موسوعة المصطلحات والمفاهيم || موسوعة المرأة

حقوق المرأة في الإسلام
د. محمد علي الزعبي



إذا عدنا إلى مدلولات اللغة نجد أن كلمة زوج تطلق على رب البيت وربة البيت، وقد نفذت اللغة إلى اطلاق كلمة زوج على الرجل والمرأة بل إطلاق كلمة عروس على كل منهما. أما التفريق المستعمل بين الناس وهو اطلاق زوج على الرجل وزوجة على المرأة فهو تعريف ليس له جذور عربية، ذلك لأن اللغة العربية تطلق على رب البيت وربة البيت كلمة زوج، وكلمة عروس، إذ أن أحدهما يكمل الآخر وأحدهما لا يقوم بعمل حيوي كالإنجاب والتربية إلا بمشاركة الآخر، وعلى هذا فرب البيت، وربته، كلاهما عروس، وكلاهما زوج رغم الاصطلاح اللغوي السائد، ذلك لأن وجودهما يقود الانسانية بخيرها ودوامها وخلودها، وكلاهما مكلف بقانون يجعل الشراكة سعيدة ومثمرة وطويلة الأمد.
وإذا علمنا أن كلمة الأم تعني أصل، أدركنا أن العناية بهذا الأصل شرط جوهري يتوقف عليه سعادة الحياة الاجتماعية، ويتوقف عليه معرفة القدم الثابتة التي ينطلق منها الزوج إلى بناء بيته وأسرته والمجتمع.
ها نحن نعود إلى تركات الأمم المحفوظة بين أيدينا، سواء كانت سماوية كالتوراة، والإنجيل، أو أرضية كالقانون الروماني مثلاً.
إذا عدنا إلى هذا وقايسنا ووازنا ما بين يدي الأمم من توجيه حول بناء البيت، أدركنا أن الاسلام هو المدرسة الجامعة التي تشق طريقها عبر القرون، ولا يزال طريقها سالكاً حتى ينتهي هذا العالم، فعهد اليهود مثلاً يرينا أشخاصاً يعددون الزوجات تعديداً مطلقاً قد يصل المئات، وقد جاء المسيح فوجد هذا التعدد لا يتفق مع هدوء البيت وفن التربية، ولذا أمر بالاقتصار على زوجة واحدة.
- حكمة التعدد:
أجل أباح العهد القديم تعدد المئات، وأمر الإنجيل بالاقتصار على واحدة. وهنا نستعين بالعقل الذي يحدونا إلى الأمر الواقع فنرى الاسلام يقودنا إلى الصراط الأمثل، والأجمل، إذ حين نرى العالم مكوناً من ذكر وأنثى، ونجد الرجال مكلفين بأعمال شاقة وهم أقصر أعماراً من النساء بالجملة ونرى قابلية الحمل بالنساء محدودة بعمر قد لا يتجاوز الخامسة والثلاثين، أو الخمسين في النادر، إذا رأينا هذا جزمنا مستندين إلى إحصاء عالمي أن عدد النساء يفوق عدد الرجال، وهذا يدفعنا إلى النظر إلى هذا الموضوع بحكمة، ويحملنا على القول: زواج الثانية ليس ألعوبة أو تسليمة، بل أمر قد يفرضه الواقع الاجتماعي، ولعل القارئ لا ينسى أن ألمانيا مثلاً بعد الحرب العالمية الثانية أدركت أن الرجل الواحد يقابل سبعة من سكانها فأرسلت بعض رجال الفكر إلى الأزهر ودرست التعدد الحكيم الذي جاء به الاسلام، وأعلن أن زواج الثانية ضرورة تقدر بقدرها وخير الأمور الوسط. أي لا يغلق الباب بوجه جميع الناس، ولا يفتح بوجه الجميع، كما أن الدواء لا يعطى للجميع، ولا يحجب عن الجميع بل يعطى بناء على تقرير من حكيم، وهو هنا الكتاب المعصم القرآن الذي ينفرد بالعصمة، ونستطيع نحن الآن أن نقيم دليلاً عليها.
فألمانيا مثلاً حين شاهدت عدد النساء متفوقاً لم تجد دواء إلا التعدد إذ ان المرأة لا تجد سعادة إلا بوجود رجل يقوم بخدمتها، ويساعدها على تنفيذ مهماتها الجوهرية في المجتمع فاذا فقدت هذا المعين أصبحت كجسم يفقد يمينه، وهنا يجول في مخيلتي خيال لابد للقارئ أن يمر به ولو مبتسماً: إذا اقتصر كل رجل على زوجة وجدنا دون ريب نساء كثيرات لا أزواج لهن، وكأنهن يقلن بلسان الحال نرضى منكم بنصف زوج أي اجعلوني ثانية، فاذا لم يسمع أحد هذا الاحتجاج قالت اجعلوا لي ثلثاً أو ربعاً أي ثالثة أو رابعة، فاذا أهمل قولها غضبت وقالت سأصبح لصاً يحول بين البيوت وبين سعادتها.
