موسوعة المصطلحات والمفاهيم
موسوعة
علم الحديث

د.ابراهيم بن علي آل كليب
تقسيم خبر الآحاد من حيث كثرة الرجال أو قلتهم في طبقات اسناده

ينقسم خبر الآحاد باعتباه كثرة الرجال أو قلتهم في كل طبقة من طبقات السن إلى ثلاثة أقسام هي:
أ ـ الغريب.
ب ـ العزيز.
ج ـ المشهور.
وهذا تعريف موجز بكل من هذه الأقسام:
أ ـ الحديث الغريب:
1 ـ تعريفه: هو لغة: المنفرد أو البعيد عن أقاربه، تغرب فلان واغترب فهو غريب، واغترب فلان إذا تزوج من غير أقاربه، وأغرب الرجل: جاء بشيء غريب.
والخبر الغريب اصطلاحاً: هو الحديث الذي تفرد بروايته راو واحد في جميع طبقات السند أو بعضها.
2 ـ أقسامه:
أ ـ الفرد المطلق: وهو ما تفرد به راويه الأعلى من صحابي أو تابعي عن جميع الرواة سواء استمر التفرد إلى آخر الإسناد أم لا. وهذا هو الغريب سنداً ومتناً.
ومثاله عند كثير من العلماء: حديث: (إنما الأعمال بالنيات).
فقد تفرد بروايته عن النبي (ص) عمر، وتفرد به عن عمر: علقمة بن وقاص، ولم يروه عن علقمة إلا محمد بن إبراهيم التيمي، ولم يروه عن التيمي إلا يحيى بن سعيد الأنصاري، فلم تطرأ عليه الشهرة إلا عند يحيى، فقد رواه عنه العدد الكثير.
ب ـ الفرد النسبي: وهو ما وقع التفرد فيه بالنسبة إلى جهة معينة، وهو ثلاثة أقسام:
الأول: ما وقع التفرد فيه بالنسبة إلى راو معين، مع ورود الحديث من جهة أخرى، وهذا غريب سنداً لا متناً.
ومن مثلته: ما رواه أصحاب السنن من طريق سفيان بن عيينة، عن وائل بن داود، عن ابنه بكر بن وائل، عن الزهري، عن أنس، أن النبي (ص) أولم على صفية بتمر وسويق.
فلم يروه عن الزهري إلا بكر بن وائل، ولم يروه عن بكر إلا وائل بن داود، ورواه عن بكر سفيان.
وقد رواه بعضهم عن الزهري مرسلاً.
الثاني: ما تفرد به أهل بلد عن بقية البلدان.
ومثاله: حديث بريرة: (القضاة ثلاثة، قاضيان في النار، وقاض في الجنة).
تفرد به أهل مرو عن عبدالله بن بريدة، عن أبيه.
وكذا حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن النبي (ص) صلى على جنازة سهيل بن بيضاء في المسجد.
قال الحاكم: هذه سنة تفرد بها أهل المدينة.
الثالث: ما تفرد به ثقة عن بقية الرواة.
ومثاله: ما رواه مسلم وأصحاب السنن، عن ضمرة بن سعيد المازني، عن عبيدالله بن عبدالله، عن أبي واقد الليثي، أن النبي (ص) كان يقرأ في الفطر والأضحى بقاف، واقتربت الساعة.
فلم يروه ثقة إلا ضمرة بن سعيد.
ورواه الدارقطني من طريق ابن لهيعة، عن خالد بن يزيد، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، أن النبي (ص) كان يقرأ في الفطر والأضحى بقاف، واقتربت الساعة.
وعلى هذا فالفرد أعم من الغريب لأن من أقسام الفرد ما لا يدخل في الغريب، فكل غريب فرد، وليس كل فر غريباً.
حكمه:
1 ـ لا يخلو الراوي المتفرد في غريب السند والمتن أن يكون ثقة ضابطاً أو خفيف الضبط أو ضعيفاً.
أ ـ فإن كان الراوي المتفرد ثقة ضابطاً، فلا يخلو من احتمالين:
الأول: لا يكون في روايته مخالفة لغيره، فهو صحيح، مثل حديث عمر: إنما الأعمال بالنيات.
الثاني: أن يكون ما رواه مخالفاً لمن هو أرجح منه، أما لمزيد ضبط أو كثرة عدد.
مثال المخالفة: ما رواه أبو داود، والترمذي، وغيرهما من حديث ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عوسجة، عن ابن عباس، أن رجلاً توفى على عهد رسول الله (ص) ولم يترك وارثاً إلى مولى له أعتقه.
