موسوعة المصطلحات والمفاهيم || موسوعة الفكر الإسلامي

صورة التفكير في الخطاب الديني
فيصل العوامي



حينما ثبط الدين بمختلف السبل عن اتباع الغير وتقليده بلا علم ودراية، فإنه من الجانب الآخر شجع على التفكير، وأرشد إليه على طول صفحات القرآن الكريم، هذا عدا عن التواصل في هذا الإرشاد الملحوظ في
الروايات الصادرة عن الرسول (ص) وأهل بيته الكرام.
ولو نتأمل في الآيات المباركة، ونتابع سياقها، لا نجد مجرد حثّ على التفكير، وإنما نلاحظ وجود نغمة تشجيعية، خاصة في بعض الاستخدامات التي وردت فيها صيغ مثل (لعلكم) ... فكأن هذا الاستخدام يستبطن
تشجيعاً نحو شيء، لأن مفاده أن كل ما أشير إليه من موجودات أو أحكام ـ والذي عادة يسبق (لعلكم)، إنما وضع أمام الانسان لعله ينفصل به ويتفاعل معه فيعمل فكره فيه وفي خلفياته.
كما في قوله تعالى: (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون) البقرة/ 219.
ففي هذه الآية استعراض لبعض القيم والأحكام، ولكن الاستعراض ليس سطحياً وإنما فيه بعض الإشارات الخفية التي بطبيعتها تدفع الانسان نحو التأمل ... فالآية عندما تعرضت للخمر لم تقل جيد أو قبيح فقط، وإنما
ذكرت شيئاً يثير عقل المستمع، حيث بينت بأنه فيه بعض المضار وبعض المنافع، ولكن مع ذلك فإنه مضاره أكبر من نفعه ... فهذا طبيعياً يجعل الانسان يفكر ويتساءل مع نفسه ما هي تلك المنافع وما هي المضار،
ولماذا أصبح نفعه أقل من ضرّه، وإذا كانت المنافع أقل من المضار فماذا يترتب على الانسان وكيف ينبغي أن يكون موقفه ... وهكذا؟
وهكذا أيضاً عندما مرّت الآية على ذكر القيمة (العفو) فالمعروف إن الانسان إذا أراد الإنفاق فإنه عادة ينفق المال والمؤونة ... ولكن الآية أمرت الرسول (ص) إذا سئل من قبل قومه عن الإنفاق، بأن لا يرشدهم إلى
إنفاق المال، وإنما يرشدهم إلى إنفاق العفو والتسامح فلماذا العفو وليس المال وكيف ينفق العفو ... إلخ؟ ... وذلك بطبيعته أيضاً يدفع العقل للتساؤل والبحث عن الإجابة.
لهذا نجد الآية خُتمت بقوله تعالى (لعلكم تتفكرون) ... وكأنها تخاطب القارئ، بأنه إنما أشير لهذه الدقائق في الأحكام والقيم لعلك تلتفت وتتفكر ... فهي ليست حثاً على التفكير وإنما دفع وتشجيع على ممارسته حتى في
أهداف وتداعيات الأحكام والقيم لما فيها من عمق.
كذلك يقول الباري تعالى في سورة الحشر: (ولو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون) الحشر/ 21.
إذ في هذه الآية إثارة بليغة جداً لكل مستمع وقارئ، وقد تمثلت هذه الإثارة في الإشعار بأن هذا القرآن الذي هو عبارة عن حروف وكلمات مدونة في قراطيس، فيه من النور الإلهي والعظمة الربانية ما لو وجهت إلى
جبل أشم فولاذي الصخور، فإنه سرعان ما يتصدع من خشية الله سبحانه وتعالى.
فكيف تفعل قراطيس محبّرة مثل هذا الفعل العظيم ... ثم إذا كان الجبل الفولاذي يتصدع، فكيف بعقل الانسان؟ ... إن هذا التمثيل في الآية لا شك يثير ذهنية القارئ والمستمع لها، فيدفعه للتساؤل، والبحث عن إجابة،
ثم التفكير فيما يترتب عليه هو من آثار ... ولهذا ينتهي الخطاب في الآية المباركة بقوله تعالى: (وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون).
