موسوعة المصطلحات والمفاهيم || معجم المصطلحات

فلسفة : علم الحكمة



له تعريفات، فقيل: هو علم باحث عن أحوال أعيان الموجودات على ما هي عليه في نفس الأمر بقدر الطاقة البشرية. ولفظ على متعلق بقوله باحث. والبحث عن أحوال أعيان الموجودات، أي أحوال الموجودات العينية الخارجية، حمل تلك الأحوال عليها، يعني علم تُحمل فيه أحوال أعيان الموجودات عليها على وجه هي أي أعيان الموجودات عليه، أي على ذلك الوجه من الإيجاب والسلب والكلية والجزئية في نفس الأمر. وقوله بقدر الطاقة البشرية متعلق أيضاً بقوله باحث، لكن بعد اعتبار تقييده بقوله على ما هي عليه، يعني بذل جهده الإنساني بتمامه في أن يكون بحثه مطابقاً لنفس الأمر، فدخلت في التعريف المسائل المخالفة لنفس الأمر المبذولة الجهد بتمامه في تطبيقها على نفس الأمر، ولما كان في توصيف العلم بالباحث مسامحة قيل: هو علم بأعيان الموجودات الخ. وإن قيل التعريف لا يشتمل العلوم التصورية، قلت: هذا على رأي الأكثرين القائلين بأنها ليست داخلة في الحكمة. وقيل المراد بالأحوال المبادئ فقط وهي التي تتوقف عليها المسائل تصورات كانت أو تصديقات أو هي والمحمولات. وإن قيل يخرج عن الحكمة العلم بأحوال الأعراض النسبية إذ النسبة ليست موجودة في الخارج، قلت: هي موجودة عند الحكماء. ولو سلم عدم وجودها فالبحث عنها استطرادي، أو نقول: البحث عنها في الحقيقة بحث عن أحوال العرض الذي هو موجود خارجي، وإن لم يكن بعض أنواعه أو أفراده موجوداً، كما يبحث في الحكمة عن الحيوان وبعض أنواعه كالعنقاء، وبعض أفراده غير موجود ولا يخرج الحيوان عن الموجودات الخارجية فتأمل. ولا يرد أن قيد ما هي عليه يغني عن قيد نفس الأمر لأن العلوم العربية علم بأحوال الموجود كالألفاظ على وجه يكون الموجود على ذلك الوجه، ككون اللفظ مفرداً أو مركباً ونحو ذلك، لكنها ليست بنفس أمرية بل باعتبار المعتبر وضع الواضع فلابد من تقييده. ولا يلزم من عدم كونها نفس أمرية كذبُها، إذ لزوم الكذب إنما يلزم لو حُكم على مسائلها كذلك في نفس الأمر مع قطع النظر عن الوضع، وليس كذلك، فإنهم يحكمون بأن بعض الالفاظ مفرد وبعضها مركب بحسب وضع الواضع، وهذا الحكم مطابق لنفس الأمر فلا يكون كاذباً. ولا يتوهم دخولها على هذا في الحكمة لأن معنى نفس الأمر ههنا هو الواقع مع غير ملاحظة الوضع. إن قيل: قوله بقدر الطاقة البشرية يخرج علمه تعالى من الحكمة، غذ علمه فوق طوق البشر فلا يكون هو حكيماً، قلت: علمه تعالى حاصل مع الزيادة، والتقييد يفيد أن هذا القدر ضروري لأن الزائد على هذا القيد مُضر. أو يقال: هذا تعريف حكمة المخلوق لا حكمة الخالق. ثم إنه لا ضيرَ في كون الحكمة أعلى العلوم الدينية، وكونه صادقاً على الكلام والفقه، إذ التحقيق أن الكلام والفقه من الحكمة. قال المحقق التفتازاني: إن الحكمة هي الشرائع، وهذا لا ينافي ما ذكروا من أن السالكين بطريق أهل النظر والاستدلالات وطريقة أهل الرياضة والمجاهدات، إن اتبعوا ملة فهم المتكلمون والصوفيون، وإلا فهم الحكماء المشائيون والإشراقيون، إذ لا يلزم منه أن