الزواج في الإسلام هو عقد تبادل يتضمن نوعاً من الملكية . ففي
مقابل بعض المال أو المقتنيات الثمينة التي يدفعاه الرجل للمرأة ,
يمتلك حقاً حصرياُ في الاتصال بها جنسياً . وتتفق جميع مدارس الفقه
الإسلامي على اعتبار الزواج كعقد . وعقد التبادل هذا , يقع في صلب
الزواج الإسلامي , ويعتبر شرعياً في نظر الشريعة والدين الاسلامي .
كتب القليل في تحليل مفهوم الزواج كعقد , ومعنى التعامل مع
العلاقات الزوجية وفقاً لشروط عقد التبادل , كذلك كتب القليل حول
ما تكشفه هذه النظرة من افتراضات لدى المشترع , وحول طبيعة نظرته
الى الرجال والنساء والعلاقات في ما بينهم , او حول المنطق الكامن
خلفها . هذا القسم يركز على مفهوم عقد الزواج , ويصف خصوصياته لدى
الشيعة ويناقشها ببعض التفصيل . وفيه أسلط الضوء , على هيمنة منطق
العقد , وانعكاساته البنيوية والوظائفية علة نظرة كل جنس الى نفسه
والى الجنس الاخر .
والهدفان اللذان اسعى الى تحقيقهما من خلال تفكيك رموز مفهوم العقد
في الاسلام الشيعي هما :
اولا : التركيز على مفهوم العقد لاظهار ان لدى الايديولوجيا
الاسلامية نظرة اكثر تعقيداً وتناقضاً حيال المرأة وحياتها الجنسية
, من تلك التي يتبناها قطبا النقاشش السائد ( وشبه الكلاسيكي ) اي
" التمجيد " و " التشيؤ " .
ثانيا: النظر الى وضع المرأة وفقاً لتطوره على مر الزمن , وعرض
رؤية طويلة الامد لحساب الخسائر والارباح , التواصل والتغير ,
الصراع والتسوية في الوضع القانوني المتغير للنساء المسلمات
الشيعيات خلال حياة كل منهن , منذ الطفولة ( مرحلة العذرية )
مروراً بسن الرشد ( مرحلة الزواج والنشاط الجنسي ) , ووصولاً الى
الطلاق او الترمل ( مرحلة التهميش ) . ولك مرحلة من المراحل
مستتبعات قانونية واجتماعية مختلفة .
وضع النساء
خلال القرنين الماضيين حصلت وفرة في المعلومات الاثنوغرافية الخاصة
بموقع النساء المسلمات ووضعهن في منطقة الشرق الاوسط . لكن على
الرغم من تعزز معرفتنا بهذه المنطقة فأن تنوع الاراء حول وضع
النساء المسلمات , جعل هذه الظاهرة اكثر غموضاً , واثار اسئلة
منهجية ونظرية اساسية , ويمكننا ان نتبين ذلك من خلال استعراض
النظرتين السائدتين حالياً , والمتناقظتين ظاهرياً :
يتبنى وجهة النظر الاولى معلقون معاصرون ملتزمون ايديولوجياً
بالاسلام , واغلبهم من الرجال , يسعون الى الدفاع عن الاسلام في
ماوجهة النظرة الغربية الشائعة الى المرأة المسلمة على انها في مقع
متدن .
ويستند هؤلاء الفقهاء الى القرأ، الكريم والسنة النبوية , اي الى
المصدرين المقدسين للشريعة الاسلامية , وبالتالي تتشابه طروحاتهم
وتبريراتهم , فهؤلاء لا يؤكدون ان الاسلام رفع من شأن المرأة
ومنحها موقعاً اعلى في المجتمع بالمقارنة مع نساء الجاهلية ( اي
مرحلة ما قبل الاسلام ) فحسب , بل انه اكثر الاديان تقدمية ,
بالنسبة الى المرأة . ويشيرون الى ان الاسلام حرك وأد البنات , وحد
من تعدد الزوجات , ومنح المرأ' حصة من ميراث اهلها , واعطاها الحق
في ابرام العقود التجارية وادارة ممتلكاتها وفقاً لما تشاء .
