موسوعة المصطلحات والمفاهيم || موسوعة الفكر الإسلامي

الإسلام و الأنتروبولوجيا الكونية
ادريس الخرشاف



لقد كان الإسلام وما يزال في فضائه الكوني، يمثل الرافد الأساس لكل ديناميكية العقل ومسار الطبيعة، يحمل يقينه الداخلي وصدقه الذاتي إلى القلوب الصادقة، التي تدرس العالم المرئي بروح قوية.
وبتطور العقل البشري، ووقوفه على حقائق علمية، يبدأ الإنسان في الوصول إلى اكتشاف عظمة الدين الإسلامي الحنيف الذي يقول قرآنه الكريم:
(إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب). (آل‌عمران/190)
وقد يتساءل المرء عن وضعية لفظة الأنتربولوجية في مفهوم الفكر الإسلامي، وخاصة عندما يتعلق الأمر بإسقاطاتها الروحية على المجال الكوني. لذلك نقول، لقد كثرت استخدامات ألفاظ: الإنسانية والعقل والفكر الإنساني، واحيانا يصل الإنسان بامتداد تفكيره إلى وضعية قد يعجز الخروج منها، إذا لم يكن له رصيد تقنو _روحي يخوّله السفر في شتى فضاءات المعرفة، بما فيها معرفة طبيعية كيانه وعناصر جوانبه المادية.
ومن أجل هذا جاء النص القرآني وروحه، يطالبان الإنسان التحلي بفكر مستقيم وتسلسل واضح في براهين قابلة للتحقيق، حتى يحدث الانسجام والتجانس بين المركبتين الأفقية والشاقولية.
ولفهم هذه التركيبة الأخيرة، ما علينا سوى قراءة ما قاله رب العالمين حينما يقول في محكم آياته: (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا). (الإسراء/ 70)
ويقول كذلك:
(هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه، وإليه النشور). (الملك/ 15)
في ظل الآيات الكريمة، يستزيد المسلم تبصرا وامتلاء من مثل هذه المكارم، ويدرك ذلك التطابق بين الإنسان ومرتبته في النص القرآني، على أنه الكائن الذي يحوي أسمى القيم الإيجابية إن هو استمسك بالعروة الوثقى.
وهذا ما لخصناه في حديثنا عندما استعملنا مصطلح الأنتربوكونية، حيث لا ينظر للإنسان (نظرة المسيحية للإنسان) على أنه الكائن الذي يحمل الخطيئة، وأن اللعنة تلاحقه أينما رحل حتى أصبحت وراثية، معنى ذلك أن الفكر الغربي يحمل طريقين متضادين:
1_ إما أن يرفع النفس على حساب الجسد ويصبح الفرد راهبا في الدير.
2_ أو يطلق عنان شهواته المادية على حساب الروح والنفس، ويجعله في خانة المخلوقات التي تعيش على وجه البسيطة، لا تملك الأدوات الثلاث، مصداقا لقول رب العالمين: (لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل). (الأعراف/179)
فلا بد لنا إذن، من أن نبدأ باجتهاد جديد، وبأسلوب إبداعي خلاق، حتى نكتسب مرة أخرى صفة الريادة والإبداع في هذا العالم الذي اختلطت فيه كل الأوراق، ونسي الإنسان حكمة الله، وظن أن في وسعه المقدرة على امتلاك نفسه، فتعرض لشتى أنواع التحدي، سواء كان ذلك على المستوى الإنساني (مخدرات، أمراض قاتلة، انتحار، جرائم...) أو على المستوى المعيشي (حروب، كوارث طبيعية، كوارث اقتصادية، استراتيجيات عسكرية...)، وشعر الفرد في آخر المطاف أنه مسلوب الإرادة، تطحنه متطلبات العيش، وهو وسط هذه الدوامة يبحث عن منقذ ليخرجه من ظلام فضائه، فلا يجد منقذاً إلا ما أتت به السماء، وخير الزاد هو الزاد الإلهي: (يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك). (الانفطار/ 6_7_8)
إنها وثيقة حضارية للذين يتفكرون في خلق السماوات، وفي خلق البشرية بقلوب واعية، وفكر مستنير، لهم القدرة على حمل عبء قاطرة الإنسان إلى كل الأحقاب.
-------------------------------
المصدر : المعرفة الإسلامية والعولمة، أي آفاق؟

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم   || موسوعة الفكر الإسلامي