1_ الاختصاص في طريقها:
تتميز المعرفة النبوية عن طريق الوحي بأنها ليست عامة وإنما هي
لآحاد معدودين مخصوصين من البشر هم الأنبياء الذين اصطفاهم الله
لتبليغ شرعه إلى الناس. والخصوصية هنا إنما هي في كون الوحي طريقا
خاصا للمعرفة لا في موضوع المعرفة النبوية، لأن موضوع المعرفة
النبوية يخاطب به الناس جميعا ولكن الذي يبلغهم ويوصلهم هو النبي
وبعد ذلك بالسمع أو الخبر. وإنما خصوصيتها معناها أنها ليست عامة
لكل الناس كالحواس والعقل. وبالتالي فلا تخضع لقوانين الحس والعقل
أو عالم الشهادة من حيث الفطرة والاكتساب.
ولا يتوصل إليها برياضة أو حتى بمجرد الاستقامة في الفطرة، وإن كان
الأنبياء سليمي الفطرة ومحفوظين برعاية الله وحفظه، فذلك مالا دخل
للنبي نفسه فيه من حيث هو بشر، بل إنهم _الأنبياء _ لم يكونوا
يعرفون بأنهم سيكونون أنبياء إلا حينما أعلمهم الله وكلفهم بذلك
كما قال تعالى: (ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه
نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراطٍ مستقيم).
وكما قال عز وجل: (وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك
إذا لارتاب المبطلون).
2_ ربانية المعرفة النبوية في مصدرها:
ومن ثم فتختص هذه المعرفة بأنها ربانية وكافة ما تختص به هذه
المعرفة بعد ذلك إنما تعود لهذه الخصيصة وتنبثق منها. فالعلم الذي
جاء به الأنبياء عليهم الصلاة والسلام جاء من عند الله بكل خصائصه
ومقوماته وتلقوه كاملا بهذه الخصائص والمقومات لا يزيدون عليه شيئا
ولا ينقصون منه شيئا. وقد تكفل الله تعالى بجعل أنبيائه معصومين من
الخطأ حتى يتم التبليغ وتصل هذه المعرفة إلى البشر سليمة عن عيوب
البشر كما قال تعالى: (ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه
باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين). وكما
قال عز وجل ( والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن
الهوى إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى).
ومن ثم فإن الربانية أولى خصائص هذه المعرفة، ومصدر هذه الخصائص
كذلك، فهي علم موحى به من الله سبحانه، ومحصور في هذا المصدر لا
يستمد من غيره. وبذلك يتميز عن التصورات الفلسفية أو العقلية التي
ينشئها البحث الفكري البشري سواء عن الحقيقة الإلهية أو الحقيقة
الكونية أو الحقيقة الإنسانية والارتباطات والعلاقات القائمة بين
هذه الحقائق. فالتصور الفلسفي الذي ينشأ عن الفكر البشري لمحاولة
تفسير الوجود والمعرفة يبقى في حدود المعرفة الفكرية البشرية
الخاضعة للزمان والمكان والبيئة والتكوين النفسي والمؤثرات. بينما
المعرفة النبوية تأتي من الله عز وجل عن طريق النبي المعصوم الذي
يحمل إلى الناس هدى الله بما يشتمل عليه من الحياة والحركة والدقة
في تفسير الوجود وصياغة الحياة. ثم تكفل الله سبحانه بحفظها
وتوصيلها إلى الناس بعد النبي، وَلِمَن لم يشاهده بطريق النقل
المتواتر، الذي هو طريق يقيني وقطعي في نظر العلم السليم.
وهذا التأكيد على مصدر المعرفة النبوية إنما يعطيها القيمة
الأساسية والقيمة الكبرى بين أنواع المعرفة. فهي وحدها مناط الثقة
المبرأة من كل نقص والمبرأة من كل عيب والسليمة من كل جهل وهوى.
كما أنها موضع الثقة كذلك في أنها التصور، أو العلم الموافق للفطرة
الإنسانية الملبى لحاجاتها كلها الخبير بكل ما يلزمها لأنهما من
مصدر واحد هو الله سبحانه.
