موسوعة المصطلحات والمفاهيم || موسوعة الفكر الإسلامي

الموقف الرسالي من التصوف
محمد تقي المدرسي


باختلاف مراحل التصوف ابتداءً من حالة الزهد السلوكي الفردي,ومروراً بحالة العزلة وترك المسؤوليات الدينية,وإنتهاء بفلسفة معقدة تدعو الى الفناء في الله,وتؤمن بوحدة الوجود,وتهدم الحدود بين الشرائع والمبادىء,أقول : باختلاف مراحل التصوف عند المسلمين اختلفت ردة الفعل لدى قادة الاسلام وأئمته وعلمائه.في حديث للرسول ( ص) نهى عن الرهبنة وبشدة,وذكر المسلمين باختلاف سنته عن الرهبانية المبتدعة,وإن من سنته النكاح يقول :(النكاح سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني ).كان ذلك في المرحلة الأولى من التصوف,وعندما تطور الى المرحلة التالية في صورة عزلة سياسية عند الحسن البصري وتلاميذه,تصدى له خلفاء الرسول إبتداءً من الامام أمير المؤمنين (عليه السلام ).أما في عهد الأئمة الطاهرين,الأمام الصادق ( عليه السلام ) ومن بعده فقد شهد التصوف باكورة اتصاله بالفكر الأجنبي,ومن ثم حاربه الأئمة (عليهم السلام ).هذا الى جانب اشارة الرسول ( ص ) لتطورات التصوف المستقبلية وادانته له,وفيما يلي نقتطف نصوصاً اسلامية,وذلك قبل الحديث الموجز القادم عن موقف علماء الاسلام المتأخرين عن التصوف.
القرآن الحكيم ينهى عن الرهبانية المبتدعة
بالاضافة الى الآيات القرآنية العديدة التي نهت عن تحريم ما أحل الله,وأمرت بالطعام والنكاح,وأخذ الزينة والجهاد,وأعلنت ان الطيبات حلال وان الله سخر ما في الارض جميعاً للانسان.وبالاضافة الى حث القرآن الحكيم على ضرورة تحمل المسؤليات الرسالية في مقاومة الطاغوت والقتال ضد حزب الشيطان,والاعتداء على المعتدي,واقامة العدل والشهادة بالحق,والسير في الأرض للمعرفة والاصلاح فيها و...و.مما لايدع شكاً في حرمة الاعتزال
فراراً عن مسؤوليات الدين والذي هو جوهرالتصوف وأساس بنائه.أقول بالاضافة الى هذا وذاك نجد في الذكرالحكيم آية تدل صراحة على ان الرهبانية التي أحدثها اتباع عيسى ابن مريم-عليه السلام-لم تكن سوى بدعة، أو لا أقل كانت مخالفة لأصولها السليمة، واذا عرفنا ان مبدأ التصرف كان تقليد الرهبان، نعرف موقف القرآن من التصوف، فقد جاء فيه حول الرهبانية: "وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلآ ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها فآتينا الذين آمنوا منهم اجرهم وكثيرمنهم فاسقون ")( الحديد / 27 ).
موقف الرسول من التصوف
لم يكن الرسول يتجاوزالقرآن بشطر كلمة، وقد كان للمؤمنين أسوة حسنة، ودخل في الحياة من كل أبوابها وتوغل في آفاقها الحسنة، ولم يدع لأحد من المسلمين شكاً في نهجه القو يم الذي جمع الدنيا الى الآخرة.وقد كان بعض أصحاب الرسول يود الترهب بسبب صدمة يتعرض لها أو بسبب غلوه في الدين، فكان الرسول (ص ) يؤكد النهي,والأحاديث التالية تعرض جانباً من ذلك:ا/عن ثوابة بن مسعود، عن أنس قال:توفي ابن لعثمان بن مظعون رضي الله عنه فاشتد حزنه عليه، حتى اتخذ من داره مسجداً يتعبد فيه، فبلغ ذلك رسول الله (ص)فقال له:ياعثمان ان الله تبارك وتعالى لم يكتب علينا الرهبانية، إنما رهبانية أمتي الجهاد في سبيل الله.ياعثمان بن مظعون للجنة ثمانية أبواب، وللنارسبعة أبواب، أفما يسرك أن لاتأتي باباً منها الا وجدت ابنك الى جنبك آخذاً بحجزتك، يشفع لك الى ربك؟ قال:بلى، فقال المسلمون:ولنا يارسول الله في فرطنا مالعثمان؟ قال: نعم، لمن صبرمنكم واحتسب.ثم قال:ياعثمان من صلى صلاة الفجرفي جماعة، ثم جلس يذكرالله عز وجل حتى تطلع الشمس، كان له في الفردوس سبعون درجة، بعد ما بين كل درجتين كحضرالفرس الجواد المضمر سبعين سنة، ومن صلى الظهرفي جماعة كان له في جنات عدن خمسون، درجة ما بين كل درجتين كحضرالفرس الجواد خمسين سنة، ومن صلى العصرفي جماعة كان له كأجرثمانية من ولد إسماعيل كل منهم رب بيت يعتقهم، ومن صلى المغرب في جماعة كان له كحجة مبرورة وعمرة متقبلة، ومن صلى العشاء في جماعة كان له كقيام ليلة القدر.
2/ قال رسول الله(ص):ليس في أمتي رهبانية ولا سياحة ولا زم يعني سكوت.