لا يكون المتكلم والصوفي حكيماً، بل غاية ما لزم منه أن لا يكون حكيماً مشائياً وإشراقياً. إن قلت: فعلى هذا ينبغي أن تُذكر العلوم الشرعية في أنواع الحكمة. قلت: لا امتناع في ذلك، لكونها شاملةً للعلوم الشرعية بحسب المفهوم، إلا أن الحكمة لما دونها الحكماء الذين لا يُبالون بمخالفة الشرائع، فالأليق أن لا تُعدَّ العلوم الشرعية منها. وأيضاً العلوم الشرعية أشرف العلوم، فذكرها على حدة إشارة إلى أنها بشرفها بالغة إلى حد الكمال، كأنها منفردة من الحكمة، وأنواعها غير داخلة فيها. إن قيل: الحد لا يصدُق على علم الحساب الباحث عن العدد الذي ليس بموجود، ولا على الهيئة الباحثة عن الدوائر الموهومة، قلت: العدد عندهم قسم من الكم الذي هو موجود عندهم. نعم عند المتكلمين ليس من الموجودات، والتعريف للحكماء، والبحث عن الدوائر الهيئية من حيث إنها من المبادئ، وليست موضوعاتها، بل موضوعها الأجرام العلوية والسفلية، من حيث مقاديرها وحركاتها وأوضاعها اللازمة لها. إن قيل: يصدق التعريف على علم العقول مع أنهم لا يطلقون أن العقل حكيم، وعلى علم الأفلاك والكواكب على رأي مَن يُثبت النفوس الناطقة لها، فيكون الفلك والكوكب حكيماً، ولا قائل به. قلت: هذا التعريف لحكمة البشر كما عرفت. أو نقول بتخصيص العلم بالحصولي الحادث. ويُجاب أيضاً عن الأخير بأن هذا التعريف على رأي مَن لا يثبت النفوس الناطقة لها. إن قيل: يصدق التعريف على العلم بالأحوال الجزئية المتعلقة بالأعيان كالعلم بقيام زيد، قلت: إن المراد بالأحوال ما له دخل في استكمال النفس وهذه الأحوال ليست كذلك، أو المراد ما يُعتدُّ به من الأحوال. ثم المراد من الأحوال جميع ما يمكن لأوساط الناس العلم به أو البعض المعين المعتد به مع القدرة على العلم بالباقي بقدر الطاقة على ما هو شأن جميع العلوم المدونة. فحاصل التعريف على تقدير شموله للعلوم التصورية أن الحكمة علم متعلق بجميع أحوال الموجودات العينية المكملة للنفس بحسب ما يمكن، أو بعضها المعتد به تصورياً أو تصديقياً محتاجاً إلى التنبه، أو نظرياً على وجه تكون الموجودات وأحوالها على ذلك الوجه في الواقع لا بالوضع، والاعتبار بقدر الطاقة البشرية من أوساط الناس، فيصير مآل هذا التعريف، وما قيل إن الحكمة علم بأعيان الموجودات وأحوالها على ما هي عليه في نفس الأمر بقدر الطاقة البشرية واحداً. وإذا قلنا بعدم شموله للتصورات حذفنا عن هذا الحاصل القيد الذي به يلزم الشمول. ومنهم مَن ترك قيد الأحوال لشمول العلم التصور والتصديق، وترك قيد نفس الأمر لأن التقييد به مستدرك، فقال: الحكمة علم بأعيان الموجودات على ما هي عليه بقدر الطاقة البشرية. اعلم أنهم اختلفوا في أن المنطق من العلم أم لا. فمَن قال إنه ليس بعلم فليس بحكمة عنده إذ الحكمة علم. ومَن قال بأنه علم اختلفوا في أنه من الحكمة أم لا. والقائلون بأنه من الحكمة يمكن الاختلاف بينهم بأنه من الحكمة النظرية جميعاً أم لا، بل بعضه منها وبعضه من العملية، إذ الموجود الذهني قد يكون بقدرتنا واختيارنا وقد لا يكون كذلك. والقائلون بأنه من