والمعرفة النبوية بمصدرها الرباني لا تلغي الفكر البشري بل تعطيه
قيمته في ثبوتها أولا، وتؤكد له مجالاته في عالم الشهادة كما تعطيه
مجالا لفهمها ثانيا وتجعل القاعدة المنهجية الصحيحة له في تلقيه
لهذه المعرفة متمثلة في أنه "ليس له أن يتلقى هذا التصور _المعرفة
النبوية _ بمقررات سابقة، يستمدها من أي مصدر آخر، أو يستمدها من
مقولاته هو نفسه، ثم يحاكم إليها هذا التصور ويزنه بموازينها. إنما
هو يتلقى موازينه ومقرراته من هذا التصور ذاته ويتكيف به ويستقيم
على منهجه كما يتلقى الموضوعية في هذا التصور من المصدر الإلهي
الذي جاء بها، لا من أي مصدر آخر خارجه، ثم هو الميزان الذي يرجع
إليه بكافة ما يعن له من مشاعر وأفكار وقيم وتصورات في مجرى حياته
الواقعية كذلك ليزينها عنده ويعرف حقها من باطلها وصحيحها من
زائفها". هذا مع التركيز على أن الفكر البشري أو العقل ليس هو وحده
الذي يتلقى المعرفة النبوية وإنما هو يشارك في تلقيها بل إن
الكينونة البشرية بكاملها، هي التي تتلقى هذه المعرفة وأن الذي لا
تدركه هذه الكينونة منها _من المعرفة النبوية _ إدراك ماهية وحقيقة
أو كنه أو إدراك علية وكيفية فإنه لا يتعذر عليها التسليم به في
طمأنينة ذلك لأنه داخل في مفهوم منطقها المعقول، وهو أن الذي
تتناوله المعرفة النبوية ويقع في مجالها أكبر وأوسع من الكينونة
البشرية بجملتها فهو مجال السرمدية الأزلية الأبدية المطلقة
والكينونة الإنسانية كينونة مخلوقة حادثة متحيزة عاجزة كما قال
تعالى: (ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السموات
والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم)، (لا تدركه الأبصار وهو
يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير).
ومن هذه الجوانب التي تعجز الكينونة البشرية عن الدخول إلى مجالها
ومعرفتها وتختص بها المعرفة النبوية بميزتها الربانية من هذه
الجوانب:
الذات الإلهية كنهها وصفاتها فهي مما لا تدركه العقول ولا يماثله
شيء من الأشياء التي تعرفها حتى يمكن أن تقابله بها وتقيسها عليه
(ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)، (فلا تضربوا لله الأمثال).
ومنها المشيئة الإلهية وكيفية تعلقها بالخلق كما قال تعالى: (قال:
رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر. قال: كذلك الله
يفعل ما يشاء)، (قالت: رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر. قال:
كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون).
ومنها مسألة الروح سواء المقصود بها جبريل أو الحياة أو الوحي كما
قال تعالى (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من
العلم إلا قليلا).
ومنها الغيب المحجوب عن العلم البشري إلا بما يأذن الله به لمن
يشاء (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو)، (عالم الغيب فلا يظهر
على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول)، (وما تدري نفس ماذا تكسب غدا
وما تدري نفس بأي أرض تموت)، (يسألونك عن الساعة أيان مرساها فيم
أنت من ذكراها إلى ربك منتهاها إنما أنت منذر من يخشاها كأنهم يوم
يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها).
وتنبثق من هذه الخاصية _الربانية _ سائر الخصائص الأخرى وهي:
3_ الثبات:
فالمعرفة عن طريق الوحي صادرة عن الله سبحانه المنزه عن التغير
والأهواء والتأثر بالعوارض، بينما المعرفة الحسية والعقلية قد
تتغيران تبعا لبعض الظروف في الحياة والواقع وتبعا للأوضاع. وإن
كانت المعرفة العقلية أكثر ثباتا من الحسية إلا أنها خاضعة للتأثر
النفسي والواقعي على كل حال. بينما المعرفة النبوية لا تتغير ولا
تتطور ولا تغير الأشكال والأوضاع الواقعية من أصولها أبدا وإن حصل
تغير واستجابت له المعرفة النبوية فإنما يكون في ثباتها ما يسمح
بالاستجابة لتغير الواقع مع الحكم عليه وتوجيهه وهي ما تزال ثابتة،
مما يعطيها قدرة على صياغة الواقع ومرونة في التطبيق. وهذا الثبات
لا يقتضي تجميد حركة الفكر والحياة ولكنه يسمح بالحركة بل يدفع إلى
الحركة ولكن داخل إطار ثابت وحول محور راسخ. وهناك من الحقائق في
المعرفة النبوية ما لا يسمح بالتطور أو الحركة لا في الحقيقة ولا
في المفهوم والتطبيق بل هي حقائق ثابتة في هذه كلها مثل حقيقة
الربانية والألوهية ووجود الله وصفاته وأخصها وحدانية وما ينبثق
منها من حقيقة أن الأشياء كلها مخلوقة لله سبحانه وحقيقة عبودية
الأشياء والأحياء لله عز وجل جميعا. وحقيقة الإيمان بأركانه وأن
الدين عند الله الإسلام وانه لا يقبل دينا غيره وحقيقة الكرامة
الإنسانية وان الإنسان مستخلف في الأرض وأن الناس من أصل واحد وأن
تفاضلهم بالتقوى وحقيقة غاية الوجود الإنساني وهي العبادة لله عز
وجل بكل مقتضيات العبودية المطلقة لله وحده وحقيقة أن رابطة التجمع
الإنساني هي العقيدة والمنهج الرباني وحقيقة أن الدنيا دار عمل
والآخرة دار حساب. كل هذه الحقائق ثابتة في حقيقتها ومفهومها
وتطبيقها ولا مرونة فيها أبدا. وأن حركة الفكر في آفاق النفس
والكون إنما تزيد من يقينية هذه الحقائق وثباتها. وأن كل حركة بعد
ذلك في الواقع أو في الفكر إنما لابد أن ترجع إلى هذه المحاور
الثابتة وتدور حولها.
