موسوعة المصطلحات والمفاهيم || موسوعة المرأة

المساواة في الإسلام
مرتضى مطهري



مساواة أم تشابه؟
أن المبدأ الذي استند إليه المعترضون هو تلازم تساوي المرأة والرجل في الإنسانية مع وجوب تساويهما في الحقوق.
وهنا يجب أن نأخذ بنظر الاعتبار مبدأ فلسفياً آخر هو:
ماذا يستلزم تساوي المرأة مع الرجل في الكرامة الإنسانية؟ هي يستلزم تساويهما في الحقوق بشكل ليس فيه تفضيل أو تمييز أم أنه يستلزم أن تكون المرأة والرجل علاوة على التساوي متشابهين في الحقوق وليس بينهما تقسيم في الواجبات والأعمال؟ فنقول: أن مما لاشك فيه هو أن تساوي المرأة والرجل في الكرامة الإنسانية يستلزم تساويهما في الحقوق الإنسانية أما أن يتشابها في الحقوق فذلك شيء آخر.
فإذا أردنا أن نتخلى عن التقليد الأعمى لفلسفة الغرب، وأجزنا لأنفسنا أن نتأمل في ما وصلنا منهم من أفكار وآراء فلسفية، فلننظر هل أن التساوي في الحقوق هو نفس التشابه في الحقوق أم لا؟ أن التساوي غير التشابه... التساوي هو المساواة، والتشابه هو المماثلة. فيمكن مثلاً أن يقسم أب ثري ثروته بين أولاده بالتساوي ولا يقسمها بشكل متشابه. ففي هذا المثال يمكن أن يكون للأب عدة أنواع من الثروات، يكون أحدها متجراً، وثانيها أرضاً زراعية، وثالثها أملاكاً مؤجرة ولكن بما أنه كان قد اختبر مقدماً استعدادات كل من أولاده فوجد أنَّ لأحدهم قابلية في العمل التجاري، وللثاني رغبة في الزراعة، وللثالث قابلية في إدارة الأملاك المؤجرة، فإذا أراد أن يقسم ثروته بين أولاده في حياته فإنه ـ مع الأخذ بنظر الاعتبار مراعاة التساوي في القيمة عند التقسيم ـ سيمنح أولاده من ثروته كلا حسب ما وجد فيه من الاستعداد لإدراته والنجاح فيه.
فالكم غير الكيف، والتساوي غير التشابه والتماثل. فإن من المسلم به أن الإسلام لم يمنح المرأة والرجل حقوقاً من نوع واحد ولون واحد لكنه لم يفضل الرجل على المرأة في الحقوق. لقد راعى مبدأ المساواة في الإنسانية بين المرأة والرجل... الإسلام يقر المساواة بين حقوق المرأة والرجل ولكنه لا يقر تشابه هذه الحقوق.
أن كلمات مثل: كلمة التساوي والمساواة ـ لكونها تتضمن مفهوم عدم التمييزـ قد حازت على قدسية خاصة، ولها جاذبية معينة. فهي تجتذب احترام السامع وخاصة إذا أضيفت إليها عبارة "في الحقوق" واقترنت بها.
المساواة في الحقوق! يالها من تركيبة جميلة ومقدسة. من هو الإنسان النظيف الفطرة والضمير الذي لا يخضع ولا ينحني إجلالاً أمام هذه العبارة؟
ولكن لا أدري كيف ـ ونحن الذين كنا حملة لواء العلم والفلسفة والمنطق في العالم ـ وصل بنا الحال إلى درجة أن الآخرين يحاولون أن يفرضوا علينا نظرياتهم حول "تشابه حقوق المرأة والرجل" تحت هذا العنوان المقدس "المساواة في الحقوق". أن هذا يشبه بالضبط أن شخصاً يبيع "البنجر" وينادي عليه باسم "كمثري".