3/ وفي تفسيرالآية الكريمة:"يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم"روي عن أبي عبد الله عليه السلام قال:نزلت هذه الآية في أميرالمؤمنين (عليه السلام)وبلال وعثمان بن مظعون،فأما أميرالمؤمنين (عليه السلام)فحلف أن لا ينام في الليل أبداً، وأما بلال فانه حلف أن لا يفطربالنهارأبداً، وأما عثمان بن مظعون فانه حلف لا ينكح أبداً، فدخلت امرأة عثمان على عائشة وكانت امرأة جميلة فقالت عائشة:ما لي أراك متعطلة؟ فقالت:ولمن أتزين؟ فوالله ما قربني زوجي منذ كذا وكذا، فانه قد ترهب ولبس المسوح وزهد في الدنيا، فلما دخل رسول الله (ص)أخبرته عائشة بذلك فخرج فنادى:الصلاة جامعة، فاجتمع الناس فصعد المنبرفحمد الله وأثنى عليه ثم قال:ما بال أقوام يحرمون على أنفسهم الطيبات؟ ألا إني أنام في الليل وأنكح وأفطربالنهار فمن رغب عن سنتي فليس مني، فقام هؤلاء فقالوا:يارسول الله فقد حلفنا على ذلك، فأنزل الله:"لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته اطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أوكسؤتهم أوتحرير رقبة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم "
4/ عن جعفربن محمد (ع)عن آبائه (عليهم السلام)قال:كان رسول الله (ص)يأتي أهل الصفة وكانوا ضييفان رسول الله (ص)كانوا هاجروا من أهاليهم وأموالهم الى المدينة، فأسكنهم رسول الله(ص)صفة المسجد وهم أربعمائة رجل، فكان يسقم عليهم بالغداة والعشي فأتاهم ذات يوم فمنهم من يخصف نعله، ومنهم من يرقع ثوبه، ومنهم من يتفلى وكان رسول الله (ص)يرزقهم مداً مداً من تمرفي كل يوم.فقام رجل منهم فقال:ياوسول الله التمرالذي ترزقنا قد احرق بطوننا فقال رسول الله:أما إني لواستطعت أن اطعمكم الدنيا لأطعمتكم، ولكن من عاش منكم من بعدي يغدى عليه بالجفان ويراج عليه بالجفان ويغدوأحدكم في قميصه ويروح في اخرى وتنجدون بيوتكم كما تنجد الكعبة فقام رجل فقال:يارسول الله أنا إلى ذلك الزمان بالاشواق فمتى هو؟ قال(ص):زمانكم هذا خيرمن ذلك الزمان، انكم إن ملأتم بطونكم من الحلال، توشكون أن تملأوها من الحرام.فقام سعد بن أشج فقال:يارسول الله ما يفعل بنا بعد الموت؟ قال الحساب والقبر ثم ضيقه بعد ذلك أوسعته، فقال:يارسول الله هل تخاف أنت ذلك؟ فقال:لا ولكن أستحيي من النعم المتظاهرة التي لا أجازيها ولا جزء من سبعة، فقال سعد بن أشج إني أشهد الله وأشهد رسوله ومن حضرني (أن
نوم الليل علي حرام، والأكل بالنهارعلي حرام، ولباس الليل علي حرام، ومخالطة الناس علي حرام واتيان النساء علي حرام)فقال رسول الله:ياسعد لم تصنع شيئأ كيف تأمربالمعروف وتنهى عن المنكر إذا لم تخالط الناس، وسكون البرية بعد الحفر كفرللنعمة، نم بالليل، وكل بالنهار,والبس مالم يكن ذهباً أوحريراً أومعصفراً، وآت النساء ياسعد إذهب الى بني المصطلق فانهم قد ردوا رسولي، فذهب اليهم فجاء بصدقة فقال رسول الله (ص):كيف رأيتهم؟ قال:خيرقوم، ما رأيت قوماً قط أحسن أخلاقاً فيما بينهم من قوم بعثتني اليهم، فقال رسول الله (ص):انه لا ينبغي لأولياء الله تعالى من أهل دارالخلود الذين كان لها سعيهم وفيها رغبتهم أن يكونوا أولياء الشيطان من أهل دارالغرور الذين (كان)لها سعيهم وفيها رغبتهم.
ثم قال:بئس القوم قوم لايأمرون بالمعروف ولاينهون عن المنكر، بئس القوم قوم يقذفون الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، بئس القوم قوم لايقومون بالله تعالى بالقسط، بئس القوم قوم يقتلون الذين يأمرون الناس بالقسط في الناس، بئس القوم قوم يكون الطلاق عندهم أوثق من عهد الله تعالى، بئس القوم قوم جعلوا طاعة امامهم دون طاعة الله، بئس القوم قوم يختارون الدنيا على الدين، بئس القوم قوم يستحلون المحارم والشهوات والشبهات.قيل:يارسول الله فأي المؤمنين أكيس؟ قال:اكثرهم للموت ذكراً، وأحسنهم له استعداداً، أولئك هم الأكياس.
ه/وقد أخبرالنبي (ص)الذي أطلعه ربه على الغيب بأمرالتصوف الباطل، فقد جاء في وصيته لأ بي ذر (رضوان الله عليه):"ياأبا ذر، يكون في آخرالزمان، قوم يلبسون الصوف في صيفهم وشتائهم، يرون ان لهم الفضل بذلك على غيرهم، اولئك يلعنهم ملائكة السموات والأرض ".والمعروف عن الصوفية أنهم يبالغون في المديح لأنفسهم، والغلوفي مراتبهم الى درجة الاعتقاد بأنهم يصلون الى الله، بل يفنون في ذات الحق. والرسول (ص) أشارفي حديثه بميزتهم هذه، كما بين صفة ثانية لهم هي اتخاذ الصوف لباساً في الصيف والشتاء.