4_ الشمول والتكامل والعموم والخلود:
وهذه المعرفة من ثمة شاملة لكل الحقائق الثابتة والمتحركة ولعالمي
الغيب والشهادة (هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة)
وهي شاملة لحقائق الألوهية والخالقية والكون المخلوق ولحقائق
الإنسان والكون ولحقائق الاعتقاد والعمل. ولكل أفراد الجنس البشري
لا وجه فيها للاختصاص بفئة دون أخرى فمضمونها إلى جميع الناس. ولا
تختص بفيلسوف أو أمي، فالكل يأخذ منها ما ينبغي أن يأخذه وإن
تفاوتوا في الأخذ والعطاء فليس تفاوتا فيما يجب العلم به وإنما
تفاوت في الفهم والاستزادة مما يعمق الفهم وييسره.
5_ التوازن:
وشمول هذه المعرفة شمول متوازن ومن أبرز مظاهره التوازن بين الجانب
الذي تتلقاه الكينونة الإنسانية لتدركه وتسلم به والجانب الذي
تتلقاه لتدركه وتبحث حججه وبراهينه وتحاول معرفة علله كذلك التوازن
في العقيدة ذاتها التي تجمع بين الإيمان بالمشاهد والإيمان بالغيب.
والتوازن الذي يجمع بين العلم والعمل والتوازن بين حرية الإرادة
الإنسانية وشمول الرقابة الربانية والتوازن في المنهج الذي يربي
الروح والعقل والنفس وسائر مكونات الكينونة الإنسانية. والتوازن
بين فردية الإنسان وجماعيته وبين تكوينه المادي والروحي. والتوازن
بين علاقة العبد بربه بين موحيات الخوف والرهبة وموحيات الطمأنينة
والأمن، والتوازن بين فاعلية الإنسان وحركة الكون ونواميسه وبين
حركة الإنسان المستخلف في الأرض وبين ربانية خلقه وربانية توجهه
إلى الله بعبادته وحده.
6_ الإيجابية:
ومن ثم فإن في هذه المعرفة إيجابية فاعلة في علاقة الله سبحانه
بالكون والحياة والإنسان وإيجابية كذلك من جهة الإنسان ذاته في
حدود المجال الإنساني وحدود الاستخلاف في الأرض والإيجابية ظاهرة
كذلك في العقيدة الدافعة إلى عبادة الله عبادة سليمة بعيدة عن أن
تكون مجرد علاقة فكرية أو عقلية بين عقل إنساني وإله هو غاية ما
يكون _في التصور الفلسفي _ عقلا. بل هي العلاقة بين الذات المخلوقة
متوجهة إلى الذات الخالقة التي لها صفات دافعة للإنسان لأنه يتخلق
بأخلاق الله عز وجل بعيداً عن التجسيم والتعطيل وإنما بتنزيه قال
عنه سبحانه: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير). وهي الإيجابية
كذلك في كل علم أنزله الله على النبي دافع للعمل الإيجابي الذي
تنسجم معه الفطرة السليمة. وهي الإيجابية كذلك للإنسان في الكون
وللمؤمن بهذه العقيدة في واقع الحياة بحيث تدفعه لأن يكون داعية
إلى الله سبحانه ورائداً لحركة التحرر العالمي للإنسان، كل
الإنسان، في الأرض كل الأرض من العبودية لغير الله عز وجل بأية
صورة من الصور إلى العبودية لله عز وجل بمعناها الشامل الكامل من
تلقى الشرائع منه وحده مخلصة وتقديم الشعائر لهل وحده مخلصة.
