موسوعة المصطلحات والمفاهيم || موسوعة الفكر الإسلامي

الاسلام من حيث قيمه الدينية
محمد أركون / لوي غارديه/ ترجمة :علي المقلد



المسلم يعي ذاته على أنه عضو في أمّة محمد. والشيء الذي يعطيه هويته هذه، ليس هو عرقه ولا لغته الثقافية، ولا المسار التاريخي لبلده الذي يعيش فيه، بل حقيقة إيمانه. وإلى جانب المظهر الأرضي للأمّة يقوم
ويجب أن يقوم في قلب المؤمن وعي داخلي للقيم الدينية.
الاسلام في الهامه العميق، ليس فقط "مثل أعلى عياني ما وراء تاريخي" إنه بصورة أساسية موقف الانسان المخلوق تجاه الله خالقه، الحاكم الرحمان.
الى جانب الشهادة المزدوجة في الاسلام: الله الواحد الأحد الفرد الصمد، الذي أنزل رسالته السامية (بلسان عربي مبين) (القرآن 16، 103) على نبيه محمد، إلى جانب هذه الشهادة المزدوجة يجب الايمان المطلق
بالكلام الإلهي والتسليم لله: إنه ايمان واسلام.
الايمان
الايمان يعني الاطمئنان والثقة. والايمان تُشتَق منه ثلاث كلمات هي الأمان: السلامة، والأمانة: الوفاء، والأمن: السلام، والسلم. والله بحكمه قضى بأن يزرع في قلب المؤمن به الامان والطمأنينة في النفس (القرآن
89، 27_28) التي هي حالة المؤمن والايمان شهادة. إنها الاقرار بالشهادة في أعماق النفس، إنها الشهادة المعلنة أمام الناس بالقول والفعل.
وبحسب المدارس، يتم التركيز مرة على الأفعال: فَمن يكفر بتعاليم القرآن عن قصد ظاهر يخرج من الاسلام (الخوارج والمعتزلة). ومرة بالقول وبفعل نطق اللسان الذي يجهر أمام الله والناس (الحنفية والماتريدية)
ومرة بالقول اللفظي وبالفعل معاً (الحنابلة). ومرة في تصديق القلب ويقينه (الأشعرية). يقول العلماء الأشاعرة: ايمان القلب هو محور الايمان. ونطق اللسان هو شرط الايمان، إلاّ في حال المنع، واعمال الطاعات
المنفذة بروح الايمان هو التمام والكمال. وباجتماع هذه العناصر الثلاثة مجتمعة ومرتبة يحدد الغزالي الايمان.
قلّما توجد رسالة تبحث في أصول الدين أو في "علم الكلام" أو في أصول الشريعة، ولا تخصص فصلاً للايمان. لأن الايمان هو بذاته مخلّص ومُنجٍ. ويرى أهل السنة، وهم الكثرة، أن المسلمين المذنبين العصاة، إن
ظلوا على ايمانهم، وإن لم يتوبوا، يمكن أن يُعذّبوا في النار لفترة يقضي بها الله. ويمكن أن ينالوا عفو الله الرحيم. وعلى كل فإنهم يدخلون الجنة بصورة نهائية. يقول حديث: "إن الذين في قلبهم ذرة من ايمان ينجون
من النار" (صحيح البخاري، الايمان، 33)
وهنا يختلف الأمر بين الاسلام والمسيحية. إذ في المسيحية لابدّ من الايمان ومن الأعمال _ وعلى كلّ لا تطرح المسيحية الاشكالية نفسها. في الاسلام يقول الخوارج والمعتزلة بأن أصحاب الكبائر، إن لم يتوبوا، هم
في النار مخلدون. ويرون أن الخلاص والعفو يتطلّب الايمان والأعمال الصالحة. لأن هذه الأعمال هي من صميم الايمان، بل هي الايمان. وإذا كان الماتريدية والحنابلة يعرّفون الايمان بالاعلان باللسان، والأشاعرة
بمصادقة القلب، فلا يعني ذلك أن الايمان في نظرهم هو مجرد عبارة ملفوظة، أو هو مجرد عمل داخلي لا رابط له بخارج الحياة. إن فعل اللسان أو القلب لا يصلح إلاّ بالاخلاص. وهذا الأخلاص يجعل المعاصي
المرتكبة نسبية _بشرط أن لا تكون تنكراً مقصوداً لكلام الله. وبقول آخر: يتفق الفقهاء في الاسلام على أن الايمان بالوحدانية وبرسالة محمد منجٍ. واختلافهم يدور حول تحليل فعل الايمان والعناصر التي تكوّنه.
لا يوجد في الاسلام، "خطايا مميتة" و "خطايا عَرَضية". هناك الكبائر وهناك الصغائر. والكبائر هي التي يعاقب الله عليها ومصيرها مرهون بعفوه ورحمته. أما الذنب الذي لا ذنب بعده ولا غفران معه فهو الشرك
