موسوعة المصطلحات والمفاهيم || موسوعة الفكر الإسلامي

الوحي
د. عبد المنعم النحر



نردد كلمة "الوحي" كثيراً ونحن نتكلم عن نزول القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما نرددها في كلامنا لمناسبات مختلفة، فنقول فلان أوحى إلى فلان بكذا، أو عمل كذا بإيحاء من فلان..
وقد احتلت كلمة الإيحاء والوحي في علم النفس حيزاً كبيراً، حيث تناول العلماء الإيحاء الداخلي، والإيحاء الخارجي، والإيحاء العكسي، إلى غير ذلك من البحوث المتعلقة بالإيحاء..
ومعنى الوحي أو الإيحاء في اللغة: الإعلام، أي إعلام الموحى إليه في سرعة وخفاء بما يريد الموحى إبلاغه وتفهيمه، للموحى إليه، بأية طريقة خفية موصلة للغرض، فيشمل التفهيم بالكتابة خفية، والكلام الخفي، والإشارة والرمز والإلهام والرؤيا، والإيحاء على مقتضى الحكمة والسنن التي أرادها الله..
جاء في مفردات القرآن مادة "وحي": أصل الوحي الإشارة السريعة وقد يكون بالكلام على سبيل الرمز والتعريض، وقد يكون بصوت مجرد عن التركيب، وبإشارة ببعض الجوارح وبالكتابة:
(فَخَرجَ عَلَى قَوْمهِ مِنَ الْمِحرَابِ فَأَوْحَى إِليْهِم أَن سَبِّحُوا بُكرَةً وَعَشيّاً) أي أوحى زكريا إليهم ـ فقد قيل رمز. وقيل اعتبار. وقيل كتب. وعلى هذه الوجوه قوله:
(وَكَذلِكَ جَعَلنَا لِكُلِّ نَبِيٍ عَدُوّاً شَيَطِانَ الإِنِس وَالجِنِّ يُوحِى بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ القَوْلِ غُرُوراً)
وقوله:
(وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْليَائِهِمْ)
فذلك بالوسواس المشار إليه بقوله: (من شر الوسواس الخناس) أي يوسوسون إلى أتباعهم بكلام وطريق خفي غير ظاهر للناس.
ومثل الإلهام قوله تعالى عن النحل:
(وَأَوحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحلِ أَنِ اتَّخِذِى مِنَ الجِبَالِ بُيُوتاً ... الآية)
وهو يمثل هداية الله وتوجيهه للحيوان بما ركبه فيه من خصائص لحفظ حياته وقيامه بوظائفه، وهو يتلاقى مع قوله تعالى: (الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيءٍ خلْقَه ثم هَدى) فيما يتصل بالحيوان، النحل، والنمل، والطيور، والأسماك، وغيرها. وقوله تعالى من سورة الأعلى:
(الَّذِي خَلَقَ فَسوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى)
ومن الإيحاء بمعنى الإلهام أيضاً والتوجيه قوله تعالى:
(وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ ... الآية)
وأم موسى لم يرد لنا نصّ يفيد أنه نزل عليها مَلَك من الملائكة ولكن ألهمها الله رعاية لموسى:
(وَلَقَدْ مَنَنَّا عَليْكَ مَرَّةً أُخْرَى إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفيهٍ فِي الْيَمِّ... الآية)
ومثل ذلك قوله:
(وَإِذْ أَوْحَيتُ إِلى الْحَوَارِيِّنَ أَنْ أَمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي)
وكذلك قوله تعالى عن الأرض.
(يَوْمئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا)
بمعنى وجهها وسخرها. ومثله قوله تعالى:
(وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا)
بمعنى أوجدها وسخرها لتنفيذ نظامه فيها.
وهذه المعاني كلها ينطبق عليها الإيحاء بمعناه اللغوي الواسع..
وذلك؛ لأن المعنى الشرعي للإيحاء المصطلح عليه بين العلماء خاص بمن يختارهم الله من عباده، ويصطفيهم رسلاً للبشر، فيوحى إليهم ويبلغهم بما يريده منهم ويريد تبليغه للناس، ليقوموا بإبلاغهم، وفي هذا المعنى ورد الإيحاء في كثير من الآيات لرسله عليهم الصلاة والسلام:
(إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّنَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَأَتَيْنَا دَاوُدَ زَبُوراً وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيماً)
فكل وحي من الله لرسله، معناه إبلاغهم بواسطة من الوسائط التي يريدها الله بما يريد. وملاحظٌ في ذلك بالطبع المعنى اللغوي وهو الإعلام في سرعة..
وبهذا، نعلم أن كلمة أوحينا أو أوحى وما يتفرع عنها جاءت في القرآن بالمعنى اللغوي العام، وبالمعنى الشرعي الاصطلاحي الخاص بالرسل، وبما مر تستطيع أن تفرق بين الاثنين..
------------------------
المصدر : علوم القرآن الكريم

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم   || موسوعة الفكر الإسلامي