بياء النسبة عند الحكماء عبارة عن عدم قسمة الواجب لذاته الى
الاجزاء ويجئ في لفظ الواحدية ايضاً . وعند الصوفية هي المرتبة
التي هي منبع لفيضان الأعيان واستعداداتها في الحضرة العلمية اولا
, ووجودها وكمالاتها في الحضرة العينية بحسب عوالمها
وأطوارها الروحانية والجسمانية ثانيا. وهي أقدم مراتب الالهية وان
كانت كلها في الوجود سواء , لكن العقل يحكم بتقدم بعضها
على بعض كالحياة على العلم والعلم على الارادة . وعلى هذا القياس
كذا في شرح الفصوص , وفي الانسان الكامل الاحدية عبارة
عن مجلى ذاتي ليس للاسماء ولا للصفات ولا لشئ من مؤثراتها فيه ظهور
, فهي أسم لصرافة الذات المجردة عن الاعتبارات
الحقية والخلقية , وليس لتجلي الاحدية في الأكوان مظهر أتم من ذلك
اذا أستغرقت في ذاتك ونسيت اعتباراتك واخذت بك فيك عن
خواطرك , لكن أنت في أنت من غير أن تنسب اليك شيئا مما تستحقه من
الاوصاف الحقية , او هو لك من النعوت الخلقية . فهذه
الحالة من الانسان أتم مظهرا للآحدية في الأكوان . والاحدية اول
ظهور ذاتي . وامتنع الاتصاف بها للمخلوق لانها صرافة الذات
المجردة عن الحقية والمخلوقية والعبد قد حكم عليه بالمخلوقية , فلا
سبيل الى ذلك . وان شئت الزيادة فارجع الى الانسان الكامل .
وفي التحفة المرسلة : للوجود الحق سبحانه مراتب: الاولى مرتبة
اللاتعين والاطلاق والذات البحت لا بمعنى أن قيد الأطلاق
ومفهوم سلب التعين ثابتان في تلك المرتبة , بل بمعنى ان ذلك الوجود
في تلك المرتبة منزه عن اضافة جميع القيود والنعوت اليه
حتى عن قيد الاطلاق ايضا , ويسمى بالمرتبة الاحدية وهي كنه الحق
سبحانه , وليس فوقها مرتبة اخرى بل كل المراتب تحتها ,
الثانية مرتبة التعين وتسمى بالواحدية والحقيقة المحمدية وهي عبارة
عن علمه تعالى لذاته ولصفاته ولجميع الموجودات على وجه
الاجمال من غير امتياز بعضها على بعض , الثالثة مرتبة التعين
الثاني وتسمى بالواحدية والحقيقة الانسانية وهي عبارة عن علمه
تعالى لذاته ولصفاته ولجميع الموجودات على التفصيل وامتياز يعضها
عن بعض , فهذه ثلاث مراتب كلها قديمة والتقديم والتأخير
عقلي لا زماني . الرابعة مرتبة الأرواح وهي عبارة عن الاشياء
الكونية المجردة البسيطة التي ظهرت على ذواتها وعلى امثالها
كالعقول العالية والارواح البشرية . الخامسة مرتبة عالم المثال وهي
الاشياء الكونية المركبة اللطيفة الغير قابلة للتجزئ والتبعيض
ولا الخرق والالتيام . السادسة مرتبة عالم الاجسام وهي الاشياء
الكونية المركبة الكثيفة القابلة للتجزئ والتبعيض . السابعة
المرتبة
الجامعة لجميع المراتب المذكورة الجسمانية والنورانية والوحدة
والواحدية . وهي الانسان . فهذه سبع مراتب الاولى منها فهي
مرتبة اللاظهور والباقية منها هي مراتب الظهور الكلية , والأخير
منها وهي الانسان اذا عرج وظهر فيه جميع المراتب المذكورة
مع انبساطها يقال له الانسان الكامل . والعروج والانبساط على الوجه
الأكمل كان في نبينا صلى الله عليه وسلم , ولهذا كان خاتم
الانبياء .
أعلم انه لا يجور أطلاق اسماء مرتبة الألوهية وهي الأحدية
والواحدية والوحدة على مراتب الكون والخلق وهي المراتب الباقية
وكذا العكس ولو في الحقيقة , كلها واحدة , لحفظ المراتب الشرعية
وهذا هو الفرق بين الصديق والزنديق , انتهى كلامه . قال
الشاعر :
لكل مرتبة في الوجود شأن
فأن لم تحفظ المراتب فأنت زنديق
وفي كشف اللغات : ان هذه المراتب الست الاخيرة تسمى مراتب كلية
ومظاهر كلية . وقيل : ان مرتبة الوحدة هي مرتبة الصفات .
والحقيقة المحمدية والمرتبة الواحدية هما مرتبة اسماء , كما يقال
لآدم بانه صاحب مقام قاب قوسين .