إذن فزواج الثانية دواء لا يجوز أن يعطى للجميع، ولا يحجب عن الجميع.
- واجبات الزوجين تجاه بعضهما وتجاه البيت والذرية:
الزوجة كما مرّ معنا أم، وكلمة أم تعني أصلاً، وهذا الأصل إذا كان قويماً جاءت الثمار قويمة سليمة، وإذا علمنا أن الشريعة تكلف الرجل ما فيه خدمات خارج البيت، فقد رأيناها تكلف الزوجة الخدمات الداخلية حتى لو ملكت مالاً كثيراً لا يحكم عليها الشرع بشيء من نفقة البيت، وهذا تكريم وفضل من الشريعة علياه لأن الأصل يقوم بالتوجيه والتربية المستقيمة بكل مناسبة، ومَن قرأ الأدب العربي رأى صاحبة البيت تقوم بالتقويم حتى إذا لاعبت أولادها وسلتهم.
ذلك لأن توجيه الأم يرافق الطفل حتى لو أصبح كهلاً وشيخاً، وهذه التربية التي رأينا الأم حريصة عليها هي وحدها التي تصنع أجيالاً عالية الهمة بعيدة النظر، ومن هنا قال علماء الاجتماع: (سلوا عن الأم أولاً). إذ هي المعلم الأول والمدرس الأول والموجه الأول، ومشهورة تلك القصة التي ترينا جندياً يقول لأمه: (يا أماه أخشى أن ظفروا بي وقتلوني أن يمثلوا بي). فتنتفض الأم، وترفع صوتها غاضبة قائلة: (بني، الشاة إذا ذبحت لا يضرها السلخ).
وعلى هذا فقد صدق علماء التربية حين يقولون: (ربّوا وقوموا الأم وهي تضمن لكم تربية المجتمع).
- العلاقات المالية:
أما العلاقات المالية التي تشد الزوجين للقيام بواجبات البيت فهي ملقاة على عاتق رب البيت وحده ذلك لأن الشريعة جعلت نفقة البيت على عاتق الزوج، أما إذا ساهمت صاحبة البيت بشيء من مالها الخاص فهو تبرع، وليس واجباً، والدليل على ذلك أن صاحب البيت يحكم لأنه مكلف، وهي لا تحكم ذلك لأن مالها ولو كان مهراً هو داخل في ملكيتها الخاصة. وموجز القول أن صاحب البيت يدفع النفقة وجوباً وصاحبة البيت إن دفعت شيئاً فهو تبرع وليس واجب وقد نص القرآن الكريم على هذا المعنى وصرّح ان المهر حقها غلا إذا تبرعت به.
- احترام المرأة وحمايتها:
أما هذا الاحترام فقد جاء بنصوص كثيرة مروية عن رسول الله (ص) منها قوله: (خيركم خيركم لنسائه)، وقوله: (رفقاً بالقوارير). كان رسول الله (ص) يشبههن بالزجاج لرقة العواطف ونبل المكارم، ونحن حين نقرأ السيرة النبوية قطعاً لا نشاهد سيدنا رسول الله (ص) يوجه كلمة نابية، لبعض أزواجه أو يرفع يده على بعض، أما القرآن الكريم الذي خاض هذه الناحية فقد قصد بالتأديب المرأة التي يدفعها عدم احترام الزوج إلى ما لا يتناسب مع نصوص الشريعة، أعني أن رسول الله (ص) لم يضرب زوجة وحذّر من هذا الطريق الشائك أما نحن الذين نجهل الشريعة فيصيبنا عدم التوسط الذي تعنيه اللغة بكلمة (خير الأمور الوسط)، إذ نشاهد بعضاً يحترمون الزوجة إلى درجة الوقوف عند حدود قولها سواء كان متناسباً مع العدل أو ليس متناسباً، فاذا تناقشت المرأة مع جارتها أمرت زوجها لمقاطعتها وهذا قد ينفذه دون فهم العلة، ودون الرجوع إلى رأي الشريعة ذلك لأن مقاطعة الجيران سواء كانوا ذكوراً أم أناثاً ليس من الأخلاق العالية في شيء لأن رسول الله (ص) كان يشاهد من بعض الجيران تجاوزاً فلا يزيد على كلمة: (يا بني عبد مناف أي جوار هذا).
أما حماية الرجل لزوجته فهي طبيعية، أو فطرية، أو خلق عربي. لكن حب التوسط ينبغي أن يكون مرفقاً بهذه الحماية كي لا يصل إلى سوء الظن الذي نهى الاسلام عنه، والذي قد يستغله بعض الذين لا يتقون الله ويمرون منه لهدم البيت وتشتيت الأسرة، وقد نهى الشارع الحكيم عن هذه التجربة بآيات متعددة منها قوله تعالى: (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين).
بل إن القرآن الكريم أمر بتأديب الذي يسير وراء الظنون تأديباً جسدياً، ودعا هذا السير إفكاً يحاسب قائله.