وقد شارك ابن عيينة في وصله ابن جريج، ورواه حماد بن زيد مرسلاً، فلم يذكر ابن عباس، فروايته شاذة، حيث خالف من هو أوثق منه، لكثرتهم بالنسبة له، فهما اثنان، وهو واحد.
ب ـ وإن كان الراوي المتفرد خفيف الضبط، فحديث حسن، ومثاله:
ما رواه أبو داود، والترمذي، ويرهما من حديث بهر بن حكيم، عن أبيه، عن جده، قال: سمعت النبي (ص) يقول: (ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك به القوم فيكذب، ويل له، ويل له).
فهذا الحديث من رواية بهز بن حكيم، وهو وإن كان ليس من الثقات الضابطين فليس من الضعفاء، ولذا قال فيه ابن حجر، كما في التقريب: صدوق.
أي بمعنى أنه عدل في دينه وأمانته، لكن حفظه ليس بتام، بل هو خفيف.
ج ـ وإن كان الراوي المتفرد ضعيفاً، فحديثه ضعيف مثله.
ومثاله: حديث أبي زكير يحيى بن محمد بن قيس، عن هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة مرفوعاً: (كلوا البلح بالتمر، فإن ابن آدم إذا فعل ذلك غضب الشيطان).
فهذا الحديث ضعيف، لأنه من رواية أبي زكير، وهو ممن لا يحتمل تفرده، لضعفه، فقد قال فيه ابن معين: ضعيف، وقال ابن حبان: لا يحتج به، وقال العقيلي: لا يتابع على حديثه.
2 ـ وأما الغريب سنداً لا متناً ـ (أي الغريب النسبي) ـ فلا حكم يخصه من هذه الجهة، فلا يكون ضعيفاً، لكونه غريباً نسبياً، وإنما ذلك باعتبار أسانيده، فقد يكون صحيحاً، وقد يكون حسناً، وقد يكون ضعيفاً.
ب ـ الحديث العزيز:
1 ـ تعريفه:
1 ـ لغة: مأخوذ من عز يعز ـ بالكسر ـ أي: قل وندر، أو من عز يعز ـ بالفتح ـ أي: قوي واشتد، كما في قوله تعالى: (فعززنا بثالث) أي: قوينا برسول ثالث، فالحديث يعز ويقوي بمجيئه من طريق آخر، أو أنه سمي عزيزاً لقلته وندرته، حتى قال بعض العلماء بعدم وجوده بالكلية.
أما اصطلاحاً فهو: ما رواه اثنان في جميع طبقات السند، أو في طبقة واحدة منها.
وهذا هو تعريف ا لمتأخرين، كما حرره ابن حجر.
وقد عرفه ابن منده ونقله عنه ابن الصلاح، وتبعه عليه النووي، فقالوا: إن العزيز ما رواه إثنان أو ثلاثةن فلم يفصلوه عن المشهور في بعض صوره.
2 ـ مثاله:
ما رواه البخاري ومسلم من حديث أنس مرفوعاً، والبخاري من حديث أبي هريرة مرفوعاً، أن رسول الله (ص) قال: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين).
فقد رواه عن أنس كل من قتادة بن دعامة السدوسي، وعبدالعزيز بن صهيب.
ورواه عن قتادة: شعبة بن الحجاج، وسعيد بن أبي عروبة.
ورواه عن عبدالعزيز بن صهيب: إسماعيل بن علية، وعبدالوارث بن سعيد.
ثم رواه عن كل واحد من هؤلاء جمع من الرواة.
3 ـ حكمه:
ليس للحديث العزيز حكم يخصه من حيث الصحة والضعف، وإنما ذلك بحسب أسانيده، فقد يكون صحيحاً، وقد يكون حسناً، وقد يكون ضعيفاً.
ج ـ الحديث المشهور:
1 ـ تعريفه:
لغة: اسم مفعول من قولهم: اشتهر يشتهر، فهو مشهور.
والشهرة، هي: الذيوع والانتشار.
اصطلاحاً: ما رواه ثلاثة فأكثر ما لم يصل حد التواتر.
وعرفه ابن حجر بقوله: هو ما كان محصوراً بأكثر من اثنين.
فعلى التعريف الأول: خرج بقوله: (ثلاثة فأكثر) الغريب والعزيز.
وبقوله: (ما لم يبلغ حد التواتر) الحديث المتواتر.
وخرج بقول ابن حجر: (ما كان محصوراً) الحديث المتواتر، لأنه غير محصور بعدد وإنما العمدة فيه حصول العلم به عند سامعه.
وخرج بقوله: (بأكثر من اثنين) الحديث الغريب، والحديث العزيز.