فمن المسلمات أن الإسلام لم يضع للمرأة والرجل في جميع المجالات حقوقاً متشابهة، كما أنه لم يضع عليها في جميع المجالات تكاليف وعقوبات متشابهة' ولكن هل معنى ذلك أن مجموع الحقوق التي منحها للمرأة أقل قيمة وأهمية من الحقوق التي منحها للرجل؟ بالطبع، لا. وهذا ما سنبرهن عليه الآن. وهنا يبرز سؤال ثان، هو: لماذا شرع الإسلام حقوقاً غير متشابه للمرأة والرجل في بعض المجالات؟ لماذا لم يجعلها جميعاً متشابهة؟ هل من الأفضل أن تتساوى وتتشابه حقوق المرأة والرجل أم أن تتساوى ولا تتشابه؟
ولأجل بحث هذه المسألة بشكل كامل، نقسم البحث إلى ثلاثة أقسام هي:
(1) ـ نظرة الإسلام إلى المرأة كإنسانة من ناحية الخلقة.
(2) ـ الهدف من وراء الاختلاف بين خلقة المرأة وخلقة الرجل؟ وهل أن هذا الاختلاف يجب أن يؤدي إلى اختلاف في الحقوق الطبيعية والفطرية بينهما أم لا؟
(3) ـ ما هي فلسفة الفروق التي يضعها النظام الإسلامي بين المرأة والرجل والتي يتعامل مع بعضها على أساس عدم التشابه؟ وهل أن هذه الفلسفة والحكمة من الاختلاف سارية المفعول إلى هذا اليوم. أم لا؟
مقام المرأة
أما في القسم الأول: فالقرآن ليس مجموعة قوانين فحسب، وأن محتويات القرآن ليست سلسلة مجردة من الأنظمة والقوانين الجافة التي لا معنى لها. وإنما في القرآن نجد القانون كما نجد التاريخ، والموعظة، وتبيان حكمة الخالق، وآلاف المسائل الأخرى. فالقرآن في الوقت الذي يشرع القوانين من جهة، نجده في مكان آخر يتحدث عن الخلق والطبيعة من جهة أخرى. فهو يبين خلق الأرض والسماء والنبات والحيوان والإنسان وسر الموت والحياة، والعزة والذلة، والارتقاء والانحطاط، والغنى والفقر.
القرآن ليس كتاب فلسفة لكنه يعطي رأياً قاطعاً حول الكون والإنسان والمجتمع بشكل واضح وهذه المسائل الثلاث تشكل المواضيع الأساس للفلسفة.
أن القرآن لا يعلم اتباعه قانوناً ولا يعظهم وعظاً مجرداً وإنما يوجد لديهم ـ عن طريق بيان حكمة الخلق ـ تصوراً خاصاً للكون والحياة، ويعلمهم منهجاً جديداً للتفكير. وما أساس الأنظمة الإسلامية في الأمور الاجتماعية كالملكية والحكم وحقوق الأسرة إلا نظرته إلى الوجود والموجودات.
ومن جملة المسائل التي بينها القرآن الكريم موضوع خلق المرأة والرجل. فهو في هذا المجال لم يدع الجو خالياً للمتقولين كي يصوروا موقف الإسلام بأنه موقف احتقار للمرأة. وإنما بادرهم ببيان موقفه منها بشكل واضح. وإذا أردنا أن نعرف نظرة القرآن حول خلق المرأة والرجل وجب علينا أن ننتبه إلى مسألة طبيعة وطينة كل من المرأة والرجل والتي أشارت إليها جميع الكتب الدينية، وكذلك القرآن لم يسكت عن هذا الموضوع. فلننظر هل يتعامل القرآن مع المرأة والرجل على أنهما من طينة وخلقة واحدة أم من طينتين مختلفتين؟
يذكر القرآن في آيات عديدة بصراحة تامة قول الله تعالى أنه خلق النساء من جنس الرجال ومن طينة مشابهة لطينة الرجال، فيذكر عن آدم قوله جل وعلا: (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء...) (سورة النساء/ 1).
ويعني بالنفس الواحدة نفس آدم عليه السلام.
كما يذكر في سورة النساء وآل عمران آيات تتضمن خلق الزوجة من جنس الزوج ضمن استعراض نعم الله عز وجلّ على الإنسان. ولا تجد في القرآن أثراً لما تجده في كتب الأديان الأخرى من أن المرأة قد خلقت من مادة أدنى من مادة الرجل أو أن المرأة ناقصة الخلقة وأن حواء قد خلقت من أحد أعضاء آدم عليه السلام. وعليه، نرى أنه لا توجد في الإسلام نظرة احتقار تجاه المرأة في طبيعة خلقها وأصلها.