موقف الامام علي (ع)من التصوف
لقد تطورالتصرف في عهد الامام علي (عليه السلام)الى الاعتزال عن الحياة السياسية وكان إمام هذا الاتجاه، الحسن البصري الذي غضب عليه الامام ونعته بسامري هذه الأمة.وفي الحديث التالي نجد نهي الامام علي (عليه السلام) الشديد لما قد ينتهي الى التصوف وهو التفرغ التام للعبادة، و بالرغم من أن الامام زهد في الدنيا وطلقها - كما قال- ثلاثاً و بالغ في العبادة حتى سمي ب (زين العابدين وسيد الساجدين وقائد الغزالمحجلين) فانه بالرغم من ذلك نراه يحث الناس على عدم الغلوفي الدين و ينهاهم عن ترك الطيبات التي أحتها الله لهم.عن ابن أبي الحديد قال:أن الربيع بن زياد الحارثي أصابته نشابة في جبينه فكمانت تنتقض عليه في كل عام، فأتاه علي (عليه السلام)عائداً فقال:كيف تجدك أبا عبد الرحمن؟ قال:أجدني يا أميرالمؤمنين لوكان لا يذهب مابي إلابذهاب بصري لتمنيت ذهابه، قال:وما قيمة بصرك عندك؟ قال:لوكانت لي الدنيا لفديته بها، قال:لا جرم ليعطينك الله على قدرذلك، إن الله يعطي على قدرالألم والمصيبة، وعنده تضعيف كثير.قال الربيع:يا أميرالمؤمنين ألا أشكوإليك عاصم بن زياد أخي؟ قال:ماله؟ قال:لبس العباء وترك الملاء، وغم أهله وحزن ولده، فقال عليه السلام-أدعولي
عاصما,فلما أتاه عبس في وجهه وقال:ويحك ياعاصم أترى الله أباح لك اللذات، وهويكره ما أخذت منها؟ لأنت أهون على الله من ذلك، أوما سمعته يقول:"مرج البحرين يلتقيان "ثم قال؟."يخرج منهما اللؤلؤوالمرجان ")وقال:"ومن كل ماتأكلون لحماً طرياً وتستخرجون حلية تلبسونها" (فاطر / 35 )أما والله لابتذال نعم الله بالفعال أحب إليه من ابتذالها بالمقال.وقد سمعت الله يقول:"وأما بنعمة ربك فحدث "( الضحى / 11 ).وقوله:"قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ".إن الله خاطب المؤمنين بما خاطب به المرسلين فقال:"يا آيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم " )( المائدة / 87 ).وقال:"يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً"( المؤمنون / 51 ).وقال رسول الله (ص) لبعض نسائه:مالي أراك شعثاء مرهاء سلتاء.قال عاصم:فلم اقتصرت يا أميرالمؤمنين على لبس الخشن، وأكل الجشب؟ قال:إن الله تعالى افترض على أئمة العدل أن يقدروا لأنفسهم بالقوم كيلا يتبيغ بالفقيرفقره، فما قام علي عليه السلام حتى نرع عاصم العباءة ولبس ملاءة.
موقف الامام الصادق (ع)من التصوف
وتابع الأئمة من بعد أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام)سيرته في الدفاع عن الاسلام الحق، وهناك أحاديث عن الأئمة الحسن الزكي والحسين الشهيد وزين العابدين ومحمد بن علي الباقر(عليهم السلام)تكشف عن مواقفهم تجاه التصوف ومن شخص الحسن البصري بالذات.إلآ أن الأحاديث المأثورة عن الامام جعفربن محمد الصادق (عليه السلام)اكثر صراحة لطبيعة التطورالذي حدث لا التصوف، حيث تحول على عهده الى فئة اجتماعية، بل ومذهب فلسفي، ومن خلال!قراءتنا لهذه الأحاديث نعرف ليس فقط مذهب الامام من الصوفية، بل وايضاً الحجج التي يسوقها الامام في الحديث الأخير التي تدحض أدلة المتصوفة بقوة:
ا/ روي عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)حين سأله رجل عن قوم ظهروا في ذلك الزمان، يقال لهم الصوفية،؟ قال: انهم اعداؤنا، فمن مال اليهم فهومنهم ويحشرمعهم، وسيكون أقوام، يدعون حبنا ويميلون اليهم ويتشبهون بهم، ويلقبون أنفسهم بلقبهم، ويقولون أقوالهم، ألا فمن مال اليهم فليس منا، وأنا منه برآء، ومن انكرهم ورد عليهم، كان كمن جاهد الكفاربين يدي رسول الله (ص)