2 ـ فائدة:
ويشبه الحديث المشهور الحديث المستفيض.
وهو لغة: مأخوذ من قولهم: فاض الماء: إذا خرج منه، سمي بذلك لانتشاره.
واصطلاحاً:
أ ـ قال بعض العلماء: المستفيض والمشهور اسمان لمسمى واحد، فهما سواء لا فرق بينهما، فهما من باب الترادف.
ب ـ وفرق آخرون بينهما بوجوه من التفريقات، منها: أن المستفيض ما استوى طرفاه، ولا يشترط ذلك في المشهور.
ج ـ وفرق بعض آخر بينهما بأن المشهور ما رواه ثلاثة فأكثر، وأما المستفيض فهو الذي يكون في أصله غير مشهور، ثم ينتشر بعد ذلك كحديث: إنما الأعمال بالنيات، فهو غريب في أصل سنده إلى يحيى بن سعيد الأنصاري، لكنه استفاض وانتشر بعد ذلك، حتى وصل ـ في قول بعضهم ـ عدد رواته إلى أكثر من مائتين.
د ـ وقيل: المستفيض: هو ما تلقته الأمة بالقبول من غير اعتبار عدد معين.
3 ـ أقسامه:
ينقسم المشهور إلى قسمين رئيسين:
الأول: مشهور اصطلاحي، وهو الذي تقدم تعريفه.
ومثاله: قول النبي (ص): (المؤمن يألف ويؤلف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف). رواه أحمد، والطبراني، والبزار، والبيهقي.
فهذا الحديث روي من حديث أبي هريرة، وجابر بن عبدالله، وسهل بن سعد الساعدي، ورواه عن أبي هريرة: أبو صالح ذكوان السمان، والحسن البصري، وابن سيرين، ثم انتشر في بقية الطبقات.
الثاني: مشهور غير اصطلاحي: وهو ما ذاع وانتشر بين الناس دون قيد أو شرط، سواء كان له سند واحد أو أكثر، أو لا إسناد له ولا أصل، وقد يكون من المتواتر أو الحسن أو الضعيف، بل قد يكون من الموضوع والمتروك.
وهذا ينقسم إلى عدة أقسام بحسب الوسط الذي انتشر فيه، منها ما يلي:
أ ـ المشهور بين المحدثين، كحديث أنس، أن النبي (ص) قنت شهراً يدعو علي رعل وذكوان.
فهذا الحديث من رواية سليمان التيمي، عن أبي مجلز، عن أنس.
ووجه اختصاص المحدثين باشتهاره دون غيرهم أن سليمان التيمي من تلاميذ أنس بن مالك، ومعروف بالأخذ عنه مباشرة، فإذا وقف الناظر على هذه الرواية استغرب كون سليمان يرويها عن أنس بواسطة أبي مجلز، ولكن هذا معروف بين المحدثين مشهور متداول.
ب ـ المشهور بين الفقهاء، كحديث: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان).
ج ـ المشهور بين الأصوليين، كحديث: (لا ضرر ولا ضرار).
د ـ المشهور بين الأدباء، كحديث: (أدبني ربي فأحسن تأديبي).
وهذا حديث باطل لم يثبت عن النبي (ص)، وإن كان معناه صحيحاً فقد أدبه فأحسن تأديبه.
هـ ـ المشهور عند اللغويين، كحديث: (أنا افصح من نطق بالضاد، بيد أني من قريش).
وهو باطل أيضاً، وإن كان معناه صحيحاً.
و ـ المشهور بين العوام، كحديث: (المجالس بالأمانة)، وهو ضعيف.
وكحديث: (السفر قطعة من العذاب)، وهو صحيح.
وكحديث: (كما تدين تدان)، وهو ضعيف.
وكحديث: (الحرب خدعة)، وهو صحيح.
4 ـ حكمه:
ليس للحديث المشهور حكم يخصه، وإنما هو بحسب حال أسانيده صحة وحسناً وضعفً، وقد لا يكون له سند أصلاً كما مر.
5 ـ المصنفات فيه:
وهي في الأحاديث المشتهرة على الألسنة، وليس المشهورة اصطلاحاً، ومنها:
أ ـ (المقاصد الحسنة فيما اشتهر من الأحاديث على الألسنة)، للسخاوي.
ب ـ (كشف الخفاء ومزيل الإلباس فيما اشتهر من الحديث على ألسنة الناس) لإسماعيل العجلوني.
ج ـ (تمييز الطيب من الخبيث فيما يدور على ألسنة الناس من الحديث)(، لابن الدبيع الشيباني.
-------------------------------
المصدر: مهمات علوم الحديث
 

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم    || موسوعة علم الحديث