ونظرية أخرى من النظريات التي تحتقر المرأة والتي كانت سائدة فيما مضى وتركت في أدب الشعوب آثاراً سيئة تلك التي تقول: المرأة هي عنصر الخطيئة ومن وجودها يدب الشر والفساد، وأن المرأة شيطان صغير، وأن للمرأة يداً في كل جريمة وخطأ يرتكبه الرجال... فيقولون: أن الرجل في حد ذاته مبرأ من الخطأ، وأن المرأة هي التي تجره إلى الخطيئة، ويقولون: أن الشيطان لا يجد طريقاً مباشراً إلى الرجل. وإنما إلى المرأة التي تخدع الرجل بدورها، فالشيطان يوسوس للمرأة وهي توسوس للرجل، ويقولون: أن آدم عليه السلام، الذي خدعه الشيطان وتسبب في إخراجه من جنة النيم كان انخداعه عن طريق المرأة، فالشيطان خدع حواء وهي أغرت آدم عليه السلام.
هذا بينما نجد القرآن يطرح قصة جنة آدم بدون أن يشير أبداً إلى أن الشيطان أو الثعبان قد أغوت حواء، وأن حواء أغوت آدم، بل أنه لا يجعل حواء مسؤولاً رئيساً ولا يخرجها من الحساب. فالقرآن يقول: (يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغداً حيث شئتما) (سورة البقرة/ 35) ثم حين يتطرق إلى وسوسة الشيطان نجده يتحول إلى التثنية في الحديث فيقول:
(فوسوس لهما الشيطان) (سورة الأعراف/ 20).
(فدلاهما بغرور) (سورة الأعراف/ 22).
(وقاسمهما أني لكما لمن الناصحين) (سورة الأعراف/ 21).
فيدخل القرآن حرباً ضد الأفكار التي كانت منتشرة في ذلك العصر، ويبرئ المرأة مما كان ينسب إليها من كونها عنصر وسوسة وخطيئة، وشيطاناً صغيراً.
ومن النظريات الأخرى التي تحتقر المرأة تلك التي تتعلق باستعداداتها الروحية والمعنوية، فكانوا يقولون أن المرأة لا تدخل الجنة، وأنها لا تستطيع أن تسمو في المراتب الروحية والدينية، ولا أن تدرك ما يدركه الرجل في القرب من الخالق جل وعلا. هذا بينما نجد في القرآن آيات كثيرة تصرح بأن الجزاء الأخروي والقرب من الله لا يرتبط بجنس الفرد ذكراً أو أنثى. بل بالإيمان والعمل الصالح، سواء من قبل المرأة ومن قبل الرجل. ثم يضع القرآن إلى جانب كل رجل عظيم ومقدس امرأة عظيمة ومقدسة، فيذكر بكل تقدير زوجات آدم وإبراهيم، وأمهات عيسى وموسى. وإذا كان قد أشار إلى زوجتي نوح ولوط على أنهما زوجتان غير صالحتين فقد أشار إلى زوجة فرعون على أنها امرأة عظيمة ابتليت برجل فاجر، وكأن القرآن قد حفظ في قصصه التوازن بين المرأة والرجل ولم يقصر البطولة على الرجال فقط.
يقول القرآن في حديثه عن أم موسى:
(وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه...) (سورة القصص/ 7).
ولا يخفى ما في العبارة من الدلالة على مكانتها إذ يوحي إليها الله العلي القدير.
ويتحدث عن مريم والدة عيسى عليهما السلام كيف كانت الملائكة تحدثها في المحراب، وكيف كان رزقها يأتيها عن طريق الغيب حيث يدل هذا على ما بلغته من رتبة ربانية عالية حتى أن نبي زمانها احتار في أمرها وتجاوزته هي في درجتها عند الله وبقي زكريا مبهوتاً أمامها.
