السنة على وجوب توثيقه بالشهادة، لقوله: "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل"، واستدلالاً بهذا اتفق جمهور الفقهاء على أن النكاح لا ينعقد إلا بشاهدين، والعلة في وجود الإشهاد على
الزواج واضحة في كونها تدل على إشهاره وإعلانه عن طريق النقل والتسامع بين الناس مما ينفي التهمة ويحفظ حقوق الزوجة والأولاد، ودفع احتمالات الإنكار.
ومما سبق يظهر بجلاء أهمية التوثيق في الشريعة الإسلامية سواء منه ما كان بالشهود أو بالكتابة. وإذا كان التوثيق بالشهود سبباً لإشهار الزواج وإعلانه فإن توثيقه بالكتابة سبب ايضاً لإشهاره وإعلانه. ولا مراء في
أن هذا التوثيق أدعى في هذا العصر الذي تعقدت فيه المشكلات. وتعددت فيه أسباب النزاع مما يقتضي توثيق العقود بالكتابة، ولا مراء في أن لهذا التوثيق منافع عدة، منها إمكانية حفظ العقد المكتوب مدة طويلة
وغير محدودة، ومنها سهولة الرجوع إليه عند النزاع مما لا يتوافر في الشهود، ومن هذه المنافع أيضاً معرفة الأمة لتاريخها وتسلسل أجيالها، وحفظ أنسابها، ناهيك عما يستلزمه تخطيط تنميتها واقتصادها من توثيق
زيجاتها.
فالإلزام بتسجيل عقود الزواج هو من "باب السياسة الشرعية" كما يقول الدكتور عبد الفتاح عمرو التي يمكن لولي الأمر إلزام رعيته بها لما يراه في ذلك من مصالح. فالتوثيق لدى المأذون أو الموظف المختص نظام
أوجبته اللوائح والقوانين الخاصة بالمحاكم الشرعية، خشية الجحود وحفظاً للحقوق، وحذرت من مخالفته لما له من نتائج خطيرة من النكران.
ويقرر الدكتور محمّد عقلة أن التصور الإسلامي من حيث المبدأ لا يفرض شكلاً من الأشكال لإتمام الزواج، فعقد الزواج شأن سائر العقود يتم بمجرد الإيجاب والقبول، ولا يتوقف وجوده وثبوته على بينة كتابية، بل
تكفي البينة الشخصية لإثباته سواء كان ذلك فيما يتعلق بنفس العقد أو آثاره من مهر ونفقة وما إلى ذلك من الحقوق.
غير أن هذه الحقيقة لا تمنع من إحداث تنظيمات شكلية أو إدارية بقصد حماية الزوجية، المحافظة على مصالح العقد، كما لا تتعارض مع سَن قانون تراه الدولة مقيداً بقاعدة التطور، وأخذاً بالأساليب الحديثة في
التدوين والتسجيل.
قيمة الإلزام القانوني بتسجيل عقد الزواج:
هذه التراتيب الإدارية التي ألزمت بها قوانين الأحوال الشخصية، ومنها تسجيل عقود الزواج سماها بعض الفقهاء المعاصرين بالشروط القانونية، حيث عرفها الدكتور علي حسب الله بأنها: "شروط يضعها المشرع
الوضعي لجلب مصلحة أو دفع مضرة"، ثم يوضح طبيعة هذه الشروط، فيقول "الشرط القانوني ليس شرط صحة ولا نفاذ ولا لزوم، لأن المشرع الوضعي ليس له أن ينشىء حكماً شرعياً دينياً يحل حراماً أو يحرم
حلالاً، بل هو شرط يترتب عليه أثر قانوني لا دخل له في الحكم الشرعي الديني".
وإذا كان الزواج العرفي زواجاً صحيحاً استوفى شروطه، فللحاكم المعاقبة على عدم توثيق عقد الزواج كما يقول الشيخ علي الطنطاوي: "هذا الزواج بهذا المعنى زواج صحيح (العقد العرفي)، ولكن للحاكم أن يعاقب
فاعله بنوع من العقوبات لأنه خالف أمراً أوجب الله طاعته".
