موسوعة المصطلحات والمفاهيم
موسوعة
الفقه والتشريع

محمد جواد مغنية
الوصايا



أجمعوا على صحة الوصية، وجوازها في الشريعة الاسلامية، وهي تمليك عين أو منفعة مضاف الى ما بعد الموت بطريق التبرع، وتصح في حالة الصحة والسلامة من الأمراض، وفي مرض الموت وغيره،
وحكمها في الحالين سواء عند الجميع.
أركان الوصية:
أركان الوصية أربعة: الصيغة، والموصي، والموصى له، والموصى به.
الصيغة:
ليس للوصية لفظ خاص، فتصبح بكل لفظ يعبر عن انشاء التمليك بعد الموت تبرعاً، فاذا قال الموصي: أوصيت لفلان بكذا دل اللفظ بنفسه على الوصية دون ان يقيد بما بعد الموت، أما إذا قال: اعطوا أو ادفعوا، أو
جعلت، او لفلان كذا فلا بد من التقييد بما بعد الموت، لأن اللفظ لا يدل على قصد الوصية بدونه.
وقال الامامية والشافعية والمالكية: إذا اعتقل لسان المريض تصح وصيته بالاشارة المفهمة. ونقل الشعراني في ميزانه عن أبي حنيفة وأحمد عدم صحة الوصية في هذه الحال. وفي كتاب الفقه على المذاهب الأربعة
ج3 باب الوصية نقلاً عن الحنفية والحنابلة "انه إذا طرأ على لسانه مرض منعه من النطق فلا تصح وصيته إلا إذا استمر زمناً طويلاً، فصار كالأخرس بحيث يتكلم بالاشارة المعهودة، وحينئذ تكون اشارته وكتابته
كالنطق".
ونقل الشعراني عن أبي حنيفة والشافعي ومالك "انه لو كتب وصيته بخطه، وعلم انها بخطه، ولكن لم يشهد فيها لم يحكم بها _أي لو وجدت وصية بخطه، ولم يكن قد اشهد عليها، ولا اقر بها أمام الناس لا تثبت
الوصية مع العلم بصدورها عنه _.
وقال أحمد: بل يحكم بها ما لم يعلم رجوعه عنها.
وقال المحققون من فقهاء الامامية: تثبت الوصية بالكتابة، لأن ظواهر الافعال حجة كظواهر الأقوال، والكتابة اخت اللفظ في الدلالة على ما في النفس، بل هي أدل، وأولى من سائر القرائن.
الموصي:
اتفقوا جميعاً على ان وصية المجنون في حال جنونه، والصبي غير المميز لا تصح، واختلفوا في وصية الصبي المميز، فقال المالكية والحنابلة والشافعي في أحد قوليه: تجوز وصية من أتم عشر سنين، لأن الخليفة
عمر أجازها.
وقال الحنفية: لاتجوز إلا إذا أوصى بتجهيزه ودفنه. ومعلوم أن هذا لا يحتاج الى وصية.
وقال الامامية: تجوز وصيته في وجوه البر والاحسان، ولا تجوز في غيرها، لأن الامام الصادق أجازها في ذلك (الجواهر والأحوال الشخصية لأبي زهرة).
وقال الحنفية: "إذا أوصى البالغ حال افاقته، ثم جن، فان كان جنونه مطبقاً، واستمر ستة أشهر بطلت الوصية، وإلا فلا، وإذا أوصى، وهو سليم، ثم طرأ عليه وسواس، حتى صار معتوهاً، واستمر كذلك، حتى مات
بطلت الوصية. (الفقه على المذاهب الأربعة ج3 باب الوصية).
وقال الامامية والمالكية والحنابلة: لا تبطل الوصية بعروض الجنون، وان دام حتى الممات، لأن العوارض اللاحقة لا تبطل التصرفات السابقة.
وقال الحنفية والشافعية والمالكية: تجوز وصية السفيه.
وقال الحنابلة: تجوز في ماله، ولا تجوز على أولاده، فلو أقام وصياً عليهم لا يعمل بوصيته. (الأحوال الشخصية لأبي زهرة والفقه على المذاهب الاربعة ج3 باب الوصية).