الحكمة النظرية يمكن الاختلاف بينهم بأنه من أقسامها الثلاثة أم قسم آخر، فمَن أخذ في تعريفها قيد الأعيان، كما في التعريفات المذكورة، لم يعده من الحكمة، لأن موضوعه المعقولات الثانية التي هي من الموجودات الذهنية. وإنما أخذ قيد الأعيان لأن كمال الإنسان هو إدراك الواجب تعالى، والأمور المستندة إليه في سلسلته العلية بحسب الوجود الأصلي، أي الخارجي، ولا كمال معتداً به في إدراك أحوال المعدومات، وإذا بحث عنها في الحكمة كان على سبيل التبعية. والبحث عن الوجود الذهني بحث عن أحوال الأعيان أيضاً من حيث إنها هل لها نوع آخر من الوجود أو لا. ومَن حذف قيد الأعيان فقال: هي علم بأحوال الموجودات الخ، عده من الحكمة النظرية إذ لا يُبحث في المنطق إلا عن المعقولات الثانية التي ليس وجودها بقدرتنا واختيارنا. ومنهم مَن فسّر الحكمة بالكمال الحاصل للنفس الخارج من القوة إلى الفعل بحسب القوانين، أي النظرية والعملية، ولا حاجة إلى التقييد بالخارج من القوة إلى الفعل لأنه معتبر في الكمال. ومنهم مَن فسّرها بما يكون تكملاً للنفس الناطقة كمالاً مُعتداً به. وقيل هي خروج النفس إلى كمالها الممكن في جانبي العلم والعمل، أما في جانب العلم فبأن تكون متصورة للموجودات كما هي ومصدقة بالقضايا كما هي، وأما في جانب العمل فبأن تحصل لها الملكة التامة على الأفعال المتوسطة بين الإفراط والتفريط. والمراد بالخروج ما يخرج به النفس، إذ الخروج ليس بحكمة. قيل الحكمة ليست ما تخرج به النفس إلى كمالها بل هي الكمال الحاصل الخ فمؤدى التعريفات الثلاثة واحد. والمنطق على هذه التعاريف من الحكمة أيضاً. ويقرب من التعريف الأخير من هذه التعاريف الثلاثة ما وقع في شرح حكمة العين من أن الحكمة استكمال النفس الإنسانية بتحصيل ما عليه الوجود في نفسه، وما عليه الواجب مما ينبغي أن يعمل من الأعمال، وما لا ينبغي، لتصير كاملةً مضاهيةً للعالَم العُلوي، وتستعد بذلك للسعادة القصوى الأخروية بحسب الطاقة البشرية. الموضوع: موضوع الحكمة على القولين أي القول بأن المنطق منها والقول بأنه ليس منها، فليس شيئاً واحداً هو الموجود مطلقاً أو الموجود الخارجي، بل موضوعها أشياء متعددة متشاركة في أمر عرضي هو الوجود المطلق أو الخارجي، وإلا لم يجزُ أن يُبحث في الحكمة عن الأحوال المختصة بأنواع الموجود إذ البحث عن العارض لأمر أخص الذي هو من الأعراض الغربية غير جائز. فإذا لم يكن موضوعها شيئاً واحداً فالأحسن أن تقيد الأحوال المشتركة فيها بقيود مخصصة لها بواحد واحد من تلك الأشياء لئلا تكون تلك الأحوال من الأعراض العامة الغربية، كتقييد الوجود الذي يُحمل على الواجب بكونه مبدأ لغيره ليكون مختصاً بالواجب وهكذا. والغرض من الفلسفة الوقوف على حقائق الأشياء كلها على قدر ما يمكن للإنسان أن يقف عليه ويعمل بمقتضاه ليفوز بسعادة الدارين. ـ التقسيم: الأعيان الموجودة إما الأفعال والأعمال ووجودها بقدرتنا واختيارنا، أو لا. فالعلم بأحوال الأول من حيث إنه يؤدي إلى صلاح المعاش والمعاد يُسمى حكمة عملية لأن غايتها ابتداء الأعمال التي