وفي التاريخ الإسلامي ذاته قديسات كثيرات وجليلات إذ لم يبلغ الدرجة التي بلغتها خديجة الكبرى (رض) من الرجال إلا القليل، كما لم يبلغ درجة الزهراء (سلام الله عليها) رجل غير الرسول (ص) والإمام علي (ع) فهي أفضل من أبنائها على أنهم أئمة، وأفضل من كل الأنبياء غير رسول الله (ص). والإسلام لا يرى فرقاً بين الرجل والمرأة في سيرهما التكاملي نحو الله عز وجل، بل الفرق الوحيد الذي وضعه الإسلام في مسيرة الإنسان نحو الحق هو اختياره الرجل لتحمل مسؤولية النبوة والرسالة وهداية الناس إلى الحق، إذ نظر إلى الرجل على أنه الأنسب لهذا الأمر.
ومن النظريات الأخرى التي كانت تحتقر المرأة تلك التي تتعلق بالرياضة الجنسية وتقدس العزوبية إذ أن العلاقة الجنسية ـ كما نعلم ـ تعتبر في بعض الشرائع قذرة في حد ذاتها. واتباع هذه الشرائع يعتقدون أن الإنسان لا يبلغ الرتب الروحية العالية إلا إذا قضى عمره أعزب.
يقول أحد زعماء الأديان في العصر الحديث: (اقلعوا شجرة الزواج بمطرقة البكارة). ونفس هؤلاء الزعماء والقادة الدينيين قد يجيزون الزواج لبعض أتباعهم من باب اختيار أهون الشرين. فهم يدعون أن الأفراد بما أنهم غالباً لا يطيقون حياة العزوبة، والصبر عن الزواج فيفقدون من أيديهم زمام أمرهم ويتردون في الفحشاء مما يؤدي إلى اتصالهم بعدة نساء، فمن الأفضل إذن أن يجيزوا لهم الزواج كي يضمنوا اتصالهم بامرأة واحدة فقط. وأساس فكرة الرياضة الجنسية والعزوبة ما هو إلاّ سوء الظن بالعنصر النسائي واعتبار الميل نحو المرأة من المفاسد الأخلاقية العظمى.
وقد حارب الإسلام هذه الخرافة بشدة واعتبر الزواج أمراً مقدساً والعزوبة انحطاطاً، وجعل حب المرأة من أخلاق الأنبياء، فورد: (من أخلاق الأنبياء حب النساء) وقال الرسول الأكرم (ص): (حبب ألي من دنياكم الطيب والنساء وقرة عيني الصلاة).
يقول برتراندرسل: "في جميع الأديان نوع من التشاؤم وسوء الظن تجاه العلاقة الجنسية ما عدا الإسلام، أنه قد وضع لهذه العلاقة ضوابط وحدوداً لصالح المجتمع ولم يستقذرها على الإطلاق".
ومن النظريات التي تحتقر المرأة تلك التي تقول: "أن المرأة خلقت من أجل الرجل وهي لعبة بيده".
أما الإسلام فلم ترد فيه مثل هذه أبداً، بل يوضح بكل صراحة مبدأ العلية، ويقول بوضوح كامل أن الأرض والسماء والسحاب والرياح والنبات والحيوان خلقت كلها من أجل الإنسان لم يقل مطلقاً أن المرأة خلقت من أجل الرجل، نعم، قال أن المرأة والرجل قد خلق كلُّ منهما للآخر:
(هن لباس لكم وأنتم لباس لهن) (سورة البقرة/ 187).
ولو اعتبر القرآن أن المرأة خلقت من أجل الرجل، لظهر ذلك في القوانين التي شرعها، ولكن لعدم وجود مثل هذه النظرة عند الإسلام في بيان حكمة الخلق، وعدم اعتباره المرأة تابعة لوجود الرجل، لم يظهر أي أثر لذلك في مواقفه الخاصة تجاه المرأة والرجل.
ومن النظريات القديمة التي كانت تحتقر المرأة أيضاً هي: "أن المرأة من وجهة نظر الرجل شر لابد منه" فكان كثير من الرجال على الرغم مما يجنونه من فوائد من وجود المرأة إلى جانبهم، إلا أنهم يحتقرونها وينظرون إليها على أنها أساس تعاستهم وبؤسهم، بينما نجد القرآن يناقش هذا المطلب بالذات فيعتبر وجود المرأة باب خير للرجل، وأساس سكنه وهدوء باله (... لتسكنوا إليها...) (سورة الروم/ 21).
