إنّ تبلور دار الردّة في الحقيقة هو بمفهوم تبديل دار الإسلام بدار
حرب جديدة. لأنّ ارتداد المسلمين القاطنين في دار الحرب لا يحدث
أثراً وحكماً جديداً، فما يفضي إلى بروز ظاهرة حقوقيّة وسياسيّة
جديدة هو ارتداد جمع من القاطنين في قسم من دار الإسلام أو تجمّعهم
في قسم من دار الحياد أو دار العهد ممّا يتطلّب حالة جديدة.
إنّ الارتداد عبارة عن حالة اعتقاديّة جديدة وتبدّل عقيدي يقع
للمسلم بإنكاره أحد أصول الإسلام الثلاثة (التوحيد، النبوّة،
المعاد) أو نفي أصل من الأصول الضروريّة للدين الذي يفضي إنكاره
آخر الأمر إلى إنكار الأصول الثلاثة.
يعتبر الارتداد جريمة من منظار الإسلام، لأنّه يمثّل خرقا لعقد
الالتزام أمام الله وسحقاً للفطرة الإنسانيّة، فتترتّب عليه عقوبة
خاصّة في قانون العقوبات الإسلامي.
يقسّم الفقهاء المرتدّ إلى مرتدّ ملّي، ومرتدّ فطري.
المرتدّ الملّي هو الذي يولد من أبوين غير مسلمين، وكانت تابعيّته
غير إسلاميّة عند بلوغه، ثمَّ أسلم، وارتدّ بعد إسلامه.
والمرتدّ الفطري هو الذي يولد من أب مسلم أو من أمّ مسلمة وكانت
تابعيّته فطريّة إسلاميّة عند بلوغه، ثمَّ ارتدّ بعدها.
يقول الماوردي في الأحكام السلطانيّة: ولدار الردّة أحكام تفارق
بها دار الإسلام ودار الحرب. فأمّا ما تفارق به دار الحرب فمن
أربعة أوجه:
1_ لا يجوز أن يهادنوا (المرتدّون) على الموادعة في ديارهم، ويجوز
أن يهادن أهل الحرب.
2_ لايجوز أن يصالحوا على مال يقرّون به على ردّتهم، ويجوز أن
يصالح أهل الحرب.
3_ لايجوز استرقاقهم ولا سبي نسائهم.
4_ لا يملك الغانمون أموالهم.
وأمّا ما تفارق به دار الإسلام فمن أربعة أوجه:
1_ وجوب قتالهم.
2_ إباحة إمائهم.
3_ تصير أموالهم فيئاً لكافّة المسلمين.
4_ بطلان مناكحتهم بمضي العدّة.
ويقول القاضي أبو ليلى في الأحكام السلطانية: فإن انحازوا
(المرتدّون) في دار ينفردون بها عن المسلمين حتّى صاروا فيها
ممتنعين، فإنّهم يقاتلون قتال أهل الحرب.
ويرى الفقهاء أنّ العلاقة بين دار الإسلام ودار الردّة علاقة
عدائيّة، وبناء على عدم الاعتراف الرسمي بدار الردّة من قبل دار
الإسلام فإنّ الفقهاء أناطوا بالحكومة الإسلاميّة مهمّة مواجهتها
عند الاستطاعة وتوفّر الإمكانيّات ومؤاتاة الظروف.
وإذا تجمّع أهل الردّة في دار العهد أو دار الحياد، وكانت لهم
تنظيمات معادية، فإنّ هذا العمل السياسي يمكن أن يعتبر نوعاً من
نقض العهد من قبل دار العهد، وكذلك يعتبر نقضاً لشروط الحياد
بالنسبة إلى دار الحياد.
إنّ إرجاع أهل الردّة إلى الإسلام أو معاقبتهم مهمّة من المهمّات
التي لابدّ للدولة الإسلاميّة أن تسوّي مشاكلها في علاقاتها بدار
الحرب على نحو عامّ، ودار العهد على نحو خاصّ.
وهذه المسألة هي من المصاديق البارزة للوضع القانوني للمجرمين من
المسلمين في دار الحرب، وهي ما يحوم حولها الاختلاف بين الفقهاء.
وقد ذكر البعض أنّ المسؤوليّة المدنيّة والجنائيّة تتحقّق وفقاً
لمكان الجريمة، ورأى بعضهم أنّ الملاك هو علاقة العمل باقتدار
الحكومة الإسلاميّة.
-------------------------------
المصدر : القانون الدولي في الاسلام