7_ الواقعية أو العملية:
المعرفة النبوية تتعامل مع الحقائق الموضوعية ذات الوجود الحقيقي
المستيقن، والأثر الواقعي الإيجابي، لا مع تصورات عقلية مجردة ولا
مع مثاليات لا مقابل لها في عالم الواقع أو لا وجود لها فيه. كما
أن تنظيم هذه المعرفة للحياة البشرية يتسم بقابلية التحقق الواقعي
في الحياة. العملية المبنية على الاعتقاد، وليست العملية التي تبني
الاعتقاد أو تصوغه. تتعامل هذه المعرفة كذلك مع واقع كوني محسوس
مشاهد فيه سنن وفق مراد الله في التأثير والتأثر، ومع كينونة
إنسانية هي محور الاستخلاف بالفكر والعمل في عالم الواقع. والإيمان
كحقيقة كبرى يسير على ضوئها الإنسان في هذه الأرض لها ميزاتها
الواقعية كذلك لأنها ذات أثر في هذا الواقع وهي ليست نوعا من ضرب
العقل في التيه والركام أو مجرد صياغة لمنطقه المنفصل عن الوحي على
طريقة الإيمان بما وراء المادة، أو الميتافيزيقيا بصفة عامة.
فالله سبحانه قمة هذا الإيمان والذي ننزهه ونسبحه ونقدسه إله موجود
(هو الله الخالق البارىء المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في
السموات والأرض وهو العزيز الحكيم)، وهو سبحانه الخالق لكل شيء يدل
على وجود كل أثر من آثاره وكل شيء بإرادته فهو (فعال لما يريد)
(إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) ومن ثم فهو ليس
مثال أفلاطون الذي فوق أن يوصف أو فوق أن يفكر فيه أصلا كما أنه
ليس إله أرسطو الذي لا فاعلية له سوى أن يكون فكرة الفكرة أو عقل
العقل والمحرك الذي لا يتحرك أو موازيا لوجود الممكنات أي العالم.
ثم إن هذه المعرفة تتعامل كذلك مع هذا الكون الواقعي الظاهر لا مع
الكون الذي هو فكرة مجردة عن الشكل والقالب أو الكون الذي هيولي
وصورة كما عند أرسطو. مما لا تشعر لها بوجود واقعي. فالكون هو هذه
المخلوقات ذات الوجود الخارجي الذي يدركه الإنسان هو هذه السموات
والأرض والنجوم والكواكب والظواهر الكونية من حياة وموت وليل ونهار
ونور وظلام ومطر وبرق... إلى غير ذلك من الموجودات الواقعية.
كما تتعامل المعرفة النبوية كذلك مع الإنسان الواقعي المتمثل في
هؤلاء البشر المخلوقين لله كما هم بحقيقتهم الموجودة من لحم ودم
وأعصاب ومادة وروح وعقل ونفس وجسم. الإنسان الذي ليس ملاكا ولا
حيوانا الإنسان الذي فيه فطرة قابلة لأن يسير إما في طريق الخير أو
في طريق الشر (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً
مذكورا إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً
بصيرا إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً) (ألم نجعل له
عينين ولسانا وشفتين وهديناه النجدين). وهي تتعامل إذن مع هذا
الإنسان ككائن واقعي له خصائصه في الواقع بين سائر المخلوقات، ولا
تتعامل معه كمعنى مجرد ولا كائنا مقدسا بعقله ولا تعتبر فكره نتاجا
للواقع المادي وحركته. فالإنسان ليس إلها يعبد، وليس مهدر الكرامة
ولكنه المخلوق لله في عالم الشهادة من مادة _هي من عالم الشهادة _
وبروح هي غيب لله من عالم الغيب _ومن ثم فهو المستخلف في عالم
الشهادة المنتهى إلى عالم الغيب والذي يتعامل مع عالم الشهادة بقيم
عالم الغيب وتوجيهه وهديه وصدق الله العظيم (إن هذا القرآن يهدي
للتي هي أقوم).
ومن ثم كان المنهج الرباني الذي تقدمه هذه المعرفة النبوية للحياة
البشرية منهجا واقعيا بهذا الفهم وبهذه الأبعاد لمفهوم الواقعية.
فهو منهاج يرتفع بهذا الإنسان معترفا بواقعيته إلى آفاق سامية في
حدود طاقاته الواقعية ( لا يكلف الله نفساً إلا وسعها)، ويحاسبها
على كسبها الواقعي (لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) (ولا تزر وازرة
وزر أخرى). ويقيم لها الحجة الواقعية على أحقيته وعلى النهاية التي
ستقف بها وستعرض بها على الله يوم الجزاء، فلا تنتحل المعاذير (وما
كنا معذبين حتى نبعث رسولا)، (لئلا يكون للناس على الله حجة بعد
الرسل). وهو يحل لها كافة مشاكلها الواقعية من أمور فردية خاصة إلى
أمور أسرية، إلى أمور إجتماعية سياسية واقتصادية ... وغير ذلك من
الأمور بما يحقق لها التناسق والانسجام، والتوازن والشمول
والإيجابية والواقعية (فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل
لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون).
-------------------------------
المصدر : نظرية المعرفة بينَ القرآن والسُنة