تتبنى وجهة النظر الثانية رؤية اكثر تاريخية لتأثير الاسلام على
دور النساء ووضعهن , ويتبنى وجهة النظر هذه نساء مسلمات متعلمات ,
وعصريات , وبعض الرجال , خلافاً لوجهة النظر الاولى , تبدو وجهة
النظر الثانية اقل تجانساً , وتعيد سبب تراجع وضع النساء المسلمات
الى عدد من المتغيرات : استمرار تقاليد سابقة على الاسلام , نمط
الانتاج الاقتصادي , الحجاب والعزلة المفروضة على النساء , الفصل
بين الجنسين , والنقص في التعليم وما شابه ذلك . ويستند المثقفون
المؤيدون لوجهة النظر هذه ايضا الى القرأن الكريم بشكل اساسي ,
لكنهم يحاذرون التركيز على الدين كعامل وحيد مسؤول عن الواقع
الدوني للنساء في البلدان الاسلامية . وعلى اي حال فانهم يعتبرون
تأثير الدين الاسلامي لم يكن ايجابياً بالنسبة للمرأة لجهة تمكينها
من تحقيق ذاتها وتطوير اوضاعها . ويشيرون الى ان حصة المرأ' من
الميراث هي نصف حصة الرجل , والى انه يحظر عليها تولاي القيادة او
القضاء او الاشتراك في الحروب . واكثر من ذلك , يقولون ان نشاطات
المرأة المتزوجة , تخضع دوماً لرقابة زوجها وسيطرته , باختصار
يقولون ان الاسلام وضع المرأة في مرتبة دنيا مما اسهم في " تشيئها
" في المجتمع .
والمدرسة الفقهية التي تتناولها هذه الدراسة , هي المذهب الاسلامي
الشيعي ومواقفه من الرجال والنساء والنشاط الجنسي والزواج في ايران
. لكن ما يطرح فيها من قضايا , يصح ايضاً بالنسبة للمذهب السني
ويطال جميع النساء المسلمات بشكل عام . وهذا يعود جزئيا الى انه ,
بأستثناء مسألة الميراث لا توجد خلافات مفهومية وشرعية اساسية بين
مختلف مدارس الفقه الاسلامي حيال الحقوق الاساسية للمرأة ( اي
ادارة الاموال , المهر ) . وتعود الفرادة التاريخية لوحدة المفهوم
الشرعي الى النظرة الاسلامية للقرأن الكريم بصفته كلمة الله
المقدسة كما اوحى بها الى الرسول (ص) وبالتالي تعتبر ثابتة غير
خاضعة لأي تغيير . ويقول المقدسي ان " الاسلام هو حكم الشريعة
اولاً واخيراً . والتعبير الاسمى عن عبقريته موجود في شريعته التي
هي مصدر الشرعية لسائر التعبيرات عن عبقريته " . وبما ان البنية
القانونية للزواج والطلاق ( اي القسم الاعظم من القوانين المتعلقة
بالمرأة ) موجودة في القران الكريم ( انظر خصوصاً سورة البقرة .
الايات 221 حتى 241 - وسورة النساء , الايات 3 حتى 35 - ورسورة
الطلاق , الايات 1 حتى 7 ) , فيعتقد بلازمنيتها وعدم تغييرها ,
ولهذها السبب تمكنت المجتمعات الاسلامية تاريخياً من مقاومة
محاولات تغيير بنية قانون العائلة , اكثر من محاولات التغيير في
مجالات اخرى . لذلك فمن المهم جدا في مواجهة الاحياء الاسلامي
الاصولي اعادة تفحص النصوص الفقهية والشرعية الاسلامية وتفسيرها .
وفي محاولتي هذه , لا أدعي وجود تلاؤم تام بين التعاليم الاسلامية
والممارسات الثقافية والاجتماعية في الحياة اليومية . ولأجل ايضاح
المسائل أود الفصل بين مستويي تحليل القانون وممارسته في الواقع .
ان معرفة ما اذا كان القانون مفروضاً او مستنبطاً ,امر حظي بنقاشات
كثيرة , والا أود اقحام نفسي فيه , لكن ما اود الاشارة اليه , هو
ان الشريعة الاسلامية تعتبر كلمة الله المقدسة , ولذلك يمكن
اعتبارها قانوناً مفروضاً , بالمعنيين العام والخاص لهذا المصطلح .