وموجز القول ان الزوجين أخوان شقيقان يستمدان أخوتهما من القرآن الكريم القائل: (إنا خلقناكم من ذكر وأنثى) أما وجودهما زوجين فلا يعني إلا تحريم بعض النساء اللواتي نص القرآن على تحريمهن، وإباحة العقد على سواهن، ذلك لأن العقد على القريبات القريبات ينتج ثماراً هزيلة أشار لها الشاعر حين مدح شخصاً قائلاً:
فتى لم تلده بنت عم قريبة
فيضوي وقد يضوي رد يد الأقارب
اشارة إلى أن الزواج من القريبات يثمر ثماراً هزيلة.
- مقارنة الشريعة الاسلامية بما عليه أهل الغرب:
على أن الاسلام حين أباح التعدد راعى حال المرأة أولاً، ذلك لأن الرجل والمرأة قد يعيشان أعواماً طوالاً محرومين من الذرية فاذا تزوج الرجل وأنجب أطفالاً يكونان قائمين بخدمتهما معاً إذ تعطف عليهما الأم وتتخذهما أبناء، وبذلك يساعدونهما على أخطار الشيخوخة وما تستلزمها من أمراض وهزال. قد يقول بعضهم هذا نوع من الأضرار لكن الجواب هذا ضرورة تقدر بقدرها.
ذلك لأن الولد الذي أنجبته زوجة ثانية وكانت في تربيته انساناً رحيماً يشب رؤوفاً رحيماً، ويخدمها ويدفع عنها أخطار الشيخوخة ولا يوصلها إلى درجة العجز الذي يجعل دار العجزة مثواها الأخير كما نرى هذا ظاهراً في بعض بيوت الغرب، إذ ان المرأة العربية تعيش باقي حياتها ضمن عائلتها وأبنائها في خدمتها حتى النهاية.
الشريعة الاسلامية وحدها احترمت المرأة وحفظت حقوقها.
ليس هذا العنوان مسطراً بماء الطفولة الذي عبر عنه الشاعر القائل: (كل فتاة بأبيها معجبة).
بل هو حقيقة يشدها النصوص العالمية المحفوظة بين يدينا سواء كانت منسوبة للسماء أو لقوانين أهل الأرض، إذ لا يوجد نصوص تكرم المرأة تكريماً مطلقاً إلا في الاسلام، ومَن كان في شك من هذا فنحن مستعدون أن نزيل عنه ذاك الشك، لأن المرأة في العهد القديم سلعة يستطيع الرجل أن يكثر من ابتياعها أو يقلل.
أما كنيسة روما فقد انطلقت قائلة: (يجب أن تكون المرأة في سكوت دائم لأن الله خلق آدم أولاً ثم حواء)، ونرى القوانين القديمة كالقانون الروماني يحمل المرأة بل وجميع سكان المملكة على عبادة الامبراطور، أما الاسلام فقد أنقذها من هذا العبث وجعلها متساوية مع الرجل في جميع الأمور التي تتناسب مع طبيعتها.
أما وجود امرأتين في الشهادة تجاه رجل فهذا عدل يفرضه علم النفس ذلك لأن المرأة غالباً لا تحفظ ما خرج عن دائرة اختصاصها.
ولذلك يكون امرأتان تجاه شهادة رجل، أما الأمور التابعة في اختصاصها ومعرفتها فشهادتها الواحدة ترجح بشهادة مائة رجل.
وهكذا راعى الاسلام حقوق المرأة بل وراعى ظروفها فجعل الجندية على الرجل مفروضة وعليها تبرعاً.
الشريعة الاسلامية وحدها منحت المرأة ما يتناسب مع صحتها، وظروفها، وأنوثتها من حقوق، أما هذه الأصوات التي ترتفع بين حين وآخر منادية بالإجحاف الذي يصيب المرأة فان الذين يطلقونها يصيبهم مرض التصنيف، إذ بعضهم يقول ذلك جهلاً وبعضهم اتخذ نفسه بوقاً وأخذ يردد ما يقوله الطامعون ببلاد الاسلام، وهم ينفذون الوصية القائلة أهدم أخلاق وتراث أمة وبذلك تجعلها غير قادرة على الدفاع عن نفسها.
وهكذا نعود إلى الشريعة التي تحدت جميع القوانين وانفردت بالعصمة، لنقف عند حدودها، ونظفر بالتوسط الذي هو خير الأمور، فلا نحرم المرأة من خدمة المجتمع في نطاق الدائرة الشرعية، ولا نطلق عنانها كما نرى الآن في التبرج المحرم، والزينة التي لا تجوز إلا في البيت، وننقي أجواءنا من التجاوزات التي ظنناها حضارة وتقدماً، جاهلين أن الحضارة لا تنبت إلا في محيط مكارم الأخلاق.
*المصدر : مجلة الموقف/العدد30/1985

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم   || موسوعة المرأة