بالله أي انكار الايمان بالله وبالقرآن وبالنبي. ومَن يفعل ذلك فهو مخلّد في النار إن لم يتب. ولكن كل معصية أخرى تظل مغفورة، حتى ولو لم يتب صاحبها، بفضل الله ورحمته. لأن الله هو الرحمان الرحيم _وهو
الغفور الغفار. والاخلاق في الاسلام، لمَن أراد أن يعيش أوامره، شديدة صارمة. ولكنها فيما خصّ الخلاص الأبدي تقع في وضع خاص جداً بين الله والمخلوق. إن عمل الانسان مهما كان لا يصل إلى الله. يقول لويس
ماسينيون وهو يلخص موقف الايمان في الاسلام: "إن الله ليس بمتناول الناس" (مقال بعنوان "الخلاص في الاسلام" في مجلة شباب الكنيسة، 7)، إن الانسان مخلوق ضعيف (القرآن، 4،28،30،54)، "شرّفه الله"
(17،40) بفضله وهداه. إنه كائن من حمأ ومن دم، إنه بذاته لا يستطيع إلاّ الهبوط، ولكن الله خلقه ليعبده (51،56). والله وحده يهديه الى الصراط المستقيم. من هنا كان الايمان "الايمان الخالص، الصافي من كل
شك، الهدية الوحيدة التي يمكن أن تُهدى إلى الله". (لويس ماسينيون، نفسه).
الاسلام
إن شعور الانسان المزدوج بضعفه الذاتي وبجلال عطاء الله لا يمكن إلاّ أن يحمل الانسان على التسليم كلياً لارادة الله العظيم ومشيئته وحكمته ورحمته. هذا التسليم هو المعنى الصحيح لكلمة اسلام. انه ليس تسليم
الخائف، ولا هو تسليم جبر، بل هو الثقة الايجابية العمياء، ثقة مَن يعلم أنه أخذ كل شيء من سيده وخالقه. إن العلاقة بين الاسلام والايمان مسألة أثارت الكثير من النقاش والجدل. واختلفت الاجوبة، من جهة بحسب
تحليل فعل الايمان، ومن جهة أخرى، من حيث مفهوم الاسلام هل هو المفهوم الاول، أم هو دين مقرر ومؤسس. ونضيف، في الحالة الاخيرة، إن الاسلام لا يفقد مفاهيمه التي تشتق من تسميته.
لأن الاسلام بمعناه التسليم للعلي، يظهر ويجب أن يظهر، في عيون الناس، بالتسليم "لكلام الله" واطاعة أوامره ونواهيه، وبالالتزام المخلص لهذه الأوامر والنواهي. الاسلام هو فعل الايمان. وكثيرون هم العلماء الذين
يرون في الايمان والاسلام صنوين أو على الأقل متقابلين. والمسلم الحق لا يكون مسلماً بحق إلاّ إذا كان مؤمناً. والايمان الحق لا يمكن إلاّ أن يؤدّي الى التسليم الذي يتطلّبه الاسلام.
وكلمة اسلام كثيراً ما ترد في نص القرآن (49،14) (قالت الأعراب آمنا، قل لم تؤمنوا ولكن قولوا اسلمنا. ولمّا يدخل الايمان في قلوبكم). أسلمنا أي سلّمنا، أي دخلنا في ملّة النبي دون أن تؤمن بها قلوبنا. يقول
الشرّاح: إن هذا يعني الخداع والنفاق. والمنافقون يتهددهم القرآن بالعذاب الأليم في الاخرة. إن الاسلام بدون الايمان لا ينجي. وليس كل اسلام ايمان يقول الأشاعرة، تمشياً مع معتقد أولهم أبي الحسن الأشعري (انظر.
أبو الحسن الأشعري، مقالات الاسلاميين القاهرة، بدون تاريخ. ص 322) ولكن إذا كانت معاني الكلمتين تختلف فإن الحقائق التي تحتويانها تنزع إلى التماثل في ذهن مَن يعلمهما. يقول الأحناف الماتريدية: إذا كان
المعنيان غير متشابهين فإنهما يتداعيان ويتكاملان في معنى الدين الذي يجمعهما.
لأن الاسلام الحق والايمان الحق يقتضيان النية الصادقة، فإن الفقهاء والعلماء، والكتّاب الروحيين يركزون كثيراً على النية. والنية الصادقة مطلوبة في كل طاعة. وكل صلاة يجب أن تكون مسبوقة بالنية. إن مادية
الاعمال تظهر الانسان مسلماً في نظر الناس، أمّا النية فتعطي هذه الأعمال قيمة أمام الله. والنية الصادقة سبيل إلى الاخلاص، وهو الانصراف إلى الله في القصد، والاخلاص للجماعة، اخلاصاً كاملاً بدون أي دافع
أناني ولا مطمع دنيوي والاخلاص المعاش أبداً في الذات يؤدّي إلى حالة الاحسان.
--------------------------------
المصدر : عن الاسلام، الامس والغد

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم   || موسوعة الفكر الإسلامي