وقال الامامية: لا تجوز وصية السفيه في أمواله. وتجوز في غيرها، فإذا اقام وصياً على أولاده صحت الوصية، وإذا أوصى بإعطاء شيء من ماله بطلت. وتفرد الامامية بالقول: ان من أحدث بنفسه حدثاً بقصد
الانتحار، ثم أوصى، ومات بعد الوصية بطلت وصيته، أما إذا اوصى أولاً، ثم انتحر صحت الوصية.
وقال المالكية والحنابلة: لا تصح وصية السكران.
وقال الشافعية: لاتصح وصية المغمى عليه، وتصح وصية السكران المعتدي بسكره، أي من سكره باختياره.
وقال الحنفية: لا تصح وصية الهازل والمخطىء والمكره (الفقه على المذاهب الأربعة ج3 باب الوصية).
وقال الامامية: لا تصح وصية السكران والمغمى عليه، ولا الهازل، ولا المخطىء ولا المكره.
الموصى له:
اتفق الأربعة على عدم جواز الوصية لوارث إلا إذا اجاز الورثة.
وقال الامامية: تجوز للوارث وغير الوارث، ولا تتوقف على اجازة الورثة ما لم تتجاوز الثلث، وكان عمل المحاكم في مصر على المذاهب الأربعة، ثم عدلت عنها إلى مذهب الامامية، وما زال عمل المحاكم
الشرعية السنية في لبنان على عدم صحة الوصية للوارث، ومنذ بضع سنوات قدم قضاتها مشروعاً إلى الحكومة يجيز الوصية لوارث، ورغبوا اليها في تبنيه.
واتفقوا جميعاً على أن للذمي ان يوصي لمثله، ولمسلم، وعلى أن للمسلم أن يوصي للذمي، لقوله تعالى: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين، ولم يخرجوكم من دياركم ان تبروهم وتقسبطوا اليهم ان الله يحب
المقسطين _انما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين، وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على اخراجكم ان تولوهم ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون _ (الممتحنة/8ـ9)".
واختلفوا في صحة الوصية من مسلم لحربي فقال المالكية والحنابلة وأكثر الشافعية: تصح.
وقال الحنفية وأكثر الامامية: لا تصح (المغني ج6 والجواهر ج4 باب الوصية).
واتفقوا على صحة الوصية للحمل بشرط انفصاله حياً، لأن الوصية تجري مجرى الميراث، والحمل يرث بالاجماع، فيجب ان يملك الموصى به أيضاً.
واختلفوا: هل يشترط وجود الحمل حال الوصية أو لا؟
قال الامامية والحنفية والحنابلة والشافعي في أصح قوليه: يشترط ذلك، ولا يرث إلا إذا علم انه كان موجوداً حين الوصية، ويحصل العلم بذلك إذا وضعته حياً في مدة تقل عن ستة أشهر من تاريخ الوصية إذا كان لها
زوج متمكن من مقاربتها، وإذا ولدته لستة أشهر أو أكثر لم يعط الحمل شيئاً من الوصية لجواز تجدده، والأصل عدم الحمل حين الوصية، وهذا القول يبتني على جواز الوصية للمعدوم.
وقال المالكية: تصح الوصية للحمل الموجود فعلاً، ولمن سيوجد في المستقبل، حيث ذهبوا إلى جواز الوصية للمعدوم. (تذكرة الحلي والفقه على المذاهب الأربعة والعدة في فقه الحنابلة باب الوصية).
وإذا أوصى للحمل فولدت ذكراً أو أنثى قُسم الموصى به بينهما بالسوية، لأن الوصية عطية لا ميراث، فأشبه ما لو أعطاهما شيئاً بعد ولادتهما.
واتفقوا على صحة الوصية للجهات العامة، كالفقراء والمساكين، وطلبة العلم، والمساجد والمدارس، واستثنى أبو حنيفة الوصية للمسجد، وما اليه، لأن المسجد لا أهلية له للتمليك، وقال صاحبه محمد بن الحسن:
تصح، ويصرف ناتج الموصى به في مصالح المسجد. وعلى هذا جرت سيرة المسلمين في شرق الأرض وغربها قديماً وحديثاً.
واختلفوا فيما إذا كان الموصى به شخصاً معيناً: هل يشترط القبول، ويكفي عدم الرد؟ قال الأمامية والحنفية: يكفي عدم الرد، فاذا سكت الموصى له، ولم يرد الوصية يملك الشيء الموصى به عند موت الموصي.