وما اقصده من خلال مصطلح " القانون المفروض " ليس فقط وجود مجموعة
قواعد واوامر يتم تبنيها والالتزام بها من قبل جماعة معينة بصورة
كاملة بمجرد صدورها , بل اسعى الى تركيز الانتباه على الطابع
الايديولوجي لهذا القانون , بمعنى انه انزل على النبي محمد ( ص)
وتعامل معه المسلمون بصفته قانوناً لا يقبل تعديلاً اوتغييراً في
أحكامه , وهنا اود الاشارة الى انه على الرغم من أن الشريعة
الاسلامية تعتبر قانوناً مفروضاً بالمعنى المشار اليه انفاً , فأن
التفاوض على مضمونها يتم باستمرار , وبالتفاعل مع تيارات تاريخية
معينة .
يمكن الاستدلال على ان الشريعة الاسلامية قانون مفروض من خلال
مؤشرين :
المؤشر الاول هو درجة " البعد الاجتماعي " بين المشرع والمحكومين ,
لقد أنزلت الشريعة الاسلامية على النبي الذي تولى ابلاغها الى
المؤمنين .ولم تكن تنقص جماعة المسلمين الهيكلية التنظيمية اللازمة
لهم , سواء لجهة الرماتب والمواقع او لجهةتوافر الجنسين . وقد لعب
الرجال المسلمون , واعضاء المؤسسة الدينية على وجه التحديد , دور
الوسيط في نقل كلام الله الى النساء . فالقرأن الكريم نفسه يتوجه
الى الرجال مباشرة , ويكتفي بالحديث عن النساء , واكثر من ذلك ,
فان علماء الدين والفقهاء من الرجال , تولوا صياغة تفسير الشريعة
الاسلامية . وتبنت الشريعة الاسلامية البطريركية على الدوام , نظرة
خارجية الى النساء وطبيعتهن وحاجاتهن ورغباتهن .
اما المؤشر الثاني , فيتمثل في التوزيع غير المتكافئ " للموارد "
او المقاربات الايديولوجية لكل من الجنسين ,والفوارق بينهما
وعلاقاتهما ونشاطهما الجنسي . وعلى الرغم من رفض الشيعة اعتماد
اسلوب القياس في التحليل الفقهي , فأن العلماء الشيعة اعتمدوا على
الدوام مقارنة اصولية ونموذجية في الاشارة الى الذكر والانثى
والعلاقة القائمة بينهما , وتلك المتعلقة ب " قانون الطبيعة " او
الفطرة , على وجه الخصوص , منوجعة نظرهم , فان الفوارق الجنسية بين
الرجال والنساء تجذرة في طبيعة كل منهم , وبالتالي فهي مماثلة
للفوارق الموجودة بين ذكور واناث " الحيوانات الاخرى " . ومن خلال
التأكيد على ان النشاط الجنسي امر غريزي اعترف العلماء الشيعة
بالنشاط الجنسي لدى الرجل , وكونوا فكرة واضحة عن حاجاته ورغباته ,
وقدموها على انه امر لا يمكن تفاديه او انكاره , ويتم اشباع
الرغبات الجنسية للرجل , من خلال الزواج الدائم والزواج المؤقت ,
ومن خلال معاشرة الجواري , ومن خلال انفراده بحق طلب الطلاق . في
المقابل , تجاهل الخطاب الشرعي , النشاط الجنسي لدى المرأة , ونظر
اليه كمجموعة من المسائل الغامضة والمجهولة واساء فهمه على الدوام
, ولم يشر اليه بالعلاقة مع حاجات الرجل ورغباته . وهذا لا يعني ان
الشريعة الاسلامية لا تملك ادنى فكرة عن النشاط الجنسي لدى المراة
, ولكنه يعني ان هذه النظرة مزدوجة , ونابعة من فهم الرجل لما
ينبغى ان يكون عيه النشاط الجنسي لدى المرأة , لا في حد ذاته
ولذاته , بل بالعلاقة دائما مع النشاط الجنسي لدى الرجل .
وبما اننا نتحدث عن وضع المرأة والرجل على الصعيد القانوني ,
سنناقش ببعض التفصيل مفهوم الرشد والأهلية القانونية لكا منهما ,
من وجهة نظر الشريعة الاسلامية . بالطبع الاسلام متنوع على
الصعيدين الديني والثقافي , ويغطي انتشاره رقعة جغرافية كبيرة من
الكرة الارضية . واود التركيز هنا على مفهوم الفرد من وجهة نظر
الشريعة الاسلامية , وتجاهل ابعاده الاجتماعية - الثقافية في الوقت
الحاضر .
