موسوعة المصطلحات والمفاهيم || معجم المصطلحات

فلسفة : الانفتاح والانسداد



لا إشكال في انفتاح باب العلم وإمكان الوصول إلى الأحكام الواقعية الاعتقادية ـ عقلية كانت أو نقلية ـ كوجوب معرفة الباري جل شأنه ومعرفة أوصافه ووجوب معرفة الأنبياء والأئمة (ع) وأصل المعاد وبعض خصوصياته، فلنا أدلة كثيرة عقلية وسمعية توجب العلم بتلك الأحكام. فباب العلم بالأحكام الاعتقادية مفتوح وهذا انفتاح في الاعتقاديات والعلماء فيها انفتاحيون. وأما الأحكام الشرعية الفرعية من التكليفية والوضعية والواقعية والظاهرية، فقد اختلفت فيها آراء الأصحاب. فمنهم: مَن يدعي إمكان الوصول إليها علماً وإن لنا إليها طريقاً حقيقياً منجعلاً وهو العلم ولا فرق بين حال حضور الإمام (ع) وإمكان التشرف بحضرته وبين حال الغيبة، فلنا ظواهر قطعية وأخبار متواترة تورث للمتتبع العلم الوجداني بالأحكام كلها أو جلها وليسم هذا المعنى انفتاحاً حقيقياً، والقائل بذلك كان بعض علمائنا في الصدر الأول كالسيد المرتضى وغيره ممن كانوا قريبي العهد من عصر بعض الأئمة (ع) وكان يمكنهم تحصيل العلم والاطلاع على الأحكام. ومنهم: مَن ينكر الوصول بنحو العلم ويدعي انفتاح باب العلمي إلى غالب الأحكام بمعنى أن لنا طرقاً وأدلة مجعولة من طرف الشرع والعقل موصلة إلى معظمها أو جميعها وافية في إثباتها، كخبر الثقة والإجماع المحصل والمنقول والشهرة الفتوائية وحكم العقل، وتلك الطرق مقطوعة الاعتبار ويطلق عليها العلمي للعلم باعتبارها وكون دليل اعتبارها قطعياً، فهو يدعي انفتاح باب العلمي دون العلم، وليسم هذا المعنى انفتاحاً حُكمياً والقول به مشهور شهرة عظيمة تقرب من الاتفاق. ومنهم: مَن يدعي الانسداد وانه لا طريق لنا إلى الواقع لا علماً ولا علمياً ويطلق على هذا المعنى الانسداد وعلى قائله الانسدادي. ثم اعلم أن للقائل بالانسداد عند الشك في التكاليف الواقعية دليلاً عقلياً يطلق عليه دليل الانسداد، وعلى مقدماته مقدمات الانسداد، ونتيجة ذلك الدليل وجوب العمل بكل ظن تعلق بثبوت الأحكام الواقعية أو بسقوطها سواء حصل من ظواهر الكتاب والسنة أو غيرهما ويعبرون عن كل ظن ثبت حجيته بهذا الدليل بالظن المطلق في مقابل الظن الخاص الذي ثبت حجيته بغير هذا الدليل. وهذا الدليل مبني على مقدمات خمس: الأولى: إنا نعلم إجمالاً بوجود أحكام واقعية كثيرة في الشرع. الثانية: إنه قد انسد علينا باب العلم والعلمي بكثير منها. الثالثة: إنه لا يجوز لنا إهمالهما والإعراض عنها وعن التعرض لموافقتها وامتثالها لأنه مستلزم للخروج عن الدين. الرابعة: إنه لا يجب أو لا يجوز الاحتياط الكلي في أطرافها بمعنى فعل جميع مظنونات الوجوب ومشكوكاته وموهوماته من أفعال المكلفين وترك جميع مظنونات الحرمة والمشكوكات والموهومات منها فإنه مستلزم للعسر والحرج فلا يجب أو لاختلال النظام فلا يجوز، ولا يجوز التقليد أيضاً لأن الكلام في المجتهد الذي يرى عدم وفاء نصوص الكتاب والمتواتر من الأخبار إلا بالقليل من الأحكام وعدم حجية أخبار الآحاد، فرجوعه إلى المجتهد الآخر وأخذ فتاويه المأخوذة من الخبر الواحد مثلاً من قبيل رجوع العالم إلى الجاهل. الخامسة: إن ترجيح المرجوح على الراجح قبيح. وحاصل تلك المقدمات إنه بعد العلم بوجود أحكام فعلية وعدم إمكان العلم التفصيلي بها وعدم جواز إهمالها أو الاحتياط التام في أطرافها يلزمنا التبعيض في الاحتياط فيدور الأمر بين أن نعمل بظننا ونأتي بمظنونات الوجوب مثلاً ونترك ما شككنا أو وهمنا وجوبه وبين عكسه ولا إشكال في وجوب الأول فينتج لزوم العمل بالظن. تنبيه: اختلف القائلون بالانسداد وتمامية هذا الدليل في أن مفاده ونتيجته هل هو حجية الظن عقلاً بمعنى أن العقل يحكم بلزوم العمل عليه كحكمه بحجية القطع بلا حصول جعل من الشارع، أو إن مفاده حجيته شرعاً بمعنى إنا نستكشف منه إن الشارع جعله حجة وأمرنا باتباعه كخبر العدل والثقة عند مَ، قال بحجيتهما، وعلى التصوير الأول يقال إن الظن الانسدادي حجة على الحكومة وعلى التصوير الثاني يقال إنه حجة على الكشف والمنشأ في هذا الاختلاف هو إن عدم لزوم الاحتياط هل هو بحكم العقل أو بحكم الشرع.

 

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم   || معجم المصطلحات