ولا يخفى ما في الآية من تشجيع على التفكير ... فالآية تثير عقل الانسان بالمثال ـ ما هو ملاحظ في آيات كثيرة ـ عسى أنه يلتفت ثم يتساءل ويتفكر للإجابة على تساؤلاته.
كثيرة هي الآيات التي تخاطب الانسان بهذه الكيفية، لمركزية ذلك في مسيرة الانسان نحو الدين، لأنه كلما فكّر كلما تفتحت أمامه الآفاق، ووصل إلى إجابات جذرية تنعكس على تدينه ... وبناءً على ذلك فإننا لا نجد
غرابة فيما إذا وقعت أبصارنا على روايات تشجيعية، اعتبرت لحظات التفكر القصيرة خيراً من فترات العبادة الطويلة جداً ... كالذي ورد عن الإمام علي بن أبي طالب (ع): ((فكر ساعة قصيرة خير من عبادة
طويلة)).
ولا ريب أن هذا التشجيع على التفكير، يستطبن بين ثناياه تثبيطاً عن التقليد ... خاصة أن التفكير هو بذاته نقيض كلي للتقليد ...
فالخطاب الديني إذاً في سياق عرضه لخيار التفكير، شجع عليه بصورة مختلفة ... ثم انتقل الخطاب إلى طريقة دفعية أخرى مهمة جداً، وذلك حين أظهر الثناء والمدح على مَن أعمل عقله وفكر فيما حوله ... فالمتفكر
في ذلك الخطاب انسان متميز بين سائر البشر ...
انظر إلى هذا الثناء البليغ في الآية المباركة: (إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب، الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما
خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار) آل عمران/ 191، وكذلك الرواية التالية الواردة عن الإمام علي (ع): ((التفكر في ملكوت السماوات والأرض عبادة المخلصين)).
فمن يمارس عملية التفكير يعتبر من ذوي الألباب ومن المخلصين، وكفى بهاتين المدحتين مكانة وشرفاً ... ومن هذا المنطلق نجد أن بعض الروايات تعتبر التفكير سمة من سمات العظماء ... فالانسان المتميز
والعظيم المتفوق على سائر من حوله هو المداوم على التفكير، وليس المداوم على العبادة ... فعندما يتحدث عن عظيم يُركز على سمة التفكير فيه، أو عندما يتحدث عظيم عن نفسه فإنه يميز نفسه بالتفكير ...
فعندما يُتحدث عن أبي ذر الغفاري، يوصف بأنه مداوم على التفكير ... كما ظهر ذلك في كلام أمه عنه ... فقد سئلت يوماً عن عبادة ابنها أبي ذر، فقالت: ((كان نهاره أجمع يتفكر في ناحية عن الناس)).
وعندما يتحدث الإمام علي (ع) عن نفسه يقول:
إذا المشكلات تصدّين لي
كشفتُ حقائقها بالنظَرْ
ولستُ بإمّعة في الرجال
أُسائل هذا وذا ما الخَبَرْ
ولكنني مدرب الأصغرين
أبين مع ما مضى ما غَبَرْ
والذي يشعرنا بأن التفكير سمة متميزة عند الانسان، ما نلحظه في الجهة العكسية من تقليل قيمة ومكانة مَن يحجب عقله عن التفكير، ففي بعض الآيات المباركة تعريض ضمني، يمكن ملاحظته بالتأمل، ببعض
الأصناف الذين عاصروا الأنبياء (ع) ولم يتفكروا في حقيقة دعواتهم الإيمانية، كما في قوله تعالى: (أو لم يتفكروا ما بصاحبهم من جِنّة إنْ هو إلا نذير مبين) الأعراف/ 184.
