موسوعة المصطلحات والمفاهيم || معجم المصطلحات

فلسفة : ديالكتيك



إنها كلمة يونانية معناها اللغوي فن الحوار والمناقشة، خصوصاً بواسطة السؤال والجواب. وقد استعملها برمنيذس الإيلي للدلالة على نوع من الحجاج يقوم على افتراض ماذا عسى أن يحدث لو أن قضية معطاة على أنها صحيحة قد أنكرت. وعنده أن ((ما هو موجود، موجود))، و ((ما ليس بموجود هو ليس بموجود)): فلو أنكرنا هاتين القضيتين لكان هناك ((شيء آخر))، وما دام لا يوجد إلا ((ما هو موجود)) فقد ثبت فساد إنكار هاتين القضيتين، ولهذا لا يوجد ((تغير))، إذ كل ((تغير)) يقتضي ((غيرا))، ولا يوجد أي غير. ثم جاء أفلاطون من بعده فاستعمل نوعين من الديالكتيك: الديالكتيك الصاعد، وهو طريقه للصعود من المحسوس إلى المعقول، ـ . والديالكتيك النازل، ويقوم في الاستنباط العقلي للصور الأفلاطونية. والديالكتيك الأول، يستخدم ((القسمة)) و ((التركيب))، وهما وجهان لعملية واحدة، إذ ينتقل من الجزئيات إلى الكلي الذي هو أصلها وأساسها. أما الديالكتيك النازل، أي الاستنباط العقلي فيمكننا من التمييز بين ((الصور)) (أو المثل). وعن طريق هذا الديالكتيك يمكن تصنيف الأشياء وفقاً للصور، ويمكن المناقشة عن طريق الأسئلة والأجوبة. والديالكتيك ((هو مفتاح كل تركيب العلم)). وبه يمكن بيان العلاقات أو الإضافات بين الصور. وصاحب الديالكتيك يستطيع أن يرى الحقيقة ككل، وأن يضع علاقات بين أجزائها المختلفة. ((إن صاحب الديالكتيك هو من عنده نظرة شاملة للمجموع، وغير الديالكتيكي ليس عنده ذلك)). ولهذا فإن الديالكتيك في الدرجة العليا، وهو ذروة الدراسات، ولا يوجد موضوع للمعرفة أسمى منه، ويه تبليغ الدراسة هدفها (534هـ). وعكس هذا تماماً يقرر أرسطو: إذ هو يضع الديالكتيك في مقابل البرهان. ويقول أن ((التفكير يكون ديالكتيكياً إذا كان يستند إلى ظنون يقر بها عامة)). ((الحجج الديالكتيكية هي تلك التي تستند إلى مبادئ مناسبة لكل موضوع، لا إلى الآراء التي يقول بها الذي يجيب .. والحجج الديالكتيكية هي تلك التي تستند إلى مقدمات مقر بها عامة)). ويقرر أرسطو أيضاً أن ((الديالكتيك هو في الوقت نفسه وسيلة للفحص، لأن فن الفحص ليس إنجازاً من نوع الهندسة، لكنه إنجاز يمكن المرء اكتسابه، حتى لو لم تكن لديه معرفة، أي يمكن من ليس لديه معرفة أن يفحص من عنده معرفة وأن يمتحنه، إذا سلم له الأخير بأمور ليست مأخوذة من الأشياء التي يعرفها أو من المبادئ الخاصة للموضوع الذي يجري النقاش فيه، وإنما من كل نطاق النتائج المترتبة على الموضوع الذي يمكن المرء أن يعرفه دون أن يعرف نظريته ولكنه إذا لم يعرفه فهو ملزم بأن يجهل نظريته. ولهذا فإن فن الفحص لا يقوم في معرفة أي موضوع محدد، ولهذا السبب فإنه يشتغل في كل شيء، لأن كل نظرية لشيء ما تستخدم أيضاً مبادئ مشتركة. ولهذا فإن كل انسان، حتى الهواة، يستخدم الديالكتيك على نحو ما)). وبالجملة، فإن الديالكتيك عند أرسطو، شكل غير برهاني للمعرفة، وهو ((مظهر فلسفة)) وليس معرفة يقينية، ولا الفلسفة نفسها. ومن هنا فإنه في نظره نوع من الجدل، وليس من العلم، وهو احتمال، وليس يقيناً، وهو ((استقراء)) وليس ((برهاناً)) أي حجة يقينية. ولهذا نرى أرسطو يذهب أحياناً إلى نعت الديالكتيك بأنه معرفة احتمالية، ظنية. لكن الأفلاطونية المحدثة، خصوصاً أفلوطين، أعادت إلى الديالكتيك المكانة التي كانت له عند أفلاطون. وفي