ومن النظريات ما كانت تغفل دور المرأة وأثرها في النسل والأولاد، فقد كان عرب الجاهلية وبعض الأمم الأخرى ينظرون إلى المرأة على أنها وعاء لنطفة الرجل ولا يعدو دورها الاحتفاظ بهذه النطفة وإنماءها. بينما يقول القرآن الكريم:
(يا أيها الناس أنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل...) (سورة الحجرات/ 13) فيساوي في الخطاب والمنزلة بين المرأة والرجل، وهذا ما دلل عليه في كافة خطاباته للمرأة والرجل في كافة المواضيع مما أدى في النهاية إلى القضاء على هذه النظرية عند الشعوب التي آمنت بالإسلام.
يتبين مما تقدم أن الإسلام من ناحية النظرة الفلسفية وأسباب الخلق لا يتضمن نظرة احتقار إلى المرأة بل أنه ردّ على النظريات التي تحتقر المرأة وفندها.
والآن جاء دور معرفة الحكمة من وراء عدم تشابه حقوق المرأة وحقوق الرجل في الإسلام.
لا، للتشابه... نعم للمساواة
قلنا أن للإسلام فلسفة خاصة حول علاقات وحقوق المرأة والرجل تختلف عما كان سائداً قبل أربعة عشر قرناً كما تختلف عما هو سائد في العالم هذا اليوم.
وقلنا أن مسألة تساوي المرأة والرجل في الإنسانية من وجهة نظر الإسلام مسألة غير قابلة للنقاش، أما هل أن حقوقهما الأسرية متساوية أم لا؟ فإن المرأة والرجل في نظر الإسلام إنسانان كاملا الإنسانية، ويتمتعان بنفس الدرجة من حقوق الإنسان، لكن الذي يطرحه الإسلام هو أن المرأة بما أنها امرأة تختلف عن الرجل لكونه رجلاً في جوانب كثيرة، فعالم المرأة غير عالم الرجل، وخلقة وطبيعة المرأة غير خلقة وطبيعة الرجل. وهذا يؤدي بالطبع إلى أن كثيراً من الحقوق والواجبات والعقوبات سوف لا تكون واحدة لكليهما.
في دنيا الغرب اليوم، سعي حثيث لمساواة المرأة بالرجل في القوانين والأنظمة والحقوق والواجبات مع تجاهل الاختلافات الغريزية والطبيعية بينهما.
والاختلاف بين النظرة الإسلامية والنظم الغربية يكمن في هذه النقطة. وعليه فأن نقطة الاختلاف في بلادنا بين مؤيدي الحقوق الإسلامية من جهة؟؟ واتباع النظم الغربية من الجهة الأخرى هي في مسألة تشابه حقوق المرأة والرجل وليس في مسألة المساواة بينهما وما كلمة (المساواة) إلاّ شعار مزيف يطلقه مقلدو الغرب وعلامة تجارية يلصقونها على هذه البضاعة الغربية.
وقد كنت أتجنب في كل كتاباتي وندواتي وأحاديثي استعمال هذه العلامة المزيفة، وكنت أذكّرُ دائماً بأنها ليست إلاّ دعوة لتشابه وتماثل حقوق المرأة والرجل تطرح باسم المساواة.
أنا لا أدعي أن دعوات المساواة بين المرأة والرجل لا معنى لها في أي مكان في العالم، وأن جميع قوانين العالم قديماً وحديثاً قد وضعت على أساس حق المساواة ولم تفتقد إلاّ تشابه الحقوق.