لقدرتنا مدخل فيها، فنسبت إلى الغاية الابتدائية. واللعم بأحوال الثاني يسمى حكمة نظرية. وذكرُ الحركة والسكون والمكان في الحكمة الطبعية بناءً على كونها من أحوال الجسم الطبعي الذي ليس وجوده بقدرتنا، وإن كانت تلك مقدورة لنا. وإنما سُمّيت حكمةً نظرية لأن غايتها الابتدائية ما حصل بالنظر وهو الإدراكات التصورية والتصديقية المتعلقة بالأمور التي لا مدخل لقدرتنا واختيارنا فيه. ولا يرد أن الحكمة العملية أيضاً منسوبة إلى النظر لأن النظر ليس غايتها، ولأن وجه التسمية لا يلزم اطراده. وإنما قيدت الأحوال بالحيثية المذكورة لأنهم كما لا يعدون من الكمال المعتد به النظر في الجزئيات المتغيرة من حيث خصوصها، كذلك لا يعدون من الكمال النظر في الأعمال لا من هذه الحيثية. قيل إن أريد بالأحوال ما لا يوجد إلا بقدرتنا واختيارنا، فيخرج عن الحكمة العملية بعضُ الأخلاق كالشجاعة والسخاوة الذاتيتين، وإن أريد بها ما يوجد بقدرتنا واختيارنا في الجملة فيدخل فيها بعض مباحث الحكمة النظرية كالأصوات والنغمات. ويجاب باختيار الشق الأول: ولا بأس بخروج الأخلاق الذاتية لأنها ليست من تهذيب الأخلاق. وعدم دخولها في السياسة المدنية وتدبير المنزل ظاهر، وباختيار الشق الثاني وارتكاب كون الأصوات من الحكمة العملية. لا يقال الأعيان قد تكون ذواتاً وهي خارجة من التقسيم، لأنا نقول هي داخلة في القسم الثاني أي قولنا أو لا. ثم الحكمة العملية ثلاثة أقسام، لأنها إما علم بمصالح شخص بانفراده ويسمى تهذيب الأخلاق، وعلم الأخلاق والحكمة الخلقية. وفائدتها تهذيب الأخلاق، أي تنقيح الطبائع بأن تعلم الفضائل وكيفية اقتنائها لتزكى بها النفس، وأن تعلم الرذائل وكيفية توقيها لتطهر عنها النفس. وإما علم بمصالح جماعة متشاركة في المنزل كالولد والوالد والمالك والمملوك ونحو ذلك ويسمى تدبير المنزل. وفي بعض الكتب ويُسمى علم تدبير المنزل والحكمة المنزلية. وفائدتها أن تُعلم المشاركة التي ينبغي أن تكون بين أهل منزل واحد لتنتظم بها المصلحة المنزلية التي تهم بين زوج وزوجة، ومالك ومملوك، ووالد ومولود. وإما علم بمصالح جماعة متشاركة في المدينة ويسمى السياسة المَدَنية، بفتح الميم والدال المهملة لا بضمهما، سُمّيت بها لحصول السياسة المدنية أي مالكية الأمور المنسوبة إلى البلدة بسببها. وفي بعض الكتب ويُسمى علم السياسة والحكمة السياسية والحكمة المدنية وسياسة الملك. وفائدتها أن تُعلم كيفية المشاركة التي بين أشخاص الناس ليتعاونوا على مصالح الأبدان ومصالح بقاء نوع الإنسان. واعلم أن فائدة الحكمة الخلقية عامة شاملة الجميع أقسام الحكمة العملية. ثم مبادئ هذه الثلاثة من جهة الشريعة وبها تتبين كمالات حدودها، أي بعض هذه الأمور معلومة من صاحب الشرع على ما يدل عليه تقسيمهم الحكمة المدنية إلى ما يتعلق بالملك والسلطنة إذ ليس العلم بهما من عند صاحب الشرع، كذا ذكر السيد السند في حواشي شرح حكمة العين. ومهم مَن قَسَّم المدنية إلى علم بمصالح جماعة متشاركة في المدينة تتعلق بالملك والسلطة ويُسمى علم السياسة، وإلى علم