إن الخروج عن الزمن الذي أتى به محمد (ص) إلى الإسلام يتمثل في
((القرآن)) غير أن الحياة النبوية تتطلب أيضاً خروجاً خاصاً عن
الزمن ومن هذا الخروج الزمني الحياتي يكون في الكشف عن علم السماء
من
قبل الله إلى النبي (ص) كإعجاز ترابطي أيضاً إلى الوحي الهابط
الصاعد ين الله والنبي (ص) وبذلك يكون للنبي (ص) علم نبوي عن ذاك
العالم الماورائي الموجود بعد الطبيعة المادية. صحيح أن القرآن
صريح جداً
في الإجابة على أسئلة المسلمين المتعلقة بالعالم الغيبي حيث جاء في
القرآن: (يسألونك عن الغيب قل إن علم الغيب عند ربي). ومع هذا فإن
الله قد منَّ على نبي الإسلام أن يعرج إلى السماء ويطلع على العالم
الماورائي وتكون رؤياه للغيب عن يقين. ولكن هذه الرؤيا سوى كانت
بالعامل الروحي أو الجسدي فإن ذلك ليس بصعوبة على الله القادر على
كل شيء قدير بأن يجعل تلك الرؤيا بقوى روحية أو جسدية. ولكن تكون
عكس ذلك في العالم الطبيعي حيث هبوط الوحي لإلقاء آية قرآنية معينة
على النبي (ص) تكون غشاوتها روحية محضة.
مثال بسيط على ذلك عندما يتغشى الوحي على النبي (ص) يكون النبي (ص)
في حالة غيبوبة ويتساقط منه عرق كالجمان ـ أي كاللؤلؤ ـ وفي مرة
كان النبي محمد (ص) جالساً في المسجد بالمدينة وهو بين أصحابه
وإذا به في شبه غفوة إذ تغشاه الوحي جبريل (ع) ثم استفاق النبي (ص)
بعد لحظات لكي يخبر أصحابه ـ الذين قد علموا بأنه في لحظات هبوط
الوحي عليه ـ بنزول آية عليه ويزف لهم بشرى ((حوض الكوثر))
الذي قد منَّ الله به على المسلمين وتمام الآية: (إنا أعطيناك
الكوثر فصلي لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر).
إن هذه الآية شأنها شأن باقي الآيات المنزلة عليه حيث إنها ((خروج
عن الزمن)) الذي يكون موجود فيه النبي (ص). إنه اتصال روحي فوق
المادي. ذلك إن الزمن المتدفق في سبيل آنياته المتوالية دون توقف.
فالآنية الحالية تكون ماضية وما حملته من وجود مادي ليبقى منطبعاً
بها كماضي فات. قد حدث معها وبها الشيء الذي قد حدث وعلى ذلك فإن
اللحظات الآنية الزمنية التي هبط فيها الوحي على النبي محمد (ص)
إنما
تكون قياسها وفق الزمن الحياتي المحدود لها. غير أن الاتصال بين
الوحي جبريل (ع) والنبي محمد (ص) فإنه واقع خارج عن الزمن السائد
في الوجود. لكونه اتصال روحاني والروح لا تخضع إلى آنيات الزمن
لأنها لا مادية.
بقي إن مسألة الرؤيا المستقبلية للغيب ففيها وقفة بسيطة جداً إذ
أنها كذلك خروجاً عن الزمن. فعندما يخبر الرسول محمد (ص) مؤذنه
بلال الحبشي قائلاً له: بأنني قد سمعت دف نعيك في الجنة والرسول
محمد (ص)
وبلال لا يزالان على قيد الحياة الأرضية. فإن هذا الكشف عن الغيب
المستقبلي عن يقين تام تابع إلى المنزلة النبوية إلى محمد (ص) الذي
منَّ الله عليه، لكل تلك الرؤيا اليقينية. أما ((دف نعليك)) فهنا
يمكننا أن نؤول
الأمر إلى تقريب المفهوم المادي الذي كان يتميز به بلال الحبشي في
صوت نعله وهو يمشي. ونقل هذا الصوت إلى السماء في الجنة. فإنها
صورة يبشر فيها النبي (ص) مؤذنه بلال لسماعه ذلك الصوت.