ويقول الشيخ القرضاوي: "في هذه الحالة إذا صدر أمر أو قانون من ولي الأمر الشرعي بإيجاب التوثيق تصبح طاعته لازمة شرعاً لأن الله تعالى قال: (يا أيُّها الَّذينَ آمَنُوا أطيعُوا اللهَ وأطيعُوا الرسولَ وأولي الأمر
مِنكُم) (النساء:25)، والنبي (ص) قال في الحديث الصحيح المتفق عليه: "السمع والطاعة حق على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة"، وقال النبي (ص): "إنما
الطاعة في المعروف"، فما دام الإنسان يؤمر بمعروف فيجب أن يطيع، فالطاعة هنا لازمة وواجبة".
ثالثاً: الفرق بين النكاح العرفي ونكاح السر:
قد يتداخل النكاح العرفي ونكاح السر تداخلاً كبيراً، بحيث يخفي على بعض أهل العلم تبين الحد الفاصل بينهما، وقد يدخل بعض الباحثين نكاح السر في النكاح العرفي، فيفتح هذا التوجه باب شرّ كبير، من أجل ذلك
سيحاول الباحث تفصيل القول في الفارق بين النكاح العرفي ونكاح السرّ في النقاط التالية:
1_ إذا كان النكاح العرفي قد تم بإيجاب من الولي وقبول من الزوج، وشهد عليه شاهدان على الأقل، وجرى الإعلان عنه، فهذا زواج شرعي صحيح وإن لم يسجل في الدوائر الرسمية، ولم تصدر به وثيقة رسمية.
2_ العقد العرفي الذي تمّ بإيجاب وقبول بين الرجل والمرأة من غير ولي ولا شهود ولا إعلان فهو زواج باطل باتفاق أهل العلم، وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "نكاح السر الذي يتواصى بكتمانه ولا يشهدون
عليه أحداً باطل عند عامة العلماء، وهو من جنس السفاح". ولا يجوز في هذه الحالة تسميته بالزواج العرفي.
3_ إذا تم عقد النكاح العرفي بإيجاب من الولي وقبول من الزوج وشهد عليه شاهدان، وتواصى الزوجان والولي والشهود على كتمانه وعدم إذاعته فهذا زواج باطل عند الإمام مالك رحمه الله تعالى، وعند ابن شهاب
الزهري، وأكثر أهل المدينة، والليث بن سعد. لكونه نكاح سر.
والشهادة عند المالكية واجبة مثل اشتراطهم وجوب الإعلان عند العقد، ولكن يجوز تأخير الشهادة عن العقد إلى ما قبل الدخول، فإن لم يشهد عليه أحد قبل الدخول انفسخ النكاح ووجب الحد إذا أقر بالدخول أو ثبت
بشهادة أربعة شهود، لكن لو أعلن النكاح بوليمة ونحو ذلك فإن الحد في هذه الحالة يدرأ. يقول الشيخ الدسوقي: "حاصله ان الإشهاد على النكاح واجب، وكونه عند العقد مندوب زائداً على الواجب فإن حصل الإشهاد
عند العقد فقد حصل الواجب والمندوب، وإن لم يحصل عند العقد كان واجباً عند البناء".
وذهب أئمة المذاهب الثلاثة أبو حنيفة والشافعي وأحمد إلى صحة العقد الذي شهد عليه شاهدان وإن تواصى الجميع بكتمانه، لأن السرية عندهم تزول بالإشهاد، وإشهاد رجلين هو الحد الأدنى للإعلان الذي يصح به
النكاح.
