أ _ الغيب المطلق:
الذي لم يستطع البشر أن يدركوه إلا عن طريق ما أخبر لهم من أوصافه
في المتواترات والآيات الدالة على وجوده في هذا الكون، وهذا الغيب
يشمل الله تعالى والملائكة واليوم الأخر والموت والكسب.
وهذا الغيب لا يخضع للتحقيق التجريبي أو وسائل البحث العلمي لأنه
فوق مستوى العقل البشري.
ب _ الغيب النسبي:
أ _ الميتافزيقا العلمية مثل الذرة والكهرباء والجاذبية وغير ذلك.
فأنها غيب بالنسبة للبشر علم بالنسبة لله تعالى إلا أنها احتمالية
الغيب بالنسبة للبشر لماذا؟ لأنه ربما يأتي اليوم ليكشف العلم عن
هذه النظريات فتصبح واقعا تجريبيا مدركا بالوسائل الحسية والعلمية.
ب _ الغيب باختلاف الزمان والمكان:
وهو ما يعرفه البعض دون البعض الآخر، وذلك مثل المشرف على الكنترول
يعرف الطالب الناجح والناجح لا يعرف نفسه إلا بعد ظهور النتيجة،
فكانت النتيجة علم للمشرف غيب للطالب. إذن فالعلم بالغيب نسبي
ومطلق فهو مطلق بالنسبة لله تعالى ونسبي بالنسبة للبشر وهذا ما
يتعلق برقم (ب) الغيب النسبي أما بالنسبة لرقم (أ) الغيب المطلق
فلا دخل للبشر فيها إلا بما دلت عليه الأدلة من القرآن أو الكتب
السماوية الصحيحة ولنا بعد ذلك أن نسأل أيهما يخضع للسؤال كيف؟ أو
غيره من الأسئلة التي توجه كبحث علمي.
في الحقيقة إن الغيب المطلق لا يخضع للسؤال كيف أو غيره للإجابة
عنه.
لأن الخالق له من صفات العلم والقدرة والكمال ما ليس للمخلوق من
هذه الصفات إلا نسبيتها فقط.
إذن لا يجوز البحث في هذا الجانب لأن البحث فيه لم يحقق نتائج، وفي
نفس الوقت فيه إرهاق للذهن مع عدم الوصول إلى شيء في ذلك.
أما الذي يتطلب البحث فيه فهو الميتافزيقا العلمية وغيرها من
المتغيرات والمسخرات في هذا الكون للإنسانية، لكي تكشف عن سنن الله
الكونية، وليس شرطا أن يصل فيها العلم إلى شيء. إنما المقصود
قابليتها للتحقيق التجريبي المباشر أو غير المباشر.
أما الغيب باختلاف الزمان والمكان فيكون إجابة عن السؤال هل؟ أو عن
طريق الإخبار.
وهذا ما نراه في الانسجام الدقيق بين حركة الكواكب وغيرها.
قال تعالى {الذي خلق سبع سموات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من
تفاوت، فأرجع البصر هل ترى من فطور، ثم أرجع البصر كرتين ينقلب
إليك البصر خاسئا وهو حسير، ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح
وجعلناها رجوما للشياطين} الملك 3، 4، 5.
هذه الحقائق الجمالية والتناسقية، عنصر أساسي في النظام الكوني،
توحي إلى قلب المؤمن بالاطمئنان إلى هذا الكون الذي يعيش فيه
بالسلام معه ومع الأحياء فلا يجيش فيه القلق لشيء من الظواهر
الكونية.
فإذا حدث قلق في قلب المؤمن من ناحية خرق بعض السنن التي جرت
العادة على رؤيتها في نظام تام، فإنه يفزع إلى ربه راداً كل شيء
إلى إرادة الله تعالى المطلقة فيطمئن قلبه. قال تعالى {إنما أمره
إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون} يس 82. وقوله تعالى {قال رب
أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر، قال كذلك الله
يفعل ما يشاء} آل عمران 40.
