موسوعة المصطلحات والمفاهيم || موسوعة الفكر الإسلامي

المعطى الاجتماعي للصلاة
علي الكوراني



اول هذه المعطيات ظاهرة حاكمية الله عز وجل وربوبيته للمجتمع المصلي , فأول انطباع تأخذه عن مجتمع أسلامي يؤدي صلاته بين يدي الله كل يوم أنه مجتمع يديره الله ويحكم شؤونه0
لا أقصد بذلك المجتمعات المسلمة شكلياً التي ترى فيها وجود الحكام والاستعمار وجوداً كبيراً ووجود الله سبحانه وجوداً غائباً, وإنما اقصد المجتمع الاسلامي الذي يعيش في يومه وجود الله تعالى والصلاة بين يديه,
فمثل هذا المجتمع ترى الوجود البارز المسيطر فيه هو الله عز وجل لأنك تجده يعلن الخضوع له مبكراً قبل شروق الشمس وظهراً بعد شوط العمل ومساء في ختام العمل يتساوى في هذا الخضوع الحاكم والعمال
والموظفون والتجار والفلاحون والسياسيون 000تراه مجتمعاً يبرز فيه شعار (لا إله إلا الله ) وشعار (الله أكبر) وشعار (الحمد لله) وشعار (باسم الله) تتردد في كل فرد فيه مرات كل يوم وتتجاوب بايقاعها الجنبات
والقلوب0
وإنما قصرت الصلاة الفعلية عن تقديم هذه الظاهرة في مجتمعاتنا لأن الذين يؤدون الصلاة هم الضعفاء من امتنا, فنسبة المصلين من الاغنياء وأهل النفوذ قليلة جداً , ونسبة المصلين من السياسيين والحكام تكاد تكون
عدماً , واذا كان الوجود الفعال في المجتمع لا يعيش حاكمية الله عز وجل ولا يعلن له الخضوع اليومي لم تنعكس على المجتمع 00ومن ناحية ثانية فإن المصلين من جماهير أمتنا لو كانوا يعيشون حاكمية الله سبحانه
ويرفعون رايتها لانعكست هذه الظاهرة على قطاعهم على الاقل, ولكنهم وللأسف يؤدون لله عز وجل صلاتهم الشكلية ويؤدون للحكام والكفار صلاة حياتهم الطويلة, ولذلك لا يرتفع عنهم كابوس الطاغوت0
وحاكمية الله التي تعكسها الصلاة في المجتمع حاكمية فريدة سواء في عمقها واتساعها وروحيتها000فإن الحاكمية ترتكز على حق المالكية وحق الأولوية في الإدارة وهما ثابتان لله سبحانه بأعمق ما يكون من ثبوت
وأوسع ما يكون من ثبوت0 فملكيته عز وجل ليست ملكية حيازة وحسب بل ملكية تكوين واحياء وعطاء وتوجيه ومصير الخ0000 وأولويته في الادارة ليست بسبب أنه أعلم بالإدارة وأقدر عليها من كل وجه بل
لأنه سبحانه يدير الأشياء والناس من اجل خيرهم وكمالهم وسعادتهم ويتعالى عن أن ينتفع بشئ من ذلك0
قدر بنفسك الفارق بين مجتمع يعلو فيه الاقوياء بسلطانهم ومالهم وأنانياتهم وظلمهم, ويخضع فيه الضعفاء بمهانتهم وجبنهم00وبين مجتمع يعلو فيه حكم الله وقوانينه ويعتز فيه الناس بتلقيهم منه وبانتظامهم في ظل
شريعته وتساويهم أمام عدالته وحبه0
وثاني هذه المعطيات وحدة المجتمع الاسلامي وتساوي افراده0
وتقوم الصلاة بتقديم هذا المعطى من ناحيتين :
فهي من ناحية تبرز وحدة المجتمع الاسلامي وتساويه باعتبارها من أجل وأوسع مظاهر الوحدة والمساواة0 وغني عن البيان أن وحدة التجمع في الاسلام تقوم على أصول فكرية بدل الأصول العرقية والإقليمية التي
درجت المجتمعات على القيام بها حتى يومنا هذا00فالدعوة الاسلامية هي الدعوة الوحيدة التي تصر بطبيعتها على الصفة الفكرية في الدولة والمجتمع وترفض كل صفة أخرى غيرها, نعم لقد نشأت في شعوب
الاسلام دول ومجتمعات عرقية وأقليمية ولكنها ظلت ولا تزال غريبة على الإسلام غرابة واضحة لا لبس فيها , وذلك بعكس المجتمعات والدول العرقية والإقليمية في الشعوب الوثنية والمسيحية والشيوعية التي
استطاعت أن تنسجم مع هذه الديانات بل وأن تحملها أطارها العرقي والإقليمي في كثير من الاحيان00
والصلاة تبرز الصفة الفكرية في المجتمع الاسلامي في مظهرين من مظاهرها عريقين في حياة المجتمع المصلي : مظهر الألتزام بها, ومظهر الإجتماع لأدائها0
ومن ناحية ثانية, تقوم الصلاة بتعميق الوحدة في المجتمع الاسلامي وذلك لأنها بذاتها تمثل وشيجة فكرية وشعورية بين افراده0
ان الاسلام يؤمن بأنه لا يكفي لتحقيق الوحدة والمساواة في المجتمع ان تسود المفاهيم والتشريعات النظرية في حين يبقى الواقع مفصولاً عتها رازخاً تحت وضع مضاد لها , لذلك لابد في رأيه من القضاء على الهوة
