موسوعة المصطلحات والمفاهيم || موسوعة الفكر الإسلامي

المفهوم الإسلامي للعلم
مارسيل بوازار



لعب العلم دوراً أساسياً في تطور الثقافة الإسلامية. أليس ميراث الرسول، على حد قول حديث مشهور، هو: العلم ثروة أثمن من الذهب والفضة؟، الكتب، الدقيقة والمدرسية أحياناٍ، التي ترمي إلى تحديد العلم وإلى تصنيف شتى عناصر بطريقة مراتبية، ليست نادرة. إنها لا تشكل "نظرية علم" حقيقية، كما حدث ذلك في الغرب، لأنها تضع نفسها دائماً في إطار المرجع المطلق: الوحي الإلهي. والقرآن واضح بهذا الخصوص: (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب).
كثيراً ما أشير إلى أن اللغة العربية تستخدم، رغم خصوبتها، لفظاً واحداً للدلالة في نفس الوقت على العلم SCIENCE والمعرفة CONNAISSANCE لكن ما لا يعرفه إلا الأقلون عدداً هو أن الإسم لا يعرف له جمع، لا في القرآن ولا في السنة: العلوم وهو جميع مقبول عموماً لمفرد علم، لم يظهر إلا متأخراً، يؤكد علم الدلالة الإدراك الفكري الشامل: للعلم لا يقبل التجزئة أو، بدقة أكثر، لا يمكن تصور التعدد إلا في الوحدة. فالاقتراب الميتافيزيقي هو إذن مختلف جداً عن الواقع المعاصر الذي انقسم فيه العلم إلى فروع متقوقعة على نفسها غالباً إلا أنه لا يستعبد التخصص. فقد انكب، في جميع العصور، مؤلفون مسلمو، لأسباب تعليمية وتربوية، للقيام بتصنيف الفروع العلمية. كانت الاقتراحات جمّة المعروف منها جداً هي اقتراحات الكندي، ابن سينا، الغزالي، ابن رشد، ابن خلدون، وفي منظور أكثر رياضية، اخوان الصفاء، تنقسم العلوم، حسب ابن خلدون، إلى علوم عقلية وعلوم نقلية، أما معظم المؤلفين فأنهم، على غرار الكندي، عددوا العناوين الكبرى التالية: اللغة، المنطق، التعليم الإعدادي، الفيزياء (والميتافيزيقيا) "وعلم الاجتماع" (الفقه والبلاغة).
يساهم البحث عن "المعرفة"، في أي مستوى كان، في "تطهير" المؤمن. وهكذا يتضح انه، حصراً، واجب "ديني" بالمعنى الغربي للكلمة. استعار العلم الإسلامي عناصر كثيرة من الحضارات، التي دخل في قالبها أثر الفتوح العسكرية، ومن ثقافات البلدان المجاورة. الظاهرة تاريخياً لاشك فيها. وبالمقابل، فان تفسيرها خاطئ عندما ينحصر في تحليل لا يتجاوز إطار الوقائع، ولا يرى غير التقليد والاستعارة. لقد وجد إبداع حقيقي، بقدر ما تم التداخل والتركيب في إطار استبعدت فيه الشرعية العلمية العقلانية المنفلتة من عقالها لكنها أخضعت العلم الإنساني للعلم الإلهي.
حدود حرية البحث، الصارمة على الصعيد الأخلاقي إذ أن على العلم أن يستهدف خدمة الإنسانية وفق تكافل جميع الكائنات، هي بالمقابل واسعة جداً على صعيد البحث العلمي، نظراً لضآلة علمي الإنسان أمام حكمة الله المطلقة. توجيه الأمر الدائم للمؤمن باستخدام فكرة ل‍ "التأمل" ل‍ "التدبر" و"التفكير" ضوعف بالأمر بالعمل والتذكير بالمسؤولية الشخصية لكل واحد، على المستوى الأخلاقي، الاجتماعي والعام.
نظرية العلم والمعرفة متكاملتان ولا تنفصلان: "المعرفة هي أن يكون المرء "قادراً" على الفعل. أما العلم، بالمعنى الإسلامي للكلمة، فله دلالة خاصة. ليست دلالة العصر القديم الإغريقي والروماني ولا هي دلالة العصر الوسيط الأوروبي. ولا هي أيضاً دلالة الحضارة التكنولوجية المعاصرة، ولا تأمل الهند التجريدي، ولا بالأحرى التوجه إلى العمل الخاص بالثقافة الصينية. المعرفة والأخلاق، الفكر والعمل، البحث العقلاني والاقتناع الروحي تشكل جميعاً جمعية في مفهوم تجريدي ومتعال. مكّن هذا الانصهار الأمة الإسلامية من حمل مشعل الثقافة العالمية خلال ألف عام تقريباً. لا شيء يحول دون أن تقدم إلهاماً لنهضة علمية حقيقية. من المفيد، بهذا الصدد، أن نشير على الصعيد اللغوي، بأن كلمة "علم" في العربية وكلمة "عمل" متركبتان من نفس الجذور الثلاثة الدّلالية في شتى حالات تغيير حروفها حيث تتضمنان دائماً نفس المعنى المصاحب. يقع العلم والعمل في منظور المصير الذي حدده الله للإنسان، الذي جعل منه حليفته على الأرض. وهو أيضاً وريثه، إذا امتثل للأمر الإلهي: (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون).
بهذا المعنى، يختلف المفهوم الإسلامي عن التفسير اليهودي المسيحي المقبول عموماً ـ لا إجماعاً ـ ل‍ "سيطرة" الإنسان، الذي خلقه الله على صورته على الطبيعة. وهكذا غدا العلم في الغرب مرادفاً للسلطة وقاد إلى قطع الصلة بين الإنسان والطبيعة. بدون شك لقد تفاقمت هذه القطيعة بتطور الرأسمالية، المنحدرة من نفس المصدر الثقافي: استغلال الأرض كُثِّف، دون اعتبار لمصير الأجيال القادمة. لأسباب تاريخية واضحة، عمّ هذا المفهوم العالم وأثر لمدة زمنية على جميع الثقافات غير الأوروبية. بيد أن الإنسان، في نظر الإسلام، ليس سيد العالم المطلق. أنه موجود على الأرض كخليفة ووكيل، ملتزم باستثمار وحماية الخليقة المتعاطف معها وجدانياً: (اعبدوا الله ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها).
أعطت هذه القناعة دون شك ميزة خاصة للعلم والعلماء المسلمين الذائعي الصيت: التقوى، التواضع أمام المجتمع واحترام المحيط الطبيعي الذي على الإنسان أن يفهمه لا أن يخضعه، وأن يحافظ عليه كتراث مشترك للأجيال الماضية والمقبلة. في هذه الحدود، يبرهن التاريخ بان الحضارة العربية الإسلامية، خلقت العلم بفضل مفهومها الوحيد والمطلق، بينما درست الثقافات السابقة العلوم.
---------------------
المصدر : الإسلام اليوم

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم   || موسوعة الفكر الإسلامي