4_ العقد العرفي الذي تم بإيجاب وقبول بين رجل وامرأة وبشاهدين من غير ولي باطل عند الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد لأن الولي شرط في صحة النكاح عندهم، فإن كان سرّاً فهو باطل عند مالك لكونه نكاح
سرّ، ولخلوه من الولي. أما عند الإمام أبي حنيفة فإنه لا يبطل العقد بخلوه من الولي، ولكنه يرى أن من حق الولي مطالبة القاضي بفسخ العقد إذا كان الزوج غير كفء.
***
المطلب الثالث
الكيفية التي يتم بها عقد الزواج العرفي
صور إجراء هذا العقد متعددة، وذكرت مجلة البحوث الإسلامية نقلاً عن الأستاذ هلال يوسف إبراهيم في كتابه أحكام الزواج العرفي أن "من صور إجرائه كتابة عقد يتضمن إقرار الزوج والزوجة بأهليتهما للتعاقد
والتصرف وخلوهما من كافة الموانع الشرعية، ويدون في هذا العقد أسماء الشهود فيقر الزوج (يسمى باسمه) وبعد إيجاب وقبول، ويجيب أنه قد قبل الزواج من الزوجة (تسمى باسمها) زواجاً شرعياً على كتاب الله
وسنة رسول (ص)، وعملاً بأحكام الشريعة الإسلامية. كما تقر الزوجة (تسمى باسمها) بعد إيجاب وقبول صريحين أنها قبلت الزواج من الزوج (يسمى باسمه) زواجاً شرعياً على كتاب الله وسنة رسوله (ص)،
وعملاً بأحكام الشريعة الإسلامية.
ويذكر في العقد أن الطرفين اتفقا على صداق قدره (كذا) كما يتضمن العقد أن الطرفين أقرا بقبولهما جميع أحكام هذا العقد بما تقتضي الشريعة الإسلامية، وما يترتب عليه من آثار وخاصة البنوة، إذ إن لأولادهما ثمرة
هذا الزواج ولهم جميع الحقوق الشرعية والقانونية مثلهما.
صورة عقد زواج لزواج عرفي:
أنه في يوم الأربعاء الموافق 7 مارس سنة 1979م.
فيما بين كل من:
1_ السيد/ م.ي.أ.م المقيم بالزمالك قسم قصر النيل من مواليد القاهرة مسلم الديانة زوج - طرف أول.
2_ السيدة/ ن-أ.ف والمقيمة في نفس العنوان السابق مسيحية الديانة ألمانية الجنسية زوجة - طرف ثان.
وقد أقر الطرفان بأهليتهما للتعاقد والتصرف وخلوهما من كل مانع شرعي، واتفقا أمام الشهود المذكورين بهذا العقد، وبعد تلاوته باللغة الألمانية على الطرف الثاني الزوجة على ما يأتي:
أولاً: يقر الطرف الأول بعد إيجاب وقبول صريحين بأنه قد قبل الزواج من الطرف الثاني زواجاً شرعياً على كتاب الله وسنة رسوله(ص)، وعملاً بأحكام الشريعة الإسلامية.
كما يقر الطرف الثاني بعد إيجاب وقبول صريحين بأنها قد قبلت الزواج من الطرف الأول زواجاً شرعياً على كتاب الله وسنة رسول الله (ص) وعملاً بأحكام الشريعة الإسلامية مع احترام الديانة المسيحية.
ثانياً: اتفق الطرفان على صداق قدره مائة جنيه مصري دفع من الطرف الأول بمجلس هذا العقد ليد الطرف الثاني.
ثالثاً: يقر الطرف الثاني صراحة بأنها قد قبلت الزواج برضا تام، وعملاً بأحكام الشريعة الإسلامية مع احتفاظها بديانتها المسيحية.
رابعاً: قبل الطرفان جميع أحكام هذا العقد بما تقتضي به الشريعة الإسلامية، وما قد يترتب عليه من آثار قانونية، وخاصة البنوة إذا إن لأولادهما من هذا الزواج جميع الحقوق الشرعية القانونية قبلهما.