وقوله تعالى {قالوا حرقوه وانصروا ألهتكم إن كنتم فاعلين، قلنا يا
نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم } الأنبياء 68، 69.
وإذا كانت هذه الآيات تبين تعطيل السنن الكونية في بعض الأحيان،
فما هو سبيل الموازنة في الكون؟ قال تعالى {ما أصاب من مصيبةٍ في
الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب ن قبل أن نبرأها، إن ذلك على الله
يسير، لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما أتاكم، والله لا
يحب كل مختال فخور} الحديد 22, 23. وقوله تعالى {قل لن يصيبنا إلا
ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون} التوبة 51.
هذه الوقائع الإحصائية هي التي تعطي الموازنة للتغير في السنن
الكونية التي تخضع لإرادة الله عز وجل وذلك ما يبرز لنا صفة مميزة
للمنهج في القرآن عندما يحدث خلل في السنن الكونية، فإن الباحث
يرتد إلى أصل ثابت بخلاف أي منهج Method أخر فأنه عندما يرتد دائما
إلى المطلق، يضاف إلى هذا إن التغيران التي تحدث للكون ليس للكون
دخل فيها لأنه طائع لربه في كل حركاته وسكناته.
قال تعالى {تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن، وإن من شيء إلا
يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم، إنه كان حليماً غفوراً}
الإسراء 44. وقوله تعالى {ولله يسجد من في السموات والأرض طوعاً
وكرهاً وظلالهم بالغدو والأصال} الرعد 15. وقوله تعالى {ثم استوى
إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض أئتيا طوعاً أو كرهاً قالتا
أتينا طائعين} فصلت 11. فهذا الكون لا دخل له بما يحدث فيه لأنه
مطيع ومسبح لله عز وجل فكل سننه وقوانينه ملازمه لكن فيكون وليست
للقوانين العلمية التي توصل إليها البشر.
ولكن عندما يظن العلماء بأن ما وصلوا إليه من قوانين أصبحوا قادرين
على التحكم في الكون وما فيه فهذا إيذان بقرب النهاية.
قال تعالى {حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم
قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم
تغن بالأمس, كذلك نفصّل الأيات لقوم يتفكرون} يونس 24. فالكون باقي
على نظامه فلا يحدث فيه الخلل إلا عندما يأخذ العلم للتزيين والترف
والاستعلاء في الأرض بغير حق. فمنذ ذلك تحدث التحولات قبل نهايته
من النظام إلى الخل. وكثير من الآيات تدل على نهاية الكون منها:
قوله تعالى {إذا السماء انفطرت، وإذا الكواكب انتشرت وإذا البحار
فجرت، وإذا القبور بعثرت} (الإنفطار 1: 4.
وقوله تعالى {إذا الشمس كورت، وإذا النجوم انكدرت وإذا الجبال
سيرت، وإذا الجبال سيرت، وإذا العشار عطلت، وإذا الوحوش حشرت، وإذا
البحار سجرت} التكوير 1: 6.
وهذا ما يدل على نهاية الكون وبداية عالم الآخرة إذن ما الذي يخضع
للبحث العلمي في النظام الكوني؟
هو مجموعة المتغيرات داخل الكون والمسخرات وبالجملة كل ما يندرج
تحت التسخير الكوني وما تحتاجه الخلافة الإنسانية. وهذه الأمور أي
المتغيرات والمسخرات تعطي بعطاء الإنسان لها أو حسب ما ينفعل
الإنسان معها يكون عطائها. أما الثوابت فهي تعطي بدون تدخل للإنسان
فيها وللعلماء أن يأخذوا منها العبرة والعظمة والنظريات الدالة على
بديع الصانع. وليس معنى هذا أن هناك انفصالا بين الثوابت
والمتغيرات، بل يوجد بينهما ارتباط ضروري وعلى الإنسان أن يكتشف
هذا الارتباط.
--------------------------------
المصدر : أسس المنهج القرآني في بحث العلوم الطبيعية