كلا، أنا لا أدعي هذا. وأوربا ما قبل القرن العشرين احسن شاهد على ذلك. ففي أوربا ما قبل القرن العشرين كانت المرأة فاقدة للحقوق الإنسانية قانوناً وعملياً. إذ لم تكن لها حقوق مساوية أو مشابهة لحقوق الرجل... بل من خلال النهضة السريعة التي حدثت أخيراً في أقل من قرن باسم المرأة ومن أجل المرأة حصلت على حقوق مشابهة تقريباً لحقوق الرجل. ولكنها لم تحصل على حقوق مساوية لحقوق الرجل لو أخذنا بنظر الاعتبار وضعها الفيزيائي والفيزيولوجي، لأن المرأة إذا أرادت أن تحصل على حقوق كحقوق الرجل وعلى سعادة مساوية لسعادة الرجل، فأن طريقها الوحيد هو أن تترك تشابه الحقوق وتطلب أن تكون للرجل حقوق المناسبة له وتكون لها حقوقها المناسبة لها، وهذا هو السبيل الأمثل لحصول الوحدة والإخلاص الحقيقي بين الرجل والمرأة، والذي تدرك به المرأة سعادة مساوية بل أكثر من سعادة الرجل ويؤدي إلى أن يحرص الرجال بكل إخلاص وبدون خداع للمرأة على إتاحة حقوق لها مساوية لحقوقهم بل اكبر من حقوقهم.
كذلك فأنا لا أدعي أن للمرأة في مجتمعنا ـ الإسلامي المظهر ـ اليوم حقوقاً مساوية لحقوق الرجال وقد قلت مراراً وتكراراً أن من الواجب والضروري أن نهتم بوضع المرأة في مجتمعنا وأن نعيد إليها الحقوق التي منحها الإسلام لها والتي سُلبت إياها طيلة العهود التاريخية السابقة دون أن نقلد تقليداً أعمى الطراز الغربي الذي جرّ على الغربيين أنفسهم آلاف المآسي والتعاسات فنكون قد وضعنا اسماً جميلاً لفرضية خاطئة فنضيف مصائب الغرب إلى مصائبنا نحن الشرقيين. ولكننا ندعو إلى عدم تشابه حقوق المرأة والرجل في المجالات التي تختلف فيها طبيعة كل منهما فننسجم بذلك مع العدل والحق الفطريين، ونؤمن بشكل أفضل سعادة الأسرة، وندفع بالمجتمع إلى أمام.
وأرجو الانتباه جيداً إلى أن ما ندعيه الآن هو أن العدالة والحقوق الفطرية والإنسانية تستدعي عدم تشابه المرأة والرجل في بعض الحقوق لا غير. فبحثنا الحالي بحث فلسفي مئة بالمئة، مجاله فلسفة الحقوق، وهو يرتبط بمبدأ اسمه (مبدأ العدل) والذي هو أحد أركان الكلام والفقه الإسلاميين. ومبدأ العدل هو الذي أوجد قانون التطابق بين العقل والشرع في الإسلام. وهذا يعني في الفقه الإسلامي ـ أو الفقه الشيعي على الأقل ـ أنه إذا ثبت أن العدل يتطلب أن يكون القانون الفلاني على صورة معينة وليس على صورة أخرى وإلا فإنه ظلم وخلاف العدل؛ فيجب أن نقرَّ القانون على الصورة التي اقتضاها العدل، لا على الصورة المغايرة.
وعلى هذا فإن الشريعة الإسلامية وطبقاً للمبدأ الذي طرحته هي ذاتها، لن تخرج مطلقاً عن محور العدالة والحقوق الفطرية والطبيعية.
وقد وضع علماء الإسلام ـ ببيان مبدأ العدل ـ أساس فلسفة الحقوق، ولكنهم ـ بتأثير المعوقات المختلفة عل مر التاريخ ـ لم يستطيعوا أن يضمنوا تطبيق هذا المبدأ دائماً على الواقع الاجتماعي. وأن الاهتمام بحقوق البشر وبمبدأ العدالة على أنها أمور ذاتية وتكوينية خارجة عن نطاق القوانين الوضعية كان لأول مرة بمبادرة من المسلمين، وهم الذين وضعوا أساس الحقوق الطبيعية والعقلية. ولكن لم يكن من المقدر لهم أن يستمروا في طريقهم الذي بدأوه، فكان أن جاء علماء وفلاسفة أوروبا بعد ما يقارب الثمانية قرون ليقلدوا علماء الإسلام الأوائل، وينسبوا علمهم لأنفسهم، فطرحوا لمجتمعهم فلسفات اجتماعية وسياسية واقتصادية من جهة، ومن جهة أخرى وعوا الأفراد والجماعات بقيمة الحياة وحقوق الإنسان ودفعوا المجتمع إلى أن يتحرك بشكل نهضات وثورات وغيروا بذلك وجه العالم.
