موسوعة المصطلحات والمفاهيم
موسوعة
الفقه والتشريع

العلاقات القائمة بين الحكم وموضوعه
محمد باقر الصدر



الجعل والفعلية حين حكمت الشريعة بوجوب الحج على المستطيع وجاء قوله تعالى : " ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا " أصبح الحج من الواجبات في الاسلام و أصبح وجوبه حكماً ثابتاً في الشريعة .ولكن اذا افترضنا أن المسلمين وقتئذ لم يكن فيهم شخص مستطيع تتوفر فيه خصائص الاستطاعة شرعاً فلا يتوجه وجوب الحج الى أي فرد من أفراد المسلمين لأنهم ليسوا مستطيعين, والحج إنما يجب على المستطيع,أي إن وجوب الحج لايثبت في هذه الحالة لأي فرد بالرغم من كونه حكماً ثابتاً في الشريعة,فاذا أصبح أحد الأفراد مستطيعاً اتجه الوجوب نحوه,واصبح ثابتاً بالنسبة اليه. وعلى هذا الضوء نلاحظ أن للحكم ثبوتين : أحدهما ثبوت الحكم في الشريعة.والآخر ثبوته بالنسبة الى هذا الفرد أو ذاك. فحين حكم الاسلام بوجوب الحج على المستطيع في الآية الكريمة ثبت هذا الحكم في الشريعة ولو لم يكن يوجد مستطيع وقتئذ إطلاقاً بمعنى أن شخصاً لو سأل في ذلك الوقت ما هي أحكام الشريعة؟ لذكرنا من بينها وجوب الحج على المستطيع,سواء كان في المسلمين مستطيع فعلاً أو لا,وبعد أن يصبح هذا الفرد أو ذاك مستطيعاً يثبت الوجوب عليه. ونعرف على هذا الأساس أن الحكم بوجوب الحج على المستطيع لايتوقف ثبوته في الشريعة بوصفه حكماً شرعياً إلا على تشريعه,وجعله من قبل الله تعالى سواء كانت متوفرة في المسلمين فعلاً أو لا. وأما ثبوت وجوب الحج على هذا المكلف أو ذاك,فيتوقف إضافة الى تشريع الله للحكم وجعله له,على توفر خصائص الاستطاعة في المكلف .والثبوت الأول للحكم – أي ثبوت في الشريعة – يسمى بالجعل " جعل الحكم" .والثبوت الثاني للحكم – أي ثبوته على هذا المكلف بالذات أو ذاك – يسمى بالفعلية " فعلية الحكم" او المجعول,فجعل الحكم معناه تشريعه من قبل الله,وفعلية الحكم معناها ثبوته فعلاً لهذا المكلف أو ذاك. موضوع الحكم وموضوع الحكم مصطلح أصولي نريد به مجموع الأشياء التي تتوقف عليها فعلية الحكم المجعول بمعناها الذي شرحناه,ففي مثال وجوب الحج يكون وجود المكلف المستطيع موضوعاً لهذا الوجوب,لأن فعلية هذا الوجوب تتوقف على وجود مكلف مستطيع. ومثال آخر : حكمت الشريعة بوجوب الصوم على كل مكلف غير مسافر ولا مريض اذا هل عليه هلال شهر رمضان,وهذا الحكم يتوقف ثبوته الاول على جعله شرعياً,ويتوقف ثبوته الثاني – أي فعليته – على وجود موضوعه,أي وجود مكلف غير مسافر ولا مريض وهل عليه هلال شهر رمضان,فالمكلف وعدم السفر وعدم المرض وهلال شهر رمضان هي العناصر التي تكون الموضوع الكامل للحكم بوجوب الصوم.واذا عرفنا معنى موضوع الحكم,استطعنا أن ندرك أن العلاقة بين الحكم والموضوع تشابه ببعض الاعتبارات العلاقة بين المسبب وسببه كالحرارة والنار,فكما أن المسبب يتوقف على سببه كذلك الحكم يتوقف على موضوعه,لأنه يستمد فعليته من وجود الموضوع,وهذا معنى العبارة الأصولية القائلة : "إن فعلية الحكم تتوقف على فعلية موضوعه" أي إن وجود الحكم فعلاً يتوقف على وجود موضوعه فعلاً . وبحكم هذه العلاقة بين الحكم والموضوع يكون الحكم متأخراً رتبة عن الموضوع كما يتأخر كل مسبب عن سببه في الرتبة. وتوجد في علم الاصول قضايا تستنتج من هذه العلاقة وتصلح للاشتراك في عمليات الاستنباط. ( فمن ذلك انه لايمكن ان يكون موضوع الحكم امراً مسبباً عن الحكم نفسه ومثاله العلم بالحكم فانه مسبب عن الحكم ,لان العلم بالشيء فرع الشيء المعلوم ولهذا يمتنع ان يكون العلم بالحكم موضوعاً لنفسه بأن يقول الشارع احكم بهذا الحكم على من يعلم بثبوته له لأن ذلك يؤدي الى الدور.)
المصدر: دروس في علم الأصول.

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم    || موسوعة الفقه والتشريع