موسوعة المصطلحات والمفاهيم || موسوعة الفكر الإسلامي

التوحيد
عبد المجيد عمر النجار



نقصد بالتوحيد هنا معنى منهجياً يمثّل خاصية من خصائص الفكر المرشّدة للفكر الإسلامي، فهو إذن ليس معنى عقدياً وإن كان له صلة به من حيث إن عقيدة التوحيد تطبع العقل المؤمن بها على خاصية التوحيد كخاصية منهجية في التفكير، فهي ثمرة لها ونتيجة من نتائجها.
ونعني بهذه الخاصية المنهجية أن يتوجّه العقل في البحث عن الحقّ، وفي تركيب خطط الإصلاح منه بحيث يؤالف بين المعطيات التي يتوفّر عليها، ويردّ بعضها إلى بعض بحسب التشابه والتماثل، ويوحّدها في معيار دلالي يكون أساساً لمبدأ واحد تنخرط فيه جهود الفهم والتعليل، وتنبني على أساسه الرؤى والحلول. وبهذه الخاصية يتوصّل الفكر إلى أحكام معرفية موحّدة المعيار، فتنسجم نتائجها ولا تتناقض، سواء كان ذلك في المعرفة الكونية بما تقوم عليه من وحدة القواعد في التجريب، أو في المعرفة الشرعية والإنسانية بما تقوم عليه من وحدة المبدأ والغاية.
وفي العقيدة الإسلامية ما يشكّل العقل على هذا النحو من المؤلفة والتوحيد في النظر، حيث إن هذه العقيدة تقوم على التوحيد المطلق، فكل ما في الكون مبدؤه واحد على كثرة أنواعه وتغيّرها، ونظامه في التركيب والحركة والظهور والاختفاء يجري على قانون واحد، وسيروته تتّجه إلى غاية واحدة، ذلك هو الله المبدئ والمهيمن والمعيد، وحياة الإنسان في مختلف تصاريفها تتّجه إلى وجهة واحدة هي تحقيق الخلافة في الأرض بالعبودية لله، فهذا المعيار الموحّد الذي تقوم عليه العقيدة الإسلامية من شأنه أن يُكيّف عقل المؤمن بها على نحو من المؤالفة والتوحيد في الفهم والتحليل والحكم.
وقد بدت هذه الخاصية المنهجية جليّة في الفكر الإسلامي على عهد ازدهاره، حيث بدت العلوم الإسلامية وهي مجلى هذا الفكر ما كان منها مبتدأ وما كان منها مقتبساً مصاغة في نشأتها وتطوّرها لخدمة القرآن الكريم ومضامينه التوحيدية. فما من مبحث شرعي أو إنساني أو كوني إلاّ وبدا فيه الفكر مشدوداً في حركته إلى غاية واحدة هي تحقيق مقتضيات التوحيد في حياة الناس فيؤلّف بين المعارف والحقائق، ويوحّد بناءها ووجهتها في سبيل ذلك.
ولمّا بدأ التحضّر الإسلامي في الأفول ظهر خلل في خاصية المؤلفة والتوحيد هذه، فإذا بالفكر الإسلامي يظهر فيه التشتّت في المقاييس، والتعدّد في المعايير عند مباشرته البحث والتقدير. فالنظر في الطبيعة أصبح نظراً محكوماً بأسباب مختلفة تداخلها الأوهام والخرافات بعدما كانت تحكمه وحدة القانون الطبيعي كسب وحيد يمثّل سنّة الله في الكون. والنظر في الشريعة أصبح تتنازعه ازدواجية في المعايير بين المعيار الأصلي المتمثّل في الوحي، وبين معيار أقوال السابقين من العلماء والمجتهدين التي اكتسبت ما يشبه صفة القداسة، وأصبحت أصلاً للتفكير الشرعي في استنباط الأحكام وتقريرها. وهكذا غدا الفكر الإسلامي مشتّتاً بين أقطاب متنافرة متضاربة في البحث والنظر، فإذا هو ممزّق بين العقل والنقل، وبين الظاهر والباطن، وبين الروح والمادة، ونشأ عن ذلك تضارب في الأحكام وتناقض بينها، وانعكس ذلك كلّه سلبياً على سير الحياة الإسلامية، وتعطيل حركة النموّ فيها.
ويبدوا هذا التشتّت في الفكر الإسلامي اليوم أكثر استفحالا، إذ هو قد استصحب من عوامل التشتّت ما هو قديم وأضاف إليها عوامل أخرى جديدة، فإذا هذا الفكر تتنازعه في البحث والتقرير ثنائيات متعارضة من العقل والشرع، ومن مصدرية الوحي ومصدرية الفكر الغربي، ومن سببية القانون الكوني، وسببية الأوهام من الأرواح والأشخاص الفاعلة في الطبيعة، ومن التقليد للموروث والتقليد للوافد الثقافي الغربي. وهكذا شكّلت هذه الثنائيات المتناقضة كلّها معايير وأسباباً للفكر الإسلامي يمارس من خلال البحث عن الحقائق، فإذا هو بهذا التشتّت تضيع منه وحدة المعيار، فلا يقوى على تقدير المصلحة التي تنفع الأمّة، ولا يقدر على توجيه المعطيات المتاحة والمؤالفة بينها بحيث توظّف كلّها في خدمة تلك المصلحة.
أ _ التوحيد الغائي: ومعناه أن يكون الفكر الإسلامي وهو يبحث عن الحقيقة، ويؤلّف منها خطط الحياة مشدوداً إلى غاية موحّدة تسلك مناشطه جميعاً في خطّ موصول بها ليؤدّي بها ذلك الخطّ إلى تحقيقها. فهذه الوحدة الغائية تصير إذن صبغة للفكر بالمعنى المنهجي، فإذا هو يتصرّف في بحثه المادي عن قانون كوني.
----------------------------------
المصدر : عوامل الشهود الحضاري

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم   || موسوعة الفكر الإسلامي