بمصالح مذكورة تتعلق بالنبوة والشريعة ويسمى علم النواميس. وتربيع القسمة لا يناقض التثليث لدخول قسمين منها في قسم واحد عند مَن يثلث القسمة. قيل في تربيع القسمة نظر، لأن التعلق بالشريعة كما يجري في المدينة كذلك يجري في الآخرين. فالوجه في التقسيم على هذا أن يُقال كل واحد من الأقسام الثلاثة إما أن يُعتبر تعلقه بالشريعة أو لا، فالأقسام ستة حاصلة من ضرب الثلاثة في الإثنين. ثم اعلم أن موضوعَ الحكمة العملية الأفعالُ الاختياريةُ، فالمراد بقولهم علم بمصالح شخص أو جماعة أنه علم بأحوال أفعال اختيارية صالحة تتعلق بكل شخص أو جماعة. وفي الصدري موضوع الحكمة العملية النفس الإنسانية من حيث اتصافها بالأخلاق والملكات انتهى. ثم توضيح الحصر في الأقسام الثلاثة أن الأفعال الاختيارية لابد لها من غاية وفائدة، وتلك الفائدة عائدة إلى كمال القوة العملية للشخص، إما بالقياس إلى نفسه أو إلى الاجتماع مع جماعة خاصة أو عامة. فالعلم بأحوال الأفعال بالقياس إلى الأول تهذيب الأخلاق وبالقياس إلى الثاني تدبير المنزل وبالقياس إلى الثالث السياسة المدنية. فلا يرد أنه يتداخل الأقسام إذا كان لفعل واحد فائدة راجعة إلى الكل. ولا يرد أيضاً أن أكثر مباحث الحكمة الخلقية غير مخصوص بشخص بانفراده، بل يصلح لمصالح الجماعة. ولا يرد أيضاً أنه يخرج عن الحكمة العملية العلم بمصالح جماعة متشاركة في غير المنزل والمدينة كالقرية وأمثالها. والحكمة النظرية أيضاً ثلاثة أقسام لأنها إما علم بأحوال ما لا يفتقر في الوجود الخارجي والتعقل، أي الإدراك والوجود الذهني إلى المادة كالإله، ويسمى بالإلهي، إذ مسائلها منسوبة إلى الإله، وبالعلم الأعلى إذ لا يُبحث فيه إلا عن الرب الأعلى وعن العقول وهي الملأ الأعلى، وأيضاً لتنزهه عن المادة وعوارضها التي هي مبدأ للنقصان، أليق بهذا الاسم وبالفلسفة الأولى تسمية للشيء باسم سببه، إذ هذا العلم سبب للفلسفة، وهي في اللغة اليونانية التشبه بحضرة واجب الوجود. وتوصيفها بالأولى لحصولها من العلة الأولى وهي الإله، وبالعلم الكلي للعلم بالأمور العامة التي هي الكليات الشاملة لجميع الموجودات أو أكثرها. وبما بعد الطبيعة وقد يطلق عليه على سبيل الندرة ما قبل الطبيعة أيضاً، وذلك لأن لمعلوماته قبلية وتقدماً على معلومات الحكمة الطبيعة باعتبار الذات والعلية والشرف، وبَعدية وتأخراً باعتبار الوضع لكون المحسوسات أقرب إلينا، فسمي بهما بالاعتبارين. وإما علم بأحوال ما يفتقر إليها في الوجود الخارجي دون التعقل كالكرة، ويُسمى بالعلم الأوسط لتنزهه عن المادة بوجه، وهو التعقل، وبالرياضي لرياضة النفوس بهذا العلم أولاً، إذ الحكماء كانوا يفتتحون به في التعلم، وبالتعليمي لتعليمهم به أولاً، ولأنه يبحث فيه عن الجسم الأدنى لدنائته وخساسته من حيث الاحتياج إلى المادة في الوجودين، وبالعلم الأسفل وهو ظاهر، وبالطبعي لأنه يبحث فيه عن الجسم من حيث اشتماله على الطبيعة. والحصر في الأقسام الثلاثة استقرائي، إذ لم يجدوا موجوداً في الأعيان يكون مفتقراً إلى المادة في التعقل دون الوجود