خامساً: تحرر هذا العقد من نسختين بيد كل طرف نسخة للعمل بموجبها لحين اتخاذ اجراءات توثيق هذا الزواج رسمياً وطبقاً لأحكام القانون الوضعي لجمهورية مصر العربية وذلك بشهادة
كل من: 1-م.أ.ي 2- م.و.أ.
1_ الطرف الأول (الزوج) توقيع
2_ الطرف الثاني (الزوجة) توقيع
***
المطلب الرابع
الأسباب التي أدت إلى انتشار الزواج العرفي
بيّن القاضي الشرعي حامد عبد الحليم الشريف الأسباب التي أدت إلى انتشار الزواج العرفي. وأول هذه الأسباب هو القيود التي فرضتها قوانين الأحوال الشخصية على الأزواج، ومن ذلك: "تلك القيود التي تمثلت
في حق الزوجة في طلب الطلاق في الحالة التي يتزوج عليها زوجها، لذلك الضرر الواقع عليها إثر هذا الزواج الثاني، وأيضاً حق الزوجة الثانية في طلب الطلاق في حالة ما إذا كانت لا تعلم بأن زوجها متزوج من
قبل، بالإضافة إلى أن القانون قد أوجب على الزوج أن يقوم بإعلان وإخطار زوجته بالزواج الثاني، وإذا أضفنا إلى ما تقدم أن القانون قد أعطى للمطلقة الحاضنة أن تستقل بمسكن الزوجية هي وطفلها، ونحن نعلم
كيف يدبر الزوج المسكن في هذا العصر.
إن القانون في حد ذاته وبنصوصه التي قيدت الزواج يقف عقبة أمام إتمام حالات كثيرة من حالات الزواج".
والسبب الثاني لانتشار الزواج العرفي الصعوبات المادية التي تحيط بكثير من الشباب في هذا العصر وتتمثل هذه العقبات: "في غلاء المهور والمبالغة في تكاليف الزواج بالإضافة إلى عائق الدراسة ومحاولة
الإرواء الغريزي غير المشروع، وأيضاً قلة الأجور وانتشار البطالة وغلاء المعيشة وعدم توافر المسكن الملائم، بالإضافة إلى تدخل النساء في كثير من المجالات وترك تلك المجالات لهن.
والسبب الثالث هو ضعف الوازع الديني، وهذه العقبات كما يقول: "تقف أمام الزوج تحاول النيل منه لعدم قيامه أو عدم إتمامه الأمر الذي جعل الشباب لا يقدمون على الزواج في الوقت الحاضر لعدم توافر الإمكانات
المادية والنفسية والاجتماعية اللازمة له".
ويتابع القاضي قائلاً: "وكلّ هذه العوامل التي تعبر عقبات في سبيل الزواج هي نفسها العوامل الأساسية التي جعلت الشباب يهرب من الزواج الرسمي أو الزواج الموثق إلى ما سمي "بالزواج العرفي" الذي يتحلل
فيه الزوج من الكثير من القيود وذلك في الوقت الذي يعصم فيه نفسه من الخطأ، ويعصم نفسه من مباشرة علاقات غير مشروعة".
ويذكر سبباً رابعاً وهو رغبة أحد الطرفين في إخفاء الزواج بسبب التفاوت في المستوى الاجتماعي بينه وبين المرأة التي يريد الاقتران بها، وفي ذلك يقول: "توجد العديد من الدوافع في بعض الحالات التي تجعل
البعض يقدم على هذا الزواج، مثل المكانة الأدبية العالية للزوج،وخاصة إذا ما كان متزوجاً من قبل، ويبغي الاقتران بمن هي دونه في المستوى الاجتماعي، وتكثر تلك الحالات وتتمثل في زواج الطبيب من
الممرضة، وزواج المدير من السكرتيرة، وزواج السيد أيضاً من الخادمة، وغيرها من الزيجات التي قد تثمر في النهاية مولد طفل ينشأ تحت ستار هذا الزواج السري".