على الصعيد الأيديولوجي , تشتق حقوق وواجبات الرجال والنساء
وقدراتهم من مصدر القانون الالهي من جهة , ومن الطبيعة الغرائزية
للنشاط الجنسي من جهة ثانية . ويتجلى هذا الامر في تبرير العلماء
لمؤسسة الزواج المؤقت , وفي دفاعهم عن فوائدها الجنسية والاخلاقية
, بالنسبة الى الفرد والمجتمع .
في مقابل الواجبات التي تفرضها الشريعة الاسلامية , تعطي الرجال
والنساء حقوقاً وقدرات محددة , وتعتبر حقوقا المرأة بالطبع , اقل
من حقوق الرجل , وتبدأ أهليه الرجل عند ولادته وتنتهي عند مماته .
وتصنف مسؤولياته في خانة قدرته القانونية وتقسم الى نوعين : "
القدرة على التنفيذ " و " القدرة على اداء الواجبات " . يقول شاخت
ان " القدرة على التنفيذ تعني القدرة على التعاقد والتصرف ,
وبالتالي القدرة على اداء الواجبات . وتكون القدرة كاملة او مقيدة
, وتصبح متناغمة مع القدرة على اداء الواجبات , عند اخذ " الأهلية
" الشرط الاساسي لاداء الواجبات في عين الاعتبار , ويتمتع الرجل
المسلم الحر السليم عقلياً والكبير في السن , بأعلى درجة من
الأهلية القانونية .وتليه فيب المرتبة المرأة المسلمة الحرة والتي
تعتبر من وجهة نظر الشريعة , كنصف رجل , على الرغم من امتلاكها
لبعض الحقوق .
عدن بلوغ سن الرشد والزواج , يصبح الفارق بين القدرات الشرعية لكل
من الرجال والنساء أشد وضوحاً .فمن وجهة نظر اسلامية , يعتبر
الراشد شخصاً مسؤولا على الصعيدين القانوني والاخلاقي , بلغ النضج
جسدياً ويتمتع بعقل سليم ويمتلك الأهلية للتعاقد والتصرف
بالممتلكات , وخاضعاً للقانون الجنائي . وهو مسؤول قبل كل شئ ,عن
تطبيق تعاليم الاسلام والواجبات التي فرضها عليه . قد يعتبر البعض
ان ما سبق ينطبق على الرجال والنساء معاً . لكن في الواقع فأن حق
المراة في التصرف بممتلكاتها مثلاً يتناقض مع ضرورة التزامها
بأطاعة زوجها . فضرورة حصول الزوجة على أذن زوجها لممارسة نشاطاتها
خارج المنزل , تحرمها من حقها في التفاوض بشأن أبرام عقد على سبيل
المثال ,وتحرمها من أستقلالها الذاتي الذي يكتسب عادةعند بلوغ سن
الرشد .
عند بولغ سن الرشد يصبح الرجل المسلم مواطناً بكل معنى الكلمة ,
ويتمتع بأستقلاليته ويتحمل مسؤولياته الشرعية , ولا من قدرته على
التنفيذ سواء بالعلاقة مع الاخرين او مع المجتمع , كون الرجل في
السابعة عشر من العمر او في السبعين , متزوجاً او ارملاً .
فالاستقرار والاستقلالية , يميزان الوضع القانوني للرجل المسلم .
ولا يتأثر وضعه القانوني خلال مراحل حياته المختلفة بعد بلوغ سن
الرشد , الا في حال اصابته بالجنون , على الرغم منان وضعه
الاجتماعي , وكذلك الامر بالنسبة للمرأة , قد يتحسن كثيراً من خلال
زيجة مريحة على الصعيد المالي .