2/ دخل سفيان الثوري على أبي عبد الله (عليه السلام)فرأى عليه ثياب بياض كأنها غرقىء البيض فقال له:إن هذا (اللباس)ليس من لباسك، فقال له: اسمع مني وع ما أقول لك، فانه خيرلك عاجلا وآجلا، إن كنت أنت مت على السنة والحق، ولم تمت على بدعة.أخبرك أن رسول الله (ص)كان في زمان مقفرجشب فاذا أقبلت الدنيا فأحق أهلها بها أبرارها لا فجارها، ومؤمنها لا منافقوها، ومسلموها لا كفارها، فما أنكرت ياثوري؟ فوالله إني لمع ما ترى ما أتى علي مذ عقلت صباح ولا مساء"ولله في مالي حق أمرني ان أضعه موضعاً وضعته.فقال:ثم أتاه قومه ممن يظهرالتزهد، ويدعون الناس أن يكونوا معهم مثل الذي هم عليه من التقشف فقالوا إن صاحبنا حصرعن كلامك، ولم تحضره حجة، فقال لهم:هاتوا حججكم، فقالوا:إن حججنا من كتاب الله، قال لهم:فأدلوا بها فانها أحق ما أتبع وعمل به.فقالوا:يقول الله تبارك وتعالى يخبرعن قوم من أصحاب النبي (ص)."ويؤثرون على أنفسهم ولوكان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون" فمدح فعلهم، وقال في موضع آخر:"ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً"فنحن نكتفي بهذا، فقال رجل من الجلساء:إنا مارأيناكم تزهدون في الأطعمة الطيبة ومع ذلك تأمرون الناس
بالخروج من أموالهم حتى تتمتعوا أنتم منها؟ فقال ( له )أبوعبد الله (عليه السلام)دعوا عنكم ما لا ينتفع به، أخبروني أيها النفرألكم علم بناسخ القرآن من منسوخه ومحكمه من متشابهه، الذي في مثله ضل من ضل، وهلك من هلك من هذه الأمة؟ فقالوا له:أوبعضه فأما كله فلا، فقال لهم:من ههنا أتيتم وكذلك أحاديث رسول الله (عليه السلام).
فأما ما ذكرتم من إخبارالله آيانا في كتابه عن القوم الذين أخبرعنهم بحسن فعالهم، فقد كان مباحاً جائزاً، ولم يكونوا نهوا عنه، وثوابهم منه على الله، وذلك أن الله جل وتقدس، أمربخلاف ما عملوا به، فصارأمره ناسخاً لفعلهم، وكان نهي الله تبارك وتعالى رحمة للمؤمنين، ونظراً، لكي لا يضروا بأنفسهم وعيالاتهم، منهم الضعفة الصفار والولدان، والشيخ الفان، والعجوز الكبيرة، الذين لا يصبرون على الجوع، فان تصدقت برغيفي ولارغيف لي غيره، ضاعوا وهلكوا جوعاً.
فمن ثم قال رسول الله(ص)خمس تمرات أوخمس قرص أو دنانيرأودراهم يملكها الانسان وهويريد ان يمضيها فأفضلها ما أنفقه الانسان على والديه، ثم الثانية على نفسه وعياله، ثم الثالثة القرابة واخوانه المؤمنين، ثم الرابعة عل جيرانه الفقراء، ثم الخامسة في سبيل الله وهوأخسها أجراً.
وقال النبي:(ص)للانصاري، حيث أعتق عند موته خمسة أوستة من الرقيق، ولم يكن يملك غيرهم، وله أولاد صغار:لوأعلمتموني أمره ماتركتكم تدفنونه مع المسلمين، ترك صبية صغاراً يتكففون الناس ثم قال:حدثني أبي أن النبي (ص)قال:إبدأ بمن تعول الأدنى فا لأدنى.
ثم هذا ما نطق به الكتاب رداً لقولكم ونهياً عنه، مفروض من الله العزيز الحكيم، قال:"الذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً"( الفرقان/67 ).أفلا ترون أن الله تبارك وتعالى قال غيرما أراكم تدعون اليه مسرفاً ؟وفي غيرأية من كتاب الله يقول:"انه لا يحب المسرفين "0(1 لانعام/141 ، ا لاعراف/31)فنهاهم عن الاسراف، ونهاهم عن التقتيرلكن أمربين أمرين:لايعطي جميع ماعنده، ثم يدعو الله أن يرزقه فلا يستجيب له للحديث الذي جاء عن النبي(ص):
"إن أصنافاً من أمتي لا تستجاب لهم دعاؤهم:رجل يدعو على والديه ورجل يدعو على غريم ذهب له بمال ولم يشهد عليه، ورجل يدعو على امرأته وقد جعل الله تخلية سبيلها بيده، ورجل يقعد في البيت يقول:يارب ارزقني ولا يخرج يطلب الرزق، فيقول الله جل وعز عبدي!أولم أجعل لك السبيل الى الطلب والضرب في الأرض بجوارح صحيحة 3؟فتكون قد أعذرت فيما بيني وبينك في الطلب لاتباع أمري، ولكيلا تكون كلاًُ على أهلك فان شئت رزقتك.وان شئت قترت عليك وأنت معذورعندي، ورجل رزقه الله مالاً كثيراً فأنفقه ثم أقبل يدعو يارب ارزقني، فيقول الله:ألم أرزقك رزقاً واسعاً ؟أفلا اقتصدت فيه كما أمرتك، ولم تسرف كما نهيتك، ورجل يدعوفي قطيعة رحم ".
ثم علم الله نبيه كيف ينفق، وذلك أنه كان عنده أوقية من ذهب، فكره أن تبيت عنده فصدق وأصبح ليس عنده شيء، وجاءه من يسأله فلم يكن عنده ما يعطيه، فلامه السائل واغتم هوحيث لم يكن عنده ما يعطيه ,وكان رحيماً رفيقاً فادب الله نبيه بأمره إياه فقال:"ولا تجعل يدك مغلولة الى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً"يقول:إن الناس قد يسألونك ولا يعذرونك فاذا أعطيت جميع ما عندك كنت قد حسرت من المال.