والسبب الخامس رغبة الزوج في الزواج من أخرى من غير علم زوجته، وفي ذلك يقول: "ومن الأسباب الأخرى أن الزوج يريد التزوج بأخرى، ولا يبغي أن يترك زوجته الأولى للحفاظ عليها وعلى أولاده،
والمحافظة على مشاعر الأبناء، وتمكينه من رعاية الأبناء وصونه لهم".
والسبب السادس وجود "العديد من الضرورات المادية التي تجعل البعض يقدم على الزواج العرفي مثل حالات عدم الرغبة في التنازل عن المعاش للزوج أو الزوجة التي توفى زوجها ولها ولده منه يرعاها، فلا
تتزوج بعد زوجها إلا عرفياً، وذلك ابتغاء هدف واحد، هو محاولة إعفاء الابن من الدخول في الخدمة العسكرية (هذا في بعض البلدان مثل مصر) باعتبار كونه عائلها الوحيد الذي يقوم بتصريف شؤونها وتدبير
احتياجاتها".
والسبب السابع يتمثل في كون الزواج العرفي لا يرتب على الزوج الالتزامات نفسها التي تترتب عليه في الزواج الرسمي.
***
المطلب الخامس
الزواج العرفي في قوانين الأحوال الشخصية
كل قوانين الأحوال الشخصية تلزم بتسجيل عقود الزواج، ولكنها متفاوتة فيما بينها في الحكم على من يتزوج زواجاً عرفياً غير موثق في الدوائر الرسمية الحكومية.
ولقوانين الأحوال الشخصية أربعة اتجاهات في هذا الأمر:
الأول: التي تلزم بتسجيل العقد من غير ذكر عقوبة لهذه المخالفة.
الثاني: التي ترفض سماع الدعوى في الزواج العرفي المقدمة إلى المحاكم في حالة الإنكار.
الثالث: التي توجب عقوبة على مثل هذا النوع من الزواج، ويتفاوت مقدار العقوبة من قانون لآخر.
الرابع: القوانين التي لا تثبت هذه العقود وتعتبرها باطلة.
فمن النوع الأول: القوانين التي نصت على أنه لابدّ من توثيق عقد النكاح، واكتفت بذلك، ولم تفرض أي عقوبة على الذين لا يوثقونه، مثل قانون الأحوال الشخصية المغربي الذي نص في الفصل الثالث والأربعين
منه على أن: "يسجل نص العقد بسجل الأنكحة لدى المحكمة وترسل نسخة منه إلى إدارة الحالة المدنية".
الثاني: قوانين ألزمت المحاكم القضائية بعدم سماع دعوى الزوجية أو الإقرار بها إلا عند تقديم وثيقة رسمية، وهذا ما استقر عليه القضاء المصري منذ عام 1931، ونصت عليه المادة (99) من لائحة ترتيب المحاكم
الشرعية والمعدلة بالقانون رقم (78) لعام 1951.
وقد أفتت دار الإفتاء المصرية بتاريخ 1/2/1957 أن الفقرة الناصة على عدم سماع الدعوى عند إنكار دعوى الزوجية أو الإقرار بها إلا إذا كانت بوثيقة رسمية، فإن هذه الفقرة لا تَشترط الوثيقة الرسمية لصحة عقد
الزواج، وإنما هي شرط لسماع الدعوى.
ومن هذه القوانين قانون الأحوال الشخصية الكويتي، فقد جاء في المادة (92) منه الفقرة: (أ): "لا تسمع عند الإنكار دعوى الزوجية، إلا إذا كانت ثابتة بوثيقة زواج رسمية، أو سبق الإنكار الإقرار بالزوجية في
اوراق رسمية".
ومن النوع الثالث: الذي فرض عقوبة على الذين لا يسجلون عقد الزواج لدى الدوائر الرسمية في الدولة قانون الأحوال الشخصية الأردني، فقد جاء في المادة السابعة عشرة منه ما يأتي:
أ_ يجب على الخاطب مراجعة القاضي أو نائبه لإجراء العقد.
