موسوعة المصطلحات والمفاهيم || معجم المصطلحات

فقه ـ أصول : الاجتهاد والتقليد
علي المشكيني


أما الاجتهاد: فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد.
والمراد من تحصيل الحجة عم من إقامتها على إثبات الأحكام أو على إسقاطها.
وتقييد الأحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الأحكام الأصولية الاعتقادية، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته
والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهاداً في الاصطلاح.
وتقييد التحصيل بكونه عن ملكة لإخراج فعل من قد يتفق له استنباط حكم فرعي مع عدم وجود الملكة له كما إذا تصدى من له حظ من علم اللغة لاستنباط حلية البيع وحرمة الربا من قوله تعالى: (أحل الله البيع وحرم الربا) مع عدم قدرته على غير علم اللغة من مقدمات الاستنباط، وأيضاً لإخراج من له ملكة الاستنباط ولكنه لم يستنبط شيئاً من الأحكام فيشكل إطلاق اسم الفقيه والمجتهد عليه لظهور الأدلة في فعلية الاستنباط والاستخراج.
ثم انه يندرج في التعريف تحصيل العلم بالأحكام الفرعية، وكذا إقامة الدليل والامارة الشرعية عليها، وكذا تحصيل الظن الانسدادي حكومة أو كشفاً. ويندرج أيضاً فيه إجراء الأصول العملية الشرعية والعقلية، فإنها أمور ممهدة لرعاية حال الأحكام الواقعية، معمول بها في سبيل إثباتها أو إسقاطها فهي أشبه شيء بحجج منجزة أو معذرة.
ثم إن المجتهد إما أن يكون محصلاً للحجة على معظم الأحكام عن ملكة استنباط جميع ما يحتاج إليه ويسئل عنه. فيسمى مجتهداً مطلقاً، وأما أن يحصل الحجة على البعض وله ملكة استنباط البعض دون بعض لتفاوت المدارك في السهولة والصعوبة فهو يسمى مجتهداً متجزياً، لتجزي الملكات في حقه، فالمتجزي من له ملكة أو ملكات قليلة والمطلق من له ملكات كثيرة، لا أن المتجزي من له ملكة ضعيفة والمطلق من له ملكة شديدة، فالتفاوت بالكمية لا بالكيفية.
وأما التقليد: فقد يعرف بأنه أخذ قول الغير للعمل به في الفرعيات والالتزام به قلباً في الاعتقاديات تعبداً وبلا مطالبة دليل، فإذا أفتى الفقيه بوجوب صلوة الجمعة أو حرمة شرب العصير فالتزم به المقلد وبنى قلباً على العمل به من دون أن يطالبه بدليل الحكم تحقق التقليد وصحّ أن يقال انه قلد الفقيه في هذه المسألة وإن لم يعمل به بعد، وكذا إذا أفتى المجتهد بأن المعراج مثلاً جسماني فتعلمه المقلد واعتقد به في قلبه تحقق التقليد فيها.
وقد يعرف بأنه العمل استناداً إلى قول الغير وعليه لا يتحقق التقليد بمجرد تعلم الحكم ما لم يعمل به.
ولا يخفى عليك أن المناسب للمورد من معانيه اللغوية معنيان:
الأول: كونه بمعنى جعل الشيء ذا قلادة ويتعدى حينئذ إلى مفعولين: أولهما: الشيء الذي تجعل القلادة له وثانيهما الشيء المجعول قلادة، يقال قلدا لهدي نعله أي جعله قلادة له وقلد العبد حبلاً أي جعله قلادة على عنقه، فيكون معنى قلدت الفقيه صلوتي وصومي وحجي جعلتها على عنقه وألقيتها على عهدته، وهذا المعنى يقتضي كون التقليد هو العمل فإنه ما دام لم يعمل لم يصدق انه قلده وألقى العمل على رقبته.
الثاني: التبعية ويتعدى إلى المفعول الثاني بفي يقال قلده في مشيه أي تبعه فيه فيكون معنى قلد الفقيه في وجوب الصلوة وحرمة الخمر اتبعه فيهما، وعلى هذا المعنى أن أريد في باب التقليد من التبعية التبعية بحسب القلب والاعتقاد كان التقليد هو الالتزام وإن أريد بها التبعية بحسب العمل كان هو العمل عن استناد.
ثم إن كثرة استعمالهم التقليد متعدياً بفي شاهدة على إرادتهم المعنى الثاني وإن كان أحدهما كناية عن الآخر.
تنبيه:استدلوا على نفوذ الاجتهاد وحجية فتوى المجتهد، وعلى صحة تقليد الجاهل له بأمور:
منها: آية النفر، قال الله تعالى: (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعا إليهم لعلهم يحذرون) فأوجب الله تعالى لطائفة التفقه في الدين وهو يشمل الاجتهاد وتحصيل الحجة على الأحكام كما يشمل نقل الرواية.
وطلب من آخرين الحذر العملي من أخبار المنذرين وهو يشمل التقليد كما يشمل أخذ الرواية.
ومنها: قوله (ع): ((يا أبان! اجلس في المسجد وافت للناس فإني أحب أن يرى في أصحابي مثلك)).
وليس الأمر بإفتائه إلا لكونها حجة وقاطعاً للعذر عن السامعين وكون العمل منهم على طبقها مطلوباً.
ومنها: جريان السيرة العملية العقلائية على العمل بقول أهل الخبرة والاطلاع في كل علم وفن بلا مطالبة دليل منهم.
 

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم   || معجم المصطلحات