العصر الوسيط استخدم اللفظ dialectica مساوياً للمنطق تماماً، وصار أحد ثلاثة الفنون الحرة Trivium، وهي: النحو، والخطابة، والديالكتيك. وبهذه المثابة كان يتعلق بالمنهج، لا بالحقيقة الواقعية. وفي القرن الثامن عشر في أوروبا عاد للديالكتيك معناه الذي كان له عند أرسطو، خصوصاً عند كنت الذي نعته بأنه ((منطق الظاهر)) وذلك إذا جعل المرء من المنطق ـ الذي هو قانون للحكم على الحقيقة الشكلية ـ أورغانن أي ينبوعاً للمعرفة المادية. ومثل هذا الديالكتيك هو ((فن سوفسطائي)). والقسم الثاني من المنطق المتعالي يسمى ((الديالكتيك المتعالي))، وفيه ينقد الذهن والعقل في استخدامهما المتجاوز لطاقتيهما وحدودهما. لكن يجب علينا أن ننبذ الديالكتيك بوصفه ((منطق الظاهر)) وبدلاً منه تقوم بنقد هذا ((الظاهر))، وهذا النقد هو بمثابة عملية (( تطهير)) للعقل. ومهمة الديالكتيك المتعالي هي الكشف عن ((ظاهر)) الأحكام المتعالية، حتى لا ننخدع بها. إنه ينقد الأمور الظاهرية التي لا تصدر عن المنطق ولا عن التجربة، وإنما عن العقل حين يدعي تجاوز الحدود التي فرضتها التجربة، تلك الحدود التي بينها كنت في باب ((الحساسية المتعالية)) من كتاب ((نقد العقل المحض)). ـ من أجل أن يعرف بقواه هو الخاصة ووفقاً لمبادئه الخاصة: العالم، والنفس، والله. وقد جعل هيجل من الديالكتيك منهج فلسفته. ومفاده عنده أن كل فكرة تنطوي على تناقض باطن. فمثلاً: الوجود يعني إثبات وجود ونفي وجود آخر، فوجود التفاحة هو إيجاب لوجود هذه الثمرة، ونفي لكونها أية ثمرة أخرى. ولهذا ينبغي أن تقول عن الموجد أنه موجود ولا موجود معاً، ومعنى هذا أنه متغير فالوجود: موضوع، ونفي وجود آخر: نقيض موضوع، والموجود المتغير: مركب موضوع. وهكذا تسير الحقيقة الواقعية من موضوع these، إلى نقيض موضوع antithese ثم إلى مركب منهما هو مركب الموضوع synthese ويستمر الأمر، فيصب مركب الموضوع موضوعاً، ينفيه نقيض موضوع، ومن كليهما يتكون من جديد مركب موضوع وهكذا باستمرار. والديالكتيك هو إذن العملية التي تمكن من التطور ومن نضوج الحقيقة الواقعية. وللديالكتيك عند هيجل نوعان: ديالكتيك تاريخي، وديالكتيك وجودي (أنطولوجي). النوع الأول يظهر في تطور الحياة والنظم: فبعض أشكال الحياة أو النظم ينطوي على تناقض باطن، لأنها محتوم عليها أن تتجنب الغرض الذي من أجله وضعت ـ مثل العلاقة بين السيد والعبد ـ ، أو لأن من المحتوم عليها أن تولد نزاعاً باطناً بين أحوال مختلفة مهمة على السواء من أجل تحقيق الغرض منها، كما هي الحال في المدينة polis اليونانية، فأمثال هذه الأشكال مقيض لها أن تزول لتحل محلها غيرها. وهذا الديالكتيك التاريخي يبدأ من القول بأن غرضاً ما يسعى إليه، وإن لم يتحقق بعد. والتنازع بين الغرض وبين الواقع الفعلي يقود إلى تحطيم الواقع الفعلي وإحلال واقع آخر مكانه. أما الديالكتيك الوجودي (الأنطولوجي) فيبدأ من قاعدة أن معياراً ما، نحدده ببعض الخواص، قد تحقق، وهو يتحرك خلال تصورات مختلفة لهذا المعيار نحو مزيد من الأشكال المناسبة. فمثلاً بالنسبة إلى الوعي أو الشعور: نحن نبأ من قاعدة أن هناك معرفة، وأن المعرفة إنجاز. لكن معرفتنا عن هذا المعيار قاصرة وإجمالية. فنتوسع فيها وننتقل من المعرفة الحسية إلى معرفة عقلية مقابلة لها، وهكذا باستمرار.

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم   || معجم المصطلحات