(أو لم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى وإن كثيراً من الناس بلقاء ربهم لكافرون) الروم/ 8.
فهذه الآيات تتضمن أسئلة احتجاجية، فيها تعريض بالذين لا يتفكرون في حقيقة الدعوات السماوية، ولا في ما حولهم من آيات ومخلوقات ليصلوا إلى الحقائق، وإنما جحدوا عقولهم وتنحوا أو قلدوا غيرهم، فوقعوا في
فخ الكفر (الكافرون).
فختمُ الآية بهذه الصفة الخطيرة، دليل نكير على السبب المؤدي إليها وهو الاحتجاب عن التفكير.
هكذا تحدثنا النصوص الدينية عن التفكير، فهي تحث إليه مشجعةً، ومضيفةً ثناءً جليلاً على الممارس له ...
ثم تستمر تلك النصوص في عرضها، فتصل بنا إلى صورة أخرى تبين لنا من خلالها ثمرات عملية التفكير ... ولعل السر في ذلك توجيه الانسان المفكر إلى كيفية الاستفادة من فكره، ومنهجية التفكير الصحيح.
وأول ما تتحدث النصوص في هذا السياق، توجهنا إلى حقيقة مهمة وهي أن التفكير ضرورة أساسية للكشف عن الحقائق، ورفع اللوابس والغوامض التي تخيم على عقل الانسان .. والآيات السابقة فيها اشارة واضحة
إلى هذا المعنى ...
يقول تعالى في الآية السابقة من سورة الروم: (أو لم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السموات والأرض إلا بالحق ... ).
فلو أنهم فكروا بصدق ورويّة، لقادهم فكرهم إلى الله سبحانه من خلال عجائب مخلوقاته كالسماوات والأرض ... ولهذا فإن مَن لا يفكر لا يهتدي إلى حقيقة الوجود الإلهي ...
ولا شك أنه غير معذور ... فكل انسان على نحو الاستقلال مكلّف بأن يفكر، حتى يهتدي إلى الحقائق العقيدية الكبرى ... وهذا مؤدى ما قرره علماء الأصول لدى الفريقين ـ وإن كان ثمة من عارض من غير المشهور
ـ من عدم صحة التقليد في أصول العقائد، ووجوب النظر وتحصيل العلم ولو على سبيل الإجمال.
فهم بعد أن قرروا ما لخصه الميرزا النائيني بقوله: ((لا عبرة بالظن في باب الأصول والعقائد، فإنه لابد فيها من تحصيل العلم وفي الموارد التي انسد فيها باب العلم يمكن الالتزام وعقد القلب بها على سبيل
الإجمال)).
بعد أن قرروا ذلك، انتقلوا لمناقشة إشكالية كفاية التقليد في تحصيل العلم وعدم كفايته، وتقريباً أطبق الأغلب على عدم كفايته، وبالتالي يجب النظر والتفكر بصورة استقلالية ... بل هناك مَن ادعى الإجماع كالعلامة
الحلي على ما يظهر من عبارته في كتابه (الباب الحادي عشر) التي نقلها الشيخ الأنصاري في سياق تقريره لهذا المطلب، حيث قال: ((بقي الكلام في أنه إذا لم يكتف بالظن وحصل الجزم من تقليد، فهل يكفي ذلك أو
لابد من النظر والاستدلال؟ ظاهر الأكثر الثاني، بل ادعى عليه العلامة (قده) في الباب الحادي عشر الإجماع، حيث قال: ((أجمع العلماء على وجوب معرفة الله وصفاته الثبوتية وما يصح عليه وما يمتنع عنه والنبوة
والإمامة والمعاد بالدليل لا بالتقاليد)). فإن صريحة أن المعرفة بالتقليد غير كافية. ومثلها عبارة الشهيد الأول والمحقق الثاني، وأصرح منهما عبارة المحقق في المعارج، حيث استدل على بطلان التقليد ((بأنه جزم في
غير محله)).