الفاصلة بين المفاهيم الخيرة وبين الواقع الشرير00ولو ان الصلاة الاسلامية طبقت في مجتمع ما لقامت بنصيبها في تجسيد الوحدة والمساواة واقعاً حياً تراه العين وتلمسه اليد0
لقد تعودنا ان نرى الحاكم معزولاً عن الجماهير وراء عشرات الابواب والحجابات والحجاب , او نراه محاطاً بحراسه المدججين وبعناصر الايهام التي يحشدها حول شخصه, ولم نتعود ان نراه يؤدي صلاته اليومية
والأسبوعية في أي مسجد الى جانب افراد شعبه الذي يدعي انه واحد منهم 0
تعودنا ان نرى الرأسمالي حاكماً صغيرا على الذين يطعمونه من جهدهم وعرقهم ولم نتعود أن نراه يؤدي صلاته مأموماًخلف عامل تفي يعمل عنده0
ان الوحدة والمساواة في المجتمع الاسلامي واقع معاش لا نظريات معلقة وان دور الصلاة في تجسيد ذلك وتوحيد طول الناس تحت لواء الله لهو دور مهم0
وثالث المعطيات الاجتماعية للصلاة : حقوق الامة المصلية في الارض والناس 0
ويبرز هذا المعطى من الصلاة حينما يكون أهل الارض دولة واحدة وأمة واحدة قائمة على هدى الله , عاملة في تحقيق اهدافها التي رسمها لها , معلنة ربانيتها وانتسابها اليه عز وجل في أوجه نشاطها اليومي , وفي
وقفة الصلاة الواعية الخاشعة 00
لكن أحسب ان هذا المعطى يبرز بصورة أوضح حينما يكون المصلون قسماً من أهل الارض, ففي هذه الحالة يمكننا بيسر أن نجري المقارنة بين انتساب الأمة المصلية إلى وليها وانتسابات الإمم الأخرى الى
أوليائها, وفي هذه الحالة تظهر بوضوح الصلاحيات التي يعطيها الله للأمة المصلية ويكلفها بها في الأرض والشعوب0
قال الله عز وجل " هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون " 33-التوبة0
" قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الاخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين اوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون " 29-التوبة0
وأما قوله تعالى " لا إكراه في الدين " فهو يقرر مبدأ حرية الاعتقاد للناس ويحرم اجبارهم على العقيدة الاسلامية , ولكن الذي يضمن هذه الحرية انما هو الحكم الاسلامي , أما الحكم غير الأسلامي فهو يجبر الناس
على عقيدته ويمنعهم من إبصار الاسلام واعتناقه ولذا فهو عقبة في طريق حرية الاعتقاد0
وأما دور الصلاة من الحقوق الممنوحة للأمة المسلمة فهو أنها شرط فيها00قال الله عز وجل " أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير 00الذين إن مكناهم في الارض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة
وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر , ولله عاقبة الامور " 39 و 41 -الحج0
وعن ابي عمرو الزبيري عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال قلت له : أخبرني عن الدعاء إلى الله والجهاد أهو لقوم لا يحل الا لهم و لا يقوم به إلا من كان منهم ؟ أم هو مباح لكل من وحد الله عز وجل وآمن
برسوله (صلى الله عليه وسلم) ؟ فقال عليه السلام " من قام بشرائط الله عز وجل في القتال والجهاد فهو المأذون له في الدعاء الى الله عز وجل , ومن لم يكن قائماً بشرائط الله فليس بمأذون له في الجهاد 00الخ00"
(الكافي ج 5 ص 13 )
واعتبار الصلاة شرطاً في هذه الحقوق يكشف لنا اولاً عن خطورة هذه الحقوق وثقلها 00وماذا أخطر من مهمة ادارة ارض الله واعمارها لتحقيق العدالة بين شعوبها وتوعيتهم على هدى الله عز وجل ؟
ويكشف لنا ثانياً عن أن الوفاء بهذه المهمة يتوقف فيما يتوقف على التربي اليومي في معهد الصلاة , المعهد الذي يزود الامة بالطاقة المستقيمة ويشعرها بأنها أمة منتمية الى الله وقائمة بتكاليفه وموافية اياه عز وجل
في لقاء المسؤول0
أما اذا لم تقم الامة بأداء الصلاة فانها لا تستحق شيئا من هذه الحقوق لأن حالها يكون كحال ألامم الاخرى الفاسقة عن أمر ربها المحتاجة الى أمة تقوم على شؤونها وتهديها الى الله0
وهكذا تأخذ الصلاة موقعها في إعداد الامة وتوفير القابلية فيها للسيادة والقيمومة على الارض وشعوبها, فأين حاكمنا وأين امتنا عن هذه الصلاحيات الإلهية المشرفة , وأين هم عن معهد الصلاة ؟
--------------------------
المصدر : فلسفة الصلاة

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم   || موسوعة الفكر الإسلامي