الخارجي، فلا يكون العلم بأحواله من الحكمة. ومنهم مَن ربع القسمة فجعل ما لا يفتقر إلى المادة قسمين: ما لا يقارنها مطلقاً كالإله والعقول، وما يقارنها لا على وجه الافتقار، فسمي العلم بأحوال الأول إلهياً، وبأحوال الثاني علماً كلياً والفلسفة الأولى، ولا منافاة بين هذين التقسيمين، كما أنه لا منافاة بين تقسيمي الحكمة العملية. ويمكن أن يثجعل ما يقارن المادة لا على وجه الافتقار قسمين أحدهما ما يقارنها، وقد يفارقها كمباحث الأمور العامة، وثانيهما ما يقارنها ولا يفارقها كمباحث الصورة. ولعلهم لم يعتبروا أفراد هذا القسم لقلة مباحثه. ومبادئ هذه الأقسام مستفادة من أرباب الشريعة على سبيل التنبيه، ومتصرفة على تحصيلها بالكمال بالقوة العقلية على سبيل الحجة. علم أن أقسام الحكمة النظرية أصولاً وفروعاً مع أقسام المنطق على ما يفهم من رسالة تقسيم الحكمة للشيخ الرئيس أربعة وأربعون، وبدون أقسام المنطق خمسة وثلاثون. فأصول الإلهي خمسة: الأول الأمور العامة. الثاني إثبات الواجب وما يليق به. الثالث إثبات الجواهر الروحانية. الرابع بيان ارتباط الأمور الأرضية بالقوى السماوية. الخامس بيان نظام الممكنات، وفروعه قسمان: الأول البحث عن كيفية الوحي وصيرورة المعقول محسوساً، ومنه تعريف الإلهيات، ومنه الروح الأمين. الثاني العلم بالمعاد الروحاني. وأصول الرياضي أربعة: الأول علم العدد. الثاني علم الهندسة. الثالث علم الهيئة. الرابع علم التأليف الباحث عن أحوال النغمات. ويسمى بالموسيقي. وفروعه ستة الأول علم الجمع والتفريق. الثاني علم الجبر والمقابلة. الثالث علم المساحة. الرابع علم جرّ الأثقال. الخامس علم الزيجات والتقاويم. السادس علم الأرغنوة، وهو اتخاذ الآلات الغربية. وأصول الطبعي ثمانية: الأول العلم بأحوال الأمور العامة للأجسام. الثاني العلم بأركان العالم وحركاتها وأماكنها المسمى بعلم السماء والعالم. الثالث العلم بكون الأركان وفسادها. الرابع العلم بالمركبات الغير التامة ككائنات الجو. الخامس العلم بأحوال المعادن. السادس العلم بالنفس النباتية. السابع العلم بالنفس الحيوانية. الثامن العلم بالنفس الناطقة. وفروعه سبعة الأول الطب. لاثاني النجوم. الثالث علم الفراسة (وهو ما يُستدلّ فيه من خَلق رجل على خُلقه، يعني من الشكل). الرابع علم التعبير. الخامس علم الطلسمات وهو مزج القوى السماوية بالقوى الأرضية. السادس علم النيرنجات وهو مزج قوى الجواهر الأرضية بعضها ببعض. السابع علم الكيميات وهو تبديل قوى الأجرام المعدنية بعضها ببعض. وأصول المنطق تسعة على المشهور: الأول باب الكليات الخمس. الثاني باب التعريفات. الثالث باب التصديقات. الرابع باب القياس. الخامس البرهان. السادس الخطابة. السابع الجدل. الثامن المغالطة. التاسع الشعر. هذا خلاصة ما في العَلَمي حاشية شرح هداية الحكمة الميبذية وشرح حكة العين وغيرهما. إعلم أن موضوع الحكمة النظرية هو الموجود الذي ليس وجوده بقدرتنا واختيارنا على ما لا يخفى.

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم   || معجم المصطلحات