فلأن التفكير من شأنه إيصال الانسان إلى الحقائق الكبرى، إذا فكّر بصدق تام، ولو على نحو الإجمال، لم يُكتف بالظن فيها فضلاً عن التقليد ...
هذه ثمرة من أبلغ الثمار التي يمكن انبعاثها من عملية التفكير ... وثمة ثمرة أخرى لا تقل أهمية عن الأولى، وهي كون التفكير طريقاً للتقدم والبناء ... فالفكر من شأنه تحريك العقل للبحث عن سبل البناء الذاتي
والاجتماعي ... لكن كيف يتحقق ذلك؟
إن هذه العملية تتم في جهتين، الأولى منها أن الذات الشخصية ـ وهي نفس الانسان ـ يرين عليها الكثير من التعفنات بفعل الجمود الزمني، فكلما تناساها الانسان كلما تراكمت عليها الإشكالات ... وكذلك حال المجتمع
فإنه إذا تناساه أهله ملأت جوانبه الأضرار ونقاط الضعف ... والسبيل إلى تفادي كل تلك التعفنات الذاتية والاجتماعية، المداومة على التفكير فيها، لأنه يوقظ العقل إلى اقتراب الأخطار منه فيدفعها عنه باستمرار، أو
يكشف له وجودها فيتحرك للقضاء عليها ... وهذا ما تمثل في الخطاب الصادر عن الإمام علي (ع): ((دوام الفكر والحذر يؤمن الزلل وينجي من الغير)).
وأما الجهة الثانية فمفادها أن التوقف ليس يمنع من تطور الذات والمجتمع، وإنما يسحبهما إلى الوراء درجات، لأن الحياة تتطور، وقضاياها تتعدد يوماً تلو آخر، فتحتاج إلى تجديد ومواكبة للتطور، وإذا لم يواكب
الانسان تطور الحياة ويستجيب لقضاياها الملحة، تتجاوزه الحياة، فبقاؤه آنذاك يعني تراجعاً قهقهرياً ...
ولا سبيل لتجاوز هذه الإشكالية إلا تحريك الفكر بصورة مستمرة، فهو الذي يتكفل ليس فقط بايجاد حلول لسد الثغرات الحاصلة في جدار الذات والمجتمع، وإنما أيضاً يقترح السبل التي تحافظ على وجودهما ومستوى
التطور فيهما ... وهذا هو تماماً ما نلحظه في العديد من الدول المتقدمة اليوم، فهي تشجع مراكز الدراسات العلمية والاستراتيجية والفكرية، وتبذل في سبيل المحافظة عليها مبالغ كبيرة، لأنها تمدها باستمرار بما
يحافظ على حيويتها وتفوقها على قريناتها من الدول.
فالفكر يمارس دوراً جباراً في المحافظة على حيوية الانسان والمجتمع، وذلك ما أشار إليه الإمام علي (ع) في قوله: ((إذا قدّمت الفكر في جميع أفعالك حسنت عواقبك)).
بهذه الكيفية حدثنا الخطاب الديني عن عملية التفكير، وهو بذلك أعطاها منزلة عليا، وفي نفس الوقت جعلها نقيضاً لحالة سلبية مرفوضة ومبغوضة وهي التقليد.
وبذلك يكون التفكير قيمة أساسية من قيم العقل السليم، العقل المثالي للانسان المسلم.
ولكن هنا أُحب أن أؤكد على ملاحظة فنية ... وهي أنني عندما أتحدث عن التفكير وأعتبره قيمة عقلية أساسية، وأضعه في موضع مناقض للتقليد، فإني لا أعني بالتفكير المعنى الرديف (للنقد) الذي يتداول في الكثير
من المحافل الثقافية؟!
وذلك لأنني أرفض النقد كاصطلاح خاص ... فما أُمرنا به في أصولنا المعتمدة إنما هو التفكير وليس النقد، ولكل من الاصطلاحين ظلاله الخاصة في المعنى ... فالنقد إن كان حاملاً لظلال التفكير فلا إشكال فيه.