تتحدد الهوية القانونية للمرأة المسلمة عدن الولادة , لكنها تختلف
عن الرجل في ان اهليتها الشرعية ووضعها القانوني , يتعرضان لتحولات
كثيرة خلال حياتها فوجود المرأة في المجتمع يعتبر بحد ذاته مشكلة
في اغلب الاحيان , لان نضوجها الجسدي وبلوغها سن الرشد لا يعنيان
بالضرورة امتلاكها الاستقلالية الشرعية . فالمرأة تبقى تحت وصاية
والدها منذ طفولتها , وتظل حريتها في اتخاذ القرارات مقيدة , على
الرغم من بلوغها سن الرشد . وتتغير شخصيتها القانونية ويتبدل وضعها
الاجتماعي , ويظلان محاطين بالغموض والشكوك , مع اختلاف مراحل
تطورها . وليست حصة المرأة من الميراث , والمحددة بنصف حصة اخيها
العامل الحاسم في تحديد وضعها بل المرحلة التي تجتازها حياتها
الجنسية , سواء أكانت عذراء ام متزوجة ام مطلقة ام ارملة . وانا لا
افترض ان مفهوم الانثوية في الثقافات الاسلامية واحد ولا اقول
بوجود تطابق بين النظرة اللايديولوجية الى المرأ' السائدة حالياً ,
ونظرة النساء الى انفسهن . وعلى الرغم من اهمية هذه المسائل ,فأن
مناقشتها تقع خارج اطار دراستنا هذه . ما أود التركيز عليه هو
استقرار الوضعغ القانوني للرجل في مواجهة عدم استقرار وضع المرأة ,
وكنتيجة طبيعية لذلك , الفارق الى النظر بين اكتمال شخصية الرجل
مقابل " تشوه " شخصية المرأة .
العقد
في القرن السابع , دعا النبي محمد (ص) العرب الى التخلي عن عبادة
الهتهم وأوثانهم , وعبادة اله واحد غير مرئي , هو الله العلي
العظيم . وحاول ايضاً توحيد انماط الزواج السابقة على الاسلام , من
خلال تحريمها كلها باستثناء نمط واحد , هو الزواج بواسطة العقد .
وكان ضروريا لانجاح عملية اعادة تركيب البنية الاجتماعية ,اعادة
تحديد دور الزوج والزوجة بصفتهما الطرفين المتعاقدين الرئيسيين .
فالزواج الاسلامي , خلافاً للزواج الجاهلي المعروف بأسم " زواج
التنازل " يعترف للزوجة , لا لوالدها , بحق استلام المهر ( سورة
النساء الاية الرابعة ) . اي ان الشريعة الاسلامية نقلت الزوجة من
موقعها السابق كسلعة معروضة للبيع الى طرف متعاقد يحصل على حقه في
المهر من الطرف الاخر في العقد , مقابل السماح له بممارسة الجنس
معها . وبذلك منحت المرأة صلاحية شرعية لم تمتلكها من قبل .
في رأيي ان هذا التحول في مفهوم العلاقات الزوجية وتغير وجهة المهر
, هما مفتاح فهم سبب عدم استقرار الوضع الشرعي للنساء وتناقض
النظرة اليهن , في المجتمعات الاسلامية . ويتعين على المرأة بصفتها
طرفاً في العقد اعطاء موافقتها , ولو شكلياً , ليصبح عقد الزواج
شرعياً . وعلى المرأة ايضا وليس والدها, استلام المهر سواء أكان
معجلا او مؤجلا . بكلمات اخرى , فان الزواج في الاسلام , هو اساساً
نوع من العقود التجارية , يتم تطبيقه على العلاقات الزوجية . لذلك
فأن المراة تحظى عند المسلمين الشيعة , بقدر من الاستقلالية
الشرعية عند الزواج , لتتمكن من التفاوض على مصيرها . فهي تواجه
مهمة لا تحسد عليها . وهي مقايضة استقلاليتها وهويتها بموقع وهيبة
اجتماعيين محددين , ينتجان عن هذا الزواج .
والزواج في الاسلام ليس مجرد مقايضة لسلع مادية . بل أن عقد الزواج
مثل سائر اشكال التبادل الاجتماعي , هو في الوقت نفسه ,عقد تبادل
قانوني وديني واقتصادي ورمزي . وقد أكد موس وغيره من علماء
الاجتماع , ان المقايضة والمبادلة تمثلان اسس المجتمع الاسلامي .
ومفهوم العقد متجذر في الثقافة الفارسية - الاسلامية , ويؤمن
استقرار النظام الاجتماعي ويعطي معنى العلاقات الاجتماعية .
والتبادل المستمر للهدايا الذي يميز مختلف اشكال الزواج في ايران ,
يخلق شبكات معقدة ومتقاطعة من القرابة والتحالفات التي تمس حياة
الافراد في مختلف مراحلها . وفي الوقت الحالي للمجتمع الايراني ,
يلعب مفهوم العقد المهيمن دور " عامل موجه" ويسهم في تكوين وعي
الناس وفي توجيه سلوكهم في معاملاتهم اليومية .