ب_ يجري عقد الزواج من مأذون القاضي بموجب وثيقة رسمية، وللقاضي بحكم وظيفته في الحالات الاستثنائية أن يتولى ذلك بنفسه بإذن من قاضي القضاة.
ج_ وإذا جرى الزواج بدون وثيقة رسمية فيعاقب كل من العاقد والزوجين والشهود بالعقوبة المنصوص عليها في قانون العقوبات الأردني وبغرامة على كلّ منهم لا تزيد عن مائة دينار.
د- وكل مأذون لا يسجل العقد في الوثيقة الرسمية بعد استيفاء الرسم يعاقب بالعقوبتين المشار إليهما في الفقرة السابقة مع العزل من الوظيفة".
فمن هذا يظهر ان القانون أوجب عقوبة على كل من الزوجين والعاقد والشهود، وقد حدد قانون العقوبات هذه العقوبة بالسجن، كما ألزم بغرامة لا تزيد عن مائة دينار لكل واحد من المذكورين، وأضاف إلى ذلك طرد
المأذون الذي لم يوثق العقد من وظيفته.
ومن هذه القوانين التي تفرض عقوبة على من لا يسجل عقد زواجه في الدائرة الحكومية المختصة قانون الأحوال الشخصية العراقي، فقد جاء في الفقرة الخامسة من المادة العاشرة منه ما نصه: "يعاقب بالحبس مدة لا
تقل عن ستة أشهر، ولا تزيد عن سنة أو بغرامة لا تقل عن ثلاثمائة دينار ولا تزيد على ألف دينار كل رجل عقد زواجه خارج المحكمة، وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد على خمس
سنوات إذا عقد خارج المحكمة زواجاً آخر مع قيام الزوجية".
وعقوبة هذا القانون قاسية، وتزداد قسوة إذا كان الزواج غير موثق أو كان الزواج من امرأة غير الزوجة الأولى.
***
المطلب السادس
التدابير المقترحة للحد من الزواج العرفي
كان الفقهاء وأهل الرأي ولا يزالون يدعون إلى وضع تدابير تحد من هذا الزواج، ومن ذلك:
1_ تقوية الوازع الديني لدى الشباب وتنمية التربية الدينية في عقولهم. ولا شك أن تقوية الوازع الديني ضمانة أكيدة تحد من الظلم والفساد، فالذي يخاف الله ويخشى وقوفه بين يديه، ينهى النفس عن أتباع الهوى
وظلم الناس، ولكن هذا لا يكفي، فبعض الناس يخافون من السلطان أكثر من خوفهم من القرآن، وقديماً قيل: إن الله ليزَع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.
2_ نقل القاضي حامد عن الدكتور حمدي أبي النور أنه دعا في مقال له منشور في جريدة الأهرام بتاريخ 1/11/1985 وكان وزيراً للأوقاف المصرية آنذاك، إلى فرض غرامة ضخمة يدفعها المتزوج عرفياً لزوجته
الأولى التي تضار من هذا الزواج.
3_ ونقل القاضي حامد عن الأستاذ أشرف مصطفى كمال الذي كان يعمل في ذلك الوقت وكيلاً أولاً لنيابة القاهرة للأحوال الشخصية أنه دعا في مقال له نشر في جريدة الأهرام بتاريخ 1/11/1985 إلى منع إبرام
عقود الزواج العرفي بين المواطنين، والنص على بطلان هذا العقد، وعدم الاعتداد بأي آثار قانونية له.
وقد رفض القاضي حامد هذين الرأيين؛ لأن فرض الغرامة هو بمثابة قيد على الزواج، وقد كانت القيود المفروضة على الزواج هي أهم الأسباب التي أدت إلى الزواج العرفي وسببت انتشاره، فيكون الأخذ بهذا
الرأي هو من باب قول القائل وداوني بالتي كانت هي الداء.