فهذه أحاديث رسول الله(ص)يصدقها الكتاب والكتاب يصدقه أهله من المؤمنين، وقال أبوبكرعند موته:أوصي بالخمس والخمس كثيير فان الله قد رضي باخمس فأوصى بالخمس، وقد جعل الله له الثلث عند موته , ولو علم أن الثلث خير(اً) له أوصي به.
ثم من قد علمتم بعده في فضله وزهده سلمان وأبوذر,فأما سلمان فكان إذا أخذ عطاءه رفع منه قوته لسنته، حتى يحضره عطاؤه من قابل، فقيل له:يا أبا عبد الله أنت في زهدك تصنع هذا؟ وانك لاتدري لعلك تموت اليوم أوغداً، وكان جوابه أن قال: مالكم لاترجون لي البقاء كما خفتم علي الفناء، أوما علمتم يا جهلة أن النفس قد تلتاث على صاحبها اذا لم يكن لها من العيش ما يعتمد عليه، فاذا هي أحرزت معيشتها اطمأنت.
فأما أبو ذر فكانت له نويقات وشويهات، يجلبها ويذبح منها إذا اشتهى أهله اللحم أونزل به ضيف أورأى بأهل الماء الذين هم معه خصاصة، نحَرلهم الجزورأومن الشاء عل قدرما يذهب عنهم قرم الدحم، فيقسمه بينهم، ويأخذ كنصيب أحدهم لايفضل عليهم، ومن أزهد من هؤلاء؟وقد قال فيهم رسول الله(ص) ما قال، ولم يبلغ من أمرهما أن صارا لا يملكان شيئاً البتة، كما تأمرون الناس بالقاء أمتعتهم وشيئهم، ويؤثرون به على أنفسهم وعيالاتهم.
واعلموا أيها النفر أني سمعت أبي يروي عن آبائه أن رسول الله (ص)قال يوماً:ما عجبت من شيء كعجبي من المؤمن، إنه فرض جسده في دارالدنيا بالمقاريض، كان خيراً له ,وان ملك ما ببن مشارق الأ رض
ومغاربها كان خيراً له فكل ما يصنع الله به فهوخيرله، فليت شعري هل يحيق فيكم اليوم ما قد شرحت لكم أم أزيدكم ؟.
أوما علمتم أن الله جل اسمه فرض عل المؤمنين في أول الأمرأن يقاتل الرجل منهم عشرة من المشركين، ليس له أن يولي وجهه عنهم، ومن ولآهم يومئذ دبره فقد تبؤء مقعده من النار ثم حولهم من حالهم رحمة منه لهم، فصارالرجل منهم عليه أن يقاتل الرجلين من المشركين تخفيفاً من الله عن المؤمنين فنسخ الرجلان العشرة.وأخبروني أيضاً عن القضاة أجورمنهم حيث يفرضون عل الرجل منكم
نفقة امرأته إذا قال:أنا زاهد وإنه لاشيء لي، فان قلتم جورظلّمتم أهل الاسلام.وإن قلتم بل عدل خصمتم أنفسكم، وحيث يردون صدقة من تصدق على المساكين عند الموت بأكثرمن الثلث.
أخبروني لوكان الناس كلهم كما تريدون زهاداً لا حاجة لهم في متاع غيرهم فعلى من كان يُتصدق بكفارات الأيمان والنذور والصدقات من فرض الزكاة من الابل والغنم والبقر وغيرذلك من الذهب والفضة والنخل والزبيب وسائرها قد وجبت فيه الزكاة، إذا كان الأمرعلى ما تقولون لا ينبغي لأحد أن يحبس شيئاً من عرض الدنيا الا قدمه، وان كان به خصاصة، فبئس ما ذهبتم اليه، وحملتم الناس عليه من الجهل بكتاب الله وسنة نبيه وأحاديثه التي يصدقها الكتاب المنزل، وردكم إياها بجهالتكم وترككم النظرفي غرائب القرآن من التفسير بالناسخ من المنسوخ، والمحكم والمتشابه والأمروالنهي.
وأخبروني أنتم عن سليمان بن داود (عليه السلام)حيث سأل الله ملكاً لاينبغي لأحد من بعده,فأعطاه الله ذلك وكان يقول الحق ويعمل به ثم لم نجد الله عاب عليه ذلك ,ولا أحداً من المؤمنين,وداود قبله في ملكه وشدة سلطانه.ثم يوسف النبي حيث قال لملك مصر "اجعلني على خزائن الأرض أني حفيظ عليم "فكان من أمره الذي كان (ان)اختار مملكه الملك وماحولها الى اليمن، فكانوا يمتارون الطعام من عنده لمجاعة أصابتهم ,وكان يقول الحق ويعمل به ,فلم نجد أحداً عاب ذلك عليه.
ثم ذوالقرنين عبد أحب الله فأحبه ,طوى له الأسباب وملكه مشارق الأرض ومغاربها وكان يقول بالحق ويعمل به ثم لم نجد أحداً عاب ذلك عليه.