وقال الإمامية: إذا قبل في حياة الموصي فله الرد بعد موته، وإذا رد فله القبول أيضاً بعد الموت، إذ لا أثر للرد ولا للقبول في حال الحياة لعدم تحقق الملك، وقال الحنفية: إذا رد في الحياة فله القبول بعد الموت، وإذا
قبل في الحياة فليس له الرد.
وقال الشافعية والمالكية: لا بد من القبول بعد الموت، ولا يكفي السكوت وعدم الرد (تذكرة الحلي والفقه على المذاهب الأربعة).
وقال الأربعة: إذا مات الموصى له قبل موت الموصي بطلت الوصية، لأن الوصية عطية صادفت المعطي ميتاً فتبطل (المغني ج6 باب الوصية).
وقال الإمامية: إذا توفي الموصى له قبل الموصي، ولم يرجع الموصي عن وصيته قام ورثة الموصي له مقامه، ومثلوا دوره في القبول والرد، فاذا لم يردوا كان الموصى به ملكاً خاصاً بهم يقتسمونه بينهم قسمة
ميراث، ولا يجب عليهم ان يفوا منه ديون مورثهم، ولا ان ينفذوا منه وصاياه، واستدلوا بأن القبول حق للمورث فينتقل هذا الحق لورثته، كخيار الرد، كما استدلوا بروايات عن أهل البيت.
وقال مالك والشافعي في أحد قوليه: تصح الوصية للقاتل سواء أكان القتل عمداً أم خطأ.
وقال الحنفية: تصح مع اجازة الورثة، وتبطل بدونها.
وقال الحنابلة: تصح ان حصلت بعد الجرح الذي أفضى إلى الموت، وتبطل ان حصل القتل بعد الوصية (أبو زهرة الأحوال الشخصية باب الوصية).
وقال الامامية: تصح الوصية للقاتل ولغيره، لأن أدلة جواز الوصية عامة، فقوله تعالى: (من بعد وصية يوصى بها أو دين) يشمل القاتل وغيره، والاختصاص بغير القاتل يحتاج إلى دليل.
الموصى به:
اتفقوا على ان الشيء الموصى به يجب ان يكون قابلاً للتمليك، كالمال والدار ومنافعها، فلا تصح الوصية بما لا يقبل التمليك عرفاً كالحشرات، أو شرعاً كالخمر إذا كان الموصي مسلماً، لأن التمليك أخذ في مفهوم
الوصية، فاذا انتفى لم يبق لها موضوع.
واتفقوا على صحة الوصية بثمرة البستان سنة معينة، أو دائماً.
وتوسع الامامية في مفهوم الوصية إلى أقصى الحدود، وأجازوا فيها ما لم يجيزوه في البيع ولا في غيره، حيث ذهبوا إلى صحة الوصية بالمعدوم المتوقع الوجود، وبما لا يقدر الموصي على تسليمه، كالطير في
الهواء، والحيوان الشارد، وبالمجهول، كالوصية بثوب، أو حيوان، بل قالوا يجوز ان يتوغل الموصي في المبهمات إلى حد بعيد، فيقول: اعطوا فلاناً شيئاً، أو قليلاً، أو كثيراً، أو جزءاً، أو سهماً، أو نصيباً وما إلى
ذلك، كل هذه لا يجوز فيها البيع، وتجوز فيها الوصية. وقال صاحب الجواهر: (لعل ذلك كله لعموم أدلة الوصية الشاملة لذلك كله، ولكل حق قابل للانتقال.. بل لعل الضابط في الوصية تعلقها بكل شيء إلا ما علم
خلافه) أي ما خرج بالدليل، كالخمر والخنزير والوقف، وحق القصاص، وحد القذف، وما إلى ذاك، وقال بعضهم: لا يجوز بيع الفيل، وتجوز الوصية به.
وقال الشيخ محمد ابو زهرة في كتاب الأحوال الشخصية. باب الوصية: (توسع الفقهاء في أحكام الوصية، وأجازوا فيها ما لم يجيزوه في غيرها، كالوصية بالمجهول، فاذا أوصيت بسهم أو بطائفة أو بشيء أو بقليل،
وما إلى ذلك صحت الوصية.. وكان للورثة ان يعطوه أي قدر شاؤوا مما يتحمله اللفظ).
وهذا يتفق مع مذهب الامامية، وعليه تكون هذه المسألة محل وفاق.
-------------------------------------
المصدر : الفقه على المذاهب الخمسة

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم    || موسوعة الفقه والتشريع