ورفض أيضاً القاضي الاقتراح الثاني لأنه مخالف للشريعة الإسلامية، فلم يقل أحد من أهل العلم ببطلان مثل هذا الزواج الذي اكتملت شروطه وأركانه.
ولكن الشيخ حامد لم يأت باقتراح لحل هذا المشكل، والذي يراه الباحث هو إزالة الأسباب التي أوجدته، خاصة تلك الأسباب التي أوجدتها قوانين الأحوال الشخصية، وهي مخالفته لنظام الزواج الذي جاءت بها
الشريعة الإسلامية، خاصة أن مثل هذه التحديدات التي وضعتها قوانين الأحوال الشخصية ستسهم في تعقيد الأمور بدلاً من حلها، على أن قضية التوعية الدينية هي الحل الأمثل في نظري لضمان عدم ظلم الناس
بعضهم بعضاً في حالة إقدامهم على الزواج العرفي لسبب من الأسباب.
***
المطلب السابع
الآثار الاجتماعية للزواج العرفي
كان من المفروض أن لا ينتج عن هذا العقد آثار سيئة، لأنه _كما أسلفنا _ زواج شرعي، لا يختلف عن الزواج الذي كان يجري عليه العمل في ديار الإسلام، ولكن الواقع يدل على أنه أحدث آثاراً سيئة، ومرد هذه
الآثار السيئة أمران:
الأول: الإشكالات القديمة التي صاحبت عقود الزواج التي لم تكن توثق، فكل واحد من الزوجين كان يمكنه أن ينتفي من الزوج الآخر، كما يستطيع أن ينفي الأولاد، وقد يموت الشهود، أو ينسون أو يتراجعون عن
الشهادة، فلا يستطيع الزوج المطالب بإثبات الزوجية أن يثبت العقد بطريقة من طرائق الإثبات.
والثاني: السرية التي تصاحب عقد الزواج العرفي، فالأصل في الزواج الإعلان والإشهار، والأصل في الزواج العرفي الإسرار والكتمان، لأسباب أوردتها في الحالات التي دعت لإيجاده، والزواج في السر يضيع
كثيراً من الحقوق، وخاصة حقوق الزوجة والأولاد، وقد لا تستطيع المرأة أن ترفع الأمر إلى القضاء، لأن القضاء يعاقب الذي يتزوج بهذه الطريقة، وقد يرفض القانون سماع الدعوى في القضايا التي تأتي من هذا
النوع.
واليوم تتحدث وسائل الإعلام عن الآثار الخطيرة التي يحدثها الزواج العرفي في المجتمعات الإسلامية التي ينتشر فيها، كما تروي في هذا المجال حوادث ووقائع سببت مآسي واسعة النطاق. فالمرأة التي تتزوج
زواجاً عرفياً من غير عقد رسمي موثق عرضة لضياع حقوقها من مؤخر المهر والنفقة والميراث، وقد يضيع نسب أولادها، كما يضيع حقهم في الميراث والنفقة؛ فالزوج قد ينكر الزواج، وينتفي من زوجته وأولاده،
وقد يموت ولا تجد ما يثبت لها حقها.
وقد قرر الدكتور مصطفى عبد الرزاق الخبير بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية في مصر أن الزواج العرفي أصبح ظاهرة منتشرة بين المراهقين، وهي ظاهرة اجتماعية خطيرة، لأنه لا توجد ضوابط
تحكم هذا الزواج، وقد قرر الدكتور مصطفى أن الزواج العرفي انتشر بين طلبة الجامعات والمدارس الثانوية. ويذكر مراسل جريدة الأسواق من القاهرة حسن عامر أن العقد يتم بين الطالب والطالبة بأن تقول
الطالبة: زوجتك نفسي على سنة الله ورسوله، فيقول الزوج: وأنا قبلت. ويذكر الدكتور مصطفى في مقابلة مندوب جريدة الأسواق معه أن زميلاً للزوجين يقوم بكتابة ورقة تقول إن هذين الطالبين أصبحا متزوجين،
ويدوّن الزوج في نهاية الورقة أرقام بطاقاتهم الشخصية وشهادة اثنين عليها.ويذكر الدكتور مصطفى أن الإحصاءات أوضحت أن طلبة الجامعة وطالباتها هم الفئة الأولى التي تتجه إلى مثل هذا النوع من الزواج.