فتأدبوا أيها النفر بآداب الله للمؤمنين، واقتصروا على أمر الله ونهيه، ودعوا عنكم مااشتبه عليكم مما لاعلم لكم به,وردوا العلم ألى أهله تؤجروا,وتعذروا عند الله,وكونوا في طلب علم الناسخ من القرآن من منسوخه,ومحكمه من متشابهه,وما أحل الله فيه مما حرم ,فانه أقرب لكم من الله وأبعد لكم من الجهل,ودعوا الجهاله لأهلها,فان أهل الجهل كثير وأهل العلم قليل وقد قال الله:"فوق كل ذي علم عليم ".
3/وعندما سئل الامام الصادق (عليه السلام)عن كل بعض أئمة التصوف في عهده نعته الامام (عليه السلام)بفساد المذاهب, فقد روي عن الامام أبي محمد الحسن العسكري انه قال:سئِل أبوعبد الله الصادق (عليه السلام)عن حال أبى هشام الكوفي ؟
قال:انه كان فاسد العقيدة جداً,وهوالذي ابتدع مذهباً يقال له:التصوف وجعله مفراً لعقيدته الخبيثة (وفي بعض النسخ:مفراً لنفسه الخبيثة)وأكثر.
الملاحدة,وجُنة لعقائدهم الباطلة.
موقف الامام الرضا(ع)من التصوف
ولم يزل أئمة الهدى بعد الامام الصادق (عليه السلام)يحذرون الأمة من هذا الاتجاه الخطير و بالذات الامام الرضا الذي وجد فرصة مناسبة لمقاومة الاتجاهات الدخيلة، ومنها التصوف من خلال ولايته للعهد في عهد المأمون العباسي، فيما يلي بعض النصوص المأثورة عنه (عليه السلام):
1/ روي، عن الامام الرضا لا يقول بالتصوف أحد الالخدمة أوضلالة أو حماقة.
2/ روي أن قوماً من المتصوفة دخلوا بخراسان على علي بن موسى (عليهما السلام) فقالوا له:ان أميرالمؤمنين (عليه السلام) فكرفيما ولاه الله من الأمور فرأكم أهل بيت اولى الناس أن تؤموا الناس,ونظر فيكم أهل البيت فرآك أولى الناس بالناس,فرآى أن يرد هذا الأمر إليك,والامامة تحتاج الى من يأكل الجشب,ويلبس الخشن,ويركب الحمار,ويعود المريض.
فقال لهم:إن يوسف كان نبياً يلبس أقبية الديباج المزردة بالذهب,ويجلس على متكآت آل فرعون ويحكم,إنما يراد من الامام قسطه وعدله:اذا قال صدق,وإذا حكم عدل,وإذا وعد أنجز,إن الله لم يحكم لبوساً ولامطمعاً,ثم قرأ:
"قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق".
موقف الامام الهادي (عليه السلام)من التصوف
وكان الامام الهادي (عليه السلام)جالساً في مسجد الرسول(ص)إذ أتاه جماعة من أصحابه,منهم أبو هاشم الجعفري (رضي الله عنه)وكان رجلاً بليغاً,وكانت له منزلة عظيمة عنده (عليه السلام).ثم دخل المسجد جماعة من الصوفية وجلسوا في جانب مستديرين,وأخذوا بالتهليل,فقال (عليه السلام):
لاتلتفوا الى هلؤلاء الخداعين,فانهم حلفاء الشياطين ومخربو قواعد الدين,يتزهدون لراحة الأجسام,ويتهجدون لتصيد الأنعام,يتجوعون عمراً حتى يريخوا الأكياف حمراً,لايهللون الا لغرور الناس,ولايقللون الغذاء الا لمنع العساس,واختلاس قلب الدفناس يتكلمون الناس باملائهم في الحب,ويطرحونهم بادلائهم في الجب,أورادهم الرقص والتصدية,وأذكارهم الترنم والتغنية,فلا يتبعهم إلا السفهاء ولايعتقد بهم إلا الحمقاء,فمن ذهب الى زيارة أحد منهم,حياً أو ميتاً,فكأنما أعان يزيد ومعاوية وأبا سفيان,فقال له رجل من أصحابه (الامام)(عليه السلام):وإن كان معترفاً بحقوقكم؟قال:فنظر اليه شبه المغضب وقال:دع ذا عنك,من اعترف بحقوقنا لم يذهب في عقولنا,اما تدري:إنهم أخس طوائف الصوفية,والصوفية كلهم من مخالفينا,وطريقتهم مغايرة لطريقتنا,وان هم الا نصارى ومجوس هذه الأمة,أولئك الذين يجهدون في اطفاء نور الله,والله يتم نوره ولو كره الكافرون.
موقف الامام العسكري (ع)من التصوف
روي عن الامام الحسن العسكري (ع)انه قال لأبي هشام الجعفري,ياأبا هشام!سيأتي زمان على الناس وجوههم ضاحكة مستبشرة,وقلوبهم مظلمة منكدرة,السنة فيهم بدعة,والبدعة فيهم سنة,المؤمن بينهم محقر,والفاسق بينهم موقر,امراؤهم جائرون,وعلماؤهم في ابواب الظلمة سائرون,أغنياؤهم يسرقون زاد فقراءهم,واصاغرهم يتقدمون على الكبراء,كل جاهل عندهم خبير,وكل محيل عندهم فقير,لايميزون بين المخلص والمرتاب,ولايعرفون الظأن من الذئاب,علماؤهم شرار خلق الله على وجه الأرض,لأنهم يميلون الى الفلسفة والتصوف,وأيم الله:انهم من أهل العدوان والتحرف,يبالغون في حب مخالفينا,ويضلون شيعتنا وموالينا,فان نالوا منصباً لم يشبعوا,وإن خذلوا عبدوا الله على الرياء,ألا أنهم قطاع طريق المؤمنين والدعاة الى نحلة الدين,فمن أدركهم فليحذر منهم وليصن دينه وايمانه.