والتجسيد الاوضح لمدى انغراس مفهوم العقد في وعي الايرانيين , نجده
في علاقة المؤمنين بالله . فالله الذي " ينفذ المؤمنين عقودهم "
باسمه , يعد المؤمنين في سورة التغابن الايه 17 بمكافأتهم قائلاً :
( أن تقرضوا الله قرضاً حسناً يضاعفه لكم ويغفر لكم والله شكور
حليم ) . ويتم تنفيذ الواجبات الدينية واعمال الاحسان , بهدف ارضاء
الله الذي يبادل هذه الاعمال بالثواب . كأن الانسان يدخل في علاقة
تجارية مع الله اضافة الى العلاقات الروحية . وفي عقد الزواج
تتقاطع المبادئ الشرعية مع المبادلات التجارية ومعانيها الاجتماعية
- الثقافية .
الزواج الشيعي : النموذج التعاقدي
بالاستناد الى الأيتين 24 و 25 من سورة النساء في القرأن الكريم
يحدد الفقه الشيعي ثلاثة انواع شرعية من انواع الزواج : الزواج
الدائم او النكاح , الزواج المؤقت او زواج المتعة , والزواج من
الجواري او زواج الأماء . يعترف السنة بشرعية الزواج الدائم وزواج
الاماء , لكنهم يرفضون زواج المتعة ويعتبرونه زنى ويحرمون ممارسته
, وعلى الرغم من ان الاسلام ادخل تعديلات على نظام العبودية , الا
انه لم يحرمه بصورة كاملة , لذلك اعتبرت ممارسة الجنس مع الجواري
ممارسة شرعية في معظم المجتمعات حتى وقت قريب .ولا ينبغي الخلط بين
ملكية العبية وزواج العبيد , فزواج العبيد يعني زواج العبد او
الجارية من شخص اخر , سواء أكان عبداً ام حراً , شرط موافقة مالك
العبد , وقد يكون الزواج دائماً او مؤقتاً .وفي حال اراد المالك
ممارسة الجنس مع احدى جواريه , فالزواج ليس ضرورياً , فملكيته لها
تخوله حق ممارسة الجنس مع جواريه , في حين لا يحق للمارأة الحرة
ممارسة الجنس مع عبيدها . ويتركز اهتمامي هنا على مؤسستي الزواج
الدائم والمؤقت .
يعرف الزواج الاسلامي بأنه عقد يسمح بتملك حق الوطء , ولكنه مختلف
عن حالة مالك العبيد الذي يمارس الجنس مع جواريه بموجب ملكيته لهم
. ويعرف الفقهاء المسلمون الزواج او النكاح , بأنه عقد , ولكنهم
يمتنعون عن تحديد نوعه او الفئة التي ينتمي اليها . وهذا يتجلى
بشدة في اعمال الفقهاء المعاصرين الذين اصبحوا اكثر وعياً
بانعكاسات فريضتي الملكية والشراء في عقد الزواج على علاقات الرجل
والمرأة . ويعتبر نويل كولسون من الباحثين القلائل الذين لفتوا
الانتباه الى التشابه بين عقد الزواج وعقد البيع .فمن وجهة نظره,
انه اذا اكن الفقهاء المسلمون قد اعتبروا النكاح ولو تعسفاً , على
انه عقد بيع يؤدي الى انتقال الملكية بصورة كاملة الى الزوج . فأن
زواج المتعة يقع في خانة عقود الايجار , حيث يتمتع الزوج بحقوق
الاستخدام لفترة محددة . وانا اتفق مع وجهة النظر هذه , لكن بعد
اقامة هذه المقارنة يمتنع كولسون عن مواصلة منطقه حتى النهاية .
وفي اعتقادي فأن الانعكاسات الشرعية والاجتماعية , لهذا المفهوم
للعلاقات الزوجية , تبدو عميقة وبعيدة الاثر .