وإن كان النقد حاملاً لظلاله الخاصة ـ وهذا هو الغالب في الاستخدام، فإني لا أجد في استخدامه وجهاً من الصحة ... وخلاصة السبب في ذلك أن النقد هو افتراض للرفض بداية ـ وأقول هذا ليس المعنى اللغوي أو
الاصطلاحي له، وإنما المعنى الذي يبدو لي عند استخدامه من قبل دعاته، فهم عندما يقولون (نقد) كأنهم يقولون (رفض)، أم التفكير فإنه يعني التريث في الانتماء إلى الفكرة وبالتالي قد يقود إلى التسليم بآراء الآخر
وقد يقود إلى الرفض، أما أنه لا يفترض الرفض منذ البداية.
ولعلي أجد مَن يستعين بآية مباركة للتأكيد على صحة ممارسة النقد، وهي قوله تعالى: (فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ... ) الزمر/ 17، لكني لا أجد فيها دلالة على النقد ـ المستعمل، بقدر ما أجدها
دالة بكلها على التفكير ... ولهذا فإنها لم تعلن الرفض وإنما أعلنت القبول، ترجيحاً لحالة التواضع للحق التي ينبغي أن يتحلى بها المفكر ...
فهي بداية قالت (فيتبعون أحسنه)، ولم تقل (فيجتنبون أسوأه)، فالأصل في نتيجة التفكير الاتباع، ومعناه التسليم بالحق، وليس الرفض، وإن كان في الآية ثمة اشارة ضمنية إلى الرفض، على اعتبار أن اتباع الأحسن
يستدعي رفض السيئ، ولكن هذه الإشارة تحتاج إلى مؤونة، لأنها تبتني على القول بمفهوم الوصف، ولا قائل به ... فليس من الضرورة بناءً على عدم القبول بمفهوم الوصف ـ أن يكون بعد اتباع الأحسن تجنب
للسيئ، أي الآية لوحدها لا تدل على هذا المعنى.
وحتى لو سلّمنا بنتيجة التجنب بناء على المفهوم، فإن المنطوق يبقى في الغالب أقوى من المفهوم ـ بل مال البعض كالشيخ حسين الحلي (ره) إلى القول بإقوائيته مطلقاً، ولهذا فهو قدّم المنطوق على المفهوم في جميع
حالات التعارض، في مفهوم الشرط ـ فيبقى الاتباع أقوى من التجنب، وأما أسبقيته له فهي مسلّمة بناء على تصريح الآية بالاتباع وإضمارها للتجنب.
وما أردتُ من ذلك إلا التأكيد على أن استخدام الآية كدليل أو مؤيد على صحة النقد ـ المستعمل، في غير محله ... فالآية تتسق مع الأمر بالتفكير ... وقولي هذا لا أعني به أن المطلوب مطلقاً في ممارسة عملية
التفكير، التسليم، وإن كان هو الأغلب في الآيات، لأنها واردة في سياق الحث على التفكير في آيات الله سبحانه وتعالى للتسليم بوحدانيته ... بل يمكن أن يكون مؤدى التفكير رفضاً للعادات والقيم الجاهلية .. ولكن مع
ذلك يبقى للتفكير معنى أكثر جلالاً وأعمق بُعداً من النقد المستعمل ... لهذا فالدعوة هنا للتفكير المقابل للتقليد، وليس للنقد المرادف للرفض.
كما ينبغي التنبيه هنا إلى أن بعض الروايات نطقت بالنقد، كالتي امتدحت نقاد الكلام، ولكنني أحملها على النقد بمعنى التفكير المصلح وليس النقد المستعمل، فهي لم تقل ارفضوا الكلام، وإنما تأملوا فيه فإن كان
صالحاً فاتبعوه وإلا فلا.
المصدر :عن ثقافة النهضة

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم   || موسوعة الفكر الإسلامي