ثم قال (عليه السلام):ياابا هشام!هذا ماحدثني أبي عن آبائه عن جعفر بن محمد (عليه السلام)وهو من أسرارنا فاكتمه الا عند أهله.
موقف العلماء من التصوف
ووقف علماء المسلمين موقفاً مشرفاً ضد كل التيارات الدخيلة ومنها التصوف,ولايسعنا في هذه العجالة أن نسرد كل تصريحاتهم,إلا اننا سنذكر فيما يلي جانباً من أقوالهم في ذلك.
المقدس الأردبيلي يهاجم التصوف
في ذات الوقت الذي شهد التصوف امتداداً له في بلاد الشرق الأوسط وبالذات في ظل سلالة الصفوية في ايران.بزغ نجم واحد من أعظم علماء الاسلام (أحمد بن محمد الآذربايجاني)المعروف بالمقدس الآردبيلي (المتوفي 933)الذي ألف كتاب "حديقة الشيعة"في الرد على الصوفية.وقد قسم مذاهبهم الى:(1)حمولية,(2)إتحادية ,(3)عشاقية,(4)واصلية.ويقول صاحب الكتاب إن أكثر علماء الشيعة,مثل الشيخ المفيد وابن بابويه,قالوا عن الصوفية:"اين دو طائفة ضاله راخواه حلوليه باشند وخواه اتحاديه از غلات شمروه اند"وترجمتها :"هذه الطائفة الضالة سواء منهم الحلولية أو الاتحادية,هم من الغلاة".
ويحمل خصوصاً على القائلين بالاتحاد من الصوفية المتأخرين,مثل محي الدين بن عربي وعبد الرزاق الكاشاني وشيخ عزيز النسفي,وينعتهم بالكفر والزندقة.
ويكرس فصلاً آخر للهجوم على الملامتية,وآخر ضد الالهامية,وآخر ضد التلقينية,وبالجملة فانه في هجومه على الصوفية والتصوف,يعد المناظر الشيعي "لتلبيس ابليس"من جانب اهل السنة.وينقل عن صاحب كتاب"بيان الأديان"قوله إن أصل القول بالحلول والاتحاد مأخوذ عن الصابئة والنصارى,وخصوصاً الاخرين.ثم يربط ربطاً وثيقاً بين الباطنية وبين الصوفية.
ومما يحتج به المؤلف على موقف قدماء علماء الشيعة ضد التصوف أن الشيخ المفيد صنف كتاباً"موسوماً بكتاب الرد على الحلاج"والشيخ المفيد "أبو عبد الله محمد بن محمد العكبري"توفي في سنة 413ه (1022)م وكتابه هذا في الرد على الحلاج مفقود,ولكن ذكره ابن حمزة تلميذ الطوسي (المتوفى سنة 459)في "الهادي الى النجاة من جميع المهلكات"وغيره.
آية الله المرعشي يهاجم التصوف
من مراجع مدينة قم المقدسة,من تصدى للتصوف بقوة,فقد بين سماحة آية الله العظمى العلامة السيد شهاب الدين النجفي في كتابه "إحقاق الحق".
"عندي ان مصيبة الصوفية على الاسلام من أعظم المصائب,تهدمت بها أركانه وانثلم بنيانه وظهر لي بعد الفحص الاكيد والتجول في مضامير كلماتهم والوقوف على مافي خبايا مطالبهم والعثور على مخبياتهم بعد الاجتماع برؤساء فرقهم ان الداء سرى الى الدين من رهبة النصارى فتلقاه جمع من العامة كالحسن البصري والشبلي ومعروف وطاووس والزهري وجنيد ونحوهم ثم سرى منهم الى الشيعة حتى رقى شأنهم وعلت راياتهم بحيث ماابقوا حجراً من أساس الدين,أولوا نصوص الكتاب والسنة وخالفوا الاحكام الفطرية العقلية والتزموا بوحدة الوجود,بل الموجود وأخذ الوجهة في العبادة والمداومة على الاوراد المشحونة بالكفر والاباطيل التي لفقتها رؤساؤهم وإلتزامهم بمايسمونه بالذكر الخفي القلبي شارعاً من يمين القلب خاتماً بيساره معبراً عنه بالسفر من الحق الى الخلق تارة,والتنزل من القوس الصعودي الى النزولي أخرى وبالعكس معبراً عنه بالسفر من الخلق الى الحق والعروج من القوس النزولي الى الصعودي اخرى فيالله من هذه الطامات...
ورأيت بعض من كان يدعى الفضل منهم,يجعل بضاعة ترويج مسلكه امثال مايعزى اليهم (عليهم السلام)"لنا مع الله حالات فيها هو نحن ونحن هو"وما درى المسكين في العلم والتتبع والتثبت والضبط ان كتاب مصباح الشريعة وما يشبهه من الكتب المودعة فيها امثال هذه المناكير مما لفقتها أيادي المتصوفة في الأعصار السالفة وابقتها لنا تراثاً...