كتب القليل في تحليل المنطق الكامن خلف عقد الزواج من وجهة نظر
الفقه الاسلامي . ويقول شاخت بما انه لا يوجد مصطلح اسلامي لتحديد
معنى الالتزامات , فأن العقد , وهو اطار للمبادلات المادية , يصبح
العامل الرئيسي لتحديد هذا المعنى . والعقد مصطلح عربي يعني الربط
. وخلافاً لمفهوم العقد في الغرب " لا تعترف الشريعة الاسلامية
بحرية التعاقد , لكنها تؤمن درجة مقبولة من الحرية في انواع معينة
من العقود . فحرية التعاقد لا تتلاءم مع الرقابة الاخلاقية على
المبادلات القانونية " . والحرية في انواع معينة من العقود , تعني
ادخال شروط متفق عليها , وتعرف قانونياً باسم " شروط مقررة عند
ابرام العقد " .
يعرف الفقه الشيعي عقد البيع على انه " تبادل للمقتنيات بقصد تملك
شئ محدد " . ويعتبر عقد البيع ملزماً وغير قابل للنقض , ويشكل اساس
قانون الالتزامات في الاسلام , ويعتبر الشكل الاكثر شمولية للعقود
.في عقد البيع يمكن تمييز السلعة المباعة من ثمنها , علماً ام كلا
منهما يمثل قيمة المبادلة بالاخر , وكما سيتضح تدريجاً فيما بعد فأ،
بنية عقد الزواج تتضمن العناصر الاساسية لعقد البيع .
في المقابل , يعرف عقد الايجار على انه " مبادلة لحق الانتفاع من
شئ معين مقابل ثمن محدد " ويعتبر عقد الايجار مثل عقد البيع ,
نوعاً من عقود التبادل مع فارق انه في حالة البيع فان ما يتم
تبادله هو السلعة نفسها , في حين انه في حالة التأجير فان ما يتم
تبادله هو الانتفاع من هذه السلعة . وفي عقد الايجار , يمكن تمييز
السلعة المؤجرة من ايجارها , علماً ان كلا منهما يمثل قيمة مبادلته
بالاخر . وينتمي عقد زواج المتعة الى هذه الفئة من العقود .
تختلف عقود البيع عن عقود الايجار في كون الملكية دائمة في الحالة
الاولى ومؤقتة في الحالة الثانية . واكثر من ذلك , فأن هدف الايجار
قد يكون الانتفاع من سلع معينة , كما هو الحال في عقود ايجار
المنازل , او الانتفاع من حبوانات , مثل استئجار حصان للنقل ,او
الانتفاع من عمل الانسان كما هو الحال في استئجار اشخاص للقيام
بعمل معين . وعقد زواج المتعة يشبه كثيراً عقود الفئة الاخيرة .
وفي هذه العقود يجب تحديد هذف الايجار بدقة . ففي حال استأجر المرء
شخصاً للعمل كطاه في المنزل , لا يمكنه ان يطلب منه تنظيف المنزل
ايضاً , الا في حالة موافقته على ذلك .
ان المقارنة بين الزواج المؤقت وعقد الايجار ليست امراً جديداً في
الواقع , فقد اشار العديد من العلماء والفقهاء الكلاسيكيين, وبعض
الفقهاء والعلماء المعاصرين ايضاً , الى التشابه بين المسألتين ,
وتحدثوا عن المرأة بصفتها موضوع الايجار او " المستأجرة " . وهذا
العمل يهدف الى تفكيك رموز هذه النظرة الى المرأة , وتسليط الضوء
على المفاهيم الكامنة خلفها , واستكشاف انعكاسات هذه المقارنة على
كل من الجنسين , وعلى العلاقات القائمة بينهما , على اي حال , فأن
هذه المقارنة تعرضت الى انتقادات شديدة من جانب العلماء المعاصرين
الاكثر وعياً للصورة التي يقدمها زواج المتعة عن المرأة , فقد
قدموا تفسيرات مختلفة لمؤسسة الزواج المؤقت .
اما بالنسبةالى تصنيف الزاوج الدائم كعقد , ففقد اتخذ العلماء
مواقف اكثر غموضاً وتناقضاً حيال المسألة . فهم يجمعون على أن
النكاح شكل من اشكال عقود التبادل , يتضمن نوعاً من الملكية ,وفق
تعبير الحلي ( شرائع الاسلام ص 517 ) . لكن معظمهم " لا يعترفون "
بوجود نقاط تشابه بنيوية بين النكاح وعقود التبادل , على الرغم من
اعترافهم الضمني بذلك في كتاباتهم .