وهنالك حالات كثيرة أخرى منها أن الرسول (ص) مر على أحد القبور
فوضع عليه غصناً وسألوه الصحابة عن سبب ذلك فقال لكي يخفف عنه عذاب
القبر لأه كان يتبول وهو واقف. معنى هذا أن محمد (ص)
يشاهد العذاب الذي يجري وفق قواه الروحية. وعن طريق هذا المسلك
يكون خروجه عن الزمن في الكشف عن الغيب.
وحالة أخرى عندما توفي أحد الصحابة حملوا المسلمين النعش وإذا
بالرسول محمد (ص) يسير معهم وعلى أطراف أصابع قدميه. فاستغرب
الصحابة وسألوه فأجاب بأن المكان ضيق نظراً لازدحام الملائكة في
رفع
التابوت معهم. وأيضاً في الصلاة عندما كرر أحد الصحابة قول بحق
الله. إذ بعد الصلاة سأل محمد (ص) عن مَن قال ذلك. فأجابه الصحابي
المعني وإذا بالرسول يخبره بأنه قد تسارع على كتابتها جموع من
الملائكة.
وغيرها الكثير من الحالات التي تعني بأن الكشف عن الغيب في علم
السماء إلى النبي محمد (ص) إنما هي خروج عن الزمن وبطريق روحي محض.
وهنالك حالة أخرى مهمة جداً نود أن نذكرها هنا لأنها تؤيد ما نبغي
الوصول إليه من الناحية الروحية للنبي (ص) بالخروج عن الزمن بالكشف
عن علم السماء الغيبي. ذلك أن محمد (ص) قد طلب مرة من الوحي
جبريل أن يشاهده وهو أي النبي (ص) في تمام قواه المادية. والذي حدث
ما إن تم للنبي (ص) ما أراد حتى غشي عليه من شدة عظمة ما رآه حيث
إن قواه المادية لم تتحمل بالمرة القوى الروحية التي قد ضلت عليه
ويقول (ص) عن ذلك: بأن جبريل قد سد الأفق.
بقي إن مسألة هذا الخروج الذي حدث بين الوحي والنبي (ص) بمعزل عن
الناس أجمعين. وكيف كان ذلك وجبريل قد سد الأفق دون أن يشعر به أحد
من العالمين. فهنا يكون الخروج للوحي خروجاً ملائكياً إلى النبي
(ص) الذي لم تتحمل قواه الجسدية عظمة ما رآه. ولم يكن إلى أحد غيره
وبالتالي نصل إلى أن الخروج عن الزمن الذي يكون إلى محمد (ص) إنما
يكون روحياً ليس غير.
أما عن حالة ظهور جبريل بجسد مادي ذلك لكي تكون تمام المشاهدة
المرئية وفق قوى يتحملها النبي (ص) ومَن يكون معه من آل بيته أو
أصحابه. كما روى مسلم عن عمر بن الخطاب (رض) قال: بينما نحن جلوسُ
عند رسول الله (ص) إذ طلع علينا رجل شديدُ بياض الثياب شديد سواد
الشعر لا يُرى عليه أثرُ سفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي
(ص) فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وقال يا محمد
أخبرني عن الإسلام فقال رسول الله (ص): الإسلام أن تشهد أن لا إله
إلا الله وأن محمداً رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم
رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا. قال صدقت فعجبنا له يسأله
ويُصدقه. قال فأخبرني عن الإيمان قال أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه
ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره. قال صدقت. فأخبرني عن
الإحسان. قال أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
قال
فأخبرني عن الساعة. قال ما المسؤول عنها بأعلم من السائل. قال
فأخبرني عن آماراتها. قال إن تلد الأمة ربتها وإن ترى الحفاة
العراة العالة رعاءَ الشاءِ يتطاولون في البنيان. ثم انطلق فلبثت
ملياً ثم قال يا عمر
أتدري من السائل قلت الله ورسوله أعلم قال فإنه جبريل أتاكم يعلمكم
دينكم.
وروى مسلم أيضاً عن ابن عباس عنهما قال: بينما جبريلُ (ع) قاعد عند
النبي (ص) سمع نقيضاً ـ أي صوتاً ـ من فوقه فرفع رأسه فقال هذا باب
من السماء فتح اليوم ولم يفتح قط إلا اليوم فينزل منه ملك فقال هذا
ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط غلا اليوم فسلم وقال أبشر بنورين
أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة لن
تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته.
المصدر : الخروج عن الزمن