وفي رأيي أن هناك ـ عدا الأسباب التاريخية ـ سبباً نفسياً وموضعياً كان له دخل أيضاً في تخلي المشرق الإسلامي عن الاهتمام بمسألة الحقوق العقلية التي وضع هواسسها الأولى، أن التفاوت النفسي والمعنوي بين الفرد الشرقي والفرد الغربي. فالشرق يميل إلى الأخلاق، أما الغرب فيميل إلى الحقوق... الشرق يعشق الأخلاق والغرب يعشق الحقوق... الشرقي بحكم طبيعته الشرقية يرى إنسانيته بالعطف العفو وحب أبناء جنسه وبشهامته، لكن الغربي يرى الإنسانية في أن يعرف حقوقه ويدافع عنها وإلا يدع أحداً يسلبها منه. أن البشرية بحاجة إلى الأخلاق كما هي بحاجة إلى الحقوق، فالإنسانية ترتبط بالحقوق كما ترتبط بالأخلاق، وليس أي من الحقوق أو الأخلاق معياراً وحيداً للإنسانية.
الدين الإسلامي المقدس كان ولا يزال يملك هذه الميزة وهي "الاهتمام بالحقوق والأخلاق معاً". فكما أن العفو والإخلاص والخير تعد أموراً أخلاقية مقدسة في الإسلام كذلك معرفة الحقوق والدفاع عنها تعد مقدسة وإنسانية، ولهذا الموضوع شرح مفصل ليس الآن وقت عرضه.
لكن الروح الشرقية الخاصة قد عملت كذلك.، فأخذ الشرقي بادئ الأمر من الإسلام حقوقه وأخلاقه، ثم بالتدريج ترك الحقوق واهتم فقط بالأخلاق.
الغرض الآن أن المسألة التي نواجهها هي مسألة فلسفية وعقلية، مسألة استدلال وبرهان، وهي ترتبط بحقيقة العدالة وطبيعة الحقوق. فالعدالة والحق كانا موجودين من قبل أن يشرع قانون في الدنيا. ولا يمكن تغيير ماهية العدل والحق بوضع قانون بشري.
يقول منتسكيو: "قبل أن يضع الإنسان القوانين، كانت هناك روابط عادلة تحكم بين الموجودات، ثم أصبح وجود هذه الروابط سبباً لوضع القوانين. فإذا افترضنا الآن أنه لم يكن هناك أي شيء عادلاً كان أو ظالماً عدا القوانين البدائية، فذلك يشبه قول من يفترض أن أقطار دائرةٍ لم يرسمها بعد، غير متساوية".
ويقول هربرت سبنسر: "تمتزج العدالة بشيء آخر غير الاحساسات إلا وهو الحقوق الطبيعة للأفراد، ومن أجل أن يكون للعدالة وجود خارجي، يجب على الأفراد أن يحترموا الحقوق والامتيازات الطبيعية".
وهكذا نجد أن كثيراً من حكماء أوروبا يتبنون هذه الفكرة، وأن حقوق الإنسان التي صيغت بعنوان بيانات ومواد إنما كان منبعها فرضية الحقوق الطبيعية التي ذكرنا. وبتعبير آخر أن لائحة حقوق الإنسان لم تكن تعني ـ في حقيقتها ـ غير فرضية الحقوق الطبيعية والفطرية ليس إلا.
وكما وجدنا في علماء ومفكري أوروبا من أمثال منتسكيو وسبنسر وغيرهما ممن عرفتم رأيهم في العدل حيث جاء مطابقاً لعقيدة المتكلمين المسلمين في الحسن والقبح العقليين ومبدأ العدل، كذلك وجد بين علماء الإسلام أفراد أنكروا مسألة الحقوق الذاتية واعتبروا العدالة أمراً وضعياً.
كذلك نجد بين الأوروبيين من اعتقد هذا الاعتقاد الأخير مثل هوبز الإنكليزي الذي أنكر أن تكون العدالة أمراً حقيقياً.
-----------------------
عن ( نظام حقوق المرأة في الإسلام )


 

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم   || موسوعة المرأة