بالصاد المهملة لغة يقع على معان كلها ترجع الى معنى واحد وهو ان
يحمي الشئ ويمنه منه وهو الحرية والعفاف والاسلام وذوات الازواج ,
فان الحرية تحصن عن قيد العبودية, والعفة عن الزنى , والاسلام عن
الفواحش , والزوج يحصن الزوجة عن الزنى وغيره , كذا في بعض كتب
اللغة . وفي فتح القدير الاحصان في اللغة المنع , قال تعالى :
لتحصنكم من بأسكم . وأطلق في استعمال الشارع بمعنى الاسلام وبمعنى
العقل وبمعنى الحرية وبمعنى التزويج وبمعنى الاصابة في النكاح
وبمعنى العفة . واحصان الرجم اي الاحصان الموجب للرجم عند الحنفية
ان يكون الشخص حراً عاقلاً بالغاً مسلماً قد تزوج امرأة نكاحاً
صحيحا ودخل بها وهما على صفة الاحصان . قال في المبسوط : المتقدمون
يقولون ان شرائط الأحصان سبعة وعد ما ذكر سابقا ثم قال : فأما
العقل والبلوغ فهما شرطان لأهلية العقوبة والحرية شرط لتكميل
العقوبة لا شرط الاحصان على الخصوص وشرط الدخول ثبت بقوله عليه
السلام " الثيب بالثيب لا يكون الا بالدخول " .
واختلف في شرط الاسلام وكون كل واحد من الزوجين مساوياً للآخر في
شرائط الاحصان وقت الاصابة بحكم النكاح فهما شرطان عندنا خلافاً
للشافعي , فلو زنى الذمي الثيب بالحرة يجلد عندنا ويرجم عنده . ولو
تزوج الحر المسلم العاقل البالغ أمة او صبية او مجنونة او كتابية
ودخل بها لا يصير الزوج محصناً بهذا الدخول حتى لو زنى بعده لا
يرجم عندنا خلافاً له . وقولنا يدخل بها في نكاح صحيح يعني تكون
الصحة قائمة حال الدخول , حتى لو تزوج من علق طلاقها بتزوجها يكون
النكاح صحيحاً , فلو دخل بها عقيبه لا يصير محصناً لوقوع الطلاق
قبله .
واعلم ان الاضافة في قولنا شرائط الاحصان بيانية اي الشرائط التي
هي الاحصان , وكذا شرط الاحصان . والحاصل ان الاحصان الذي هو شرط
الرجم هي الامور المذكورة , فهي اجزاؤه او هيئته تكون باجتماعها
فهي اجزاء علية , وكل جزء علة , وكل واحد حينئذ شرط وجوب الرجم ,
والمجموع علة لوجود الشرط المسمى بالأحصان , واحصان القذف اي
الاحصان الموجب لحد القذف عندهم هو ان يكون المقذوف حراً عاقلاً
بالغاً مسلماً عفيفاً عن فعل الزنى , انتهى كلام فتح القدير .
وفي البرجندي ليس المراد بالزنى هاهنا ما يوجب الحد بل أعم منه ,
فكل وطأ امرأة حرام لعينه فهو زنى , ولا يحد قاذفع وان كان حراما
لغيره لا يكون زنى ويحد قاذفه . فوطئ المكاتبة زنى عند ابي يوسف
رحمه الله خلافاً لابي حنيفة ومحمد رحمهما الله , ووطئ الأمة التي
هي اخته من الرضاعة زنى على الصحيح لأن الحرمة مؤبدة . وذكر الكرخي
انه لا يكون زنى , ويشترط ان لا يكون المقذوف رجلا مجبوباً ولا
امرأة رتقاء اذ لو كان كذلك لا يجب الحد , وكذا يشترط ان لا يكون
في دار الحرب وعسكر أهل البغي , فانه لا يجب الحد هناك .
وفي رساةل السيد الجرجاني : الاحصان هو التحقق بالعبودية على
مشاهدة حضرة الربوبية بنور البصيرة , اي رؤية الحق
موصوفاً بصفاته بعين صفته فهو يراه يقينا ولا يراه حقيقة . ولهذا
رسول الله (ص) قال : " صل كأنك تراه فان لم تكن تراه فأنه يراك "
لأنه يراه من وراء حجب صفاته فلا يرى الحق بالحقيقة لأنه تعالى هو
الرائي وصفه بوصفه , وهو دون مقام المشاهدة في مقام الروح .