ثم أن شيوع التصوف وبناء الخانقاهات كان في القرن الرابع حيث ان بعض المرشدين من اهل ذلك القرن لما رأوا تفنن المتكلمين في العقائد فاقتبسوا من فلسفة (فيثاغورس)وتابعيه في الالهيات قواعد وانتزعوا من لاهوتيات اهل الكتاب والوثنيين جملاً وألبسوها لباساً اسلامياً فجعلوها علماً مخصوصاً ميزوه باسم علم التصوف أو الحقيقة أو الباطن أو الفقر أو الفناء أو الكشف والشهود.وألفوا وصنفوا في ذلك كتباً ورسائل وكان الامر كذلك الى ان حل القرن الخامس ومايليه من القرون,فقام بعض الدهاة في التصوف فرأوا مجالاً رحباً وسيعاً لأن يحوزوا بين الجهال مقاماً شامخاً كمقام النبوة,بل الالوهية باسم الولاية والغوثية والقطبية بدعوى التصرف في الملكوت بالقوة القدسية,فكيف بالناسوت,فوسعوا فلسفة التصوف بمقالات مبنية على مزخرف التأويلات والكشف الخيالي والاحلام والاوهام فألفوا الكتب المتظافرة الكثيرة ككتاب التعرف والدلالة والفصوص وشروحه والنفحات والرشحات والمكاشفات والانسان الكامل والعوارف والمعارف والتأويلات ونحوها من الزبر والاسفار المحشوة بحكايات مكذوبة وقضايا لامفهوم لها البتة...
فلما راج متاعهم وذاع ذكرهم وراق سوقهم ,تشبعوا فرقاً وأغفلوا العوام والسفلة بالحديث الموضوع المفترى :"الطرق الى الله بعدد انفاس الخلائق"..
عصمنا وإياكم من تسويلات نسجة العرفان وحيكة الفلسفة والتصوف وجعلنا وإياكم ممن أناخ المطية بأبواب اهل بيت رسول الله(ص)ولم يعرف سواهم آمين آمين".
ابن الجوزي يهاجم التصوف
وأوسع هجوم من جانب أهل السنة على التصوف والصوفية هو ماقام به أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي (المتوفى سنة 597 ه)في كتابه المشهور باسم "تلبيس ابليس"(البابان العاشر والحادي عشر,ص 155-373).وها نحن نلخص المآخذ التي أخذها أهل السنة (بالمعنى الواسع جداً)على التصوف والصوفية,كما يذكرها ابن الجوزي:
1/ إنهم انصرفوا عن العلم الى العمل,وانصرفوا عن علم القرآن والحديث الى المواعظ والخطرات.
2/ إنهم قالوا بالحلول.
3/ إنهم تجاوزوا الحدود في أمور العبادات :في الطهارة والصلاة.
4/ إنهم دعوا الى الخروج عن الأموال والتجرد عنها.
5/ إنهم اتخذوا ملابس خاصة,مثل لبس الصوف ولبس الخرق والمرقعات.
6/ إنهم اتخذوا أوضاعاً خاصة في الطعام.
7/ إنهم اصطنعوا السماع والرقص واستدعاء الوجد.
8/ إنهم أولعوا بصحبة الأحداث والنظر الى المرد.
9/ إنهم دعوا الى التوكل وقطع الأسباب وترك الاحتراز في الأموال وترك التداوي.
10/ إنهم آثروا الوحدة والعزلة والانفراد عن الناس,وفضلوا عدم الزواج على الزواج,ودعوا الى ترك طلب الأولاد حين الزواج.
11/ دعوا الى السياحة "لا الى مكان معروف ولاالى طلب علم,وأكثرهم يخرج على الوحدة ولايستصحب زاداً,ويدعي بذلك الفعل التوكل".
12/ الشطح والدعاوي وادعاء الكرامات والمخاريق والشعبذة.
ويستشهد على خروج الصوفية عن السنة في هذا بما وقع لبعضهم من وقائع تدل على انكار الفقهاء,واهل الدين عليهم ذلك,فيذكر أن ذا النون المصري انكر عليه سلوكه وآراءه عبد الله بن عبد الحكم وكان رئيس قضاة مصر,وهجره لذلك علماء مصر ورموه بالزندقة.وأخرج أبو سليمان الداراني من دمشق لأنه كان يزعم :أنه يرى الملائكة وأنهم يكلمونه.وشهد قوم على أحمد بن أبي الحواري أنه يفضل الأولياء على الأنبياء,فهرب من دمشق الى مكة.وأنكر أهل بسطام على أبي يزيد البسطامي ماكان يقول,حتى إنه ذكر للحسين بن عيسى أنه يقول :لي معراج كما كان للنبي (ص)معراج ,فاخرجوه من بسطام,وأقام بمكة سنتين,ثم رجع الى جرحان فأقام بها الى أن مات الحسين بن عيسى,ثم رجع الى بسطام.قال السلمي:وحكى رجل عن سهل بن عبد الله التستري أنه يقول :إن الملائكة والجن والشياطين يحضرونه .وانه يتكلم معهم.فأنكر ذلك عليه العوام حتى نسبوه الى القبائح,فخرج الى البصرة فمات بها.قال السلمي:وتكلم الحارث المحاسبي في شيء من الكلام والصفات,فهجره أحمد بن حنبل,فاختفى,الى أن مات.
وكذلك يذكر أن علماء العصر-عصر الحلاج-اتفقوا على إباحة دمه.
المصدر:العرفان الاسلامي بين نظريات البشر وبصائر الوحي.

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم   || موسوعة الفكر الإسلامي