وتذكر الدكتورة سنية توفيق أستاذة الاجتماع بكلية الخدمة الاجتماعية بالقاهرة في مقابلتها مع مندوب جريدة الأسواق أن هذا النوع من الزواج يحدث بدون وجود الإمكانات التي تؤهل الشاب والفتاة للاستقرار، فلا
يفكرون بالسكن الذي يمكن أن يأووا إليه، ولا القدرات المالية التي يحتاجها الزواج، وعندما تحمل الزوجة تذهب السكرة وتأتي الفكرة، ويتنصل كثير من الشباب من مسؤولية هذا الزواج والاعتراف به، ويرفضون
أن ينسب الولد إليهم، وتقع المسؤولية الأكبر والضرر الأكبر على الزوجة، وقد ينتهي الزواج العرفي بزواج رسمي، وقد يتخلى الزوج عن زوجته وتسقط الزوجة الجنين، وقد تقع مشكلات كثيرة بين الأسرتين.
بقي أن نعلم أن الإحصاءات تدل على أن عشرين ألف حالة زواج عرفي تصل إلى مراكز الشرطة في مصر سنوياً، هذا عدا الزيجات العرفية التي لا تكشف.
المناقشة والترجيح:
وبناء على ما تقدم نستطيع أن نقول إن النكاح العرفي إذا عقد سرّاً بين رجل وامرأة من غير ولي ولا شهود فهو باطل باتفاق أهل العلم، وإن عقد بولي وشهود وتواصى الجميع على كتمانه فهو باطل عند مالك،
صحيح عند باقي الأئمة، وإن عقد بولي من غير شهود فهو باطل عند الأئمة كلهم، خلافاً للإمام مالك الذي لم يشترط أثناء العقد حضور الشهود مشترطاً بدلاً من ذلك الإعلان والظهور، أما الشهادة عنده فهي واجبة قبل
الدخول على ما بينّا. فإن عقد من غير ولي فهو باطل عند الثلاثة صحيح عند أبي حنيفة.
وبذلك يظهر من خلال هذا العرض السابق أن الذين يفتون بأن عقد الزواج العرفي إذا كان بإيجاب وقبول وشهود عقد شرعي إذا لم توجد فيه وثيقة قول يحتاج إلى تفصيل وبيان.
وفي الاتجاه المقابل فإن من يذهب إلى القول بحرمة هذا الزواج، فهو قول يحتاج أيضاً إلى بيان وتفصيل الأسباب المصاحبة التي أدت إلى القول بذلك، ولا نعتبر تحريمهم له بوصفه زواجاً عرفياً حكماً سليماً. وعلى
هذا ينقشع الكثير من الخلاف الدائر حول الزواج العرفي إذا تم التعامل وفق الفهم السابق والله أعلم.
إن إصدار بعض الفتاوى التي تدعوا إلى منع الزواج العرفي من منطلق السياسة الشرعية، وحق القاضي ومن يقوم مقامه إصدار غرامات وعقوبات كل ذلك لابد أن يُسبق بمجموعة من الإحصاءات والاستبانات
لدراسة المصالح والمفاسد الناتجة عن الزواج العرفي، ومن ثم الموازنة بينها، عوضاً عن قيام هذه الفتاوى على الإعلام الذي تغافل ولأسباب عديدة عن إيجابيات هذا الزواج، وركز بشكل كبير على الجانب السلبي
منه.
---------------------------
* مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطلاق

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم    || موسوعة الفقه والتشريع